منع بيان الأزهر بحجة عدم إغضاب إسرائيل في المفاوضات.. ما الذي يخشاه السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

رغم إصدار الأزهر وشيخه أحمد الطيب العديد من البيانات حول غزة، ودعوته المتكررة لوقف "الإبادة الجماعية"، وتحميله الغرب مسؤولية استمرار المجازر، فقد أثار بيان أصدره ثم حذفه في 22 يوليو/ تموز 2025، جدلا كبيرا.

بيان شيخ الأزهر، “الموءود” الذي كان في صورة "نداء عالمي يستصرخ أصحاب الضمائر الحية للتحرك فورا لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة"، لم يمكث على حساب الأزهر سوى قرابة ساعة، مما أثار تساؤلات حول الأسباب.

من بين هذه الأسئلة، هل أجبر النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي أو الجهات الأمنية، مشيخة الأزهر على حذف البيان؟ أم أن الأزهر هو الذي حذفه لأسباب داخلية؟

أم بسبب شكوى إسرائيلية للسيسي خاصة أنه سبق أن حرّضته على المشيخة؟ أم بسبب تدخل الإمارات التي حرَّضت على الأزهر عبر إعلامها، واتهمته بوضع نفسه في سلة واحدة مع الإخوان؛ لأنه انتقد زيارة "فئة ضالة" من أئمة أوروبيين مشبوهين لإسرائيل.

ولماذا تم منع نشر البيان، وهي سابقة أولى من نوعها تلغي استقلالية الأزهر التي ينص عليها الدستور؟

أليس اعتراف المركز الإعلامي للأزهر، عبر بيان لاحق في 23 يوليو، أنه هو الذي حذف البيان بحجة عدم التأثير على مفاوضات التهدئة في غزة، تأكيد ضمني على أن السلطة هي التي ضغطت على المشيخة لحذف البيان لأسباب سياسية؟

سياسية أم ذاتية

"الاستقلال" استطلعت آراء عدد من السياسيين والإعلاميين المصريين حول أسباب حذف الأزهر بيان دعم غزة، ثم تبريره الحذف لاحقا بأنه "قد يؤثر على المفاوضات الجارية بشأن إقرار هدنة إنسانية في غزة لإنقاذ الأبرياء، وحتى لا يُتخذ من هذا البيان ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيها".

المصادر المصرية رجحت أن يكون سبب حذف البيان هو “تضمنه فقرات تدين السيسي والحكام العرب”، منها، قوله: "من يمد هذا الكيان بالسلاح، أو يشجعه بالقرارات أو الكلمات المنافقة، فهو شريك له في هذه الإبادة، وسيحاسبهم الحكم العدل، والمنتقم الجبار".

وتأكيده أنه "على هؤلاء (الحكام) الذين يساندونهم (أي الإسرائيليين) أن يتذكروا جيدا الحكمة الخالدة التي تقول: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض".

كما أن البيان لا يدعو فقط للإنقاذ، بل يصف من يتقاعس بأنه "يصمت على الجريمة"، ما يعتقد أن السلطات فهمته على أنه بمثابة تحميل المسؤولية لها وتحريض ضمني من أكبر مؤسسة دينية على الغضب الشعبي والتحرك.

ورأى بعض من استطلعت "الاستقلال" آراءهم أن إجبار النظام المصري، بأجهزته الأمنية والاستخبارية، شيخ الأزهر على حذف البيان، مؤشر لأهمية البيان، وقوة الأزهر "الناعمة"، التي ما فتئ الاحتلال الإسرائيلي يحذّر منها، ويحرض السيسي لإسكاته.

وحول تبرير المركز الإعلامي للأزهر، الحذف بألا يؤثر على "مفاوضات إقرار هدنة إنسانية في غزة"، و"لا يُتخذ ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيها"، أكدوا أنه سبق للأزهر أن أصدر عدة بيانات داعمة لغزة، أثناء مفاوضات سابقة، “فلماذا يقال حاليا إن البيان يؤثر على المفاوضات؟!”

وقالوا: إن الأزهر دأب على إصدار البيانات التي تدعم حتى المقاومة بشكل مباشر، بل وقام بالتعزية في قائد حماس الشهيد يحيي السنوار، وكل هذا كان يتم خلال جلسات تفاوض سابقة قائمة مع العدو الإسرائيلي.

لذا فالتبرير الذي نشره الأزهر، ويرجح أن من كتبه هي جهات أمنية مصرية، "غير مقنع" و"سياسي"، والأرجح أن سلطات السيسي هي التي طلبت حذف البيان لـ"عدم إحراجها شعبيا ودوليا، وإثارة الغضب الشعبي ضدها".

ضغوط سياسية

ورجَّح سياسي مصري سابق لـ"الاستقلال" أن يكون شيخ الأزهر تعرض بشكل مباشر لضغوط من جهات مصرية عليا لحذف البيان، ليس لأنه سيعرقل المفاوضات، كما تم الزعم في بيان الأزهر الثاني "المكتوب له"، ولكن لأن “لغته أدانت السيسي والحكام العرب”.

وأوضح أن البيان جاء في توقيت حرج، يشهد احتقانا شعبيا وانتقادات حادة للسيسي لغلق معبر رفح، واتهامات له بالمشاركة في التجويع، ودعوات لكسر الحصار، عدتها السلطات مؤشرا خطيرا على حالة غضب قد تؤثر على الاستقرار.

كما أن السلطات نظرت للبيان على أنه قد يزيد الغضب الشعبي ضدها، خاصة بعد غلق نشطاء مصريين سفارات القاهرة في الخارج بجنازير حديد، غضبا من الموقف الرسمي.

وضمن هذا قامت قوات الأمن باعتقال فتيات وشباب مصريين تطوعوا لجمع تبرعات لتمويل "تكايا" الإطعام في غزة، ما زاد الغضب الشعبي أكثر.

وكان مصدر مقرب من شيخ الأزهر، أحمد الطيب، قد أوضح لموقع “مدى مصر” في 23 يوليو 2025، أن المشيخة حذفت بيانا من صفحتها على فيسبوك بعد وقت قصير من نشره، "بعد تواصل من وزير الخارجية، بدر عبد العاطي".

وأوضح أن عبد العاطي حثَّ شيخ الأزهر على "سحب البيان لعدم عرقلة المفاوضات التي تقترب من التوصل لحل يسمح بدخول المساعدات الإنسانية لأهل القطاع".

وزعم المصدر أن الطيب حسم قراره بسحب البيان إن كان هذا سيعجّل بدخول شيكارة دقيق واحدة لأهل القطاع، خصوصا في ظل تحذير عبد العاطي، الذي تحدث ممثلا للمفاوضين المصريين والقطريين، من أن المفاوضات الجارية "هتبوظ" بسبب البيان. بحسب تعبير المصدر. 

وقد أشار إلى هذا التدخل الرسمي، ولكن من زاوية قلق النظام من تحرك شعبي غاضب ضد السلطة، رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، جمال سلطان.

وقال سلطان: إن "جهة في الدولة استشعرت الحرج الشديد من ردود الأفعال المصرية والعالمية على إجبار الأزهر على سحب بيانه، فكتبت هذا التصريح على عجل".

ووصف البيان الثاني لتبرير سحب البيان الأول بأنه "مجرد غسيل سمعة للنظام ليس أكثر"، ومحاولة لتهديد الأزهر بتحميله مسؤولية فشل المفاوضات، كأن الأزهر وبياناته هي التي عطلت الوصول إلى حل طوال عامين من الاستباحة.

وفي تغريدة أخرى، قال سلطان: إن من منع نشر بيان الأزهر، هو "من يشعر أن على رأسه بطحة، حتى لو لم يذكر البيان اسمه"، في إشارة ضمنية إلى السيسي.

انتقادات واسعة

ووصف المعارض أحمد دومة حذف نداء الأزهر بأنه "مؤشر لوضع الحريات في مصر، وصعوبة وضع المعارضين من الشعب والنشطاء السياسيين".

وذكرت مصادر أنه "رغم أن هذا البيان لا يتجاوز لغة البيانات الرسمية المعتادة للأزهر، لكن السلطات حاولت تصويره بصفته تصعيدا دبلوماسيا غير منسق مع الجهات الرسمية في الدولة المصرية".

واستخدم البيان تعبيرات قوية مثل "جريمة إبادة جماعية"، و"تقاعس دولي"، و"تجويع قاتل"، و"آلة المجاعة القاتلة"، ليَتّهم الاحتلال وداعميه والساكتين على ما يفعله، وصف من يتقاعس بأنه "يصمت على الجريمة"، ما عدته مصادر موالية للنظام "تحريض ضمني على الغضب الشعبي والتحرك ضدها".

وختم البيان بالدعاء: "اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم"، وهو خطاب تعبوي قد يُفسر بأنه يشعل المشاعر الشعبية أو يضع المؤسسة الدينية في مواجهة مباشرة مع قوى دولية داعمة لإسرائيل. وفق تقدير محللين مصريين.

وأثار حذف بيان الأزهر انتقادات واسعة النطاق، واتهم العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي السيسي بـ"التواطؤ في الإبادة الجماعية". بحسب موقع "لورينتال توداي" في 23 يوليو 2025.

وقال الخبير السياسي الجزائري الفرنسي حسني عبيدي "من المرجح للغاية أن السلطات عدّت بيان الأزهر دعوة للتعبئة وطالبت بإلغائها".

وذكر عبيدي في تغريدة، أن "هذا يأتي بعد منع مسيرة تضامن دولية نحو غزة عبر رفح"، مضيفا: "من المدهش أن البعض لا يزال يعتقد أن إسرائيل محاطة بدول عربية معادية!".

مشيخة الأزهر في بيان 23 يوليو، أوضحت أسباب حذف البيان الذي دعا فيه "لتحرك فوري لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة"، مؤكدة أن سحبه جاء بدافع "المسؤولية أمام الله" وتفاديا لما قد يسببه من تأثير سلبي على المفاوضات الجارية لإقرار هدنة إنسانية في القطاع. 

وأوضحت أن القرار اتخذ "بكل شجاعة"، بعدما تبيّن أن نشر البيان قد يُستغل ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيه، مؤكدا أنه آثر مصلحة "حقن الدماء المسفوكة يوميا في غزة".

السيسي المتواطئ 

ويربط محللون مصريون بين سلسلة مواقف لنظام السيسي وبين منع بيان الأزهر الأخير، للتدليل على تواطئه مع الخطط الإسرائيلية لتجويع الفلسطينيين ضمن مخطط دفعهم للتهجير إلى دول مختلفة، رغم إعلان القاهرة رسميا رفضها دخولهم سيناء.

ويربط القيادي في سيناء، حسم فوزي جبر موقف السيسي من حماس بأنها “تمثل تهديدا إستراتيجيا وأمنيا له”.

ليس فقط بسبب ارتباطها التاريخي بجماعة الإخوان المسلمين التي يُنظر إليها في مصر على أنها خصم سياسي خطير، بل لأن حماس تُجسّد نموذجا لحركة إسلامية مقاومة يُخشى من تأثيرها داخل الساحة المصرية، لا سيما في ظل حالة الاحتقان الموجودة في مصر حاليا، وفق قوله.

ويدلل مصريون على موقف نظام السيسي المتواطئ ضد غزة، بسبق منعه "قافلة الصمود" خلال يونيو/ حزيران 2025، والتنكيل بأعضائها الذين وصلوا مطار القاهرة واعتداء بلطجية تابعين للأمن عليهم، خشية أن يؤدي السماح لهم بالتحرك باتجاه معبر رفح لتحرك شعبي يتحول إلى ثورة ضد نظام السيسي.

وانتهي الأمر بإعلان “قافلة الصمود” البرية لكسر الحصار عن قطاع غزة، في 18 يونيو 2025، مغادرتها مصر وليبيا والعودة إلى تونس بعد إطلاق سراح معتقلين منهم في مصر وليبيا من قبل مليشيا خليفة حفتر.

وكانت القافلة التي تضمّ أكثر من 1500 ناشط، وقرابة 20 حافلة وزهاء 350 سيارة ضمن تحرك شعبي تضامني لدعم نحو 2.2 مليون فلسطيني محاصرين في غزة، تأمل دخول مصر من معبر السلوم والتوجه نحو معبر رفح البري الحدودي مع قطاع غزة.

وبعد يومين من مطالبة وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، النظام المصري في 11 يونيو، بمنع قافلة الصمود من كسر الحصار الإسرائيلي، خشية تعرض جنود الاحتلال للخطر، اعتدى بلطجية على نشطاء القافلة في مصر.

وأدّت الاعتداءات إلى وقوع عدد من المصابين من بين النشطاء، بينهم النائب التركي عن حزب هدى بار، فاروق دينتش.

واحتجزت سلطات النظام المصري ورحلت قرابة 80 من الرعايا العرب والأجانب الذين كانوا يسعون للانضمام للمسيرة العالمية إلى غزة.

أيضا استمرّت السلطات في اعتقال وتلفيق قضايا لشبان بحجة دعم غزة والتضامن معها لأنهم رفعوا أعلام فلسطين.

كما اعتقلت قوات الأمن فتيات وشبابا مصريين تطوعوا لجمع تبرعات لتمويل "تكايا" الإطعام في غزة، ما أدى إلى توقف عملها حيث أجبر الأمن المصري المعتقلين على وقف التمويل مقابل الإفراج عنهم.

هجوم حاد

وسبق أن شنت القناة 12 الإسرائيلية، 30 في يناير/كانون الثاني 2025، هجوما حادا على مؤسسة الأزهر وشيخها وادّعت أن مناهج التعليم في مدارسه "تحض على الكراهية" على حد زعمها.

وقالت: إن مؤسسة الأزهر تدير نظاما تعليميا فيه حوالي 2 مليون طالب يدرسون ويقودون خطا متشددا ضد إسرائيل، وأن الإمام الأكبر الشيخ الطيب على اتصال بحركة حماس.

وزعمت القناة العبرية أنه يتم تعليم 1.8 مليون طالب على كراهية اليهود بالمنظومة التعليمية الأزهرية، قائلة: "يكفي أن ننظر إلى كتب المعاهد الأزهرية المصرية لفهم الوضع المتفجر ضد اليهود".

وأشارت إلى دراسة أجراها الدكتور أوفير وينتر والدكتور يوناتان نقب لصالح المعهد الدولي للأبحاث والسياسات “إمباكت-سي” الإسرائيلي، حللت نظام التعليم في الأزهر وأكدت أن "العداء واضح فيها تجاه إسرائيل"؛ لأنها تطالب بملكية المسلمين للقدس وتدعم الانتفاضة الفلسطينية المستمرة ضد الاحتلال.

أيضا كشف موقع "صحيح مصر"، في 22 يوليو 2025، أن قوات الأمن المصرية، اعتقلت خلال الأسابيع الماضية، عددا من المتطوعين العاملين في جمع التبرعات لتمويل تكايا الإطعام في غزة، ما تسبب في توقف عمل تلك التكايا.

ونقل عن 3 مصادر أنه "أُفرج عن عدد من المحتجزين، بعد توقيع تعهدات بوقف عملهم، ولكن مازال عدد مجهول من المتطوعين رهن الاحتجاز".

وأكّدوا توقف عمل التكايا التي كانت تمول من التبرعات المصرية، بعد اعتقال قوات الأمن المتطوعين وإرغامهم على الاستجابة للطلبات الأمنية بوقف عملهم مقابل الإفراج عنهم.

وأُبلغهم الأمن المصري خلال التحقيقات أن جمع تبرعات وتحويلها لفريق التكايا في غزة "هو إجراء غير قانوني ويعرضهم للسجن".

ورصد "صحيح مصر" خمس تكايا فلسطينية ممولة من تبرعات مواطنين مصريين، وأكد أن العدد الحقيقي أكبر، نظرا لصعوبة رصد جميع أنشطة تلك المجموعات التي تعمل سرا لأسباب أمنية، وفي ظل عدم مركزيتها وعدم وجود آلية لحصرها أو تتبع نشاطها بالكامل.