ترامب يمنح الاحتلال ضوءا أخضر لمواصلة إبادة غزة.. وناشطون: "قصة أخرى عنوانها التهجير"

"تصريحات ترامب تعني تدمير ما تبقى من غزة بحرب الإبادة والتجويع"
بلا مواربة أو خجل دبلوماسي وفي تواطؤ مع الاحتلال، طوى الرئيس الأميركي دونالد ترامب آخر صفحات التفاوض على وقف الإبادة الجماعية في غزة، مدعيا أن حركة حماس "لم تكن ترغب في التوصل إلى صفقة"، وذلك غداة انسحاب الوفدين الأميركي والإسرائيلي من مفاوضات الدوحة.
وقال ترامب: "حماس لا تريد التوصل لاتفاق، وأعتقد أنها تريد أن تموت". مضيفا أن بلاده أسهمت في إطلاق "عدد كبير من الرهائن (الأسرى الإسرائيليين) في غزة، والآن هناك مساعٍ لإطلاق من تبقى منهم لدى حماس".
وتابع في تصريحاته للصحفيين في 25 يوليو/ تموز 2025، "حماس تعرف ماذا سيحصل بعد استعادة الرهائن كافة، ولهذا لا تريد التوصل لاتفاق.. سيتعين أن يكون هناك قتال، وقضاء على حماس".
وجاءت هذه التصريحات بعد يوم واحد من إعلان مبعوثه في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن إدارة ترامب قررت إعادة فريقها التفاوضي بالعاصمة الدوحة إلى البلاد لإجراء مشاورات عقب تسليم حماس ردها ورد الفصائل الفلسطينية على مقترح وقف إطلاق النار.
وانسجمت تصريحات ترامب مع تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي زعم فيها أن حماس لا تريد اتفاقا في غزة، وذلك في محاولاته المتكررة للهروب من الضغط الداخلي الذي تمارسه عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة.
كما تعاقبت تصريحات الرئيس الأميركي مع إعلان رئيس وزراء الاحتلال عبر منصة "إكس"، أن "إسرائيل تدرس مع الولايات المتحدة بدائل لإعادة المحتجزين في غزة وإنهاء حكم حماس".
وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
فيما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إلى 59 ألفا و676 شهيدا و143 ألفا و965 مصابا جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وصب ناشطون جام غضبهم على الرئيس الأميركي واتهموه بإعطاء الاحتلال الإسرائيلي ضوءا أخضر لمواصلة إبادة غزة، مشيرين إلى أنه انخرط في مفاوضات وقف إطلاق النار لضمان خروج الأسرى الإسرائيليين من القطاع، ومن ثم يُطلق يد نتنياهو "ليقتل ويدمّر كما يشاء".
وأكدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ترامب، #غزة_تباد، #حماس، وغيرها أن كل ما يهم ترامب هو إرضاء اللوبي الصهيوني، ولو كان الثمن دماء الآلاف من الأبرياء، وتسجيل إنجاز قذر أنه أعاد الأسرى.
ورأى ناشطون أن ترامب أقر في تصريحاته بأن الهدف من المفاوضات كان إخراج الأسرى لرفع القيود على الاحتلال في وحشية القصف والتدمير والقتل، مؤكدين وجود ارتباط وثيق بين تعامل الرئيس الأميركي مع غزة وفضائح علاقته بجيفري إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية.
استنكار وتنديد
واستنكارا لتصريحات ترامب عقب، قال الناشط تامر قديح: "هذا هو الوسيط الأميركي في مفاوضات وقف إطلاق النار، يحمل كما هائلا من المعلومات التي تم تنسيقها بين إسرائيل وأميركا، لتعرض بلسان أميركي وبرؤية إسرائيلية بهدف دفع حماس إلى التنازل وخفض سقف مطالبها".
وندد منير الخطير، بقول ترامب: إن " حماس تريد الموت وعلى إسرائيل إكمال المهمة وتنظيف أثرها"، وعدها دعوة علنية للإبادة في غزة، قائلا: "هو ده جالب السلام للشرق الأوسط وحالب الخلايجة بدون مكياج".
ورأى عبد القادر فارس، أن "تصريحات ترامب تعني أن تدمير ما تبقى من قطاع غزة بحرب الإبادة والتجويع، ويعني أيضا حشر مليوني مواطن في رفح ودفعهم للهجرة إلى سيناء"، مؤكدا أن "الصورة قاتمة وسوداء".
ولفتت نبوية فتحي إلى قول مراسلين في الميدان، إن غزة عاشت ليلة مرعبة، وأصوات القصف لا تهدأ والنيران تضيء السماء وكأنها ليلة من أهوال يوم القيامة، قائلة: إن "ترامب أعطى الضوء الأخضر وهذه هي النتيجة مجازر وإبادة في غزة".
قراءات وتحليلات
وفي قراءة لتصريحات ترامب ضد حماس وتأييده نتنياهو، رآها الباحث في الشأن السياسي مأمون أبو عامر، أنها "ليس بالضرورة تعني أن الأمر انتهى".
وقال: إن تصريحات ترامب مبرمجة تهدف إلى الهجوم على حماس وإرباك موقفها لدفعها للقبول بما هو معروض، أو جزء من حملات ترامب لدعم نتنياهو داخليا بتوجيه الاتهام لحماس بأنها المسؤولة عن تأخر الصفقة.
وأضاف أبو عامر: في النهاية سيقول لنا عند توقيع الاتفاق أن حماس وافقت؛ لأنها خافت مني لأني قوي "السلام من خلال القوة".
ورأى الباحث في تاريخ القضية الفلسطينية الحديث عزيز المصري، أن تصريحات ترامب لا يمكن المرور عليها مرور الكرام من الأطراف كافة، خاصة الفلسطينية وتحديدا حماس.
وقال: "قلنا يوم أمس تصريحات ويتكوف الصادمة قد تكون نوعا من الضغط.. ولكن أن تكون تصريحات ترامب اليوم أعنف من تصريحات ويتكوف وتأكيدا لها.. يفتح الباب أمام كل الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة وغير الممكنة".
وأضاف أن "الظروف الموضوعية والمنطقية تشير إلى قرب اتفاق لو نظرنا إلى المشهد بموضوعية أن أهداف وأسباب كل طرف للوصول إلى اتفاق أيضا منطقية، لكن تصريحات الأمس واليوم بدأت بنسف هذه الظروف".
وأردف المصري: "لا أعلم ما هي صورة المشهد القادم في ظل ضبابية الأجواء، لكن مطلوب تصرف فلسطيني حقيقي وصعب لتجنب أي سيناريو كارثي قادم، وعلى حماس أن تفكر جديا في طريقة وآلية التفاوض ونقل الملف إلى طرف آخر".
ودعا إلى "التفكير خارج الصندوق وطرح خيارات صعبة في سبيل نسف وإحباط أي سيناريو قادم"، متوقعا أن "كل عرض قادم سيكون أسوأ من سابقه".
ووضع المحلل السياسي إياد جودة، افتراضات عدة منها أن الزلزال الذي أحدثته تصريحات ويتكوف وما تلاها من تصريحات لترامب ليست أكثر من فعل يراد منها تحريك المياه التي عُدّت راكدة حتى يتمكن القبطان من توجيهها باتجاه شاطئ ما.
وقال: إن الافتراض الثاني هو بقاء الحالة كما هي في قطاع غزة حتى يأتي دورها، خاصة إن كانت الأولويات الداخلية وفق الخطط الإستراتيجية المعدة تتجه باتجاه اليمن أو إيران مرة أخرى.
وسجل جودة ملاحظة قائلا: "إن أعدنا للأذهان السيناريو العراقي فسنجد تقريبا نفس التكتيك، ضربة أولى ثم المضي قدما حتى إزالة النظام ونفس السبب (النووي) وإذا ما أخذنا في الحسبان طبيعة التركيبة السكانية في إيران نجد أن الخطط الأميركية لا تستبعدهم من الحدث والضربة الأولى تم الانتهاء منها".
وأضاف جودة أن "الافتراض الثالث، احتلال قطاع غزة بالكامل وحشر السكان في الشريط الساحلي فعليا وخلق مدن إنسانية وهي جزء من التكتيك الحاصل الآن"، قائلا: "هنا ستبدأ قصة أخرى عنوانها التهجير".
وتابع: "إذا ما ربطنا ما يدور بين إسرائيل وبعض الدول من أحاديث حول هذا الموضوع فإنه يمكن قراءة أن التخطيط جدي وليس لمجرد الوعيد".
وقال الباحث لقاء مكي: "يبدو هجوم ترامب على حماس كأنه تدخل غير منطقي من الرئيس الأميركي بنفسه في قضية فرعية تتوسط فيها بلاده، لكن الحقيقة هي أنه ارتضى أن يقوم بدور رئيس حان وقته في حملة الضغط للحصول على تنازلات جوهرية من حماس تتجاوز الملفات الخاصة بوقف إطلاق النار".
وأكد أن "كل المفاوضات منذ بدايتها هدفت للوصول إلى هذه المرحلة القريبة من الاتفاق، ثم افتعال أزمة لرفع مستوى النقاش إلى إنهاء الحرب بالكامل، ولكن بطريقة تضمن تحقيق المطالب الإسرائيلية الأميركية بسرعة ودون تكاليف".
وتوقع مكي أن "ما سيطرح بعد موجة تهديدات ضد حماس، سيتضمن الإفراج عن جميع الرهائن ونزع سلاح حماس ونفي قادتها، ومقابل ذلك ليس هناك أي خطة لإدارة غزة أو إعمارها أو إغاثة السكان فيها، ودون أي ضمانات بعدم تهجير الناس هناك".
وأضاف أن "ترامب اتفق مع نتنياهو على إنهاء الحرب، ولكن من خلال خدعة التفاوض على اتفاق مؤقت واستهلاك الوقت واللعب على أعصاب الغزيين المرهقين بالحرب والتجويع، ثم قطع كل شيء، واتهام حماس كسبب للخلاف، قبل استئناف التفاوض لحسم كل شيء دفعة واحدة".
وذكر مكي، بأن "هذه هي المرة الثانية التي يتدخل فيها ترامب بشكل شخصي كأداة دعائية لمساعدة إسرائيل، وقد فعل ذلك من قبل حينما كان جزءا من حملة التضليل للحرب ضد إيران".
جهوزية حماس
ودفاعا عن حماس، أشار أبو محمد الطائي، إلى أن المفاوض الأميركي وضع أمام حماس شروطا استسلامية إن قبلت بها، لا تنتهي فحسب، بل تنتهي قضية اسمها فلسطين، قائلا: "هم يضعون ورقة استسلام، إن رفضتها، تتهم بأنك لا تريد حلا".
وأضاف: "عموما، ما عبر عنه ترامب هو حقيقة ما تريده واشنطن وتل أبيب، أي مواصلة الحروب حتى إخضاع الشعوب، وهذا لن يحصل، وكلما استمرت الحروب تولدت الظروف المناهضة للمشروع الأميركي-الصهيوني، القائم على التوسع والسيطرة الهيمنة".
وتوقع الناشط بلال نزار ريان، أن "حماس ستدخل بعد تصريحات ترامب مرحلة جديدة أشد صعوبة مما نحن فيه الآن؛ حيث ستزداد الضغوط السياسية والعسكرية على غزة وعلى قيادتها في الخارج، وسط تفاقم المجاعة ومخططات التهجير، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية".
كما توقع تعاظم الحصار ومساعي عزل حماس دوليا، "مما يتطلب موقفا موحدا وإسنادا حقيقيا لصمود غزة".
وأشار المحلل السياسي ياسين عزالدين، إلى أن طريقة انسحاب الأميركان وإسرائيل من المفاوضات بشكل مفاجئ ودون مقدمات، تشبه ما فعلوه بمفاوضات إيران والتي كانت تمهيدا لتنفيذ الضربة العسكرية.
ولفت إلى أن هنالك شكوكا بأن إسرائيل تعد لضربة توجهها للمقاومة ربما محاولة لتحرير أسراهم بعد أن جمعوا المعلومات من خلال "مراكز المساعدات الأميركية"، وربما تنفيذ اغتيالات واسعة في الخارج.
وقال عزالدين، إن الأمر ليس أكيدا لكن يجب الحذر فهذا العدو شيمته الغدر، ويبدو أن المقاومة أخذت ذلك في الحسبان؛ حيث أفاد موقع مقرب منها بأنه تم رفع الجهوزية لدى وحدات تأمين الأسرى وفق بروتوكول التخلص الفوري، "بعد وجود تقديرات لديها بإمكانية تنفيذ العدو عمليات خاصة، بهدف تحرير الأسرى".
جيفري إبستين
وتأكيدا على ارتباط تصريحات ترامب بملف الفضائح الجنسية، أشار الطبيب المصري يحيى غنيم، إلى أن ترامب واقع تحت السيطرة الصهيونية بملفات جيفرى إبستين.
وقال: “ما يهمنى إلى متى نرضى بهؤلاء الأوغاد وسطاء؟ وإلى متى نعدهم فى تقدمنا وحضارتنا شركاء؟ وأي عقل يحتمل مناقشة هذه الغطرسة والجهالة؟”
وأكد غنيم، أن أميركا لا تتراجع إلا إذا أُذِلت، قائلا: "اسألوا الصومال وأفغانستان، أما مراودتها عن نفسها بالمال أو التكريم فلايزيدها إلا غرورا!".
وردت المدونة ميمي ضيا، على من يستغرب من خضوع ترامب للوبي الصهيوني، بتذكيره أن "الموساد هدده بنشر المقاطع التي تثبت فضائحه الجنسية وعلاقته بإبستين".
وقالت: “إذا كان الموساد ابتز بيل كلينتون وباراك أوباما وترامب.. فيا ترى ماذا يمسك على بعض المسؤولين العرب ليجعلهم يرضخون له كل هذا الخضوع؟”
وقال أحد المدونين، إن "فضائح الرئيس الأميركي خاصة الجنسية كثيرة جدا ويحاول إشعال نيران هنا وهناك، في محاولة لصرف الأنظار عن تلك الفضائح التي بدأت تخرج للإعلام".
وأضاف: "لو كانوا يستطيعون القضاء على المقاومة الفلسطينية لنجحوا خلال ثاني أسبوع بعد 7 أكتوبر"، قائلا: إن "كل حماقة يقوم بها ترامب تعني وقوع أعداد أكبر من الجنود الصهاينة في مصائد المقاومة وهذا بالضبط ما تريده المقاومة".
وأكد أن "اسم غزة لن يحذف من قائمة الأطماع الصهيونية إلى الأبد إلا إذا تم تحييد أكبر عدد من الجنود الصهاينة عن الحياة"، متوقعا أن يتحول دفاع المقاومة إلى تطور سيفاجئ العدو ويحصد رؤوس مصاصي الدماء.
وكتب مازن البورني: "إن أردت أن تعرف سكوت العالم واندفاع المسؤولين للوقوف بجانب إسرائيل في حرب الإبادة في البلدان العربية وبالأخص في فلسطين فعليك بمتابعة ملف جزيرة الجنس لجيفري إبستين، وكم من جيفري إبستين في العالم فهذه قنوات لإحكام السيطرة على المسؤولين حول العالم يديرها الموساد".