زنازين ابن سلمان استقبلتهم.. قصة السعوديين العائدين من سوريا بعد وعود "الهويريني"

داود علي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في مشهد جديد يكشف حجم التناقض بين الخطاب الرسمي السعودي والممارسات الأمنية على الأرض، فجر حساب "معتقلي الرأي" الحقوقي، المتخصص بمتابعة أوضاع المعتقلين في المملكة، أزمة جديدة في 5 سبتمبر/ أيلول 2025. 

وأكد أن السلطات السعودية اعتقلت عددا من المواطنين السعوديين فور عودتهم من سوريا، رغم أنهم استجابوا لمبادرة أطلقها رئيس جهاز أمن الدولة عبد العزيز الهويريني، الذي سبق أن طمأنهم علنا بأنهم لن يتعرضوا لأي عقاب إذا قرروا العودة إلى وطنهم.

الهويريني، خلال ظهوره في برنامج "حكاية وعد" في 2 مارس/ آذار 2025، تحدث بلهجة واثقة باسم ولي العهد محمد بن سلمان، قائلا إن “المغرر بهم أو المستغلين من جهات مغرضة لن يطولهم العقاب، وإن الدولة ترحب بعودتهم بشرط ألا يكون عليهم حق خاص يتعلق بجرائم كالقتل أو الاعتداء”.

وأكد أن الأبواب مفتوحة أمامهم عبر السفارات السعودية أو من خلال خط الاتصال المباشر (990)، بل شدد على أن الدولة لا تشهر بالعائدين، وأن الهدف – بحسب زعمه – هو إعادتهم إلى الوطن "بلا معاقبة أو استغلال إعلامي".

“صناعة الموت”

لكن ما حدث عمليا كان عكس ذلك تماما، فالعائدون الذين صدقوا هذه الضمانات الرسمية، سلموا أنفسهم بحسن نية، ليجدوا أنفسهم فور وصولهم خلف القضبان، في خطوة وصفتها أوساط حقوقية بـ"الغدر الممنهج" وبأنها امتداد لسياسة "الفخ الأمني" التي اعتادت السلطات السعودية نصبها للمعارضين.

هذا التحول الدراماتيكي يفتح الباب واسعا أمام تساؤلات، كيف استدرج هؤلاء إلى العودة؟ وما قصتهم منذ انخراط بعضهم في الساحة السورية بعد اندلاع الثورة عام 2011، وحتى لحظة اعتقالهم في مطارات المملكة؟

وما دلالات هذا الملف على واقع المعارضة السعودية في الخارج، وعلى مستقبل أي مبادرة رسمية تدعي فتح باب "العودة الآمنة"؟

وفي 20 مايو/ أيار 2020، كشف الصحفي السعودي فارس بن حزام في برنامج “صناعة الموت” على قناة "العربية" السعودية، عن حجم المشاركة السعودية في الحرب السورية. 

وأكد أن نحو 600 سعودي توجهوا إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم القاعدة بفروعه المختلفة، سواء عبر "تنظيم الدولة في العراق والشام" أو "جبهة النصرة".

وأوضح ابن حزام أن السعوديين، على عكس تجارب سابقة في أفغانستان والعراق، لم يشكلوا النسبة الأكبر من مقاتلي التنظيمات المسلحة في سوريا، إذ جاء التونسيون والليبيون في الصدارة. 

وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها أن الثورة السورية “كانت في أمس الحاجة إلى الدعم المالي والسياسي أكثر من حاجتها إلى تدفق المقاتلين الأجانب”. 

إلى جانب ذلك، لعبت الأجهزة الأمنية السعودية دورا في ضبط الساحة الداخلية ومنع موجات كبيرة من الالتحاق بالتنظيمات المسلحة، بخلاف ما حدث في دول مثل تونس وليبيا التي تراجع دور مؤسساتها الأمنية عقب الأزمات الداخلية.

وخلال الحلقة، عرض البرنامج صورة حديثة لأحد أبرز المطلوبين السعوديين وأخطرهم على الإطلاق، وهو صالح القرعاوي المصنف رقم واحد على قائمة المطلوبين الـ85 التي أصدرتها المملكة عام 2009. 

وبدت الصورة صادمة؛ إذ ظهر القرعاوي فاقدا لإحدى عينيه ويده اليمنى وكلا قدميه، نتيجة إصابات بالغة تعرض لها خلال المعارك في سوريا.

ويعد القرعاوي من بين المقاتلين السعوديين الذين تنقلوا بين إيران وأفغانستان ولبنان، ثم سوريا، حيث برز كواجهة لتنظيم "كتائب عبد الله عزام"، أحد فروع القاعدة الناشطة في تلك المناطق.

أما في المشهد السوري نفسه، فقد شدد ابن حزام على أن السعوديين لم يتولوا أي مواقع قيادية داخل التنظيمات، إذ خلت قوائم القادة العشرة الأوائل من أي اسم سعودي، حيث اقتصرت أدوارهم على تنفيذ العمليات أو المشاركة في المعارك الميدانية.

أمر ملكي

وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2015، نشرت وكالة “رويترز” البريطانية ملخصا لتقرير أصدره مركز “صوفان” للاستشارات الأمنية، أكد فيه أن عدد المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بسوريا والعراق قد تضاعف بشكل لافت، من نحو 12 ألفا إلى ما لا يقل عن 27 ألف مقاتل منذ يونيو/ حزيران 2014. 

وأوضح التقرير أن الدول العربية شكلت المصدر الأكبر لهؤلاء المقاتلين، إلى جانب تزايد أعداد الملتحقين من أوروبا الغربية وروسيا ووسط آسيا.

وأشار إلى أن عمليات التجنيد باتت أكثر محلية وتركيزا، إذ تراجع انضمام الأفراد بشكل فردي، مقابل توسع دور العائلة والأصدقاء في دفع الشباب للالتحاق بتنظيم الدولة والتنظيمات المسلحة الأخرى. 

وخلص التقرير إلى أن هؤلاء المقاتلين جاؤوا من 86 دولة، ما جعل الظاهرة عالمية الطابع.

وبحسب الأرقام، تصدرت تونس القائمة بأكبر عدد من المقاتلين بنحو 6 آلاف شخص، تلتها السعودية في المرتبة الثانية بحوالي 2,500، ثم روسيا 2.400 وتركيا 2.100 والأردن 2.000.

ورغم هذه الأرقام، فإن الحكومة السعودية لم تكن غافلة عن الظاهرة، بل رصدت منذ وقت مبكر أعداد ومسارات مواطنيها المتجهين إلى سوريا.

وأصدرت في فبراير 2014 أمرا ملكيا يفرض عقوبات مشددة على كل سعودي يشارك في النزاعات الخارجية، تتراوح بين 3 إلى 20 عاما سجنا، وترتفع من 5 إلى 30 عاما في حالة العسكريين.

هذا التوجه الرسمي مثل انعطافة حادة عن سياسات سابقة؛ إذ إن المملكة كانت قد شجعت في ثمانينيات القرن الماضي مشاركة الشباب السعودي في الحرب الأفغانية ضد السوفييت، لكنها لاحقا، مع بداية التسعينيات، اعتقلت المئات منهم بعد عودتهم إلى البلاد، في مشهد يتكرر اليوم مع العائدين من الساحة السورية.

وجوه بارزة 

ولم يكن الحضور السعودي في الحرب السورية مجرد أرقام وإحصائيات، بل ارتبط بأسماء بارزة تركت بصماتها في مسار التنظيمات المسلحة، بين من أعلنوا انضمامهم جهارا، ومن قتلوا في المعارك، ومن تحولوا إلى رموز دعائية داخل تلك الجماعات.

وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، فاجأ المهندس مطلق بن مقطوف البقمي، مدير فرع شركة الكهرباء في محافظة تربة، عائلته وأقاربه بوصية مؤثرة وجهها إلى والديه وزوجته وبناته، ليعلن بعدها مغادرته المملكة متجها إلى سوريا والانضمام للكتائب المقاتلة هناك.

أما عبدالله المحيسني، الداعية السعودي الذي لعب دورا بارزا في صفوف المعارضة المسلحة، فقد تعرض في 25 أبريل/ نيسان 2015 لإصابة بالرصاص الحي أثناء مشاركته في اشتباكات عنيفة داخل الحارة الشمالية بمدينة جسر الشغور في محافظة إدلب.

وفي 17 أبريل 2015، تناقلت وسائل الإعلام نبأ مقتل عادل الحربي، أحد القيادات السعودية البارزة في تنظيم القاعدة، والمطلوب رقم 18 على قائمة وزارة الداخلية السعودية الـ47 الصادرة عام 2011، مقتله جاء بعد سنوات من تصنيفه دوليا بصفته من أخطر العناصر المرتبطة بالتنظيم.

كما شهدت مدينة عين العرب (كوباني) في يناير/ كانون الثاني 2015 مقتل عدد من القياديين السعوديين البارزين في تنظيم الدولة، فقد أعلن التنظيم مقتل كل من سلطان السفري الحربي وفيصل العوفي خلال معركتين منفصلتين. 

فيما كشفت غارة للتحالف الدولي عن مقتل السعودي عثمان آل نازح، الذي كان يشغل منصب "المفتي العام" للتنظيم وأميره الشرعي في المنطقة.

ولم تقتصر القائمة على هؤلاء، ففي 28 يناير 2015، قتل المحامي السعودي معاذ علي الغانم بعد التحاقه بالجماعات المسلحة في سوريا، وهو خبر تلقته أسرته بصدمة كبيرة، كغيرها من عائلات المقاتلين.

ومع توالي هذه الأحداث، بدأت السلطات السعودية محاولة استعادة بعض مواطنيها من الساحة السورية. 

ففي 14 فبراير/ شباط 2015، صرح سفير الرياض لدى تركيا آنذاك عادل مرداد لصحيفة "الحياة" السعودية، بأن السفارة تعمل على تسهيل عودة المواطنين الذين تواصلوا معها. 

وحذر مرداد في الوقت نفسه من جماعات تنشط وتستهدف استقطاب الشباب السعودي وإغراءهم بالالتحاق بصفوف المقاتلين.

أهداف الهويريني

وفي تعليق على هذه التطورات، قال الباحث في العلوم السياسية أحمد راغب: إن وجود مقاتلين سعوديين في الخارج “ليس بالأمر الطارئ أو المفاجئ، بل هو مسار ممتد عبر عقود طويلة”. 

وأوضح راغب لـ"الاستقلال” أن “الغالبية الساحقة من هؤلاء ارتبطوا بالتيارات الإسلامية الجهادية، وكان لهم حضور متكرر في محطات كبرى مثل الحرب الأفغانية ضد السوفييت، وحرب البوسنة والهرسك، والحرب الشيشانية، ثم مواجهة الاحتلال الأميركي في العراق، وصولا إلى الثورة السورية”.

وأشار إلى أن "المشهد لم يقتصر على الإسلاميين فقط، فقد شارك يساريون سعوديون في ثورة ظفار بسلطنة عمان، بينما انخرط قوميون عرب وناصريون في ثورة 26 سبتمبر باليمن إلى جانب الجمهوريين والجيش المصري ضد الملكيين والحكومة السعودية، ويبرز في هذا السياق اسم ناصر السعيد، زعيم تنظيم اتحاد شعب الجزيرة العربية". 

كما انخرط سعوديون شيعة تلقوا تدريبات في إيران ولبنان في تأسيس ما سمي بـ"حزب الله السعودي"، وتواردت أنباء عن سقوط بعضهم قتلى عام 2013 في معارك السيدة زينب بريف دمشق إلى جانب قوات النظام السوري.

واستدرك راغب بالقول: إن “هذا التنوع في التجارب يفسر دوافع رئيس جهاز أمن الدولة عبد العزيز الهويريني في دعوة المقاتلين العائدين من سوريا للعودة إلى البلاد”. 

فالأمر بحسب تقديره، لم يكن بدافع إعادة دمجهم اجتماعيا أو طي صفحة الماضي، بل هدفه الأساسي هو الحصول على معلومات دقيقة حول الشبكات السعودية المقاتلة، طبيعة نشاطها واتصالاتها، وآلية عملها خلال السنوات الماضية. 

وتابع: “بخاصة في الداخل السوري، بالإضافة إلى معرفة موقفها من سياسات النظام السوري الجديد وخططه تجاه المقاتلين الأجانب الذين يسعى إلى تجنيسهم”.

وختم راغب قائلا: "من المرجح أن هذه الدعوة لم تكن مبادرة سعودية خالصة، بل جاءت في سياق تنسيقات مع أجهزة استخبارات دولية، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، في إطار تبادل أوسع للمعلومات حول المقاتلين العابرين للحدود".