من الخلافات مع حكومة بغداد إلى الاقتتال الداخلي.. ماذا يحدث في أربيل؟

منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في الأيام الأخيرة، شهدت محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان شمال العراق، تصاعدا خطيرا في التوترات الأمنية إثر اندلاع اشتباكات مسلحة بين عشيرة الهركية وقوات البيشمركة، أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى بالإضافة إلى تدمير عدة مركبات أمنية.

وتفاعلا مع هذا التوتر، نشر مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية (أورسام) التركي مقالا للكاتب "فيز الله تونا أيجون"، سلط فيه الضوء على تصاعد النزاع بين عشيرتي الهركي وغوران غرب أربيل ليتحول الأمر إلى أزمة أمنية سياسية شاملة.

نزاع الهركي–غوران

وشهد قضاء خبات غرب أربيل، تصعيدا حادا في النزاع العقاري بين عشيرتي الهركي وغوران؛ حيث بلغ ذروته في 8 يوليو/ تموز 2025 باشتباكات مسلحة. 

ومع تدخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، عبر إصدار مذكرة توقيف بحق الزعيم خورشيد هركي ونشر قوات أمنية مقربة منه، تحوّل النزاع إلى أزمة سياسية– أمنية أوسع أسفرت عن سقوط قتلى وتصاعد المخاوف من الفوضى.

وتتميز المنطقة المتنازع عليها بأهمية إستراتيجية واقتصادية، إذ تقع على نهر الزاب الكبير وتجاور خط أنابيب النفط. وقد ردت عشيرة الهركي بحفر خنادق دفاعية، معتبرة الصراع معركة وجود لا مجرد خلاف عقاري.

وكان الرد الدفاعي الذي تَبنّته عشيرة الهركي عقب الاشتباكات لافتا؛ فقد حفرت خنادق في محيط مناطقها، وذلك في خطوة تهدف إلى تعطيل أي تحرك للقوات المهاجمة. 

وهذه الإستراتيجية الدفاعية الجغرافية، المرافقة للمقاومة المسلحة، تعكس رؤية العشيرة للصراع بوصفه معركة مصيرية تتعلق بشرعية وجودها، وليس مجرّد نزاع عارض يمكن حله عبر الوساطات التقليدية.

أمام هذا التدهور تدخل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني للوساطة، ما أدى إلى تهدئة ميدانية وانسحاب قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني. وعلى  إثر ذلك أُطلقت مفاوضات في أربيل برعاية بارزاني، انتهت بتصريح من خورشيد هركي يشير فيه إلى حل النزاع.

ولم يكن تصريح خورشيد هركي بأن "بعض سوء التفاهم قد حدث، لكنّ المشكلة قد حُلت" مجرد محاولة لتهدئة الرأي العام، بل كان مؤشرا على انتقال الأزمة من المواجهة الميدانية إلى الحوار السياسي، ما يعكس قدرة القيادة الكردية على توظيف قنوات الوساطة التقليدية إلى جانب أدوات الدولة.

وتكشف الأزمة عن عمق نفوذ العشائر في كردستان؛ حيث تلعب دورا محوريا في الأمن والسياسة بما يتجاوز مجرد الانتماء الاجتماعي. وتُظهر كذلك أن التوازن بين السلطة والعشائر يتطلب وساطات فعالة للحفاظ على الاستقرار في بيئة إقليمية هشّة.

أزمة حادة

وأشار الكاتب التركي إلى أن هذه الأزمة تحوّلت من نزاع عقاري موضعي في قضاء خبات غرب أربيل إلى تحدٍّ مباشر للحزب الديمقراطي الكردستاني. 

فلم يكن الحدث مجرد مواجهة مسلّحة بين مجموعتين قبليتين، بل عكس ديناميكيات أعمق تتعلق بتداخل البنية العشائرية مع مؤسسات الدولة والإطار السياسي القائم في الإقليم.

ففي قلب هذه الأزمة، برزت ثلاث حقائق مركزية: أولها أن العشائر، رغم مؤسسات الدولة، ما زالت تُشكّل أحد المرتكزات الأساسية في البنية الاجتماعية، بل وتمتد أدوارها لتشمل الأمن، والعدالة، وحل النزاعات. 

ثانيا، أن العلاقة بين العشائر والأحزاب السياسية ليست علاقة هامشية أو رمزية، بل تحالفات إستراتيجية قائمة على تبادل النفوذ والمصالح، سواء في صناديق الاقتراع أو على الأرض.

أما ثالثا، فإن أي إخفاق في موازنة هذه العلاقة قد يؤدي إلى تفجّر التوترات، كما حدث مع عشيرة الهركي التي ردّت بعنف على ما عدته انحيازا من الحزب الديمقراطي الكردستاني لعشيرة غوران.

وقد أظهرت المواجهات التي اندلعت بين الهركي وقوات البيشمركة حجم الفجوة بين الدولة والعشيرة، وأبرزت أن العشائر لا تزال تملك قدرة فعلية على السيطرة الجغرافية، وإعادة تشكيل الواقع الأمني المحلي.

ويدلّ ذلك على أن هذه البُنى التقليدية لم تُدمج بالكامل ضمن مؤسسات الحكم، بل ما زالت تحتفظ بهياكلها المستقلة.

من جانب آخر، فإن الأزمة لم تكن بعيدة عن الحسابات السياسية المعقدة في إقليم كردستان. فالنزاع تزامن مع فترة من الشلل السياسي عقب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2024، ووسط أزمة مستمرة بين أربيل وبغداد بشأن الميزانية والرواتب.

وغذّت هذه الظروف الهشة البيئة المثالية لتصعيد النزاعات المحلية، التي قد تُستغل سياسيا من قبل قوى منافسة مثل الاتحاد الوطني الكردستاني أو حركة الجيل الجديد، وذلك لتقويض هيمنة الحزب الديمقراطي.

كما أن هذه التوترات تحمل أبعادا اقتصادية حساسة؛ إذ تقع الأراضي المتنازع عليها قرب خطوط أنابيب نفط إستراتيجية، ما يجعل كل اضطراب في هذه المناطق مصدر قلق اقتصادي لإقليم يعتمد بشكل كبير على صادراته النفطية. 

غير أن تعطيل طرق مثل أربيل–دهوك قد يعيد توجيه حركة التجارة والنفط إلى مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، ما يُكسبه أوراق قوة إضافية في معادلة المنافسة الداخلية.

في خضم هذه التعقيدات، برز دور رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني كلاعب توافقي؛ حيث قاد وساطة مباشرة بين الأطراف المتصارعة، بحيث نجح من خلالها في احتواء التصعيد مؤقتا ونقل النزاع من الميدان إلى طاولة المفاوضات. 

وقد ساعدت هذه الخطوة على تجنّب انفجار أكبر، لكنها أيضا أكدت على محدودية الدولة في احتواء النزاعات بدون شخصيات ذات شرعية عشائرية وقومية.

وأشار الكاتب التركي إلى أن أزمة الهركي–الحزب الديمقراطي الكردستاني ليست مجرد خلاف قبلي، بل تكشف عن هشاشة التوازن بين البنى التقليدية والدولة الحديثة، وعن تعقيدات التحالفات السياسية في كردستان؛ حيث تختلط الولاءات العشائرية بالمصالح الاقتصادية والسياسية. 

وإذا لم يتم التوجه إلى إصلاح هيكلي يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والعشيرة، فإن هذه الأزمات ستبقى متكررة، مهددة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الإقليم، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.