مشروع أميركي جديد ضد الإخوان.. لماذا يصعب وصمها بـ"الإرهاب"؟

داود علي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ أكثر من عقد، ظل اسم "جماعة الإخوان المسلمين" حاضرا بقوة في أروقة القرار الأميركي، لا كفاعل سياسي في الشرق الأوسط فحسب، بل كقضية خلافية داخل واشنطن نفسها. 

وفي كل مرة يطرح فيها مشروع لتصنيف الجماعة “تنظيما إرهابيا” تتجدد موجة الجدل وتنقسم المواقف بين من يعدها تهديدا أيديولوجيا عابرا للحدود، ومن يراها كيانا معقدا لا يمكن اختزاله في قالب واحد.

ومع إعادة السيناتور الجمهوري تيد كروز طرح مشروع قانون لوصم الجماعة بـ"الإرهاب" في 15 يوليو/ تموز 2025، تعود معضلة الاصطدام مجددا بجدران القانون الأميركي، وحسابات التحالفات الإقليمية، والتشعب البنيوي الذي يُميز الجماعة عن التنظيمات التقليدية.

فرغم الزخم السياسي الذي يحمله المشروع، لا تزال العوائق القانونية والمؤسسية والدبلوماسية كفيلة بإبطاله أو تجريده من مضمونه، ما يطرح سؤالا مركزيا، هل بات تصنيف الإخوان “منظمة إرهابية” هدفا سياسيا صعب التحقيق، أم ورقة ضغط تستخدم عند الحاجة؟

طبيعة القانون 

وفي خطوة تعكس التصعيد المستمر داخل أوساط التيار اليميني المحافظ في الولايات المتحدة، كشف تيد كروز، المعروف بمواقفه المتشددة، عن نسخة جديدة من مشروع قانون يهدف إلى تجريم الجماعة. 

وبحسب ما نقلته صحيفة واشنطن فري بيكون، التي تنتمي بدورها إلى التيار الإعلامي اليميني، فإن مشروع كروز يعتمد على ما سماه "إستراتيجية محدثة"، تعيد تشكيل أدوات التصنيف بما يتلاءم مع أهداف سياسية أكثر مما يعكس معايير قانونية راسخة. 

ففي مقابل المبادرات السابقة التي فشلت بسبب التباينات البنيوية داخل الجماعة وتنوع أنشطتها حول العالم، يتبنى كروز مقاربة جديدة تعرف بـ"من الأسفل إلى الأعلى".

تقوم هذه المقاربة على استهداف الفروع المحلية التي تصنف بأنها "عنيفة" أو منخرطة في أنشطة مسلحة في بعض الدول، بصفتها الخطوة التمهيدية لتجريم الجماعة بأكملها. 

وبذلك، يسعى كروز إلى الالتفاف على العقبات القانونية التي عرقلت مشاريع التصنيف السابقة، من خلال تجزئة التنظيم وتعزيز فكرة وجود صلة تنظيمية ومادية بين الجماعة الأم وهذه الفروع.

ووفقا لوثائق صادرة عن مكتبه، فإن فشل المحاولات السابقة يُعْزى إلى عمل بعض فروع الجماعة تحت غطاء النشاط الدعوي والخيري، ما يحول دون مطابقتها لمعايير التصنيف كتنظيم إرهابي بموجب القانون الأميركي. 

وفي ضوء ذلك، ينص مشروع القانون الجديد على إلزام وزارة الخارجية بتحديد الفروع التي تنطبق عليها الشروط القانونية، وتوثيق صلاتها بالجماعة الأم، لتأسيس أرضية قانونية تبرر لاحقا إدراجها ككيان إرهابي أجنبي.

اللافت أن مشروع كروز يستلهم في منهجيته سابقة إدارة دونالد ترامب عام 2017، حين صنفت الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، مستندة في ذلك إلى نشاطات ذراعه الخارجي (فيلق القدس)، في خطوة عدت حينها خرقا للتقاليد القانونية المتبعة في تصنيف الكيانات الأجنبية.

لكن النقاد يرون في تحركات كروز المقرب من إسرائيل، امتدادا لخطاب أيديولوجي محافظ يعمد إلى توظيف ملف الإخوان لأغراض سياسية داخلية، 

خاصة في ظل ما يلقاه هذا الخط من قبول ضمن قطاعات من القاعدة الجمهورية، إلى جانب كونه ورقة ضغط على خصوم إقليميين في الشرق الأوسط.

خلفيات المشروع

وكانت النائبة الجمهورية نانسي ميس، المعروفة بخطابها اليميني المتشدد، قد عمدت مطلع يونيو/ حزيران 2025 إلى تقديم مشروع قانون جديد لتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وذلك بدعم مباشر من السيناتور كروز الذي عبر، عبر منصة "إكس" عن تبنيه الكامل للخطة. 

وكتب كروز: "لن نرتاح حتى نقوضها"، في إشارة إلى الجماعة، وهو ما يعكس خطابه الأيديولوجي الموجه لأنصاره، أكثر من كونه مبادرة ذات أبعاد قانونية واقعية.

المفارقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تدفع فيها ميس بمشاريع قوانين جدلية من هذا القبيل.

ففي الشهر ذاته، قادت حملة تشريعية لمنع منح اللجوء للفلسطينيين القادمين من غزة، واشتمل مقترحها على إلغاء مذكرات الحماية المؤقتة التي أقرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في توجه يتقاطع بوضوح مع أجندة التيار المتشدد في الحزب الجمهوري.

وفي تصريحاتها العلنية، سعت ميس إلى توسيع مفهوم "التهديد الإخواني"، مدعية أن الجماعة تمثل خطرا داهما على الأمن القومي الأميركي، وليس مجرد فاعل سياسي في الشرق الأوسط. 

وذهبت إلى حد القول إن الجماعة "أخطر من (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، واصفة إياها بأنها "الواجهة السياسية للجهاد الراديكالي المعاصر". 

وبغرض تعزيز شرعية هذه المواقف، استحضرت ميس انقلاب مصر عام 2013، مشيرة إلى أن الجنرال عبد الفتاح السيسي أطاح بالرئيس محمد مرسي "لوقف تهديد الجماعة"، وترى أن التجربة المصرية دليل إضافي على ضرورة الحسم. وفق زعمها.

ويلاحظ أن الخطاب الذي تتبناه ميس لا يكتفي بتبرير التصنيف قانونيا، بل يصاغ بلغة شعبوية تصعيدية؛ إذ نشرت عبر موقعها الرسمي بيانا قالت فيه: إن "الإخوان لا يدعمون الإرهاب فقط، بل يلهبونه". 

ورأت أن "الوقت قد حان لتصنيفهم بما هم عليه: إرهابيون"، مستشهدة بمقولة سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

محاولات سابقة 

ومنذ عام 2015 قاد عدد من النواب الجمهوريون حملات تشريعية متكررة تهدف إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية. 

تكررت الصياغات، وتبدلت الإدارات، لكن النتائج ظلت على حالها، مشروعات قوانين تطرح، وتكسب زخما إعلاميا وحزبيا، ثم تجهض عند أبواب اللجان البرلمانية أو بفعل معارضة مؤسسات الأمن والدبلوماسية الأميركية.

بدأت هذه المحاولات مع النائب الجمهوري "ماريو دياز بالارت" الذي قدم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 مشروع القانون "H.R.3892"، تلاه مشروع موازٍ في مجلس الشيوخ قدَّمه السيناتور تيد كروز تحت مسمى "S.1563". 

هدفت الصياغتان إلى إلزام وزارة الخارجية بتقييم ما إذا كانت جماعة الإخوان تستوفي شروط التصنيف كتنظيم إرهابي. 

ورغم حصول المشروع على تأييد داخل لجنة الشؤون القضائية بمجلس النواب في فبراير/ شباط 2016، فإنه لم يصل إلى التصويت النهائي في الجلسة العامة. 

وكان لافتا أن إدارة باراك أوباما حينها، إلى جانب أجهزة الاستخبارات وعلى رأسها "سي آي إيه"، تحفظت بشدة على المشروع، معتبرة أن تصنيفه سيخلق بيئة أمنية وقانونية معقدة داخل الولايات المتحدة. 

خاصة فيما يتعلق بفروع الجماعة المحلية أو المؤسسات الإسلامية الأميركية مثل "كير" (CAIR)، التي أثير احتمال إدراجها ضمن التصنيف، ما أثار قلقا واسعا من تغذية الإسلاموفوبيا أو وصم الجاليات المسلمة بالإرهاب.

 ترامب وبايدن

عادت هذه الجهود خلال ولاية ترامب الأولى (من 2017 إلى 2021)؛ إذ أعاد تيد كروز تقديم مشروع جديد "S.1121" بصيغة مقاربة، لكنه فشل مجددا في اجتياز العقبات، رغم الدعم اليميني والتأييد الظاهري من الإدارة. 

ومرة أخرى، اصطدمت المبادرة بتقديرات أمنية وتحذيرات من مؤسسات استخبارية عدت أن تصنيف الإخوان قد "يغذي التطرف" بدلا من احتوائه.

كما أنه قد يؤدي لتقويض علاقات واشنطن مع دول حليفة بالشرق الأوسط، خاصة أن فروع “الإخوان المسلمين” تشارك في الحياة السياسية في دول مثل المغرب وتونس وقبلها الأردن (شددت أخيرا الخناق على الجماعة).

وفي نوفمبر 2021 تكررت المحاولة للمرة الثالثة خلال ست سنوات، في مشروع حمل رقم "S.3151" في مجلس الشيوخ، وتوازيه نسخة "H.R.5840" في مجلس النواب، بدعم من كروز مجددا، إلى جانب الجمهوريين جيم إنهوف ورون جونسون و14 نائبا آخر. 

وحمل المشروع لهجة أكثر حدة، واتهم الإخوان بتبني خطاب متطرف واستخدام منظمات دعوية وخيرية كغطاء للتأثير العقائدي، داعيا وزارة الخارجية إلى إعداد تقرير رسمي بشأن تصنيف الجماعة.

لكن هذه المحاولة اصطدمت مجددا بسياق سياسي معاكس، فقد كانت إدارة بايدن في موقع أكثر تحفظا تجاه التصنيف. 

وأظهرت مؤسسات الأمن والدبلوماسية الأميركية عدم استعدادها للانخراط في مسار قانوني لا يحظى بتوافق داخلي. 

ورغم الإصرار الجمهوري، أسقط المشروع مرة أخرى، نتيجة لغياب الإجماع القانوني حول مدى مطابقة الجماعة للمعايير المحددة في قانون الهجرة والجنسية الأميركي.

وتظهر هذه السلسلة من الإخفاقات المتكررة أن مشاريع تصنيف جماعة الإخوان لم تكن تفتقر فقط إلى الحسم السياسي، بل إلى الأساس القانوني الصلب الذي يمكن أن يصمد أمام تدقيق المؤسستين التشريعية والتنفيذية.

كما تؤكد أن الرغبة الحزبية وحدها، مهما بلغت حدتها، لا يمكن أن تترجم إلى سياسة دائمة دون توافق مع معايير الدولة العميقة الأميركية، التي تقيم الأمور من منظور مصالح الأمن القومي وعلاقات الولايات المتحدة الخارجية.

عوائق التصنيف

وفي دراسة تحليلية نشرها مركز المسار للدراسات الإنسانية في 15 يوليو 2025، رصد الباحثون أبرز المبررات القانونية والسياسية التي عطلت تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وذلك رغم تجدد المحاولات وتزايد الضغوط الإعلامية والسياسية على مدار العقد الماضي. 

خلصت إلى أن مشروع التصنيف يصطدم بثلاثة عوائق بنيوية متداخلة، أولها العائق القانوني، ومن ذلك تباين فروع الجماعة وصعوبة الصياغة الشاملة.

أحد أبرز التحديات يتمثل في الطبيعة غير المتجانسة للجماعة عالميا؛ حيث تختلف فروعها في هيكليتها وممارساتها ومواقفها من العمل المسلح.

وهذا التفاوت يجعل من الصعب صياغة ملف قانوني موحد يستوفي المعايير الصارمة لتصنيف الكيانات الأجنبية كمنظمات إرهابية. 

كما أوضحت أن أي تصنيف رسمي يجب أن يمر عبر عدة مستويات مؤسسية في وزارتي الخارجية والخزانة، ويتطلب أدلة موثقة تبرهن على التورط في العنف، وهي عملية معقدة حالت دون اتخاذ قرار مشابه حتى خلال إدارة جورج بوش الابن.

ورغم محاولات الالتفاف على هذا التحدي، عبر تصنيف الفروع الأكثر تطرفا تمهيدا لقرار شامل، ترى الدراسة أن هذا النهج يفتقر إلى الحسم، ويصطدم برفض داخلي في بعض المؤسسات التنفيذية.

ثم يأتي العائق السياسي، وتعقيدات العلاقات مع الحلفاء الإقليميين؛ إذ ترى الدراسة أن هذا البعد يفرض معادلة أكثر حساسية، خاصة مع وجود فروع للجماعة منخرطة في العمل السياسي الشرعي في دول حليفة للولايات المتحدة مثل المغرب والأردن واليمن. 

فعلى سبيل المثال، يشارك حزب العدالة والتنمية المغربي في الحياة السياسية، بينما يمثل حزب الإصلاح اليمني أحد مكونات "الشرعية" المعترف بها دوليا.

ويضاف إلى ذلك أن دولا مثل تركيا وقطر، تعد من بين الحلفاء أو الشركاء الإستراتيجيين لواشنطن، لطالما أظهرت مواقف متسامحة أو داعمة للجماعة. 

وتخلص الدراسة إلى أن التصنيف الشامل قد يؤدي إلى توتر دبلوماسي مع هذه الدول، ويقوض مصالح الولايات المتحدة في ملفات إقليمية حساسة.

وأخيرا العائق الداخلي، المتمثل في حماية الفروع المحلية داخل الولايات المتحدة. ووفقا للدراسة، تواجه أميركا معضلة قانونية داخلية حين يتعلق الأمر بفروع أو منظمات يشتبه بارتباطها بالإخوان داخل أراضيها؛ إذ إن القانون الأميركي يفرض حماية صارمة لحرية التنظيم والتعبير.

وتشير الدراسة إلى أن فرض عقوبات على منظمات محلية يتطلب مسارا قضائيا طويلا ومعقدا، وهو ما يجعل الملف يحال غالبا إلى الرقابة الأمنية عبر مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" بدلا من تصنيفات رسمية.

ورغم محاولات الإدارات السابقة، خصوصا إدارة ترامب، استكشاف هذا المسار، فإن التحذيرات الأمنية والمؤسسية من أثر القرار على التوازن المجتمعي داخل الجاليات المسلمة كانت حاسمة في تجميده.