مقر "خاتم الأنبياء" العسكري في إيران.. لماذا تترصد إسرائيل قادته؟

المقر قيادة مستقلة مسؤولة عن القيادة والسيطرة العملياتية خاصة في أوقات الحرب
في ثالث تعيين من نوعه منذ العدوان الإسرائيلي، أعلنت السلطات الإيرانية، اسم القائد الجديد لمقر "خاتم الأنبياء" العسكري التابع للحرس الثوري، والذي خلف غلام علي رشيد وعلي شادماني، اللذين اغتيلا خلال الأيام الخمس الأولى من العدوان.
وبدعم أميركي، شنت إسرائيل في 13 يونيو/ حزيران 2025، هجوما على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، فيما ردت الأخيرة بقصف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ بالستية ومسيّرات.

القائد الجديد
في 4 سبتمبر، كشف الحرس الثوري الإيراني، أن القائد الجديد لمقر "خاتم الأنبياء" هو علي عبد الله علي آبادي، مؤكدا أن "القوات المسلحة الإيرانية بعد الحرب مع الاحتلال أصبحت أكثر استعدادا من السابق، وأنها باتت تمتلك إنجازات أكبر وأعلى"، وفق وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية.
ونقلت عن عبد الله، قوله: إن "القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية باتت أكثر استعدادا مما كانت عليه قبل الحرب الأخيرة المفروضة على البلاد، وتمتلك مكاسب أكبر وأعلى"، مضيفا: "لا ينبغي للشعب الإيراني العزيز أن يشعر بأي قلق بشأن المستقبل".
ووصف الوحدة الوطنية التي برزت خلال العدوان الإسرائيلي بأنها "وحدة مقدسة"، مؤكدا ضرورة الحفاظ على هذه الوحدة التي حالت دون تحقيق إسرائيل والولايات المتحدة أهدافهما العدائية ضد البلاد.
وكانت وكالة "تسنيم" الإيرانية قد أعلنت في الأول من يوليو 2025، أن هوية القائد الجديد لمقر "خاتم الأنبياء" لن تُكشف لأسباب أمنية، وذلك بعد مقتل القائدين السابقين غلام علي رشيد وعلي شادماني في غارات إسرائيلية خلال شهر يونيو الماضي.
وردا على ذلك، نشر حساب "الموساد بالفارسي" على "إكس" في 1 يوليو، تدوينة قال فيها: "أعلنت وكالة تسنيم للأنباء أن نظام الجمهورية الإسلامية لن ينشر اسم القائد الجديد لخاتم الأنبياء حفاظًا عليه".
وأضاف الحساب: "اعلموا أننا نعرف اسمه تمامًا ونعرفه جيدا. للأسف، تُخفى هذه المعلومات الأساسية عن الشعب الإيراني"، داعيا المتابعين إلى تزويده بتوقعاته عن اسم القائد الجديد، ليعلن في اليوم التالي أن علي عبد الله علي آبادي"، هو القائد.
علي عبد الله آبادي من مواليد عام 1959، التحق بعد الثورة الإيرانية عام 1979 أولا بلجان الثورة الإسلامية، ثم انضم في مايو من العام نفسه إلى صفوف الحرس الثوري، ويحمل حاليا رتبة لواء.
ومع اندلاع الحرب الإيرانية ـ العراقية 1980 إلى 1988، تولى مسؤولية قوات الحرس الثوري في محور سربل ذهاب، وقضى 96 شهرا متواصلاً في جبهات القتال، مشاركا في عمليات عسكرية بارزة، وهو ما جعله من أبرز قادة الحرس في فترة الحرب.
بعد انتهاء الحرب، واصل علي عبد اللهي أدواره القيادية داخل الحرس، فقد تولى قيادة الفرقة 16 قدس في جيلان بين عامي 1987 و1991، ثم رئاسة أركان القوات البرية للحرس بين 1991 و1997، قبل أن يُعين نائبا لقائد القوة الجوية للحرس بين عامي 1997 و2001.
انتقل عبد اللهي مطلع عام 2000 إلى مواقع قيادية في قوى الأمن الداخلي، حيث عُين نائبا منسقا، ثم نائباً لقائد قوى الأمن، وتولى لفترة قصيرة عام 2005 منصب القائم بأعمال القائد العام لهذه القوات.
وفي المجال التنفيذي، شغل منصب محافظ سمنان بين عامي 2005 و2007، ثم محافظ جيلان بين 2007 و2009، قبل أن يُعين بين 2009 و2014 نائباً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية والشرطية.
بعد انتهاء مهامه في وزارة الداخلية، عاد عبد اللهي إلى هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، وتولى منصب مساعد الإمداد والدعم والأبحاث الصناعية بين عامي 2014 و2016، ثم شغل لمدة ثمانية أعوام، من 2016 حتى 2025، منصب نائب "منسق الهيئة العامة للقوات المسلحة".
ويعد منصب نائب "منسق الهيئة العامة للقوات المسلحة" من أبرز المناصب التي تتطلب إشرافا شاملا على التنسيق العملياتي والتجهيزي والتنظيمي للقوات. كما شارك في دورة كلية القيادة والأركان عام 1986، وحصل عام 1990 على رتبة لواء.
لكن عاد اسم علي عبد الله إلى الواجهة مجددا في يناير 2020 عندما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه بسبب أنشطته العسكرية، ضمن قائمة شملت عددا من قادة الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية.

“غرفة عمليات”
وعن أهمية مقر "خاتم الأنبياء"، قال الكاتب والباحث المختص في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي: إن "هذا المقر يحظى بأهمية كبيرة للحرس الثوري ويعد أحد أهم المراكز الإستراتيجية في بنية الدفاع الإيرانية، ويمثل غرفة عمليات عليا تعنى بتخطيط وتنسيق العمليات العسكرية المشتركة بين الجيش والحرس".
ولفت النعيمي لـ"الاستقلال" أن "المقر تأسس منذ منتصف ثمانيات القرن العشرين، إبان الحرب العراقية الإيرانية، وتحول إلى قيادة مستقلة مسؤولة عن القيادة والسيطرة العملياتية خاصة في أوقات الحرب".
وأشار إلى أن "المقر يعد الذراع الاقتصادية بجانب دوره العسكري، فهو يشرف على مشاريع إستراتيجية في القطاعات الحيوية مثل النفط والبنية التحتية العسكرية والمدنية مما يوفر للحرس الثوري مصدر تمويل عبر اقتصاد الظل الذي يديره بعمليات القرصنة وتهريب النفط الإيراني عبر البوابة العراقية من خلال أدوات المحور الإيراني في الإطار التنسيقي (الشيعي)".
ولفت النعيمي إلى أن "ميزانية المقر الاقتصادية تعتمد بشكل عام على التجارة غير المشروعة، وأن من أهم مصادر الدخل تجارة السلاح عبر منظومات الدول الموازية منها العراق ولبنان واليمن".
وعن أسباب مطاردة الإسرائيليين لقادة المقر، رأى الباحث، أن "استهداف إسرائيل قادة مقر خاتم الأنبياء ليس صدفة، بل هو جزء من إستراتيجية أوسع تستهدف إضعاف القدرات العسكرية والقيادية لإيران ويمكن فهم دوافع إسرائيل من خلال نقاط عدة".
واحدة من هذه النقاط، وفق النعيمي، هو "شل القدرة والسيطرة للقادة العاملين ضمن مشروع خاتم الأنبياء، وذلك عبر استهداف إسرائيل لتحركاتهم في طهران وفي دول المحور".
وتابع: "هذا الاستهداف يساعد (تل أبيب) في إدارة عملياتها بنطاق أوسع وبأهداف أكثر دقة ويحيد الكثير من الهجمات المحتملة التي تخطط لها إيران عبر توجيه ضربات بالمسيرات الانتحارية والصواريخ الباليستية بشقيها الفرط صوتي والكلاسيكي".
كما تعتمد تل أبيب، على استهداف المقر من خلال اغتيال القادة لمنع عمليات التنسيق لما يطلقون عليه "مشروع وحدة الساحات"، التي تحاول إسرائيل فصلها، وذلك للقضاء المتدرج على الأهداف الأكثر أهمية وصولا للأقل حتى تحقيق الرؤية العسكرية الهجومية التي تتبناها عبر العمليات الجوية الاستباقية، وفقا للباحث.
وخلص النعيمي إلى أن "العمليات الجوية الإسرائيلية تسهم في إضعاف مشروع خاتم الأنبياء والمتمثل ببرنامج الردع وذلك من خلال عمليات الاغتيال المتكررة، وبالتالي فإنه يُضعف مشروع إيران برمته وفق رؤية إسرائيل، والذي يمر عبر تضعيف الأنشطة الإيرانية المباشرة وأدواتها في المنطقة العربية".

أرفع مؤسسة
تأسس "مقر خاتم الأنبياء المركزي" الذي يُعد حاليا أرفع مؤسسة قيادية للعمليات العسكرية في إيران، خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين، استجابة للحاجة إلى مؤسسة تنسيقية موحدة تجمع بين الجيش النظامي وقوات الحرس الثوري التي كانت تنمو آنذاك بسرعة.
بعد تصاعد الخلافات بين الجيش والحرس الثوري بشأن إدارة العمليات، قرر المرشد الأول لإيران روح الله الخميني، تكليف رئيس مجلس الشورى آنذاك، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، قائدا أعلى للحرب، وتم تأسيس المقر في طهران تحت إشرافه المباشر عام 1983.
كان يُعرف في بداية تأسيسه بـ"مقر كربلاء"، ثم جرى تغيير اسمه إلى "مقر خاتم الأنبياء" ليصبح لاحقا الذراع الأساسية في التخطيط والتنفيذ للعمليات الكبرى، مثل "عملية خيبر" عام 1984، التي شكلت نموذجا لتنسيق العمليات بين الحرس الثوري والجيش الإيراني.
أدار مقر "خاتم الأنبياء" غالبية العمليات الكبرى التي نفذتها القوات الإيرانية خلال الحرب مع العراق، وقد أشرف على مقرات فرعية رئيسة تابعة للحرس، مثل "كربلاء" و"نجف" و"نوح" و"القدس".
كما كان "مقر خاتم الأنبياء" ينسق مع مقرات الجيش، والوحدات التابعة لجهات شبه عسكرية، مثل قوات التعبئة الشعبية (البسيج)، واللجان الثورية، وحتى الدوائر التابعة لجهاد البناء.
رغم أن الهدف من تأسيس هذا المقر، هو خلق مركز قيادة موحد للحد من الازدواجية والتضارب بين الجيش والحرس، لكن ذلك لم يتحقق بالكامل، فقد استمرت الخلافات بين الطرفين حتى بعد الحرب.
دفعت هذه الخلافات في نهاية المطاف إلى تأسيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة عام 1988، التي تحولت عام 1991 إلى الهيئة المعروفة اليوم بنفس الاسم.
في عام 2016، تم فصل المقر عن هيئة الأركان العامة كقيادة مستقلة دائمة مسؤولة عن القيادة والسيطرة العملياتية، بينما في السابق، لم يكن من الممكن إنشاء ذلك إلا في زمن الحرب.
عام 1989، وبعد وفاة الخميني وتسلم المرشد الحالي علي خامنئي منصب القيادة العليا للقوات المسلحة، استقال هاشمي رفسنجاني من منصب نائب القائد الأعلى، ومنذ ذلك الحين، وحتى عام 2016، تولى خامنئي بنفسه الإشراف المباشر على مقر "خاتم الأنبياء".
في عام 2016، عُيّن غلام علي رشيد كقائد للمقر بعد سنوات من عمله في موقع نائب رئيس هيئة الأركان، وقد كان يُعد من أقرب القادة العسكريين إلى خامنئي، فهو العقل المدبر للكثير من الإستراتيجيات العسكرية الدفاعية والهجومية حتى يوم اغتياله في 13 يونيو.
المصادر
- إيران تعين اللواء علي عبد اللهي قائدا لمقر "خاتم الأنبياء" المركزي
- مقر خاتم الأنبياء المركزي
- الموساد الإسرائيلي يكشف شخصية القائد الجديد لـ"مقر خاتم الأنبياء المركزي"
- ما هو مقرّ خاتم الأنبياء الذي استهدفت إسرائيل قائده الجديد؟
- من ميادين الحرب إلى قمرة القيادة… من هو القائد الجديد لمقر “خاتم الأنبياء” التابع للحرس الثوري؟