حل سلاح تنظيم "بي كا كا".. يحسن العلاقات بين تركيا والعراق أم يوترها؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

توقّع معهد دراسات إيطالي انتقال العلاقات بين تركيا والعراق إلى مرحلة أوسع من التعاون، في ضوء إعلان حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" حل نفسه وإلقاء السلاح.

ورأى المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية أن هذا التحول يعدّ ثمرة تنسيق أمني متقدم بين الجانبين، ويمهد لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والمياه والبنية التحتية، خصوصا في ظل مشروع "طريق التنمية" الإستراتيجي.

وهذا الأخير هو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل البلد العربي، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

وأعلن الحزب في مايو/أيار 2025، إنهاء "الكفاح المسلح" الذي استمر أكثر من أربعة عقود، وانطلاق عملية نزع السلاح رسميا في يوليو/ تموز من نفس العام.

ولفت المعهد إلى أن هذه الخطوة تشكل لحظة فارقة قد تعيد تشكيل التوازن الإقليمي بين أنقرة وبغداد، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى هشاشة هذا المسار بفعل عوامل أخرى.

ويخلص إلى أن "نزع سلاح حزب العمال الكردستاني لا يشكل مجرد تطور أمني، بل لحظة اختبار لعقود قادمة من الشراكة التركية–العراقية".

تعزيز التعاون

وأوضح أن "بدء تفكيك حزب العمال الكردستاني قد يتيح لتركيا فرصة لتعزيز علاقاتها الثنائية مع الحكومة العراقية، إلا أن الكثير سيعتمد على نتائج هذه العملية من جهة، وعلى الانتخابات (البرلمانية) المرتقبة من جهة أخرى".

ولفهم أهمية نزع سلاح الحزب في إطار العلاقات التركية-العراقية، يرى أنه "من الضروري أولا تناول السياقين التاريخي والسياسي اللذين يؤطران المسألة الكردية". 

فقد كانت الديناميات الكردية، محورية في علاقة تركيا مع العراق منذ وقت طويل. وخلال النصف الأول من عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، دعمت أنقرة الفيدرالية القوية، وشجعت الشراكة الوثيقة مع حكومة إقليم كردستان.

ويشير إلى أن "حزب العمال الكردستاني تأسس عام 1978 على يد عبد الله أوجلان، وبدأ كفاحه المسلح عام 1984، واضعا هدف إقامة دولة كردية مستقلة، قبل أن يتحول عام 2005 إلى المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية أوسع داخل تركيا، وقد خلّف هذا الصراع أكثر من 40 ألف قتيل".

ويؤكد المعهد الإيطالي أن "هذه الديناميكيات الداخلية أثرت حتما في سياسة أنقرة الخارجية، لا سيما في انخراطها العسكري شمالي العراق". 

فقد استهدف الجيش التركي مرارا قواعد الحزب هناك، مع الإشارة إلى أن "بي كا كا تتمركز أساسا في شمال العراق". 

وبناء عليه، زادت أنقرة من وجودها العسكري هناك بشكل كبير خلال العقد الأخير؛ إذ تمتلك الآن أكثر من 100 موقع عسكري، تضم ما بين 2000 إلى 3000 جندي.

ويذكّر المعهد بأن "العمليات العسكرية التركية أثرت مرارا في علاقات الشراكة مع الحكومة العراقية".

ولفت إلى أن "الفترة بين 2010 و2016 اتسمت بتعقيدات عدة، خصوصا بسبب انتهاكات السيادة المتكررة من قبل القوات المسلحة التركية"، وفق تعبيره.

كما استحضر نشر قوات تركية في قاعدة بعشيقة شمالي العراق عام 2015، وهي خطوة انتقدتها بغداد بشدة.

تعاون وثيق

في سياق آخر، أوضح أن "العلاقات التركية مع حكومة إقليم كردستان كانت مبنية على التعاون الوثيق، لا سيما في مجالي الطاقة (من خلال أنبوب كركوك–جيهان النفطي) والأمن، خاصة محاربة حزب العمال الكردستاني". 

ومع ذلك، فقد تدهورت هذه العلاقات عام 2023 عندما حكمت محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية على تركيا بدفع 1.5 مليار دولار كتعويض للعراق، نتيجة خسائر وصادرات غير مصرح بها من جانب أربيل، التي تبنت، خطابا قوميا متصاعدا منذ مطلع الألفية.

وفي حين صرح وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار بأن خط الأنابيب جاهز للتشغيل، لا تزال القضايا القانونية المتعلقة بتقاسم عائدات النفط بين بغداد وأربيل عالقة.

وفي إشارة إلى تحول السياسة التركية، يقول المعهد: إن صعود رجب طيب أردوغان إلى الحكم تزامن مع تبني أنقرة نهجا أكثر حزما تجاه الحزب خارج حدودها، خاصة عبر عمليات في جبال قنديل، من أبرزها عملية المخلب التي انطلقت عام 2019.

وأسفرت العملية الأخيرة عن توسعة شبكة المواقع العسكرية التركية داخل العراق، أحيانا بموافقة ضمنية أو تساهل من حكومة الإقليم.

ويضيف أنه بعد الاستفتاء على استقلال كردستان في سبتمبر/أيلول 2017، اعترضت أنقرة على تغير سياسة الإقليم. 

وأشار إلى اتهام رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، الإقليم بإدخال مقاتلين من الحزب إلى كركوك، وهو ما أيّدته أنقرة في حينه.

ورغم التوترات السابقة، يلفت إلى أن "السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تحولا تدريجيا في العلاقات التركية–العراقية". 

فقد صنيف العراق الحزب "منظمة محظورة" في مارس/آذار 2024، وهي خطوة رحّبت بها تركيا. وفي العام 2024، زار أردوغان بغداد، ليكون أول رئيس تركي يزورها منذ 2011. 

واتفق الطرفان على إطار إستراتيجي يغطي ملفات الأمن والتجارة والطاقة، إلى جانب اتفاق لعشر سنوات لإدارة الموارد المائية.

وذكر أن هذا التطور توج بلقاء تاريخي، في 13 أبريل/نيسان 2025، خلال الاجتماع الخامس لآلية التنسيق الأمني رفيعة المستوى؛ حيث جدد الطرفان التزامهما بمواصلة التنسيق والعمل المشترك ضد "التهديد المشترك"، وشددا على أهمية تنفيذ دعوة أوجلان لحل الحزب ونزع السلاح.

قرار تاريخي

ولفت المعهد الإيطالي إلى أن "القرار التاريخي جاء في 12 مايو 2025، حين أعلن الحزب إنهاء النزاع المسلح الممتد لأربعة عقود مع تركيا".

ثم بدأت عملية نزع السلاح فعليا في 11 يوليو/ تموز 2025، مع تسليم ثلاثين مقاتلا أسلحتهم عند مدخل كهف في شمال العراق، على بعد 60 كم شمال غرب السليمانية. وبحسب مسؤولين أتراك، يفترض اكتمال العملية خلال بضعة أشهر.

ويتابع المعهد بالتأكيد على أن "هذه المبادرة قد تحدث تحولا حاسما في مستقبل العلاقات التركية–العراقية"؛ إذ يرى أن "تحقيق تقدم بعملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني سيكون اختبارا فعليا لمدى التزام كل من أنقرة وبغداد بتنفيذ الاتفاق الأمني الجديد". 

وأشار إلى أن "التنسيق الاستخباراتي والعملياتي بين البلدين قد يشهد تطورا غير مسبوق إذا ما استمرت هذه الديناميكية الإيجابية".

وفي المقابل، يحذر من أن "أي إخفاق في تنفيذ عملية النزع بشكل فعال قد يقوض التفاهمات مع بغداد وأربيل، خاصة إذا استغلت الفجوات الأمنية من قبل فصائل معارضة أو تنظيمات مسلحة أخرى في المنطقة". 

كما يلفت إلى أن "مسار الانتخابات العراقية المقبلة (في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025) سيكون عاملا محددا، خصوصا في ظل التنافس الداخلي بين الكتل السياسية بشأن الموقف من التعاون مع تركيا".

ويشدد المعهد على أن "المسألة الكردية لا تزال عنصرا حساسا في السياسة العراقية الداخلية"؛ إذ إن "تجاوب بغداد مع المطالب الأمنية التركية يرتبط أيضا بموازين القوى بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، التي لا تزال تحتفظ بعلاقات ملتبسة مع حزب العمال الكردستاني رغم تراجعها الظاهري".

وأوضح أن "تركيا من جانبها تسعى إلى توسيع مكاسبها الإستراتيجية في العراق، ليس فقط عبر الملف الأمني، بل أيضا من خلال مشاريع البنية التحتية".

فرصة سانحة

من زاوية أخرى، لفت إلى أن "الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل (حرب الـ12 يوما في يونيو/حزيران 2025) دفع الإدارة الأميركية إلى زيادة الضغط على طهران، مما قلص هامش المناورة أمامها". 

وعد ذلك "فرصة سانحة يمكن لأنقرة اغتنامها، مستفيدة من نفوذ الأمن الإقليمي، لتعزيز علاقاتها مع بغداد والارتقاء بها".

وأردف: "يمكن عدّ بداية تفكك حزب العمال الكردستاني فرصة لأنقرة لتحويل تركيزها على  المنافسة الإقليمية مع طهران".

وأفاد بأن "الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يتقاسمان السلطة داخل حكومة إقليم كردستان، لكن علاقتهما متوترة وغير فعالة". 

وأضاف: "يكافح الحزبان -الأول تدعمه تركيا، والثاني تدعمه إيران- من أجل بلورة رؤية مشتركة لتعزيز التماسك الاجتماعي والسياسي في كردستان العراق". 

ولفت إلى أن "أنقرة ترغب في اغتنام هذه الفرصة لاكتساب دور أكثر مركزية في الديناميكيات الإقليمية وتحدي النفوذ الإيراني في العراق".

ويرى المعهد أن "الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران ساهم في ترجيح كفة النهج التركي، مدعوما أيضا بانخراط الولايات المتحدة، التي لطالما كانت حاضرة في المنطقة لضمان استقرارها وأمنها".