عنصرية الشرطة الفرنسية تحرج قيس سعيد أمام التوانسة.. ما القصة؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

عاشت مدينة القصرين غربي تونس حالة من الحزن العام، وذلك خلال مراسيم تشييع أحد أبنائها، والذي قتل على يد الشرطة الفرنسية يوم 2 سبتمبر/أيلول 2025، وسط غضب شعبي وحقوقي إزاء الحادث.

حيث شارك آلاف المواطنين في مراسم دفن عبد القادر الذيبي  (35 عاما)، في 6 سبتمبر، ورفعوا شعارات وهتافات غاضبة ضد فرنسا.

بدورها، وصفت الخارجية التونسية في بيان مقتل أحد مواطنيها برصاص الشرطة الفرنسية في اليوم السابق في مرسيليا بعد اتهامه بتنفيذ هجوم بسكين، بأنه "قتل غير مبرر"، ودعت فرنسا إلى إجراء تحقيق سريع.

وقالت الوزارة: إنها استدعت القائم بأعمال السفارة الفرنسية بالإنابة "لإبلاغه احتجاجا شديد اللهجة على واقعة القتل".

وأوضحت أن "كاتب الدولة طالب القائم بالأعمال الفرنسي بالنيابة بإبلاغ سلطات بلاده أن تونس تعد هذه الحادثة قتلا غير مبرر، وتنتظر من الجانب الفرنسي كل الحزم والسرعة في التحقيق فيها وتحديد المسؤوليات".

كما تعتزم تونس، وفق البيان، "اتخاذ جميع الإجراءات لحفظ حقوق الفقيد وعائلته وإنصافهم".

ورغم أن البيان لم يقدم مزيدا من التفاصيل حول ملابسات الواقعة، غير أن الإعلام الفرنسي نقل الثلاثاء "خبر مقتل عبد القادر من قبل عناصر من الشرطة الفرنسية، وسط مرسيليا، بعد أن طعن بسكين 5 أشخاص".

وأفادت المصادر ذاتها، بأن الشاب التونسي الذي يعيش في فرنسا بشكل قانوني دخل في شجار مع أشخاص في سوق، قبل أن تجرى مطاردته من قبل شبان باتجاه الميناء القديم، وتطلق الشرطة الفرنسية الرصاص عليه.

وبحسب المعطيات الأولية للنيابة العامة الفرنسية، فإن الهجوم الذي نفذه عبد القادر الذيبي بدأ بعد طرده من فندق بسبب عدم سداده مستحقات الإقامة.

وبحسب المصدر نفسه، هدد الذيبي عناصر الأمن فأطلقوا عليه النار 6 مرات وهو يتقدم نحوهم، وأصيب عبد القادر الذيبي بـ5 رصاصات، ولم يتسن إنعاشه، وقضى في مكان الواقعة.

بيان للاستهلاك المحلي

وتفاعلا مع المشهد وردّ خارجية قيس سعيد، يرى المحلل السياسي التونسي نصر الدين السويلمي، أن رد السلطة تجاه الحادث كان بطابع دعائي أكثر منه واقعي، أي أنه للاستهلاك الداخلي دون الفعل الحقيقي أو المؤثر.

واسترسل السويلمي لـ "الاستقلال": ذلك أن رد فعل السلطة عبر وزارة الخارجية تم بإصدار بلاغ دون أي متابعة، مما يعني من الناحية العملية أنه اقتصر على تسجيل حضور أو موقف فقط.

من جانب آخر، أكد المحلل السياسي أن الحادث في عمقه هو نتاج للعنصرية التي وصلت في فرنسا إلى درجات خطيرة وغير مسبوقة، خاصة مع الصعود المتنامي لليمين.

وزاد: الخطير في الفترة الأخيرة أننا أصبحنا أمام منافسة بين الأحزاب المحسوبة على الوسط واليسار مع اليمن المتطرف من أجل كسب الأصوات الانتخابية، وذلك بإطلاق تصريحات عنصرية أو معادية للأجانب، وهو ما يؤكد أن الوضع خطير وعام.

وذكر السويلمي أن فرنسا تقود عملية الإسلاموفوبيا، وعبر النخبة السياسية والحزبية والإعلامية، لاسيما وأن ميزان القوى في عملية الانتخاب تميل لصالح الفرنسي الأشقر، ولذلك تتسابق الأحزاب على تبني ما يرضي نزعاته العنصرية.

وفي تقييمه لأداء الشرطة الفرنسية، قال المتحدث ذاته، إن المشهد ككل يشير إلى وجود حالة استهتار مطلقة بروح القتيل، ذلك لو أن الطرف الآخر المقتول كان أشقر أو أوربيا أو يوحي بأنه فرنسي لتغير تعامل الشرطة معه، ولما أطلقت عليه النار، وكان بإمكانها استخدام وسائل أخرى لإيقافه.

وزاد، مما يعني أن هيئة الضحية هي التي جعلت الشرطة تتخذ قرارها بإطلاق النار عليه، أي أن هناك تساهل من الشرطة في إطلاق الرصاص على المختلف والأجنبي والأسمر وصاحب البشرة الأخرى، بما يخالف القانون الفرنسي نفسه، ويتعارض مع كل القيم التي تدعي الجمهورية الفرنسية الدفاع عنها.

Capture d’écran 2025-09-07 131555.png

اتهامات فرنسية

ركز الإعلام الفرنسي على الأبعاد السلبية في شخصية الذيبي، وذلك في محاولة منها لتشويه صورته أو تبرير مقتله على يد الشرطة الفرنسية، خاصة وأنه كان بمقدورها استخدام السلاح الكهربائي بدل الناري وفق متابعين.

وفي هذا الصدد، ذكر موقع "lefigaro"، في 3 سبتمبر، أن الذيبي سبق أن استُدعي للمثول أمام محكمة (COPJ) في قضية تحريض على الكراهية، بسبب تصريحات معادية للسامية أدلى بها أمام مسجد سيت، قرب مونبلييه.

وذكر الموقع أن وزير الداخلية صرح خلال زيارته لموقع الهجوم بمرسيليا أن المعنيّ "كان تحت المراقبة، وقد فعّل محافظ هيرولت المادة 40 وأحال الأمر إلى السلطات القضائية في 20 أغسطس/آب 2025".

وأردف: "وفقا لمعلوماتنا، فقد قيّمته الاستخبارات الإقليمية (RT) بأنه غير متطرف، ولكنه بحاجة إلى مراقبة نفسية، لكونه غير مستقر".

وفقا للتحقيقات الأولية، يُزعم أن القتيل بدأ شجارا في غرفة فندق لعدم دفعه إيجاره. باستخدام سكينين طول كل منهما 20 سم، طعن عبد القادر زميله في السكن، ومدير الفندق، ثم أحد النزلاء.

وأضاف الموقع، "ويبدو أن الشجار استمر في الشارع، حيث طعن المشتبه به شخصين آخرين قبل أن تتمكن الشرطة من تحييده".

أما صحيفة "liberation"، فقالت إن الذيبي له سجل طويل من "الاضطرابات "السلوكية" و"النفسية" و"الإدمان".

ونقلت الصحيفة عن المدعي العام قوله، بأن الذيبي، وهو تونسي مقيم بشكل قانوني في فرنسا، قُتل على يد قوات الأمن خلال "مسيرته الإجرامية"، التي هتف خلالها "الله أكبر" عدة مرات.

وأضاف المصدر ذاته أن "مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب "لا يرغب في الاحتفاظ بالولاية القضائية" على هذه القضية في الوقت الحالي، نظرا لسجل المهاجم وغياب التطرف".

وقال المدعي العام إن "الجاني وصل إلى فرنسا، في شارينت ماريتيم، عام 2019. وبعد زواجه من شابة عام 2020، تركته بسرعة "على ما يبدو نظرا لعنفه وإدمانه على الكوكايين والكحول".

وأشار إلى أن المشاكل القانونية للذيبي بدأت عام 2023، خلال إجراءات قضائية ضد ابن أخيه بتهمة "العنف المسلح". 

في ذلك الوقت، أُجري تقييمٌ من قِبل خبير، لكنه لم يكشف عن أي "اضطراب نفسي" محتمل، بل عن "سلوك إدماني شديد يتضمن تعاطي الكحول والكوكايين".

وكشف التحقيق الذي أُجري عام 2025 أن الرجل "كان يُعاني من اضطرابات سلوكية مُعينة منذ نهاية عام 2024، وكان يُصبح مُتشتتًا" 

20250608131703-85665712.jpg

غضت تونسي

في الجانب التونسي الحقوقي والسياسي، قال الناشط في جمعية "الأرض للجميع" المدافعة عن قضايا المهاجرين، عماد السلطاني، إن "وفاة عبد القادر أفاضت الكأس".

وأضاف السلطاني في تصريح للصحافة، "نحن أمام معاملة سيئة وقتل بوحشية. هذه ليست الحادثة الأولى، وننتظر مواقف سياسية وقانونية صارمة لوضع حد لهذه التجاوزات".

وفي السياق ذاته، أعلن المحامي التونسي البارز منير بن صالحة أنه رفع مع محامين آخرين دعوى قضائية ضد الشرطة الفرنسية في مرسيليا، قائلا "بدأنا إجراءات التقاضي لمحاسبة المسؤولين، ولن نسمح أن تتحول قصته إلى مجرد رقم في سجلات الظلم".

بدوره، وفي تقييمه لموقف الخارجية التونسية، قال المحلل السياسي المنذر ثابت، إن "الموقف التونسي طبيعي جدا ومتوقع، باعتبار أن عموم الناس بينت أن هناك عملية إطلاق نار في وقت كان بالإمكان فيه إصابة المظنون فيه في أماكن أخرى دون قتله، أو إلقاء القبض عليه بطريقة أخرى".

وأوضح ثابت للصحافة أن "التصرف الفرنسي يطرح أكثر من سؤال، ومن الطبيعي أن تسعى الدولة التونسية لحماية مواطنيها في مختلف أنحاء العالم، وهذا التحرك الدبلوماسي في مستوى ما حصل لأن هناك أجواء عنصرية تسود فرنسا وألمانيا الآن".

ولفت ثابت إلى "وجود الكثير من الغموض في الحادث الذي يحتاج إلى فتح تحقيق جدي ومحايد".

من جانبها، قالت الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في بيان صدر الخميس 04 سبتمبر 2025، إن عملية قتل الذيبي من قبل الشرطة الفرنسية "اتسمت باستهتار صارخ بالقانون وبالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان"، وطالبت السلطات الفرنسية بفتح تحقيق فوري.

وأضافت الرابطة أن تصفية ذيبي تمثل "خرقا فاضحا لالتزامات فرنسا بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".

هذا البعد السلبي في تعامل الشرطة مع الضحية توقف عنده المحامي والوزير السابق التونسي مبروك كرشيد، والذي أشار إلى أن الدفاع عن النفس، كما هو محدد في المادة 122-5 من قانون العقوبات الفرنسي، لا يجوز قبوله إلا إذا كانت الاستجابة متزامنة ومتناسبة.

وفي تحليل نشره كرشيد عبر حسابه على فيسبوك يوم السبت 6 سبتمبر 2025، تحت عنوان "لا تقتل أحدا من مسافة بعيدة"، أوضح أن المادة L. 435-1 من قانون الأمن الداخلي تفرض قيودا أشد صرامة على استخدام الأسلحة خلال إنفاذ القانون، والتي لا يمكن تبريرها إلا في حالات الخطر الداهم وعندما تكون جميع الخيارات الأخرى مستحيلة.

وأكد كرشيد أن لقطات الحادث تُظهر أن عبد القادر الذيبي كان بعيدا عن رجال الشرطة ولم يُشكل تهديدا مباشرا، كما كان لدى رجال الشرطة بدائل لتحييده، سواء بوسائل غير قاتلة أو بتقنيات تثبيت.

وذكر الوزير السابق أن أحكام القضاء الفرنسية (محكمة النقض، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014) والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (حكم قضية ما كان ضد المملكة المتحدة، 1995) قد أكدت بوضوح أن استخدام سلاح مميت لا يمكن تبريره إلا إذا كان التهديد حقيقيا ومباشرا ومتناسبا.

ويُصر مبروك كرشيد على ضرورة معالجة هذه القضية قانونيا، لا سياسيا. ورغم أن جنسية الضحية التونسية تُضفي عليها بُعدا دوليا، إلا أن القضية الأساسية تبقى حماية حقوق الضحايا وعائلاتهم.

وقدم مبروك كرشيد ثلاث توصيات تتمثل في "اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الضباط المتورطين"، و"تكليف جهة قضائية مستقلة، خالية من أي تأثير للشرطة"، و"تعزيز التعاون القضائي بين تونس وفرنسا لضمان حماية حقوق الضحية وعائلته".

سوابق شاهدة

حالة عبد القادر الذيبي ليست الأولى في فرنسا خلال هذا العام، حيث سبق أن أطلق رجل فرنسي النار على أحد جيرانه التونسيين في مدينة بوجيه سور أرجينز (فار) شهر يونيو/حزيران 2025، وأصاب جارا تركيا آخر.

ونقلت جريدة "lemonde" الفرنسية، في 7 يونيو 2025، أنه بعد إبلاغ شريك المشتبه به البالغ من العمر 53 عاما، استدعت قوات الدرك الوطني فرع GIGN (مجموعة التدخل التابعة للدرك الوطني) في أورانج لاعتقاله، على مقربة من مكان الحادث، بعد فراره بسيارة.

وذكر المصدر ذاته أنه عُثر في سيارته على عدة أسلحة، "بما في ذلك مسدس أوتوماتيكي وبندقية صيد ومسدس يدوي".

المتهم نشر مقطعي فيديو على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمنان محتوى عنصريا وكراهية قبل وبعد هجومه، حسبما أفاد المدعي العام في بيان إثر الحادث.

في السياق، نددت جمعية SOS Racisme بما جرى مؤكدة في بيان صحفي بأن "العنصرية ضربت بلدنا مرة أخرى".

ورأت الجمعية أن الجريمة المزدوجة التي ضربت رجلين في بوغيه سور أرجينز ليست مفاجأة، بل هي نتيجة عمل دقيق قام به المعسكر العنصري بهدف إعادة إضفاء الشرعية على التعبير عن العنصرية قولا وفعلا.

وشددت الجمعية، أنه في مواجهة هذا التطور المشؤوم، من الضروري أن يتوقف القادة السياسيون ووسائل الإعلام عن تجاهل الخطاب المناهض للعنصرية، في حين أنهم لا يعملون على تهميشه.

وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن ممارسات التنميط العرقي منتشرة وموثقة في فرنسا على نطاق واسع، وهي متجذرة بعمق في عمل الشرطة، فالشخص الذي يُنظر إليه على أنه أسود أو عربي يكون أكثر عرضة للتوقف بـ20 مرة من بقية السكان.

وترى المنظمة أنه رغم إدانة هذه الممارسة من طرف مؤسسات حقوق الإنسان الأوروبية والدولية وحتى الفرنسية، فإن القوانين الفرنسية لم تحظر حتى الآن وبشكل لا لبس فيه التحقق من الهوية على أسس تمييزية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء استمرار ممارسات التنميط العرقي في فرنسا وانتقدت عدم وجود تدابير فعالة لوضع حد لها.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية وفي سابقة من نوعها، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 26 يونيو/حزيران 2025 بإدانة فرنسا بسبب ظاهرة التنميط العرقي ضد أحد مواطنيها.

وأمرت المحكمة -وهي إحدى أعلى محاكم الاتحاد الأوروبي– الدولة الفرنسية بدفع تعويضات لمواطن من ذوي الأصول العربية يدعى كريم طويل رأت المحكمة أنه تعرض لمعاملة تمييزية ومورس عليه التنميط العرقي من طرف الشرطة الفرنسية.

ورأت المحكمة أن التحقيقات كشفت عن مجموعة من الأدلة الخطيرة والدقيقة والمتسقة على أن ممارسات الشرطة ضد كريم طويل تمت "بناء على مظهره" مما يمثل انتهاكا للمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وخلصت المحكمة إلى أن الحكومة لم تقدم أي مبرر موضوعي ومعقول لمسألة إيقاف الشرطة لكريم طويل 3 مرات خلال 10 أيام في مدينة بيزنسون شرقي فرنسا.

وحسب تقرير نشرته صحيفة "لو جون انديبندان" الفرنسية حول الموضوع، فقد وصفت المحكمة الأوروبية القضية بأنها "مؤثرة" مما يعني أنه ستكون لها تبعات على فرنسا وتشريعاتها.

ونقلت الصحيفة عن أحد المحامين عن المدعين في القضية بأن الحكم بمثابة انتصار، لأن هناك إدانة في نهاية المطاف، وهذا يعني أن الدولة الفرنسية يجب أن تتحمل مسؤوليتها وتغير طريقة مقاربتها لموضوع الهوية.