تحركات عسكرية لتسليح وكلاء.. هل تندلع حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا؟

"تدور الشكوك حاليا حول نوايا إريتريا الجارة الشمالية لإثيوبيا"
تشهد منطقة تيغراي شمالي إثيوبيا منذ عدة أشهر حالة من التوتر والقلق المتزايد، وذلك بعد مرور عامين ونصف على اتفاق السلام الذي وُقّع في بريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا.
ووفق ما نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني، تدور الشكوك حاليا حول نوايا إريتريا، الجارة الشمالية لإثيوبيا، والتي يعتقد أنها تعيد تسليح نفسها وتعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة، حسبما ورد في دراسة نشرت أخيرا.

تحركات عسكرية
"لا يمكننا فعل شيء الآن، ناهيك عن التخطيط للمستقبل، قد تندلع الحرب غدا"، هكذا تصف واحدة من سكان مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي الإثيوبي، الأجواء السائدة في حديثها مع الموقع الألماني.
وتضيف: "لقد أصبحت الحياة باهظة التكلفة للغاية، يجب أن يكون هناك حل سلمي حتى نتمكن من مواصلة عملنا وحياتنا".
وأوضح الموقع أن "هذه المخاوف تأتي على خلفية تقارير عن تحركات عسكرية، واشتباكات متفرقة بين أطراف مختلفة في المنطقة".
ويشير إلى أن "هذا القلق المتزايد يأتي في وقت لا تزال فيه ذكريات الحرب التي استمرت عامين حاضرة في الأذهان.
وبدا أن الحرب انتهت باتفاقية بريتوريا لوقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022؛ لكن الأمر أعقد من ذلك.
تسببت تلك الحرب الشرسة بين جبهة تحرير شعب تيغراي والقوات الحكومية الإثيوبية المنتصرة في نهاية المطاف بمقتل ما بين 162 و600 ألف شخص، وفقا لتقديرات الموقع.
وخلال تلك الحرب، شاركت قوات إريترية إلى جانب الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد.
ورغم هذا الدور العسكري البارز، أشار الموقع إلى أن "إريتريا لم تُدع إلى المشاركة في مفاوضات السلام التي عقدت في بريتوريا".
وهو ما أثار حينها انتقادات من قبل مراقبين رأوا أن "تغييب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي يحكم البلاد منذ عقود عن طاولة المفاوضات، يُضعف فرص التوصل إلى سلام دائم".
ولهذا السبب، أصبح كثيرون ينظرون إلى إريتريا "كأحد أبرز العوامل التي تثير المخاوف من تجدد النزاع في تيغراي".
لكن يؤكد الموقع الألماني أن "إريتريا لا تعد بمفردها السبب الأبرز الذي قد يؤدي لإشعال المنطقة مجددا"، مشيرا إلى أن "الوضع الداخلي في الإقليم يزيد الصورة تعقيدا".
فعقب هزيمتها في الحرب، شهدت جبهة تحرير شعب تيغراي صراعات على السلطة أدت إلى انقسامات داخلية حادة، مما أضعف تماسكها وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية، ومن ضمنها التدخل الإريتري.
انقسام داخلي
وفي خضم هذه الانقسامات، عُين الجنرال تاديسي وريدي، القائد السابق لقوات الدفاع عن تيغراي المهزومة في الحرب، رئيسا للحكومة المؤقتة في ميكيلي.
وعقب تعيينه، دعا وريدي إلى الحذر من التحليلات المضللة، مؤكدا أن "تيغراي لن تبادر إلى الحرب أو إلى أي استفزازات".
في المقابل، أوضح الموقع أن "هناك تيارا آخر داخل الجبهة يقوده رئيسها دبرصيون جبر ميكائيل، الذي وُجهت له اتهامات بالتعاون مع إريتريا، وهو ما نفته الجبهة".
وأكد ميكائيل تمسكه بالحل السياسي استنادا إلى اتفاق بريتوريا، قائلا: "ندعو المجتمع الدولي إلى التدخل والضغط على الحكومة الإثيوبية وحلفائها لوقف استعداداتهم للحرب".
وعلى الرغم من هذه التطمينات، يشير الموقع الألماني إلى أن "المخاوف تزداد بين السكان المدنيين من أن يجدوا أنفسهم عالقين مرة أخرى بين أطراف النزاع".
وتحدث أحد سكان ميكيلي قائلا: "الناس يسحبون أموالهم من البنوك ويشترون الزيت والتيف"، وهي حبوب غذائية محلية أساسية في إثيوبيا.
وبحسب الموقع، "طالب هذا المواطن طرفي النزاع في تيغراي بالتنحي، أو استخدام نفوذهما للتعاون مع الحكومة المركزية لحل المشكلات ومنع اندلاع حرب جديدة".

مصلحة إريترية
فيما يخص التوقعات المستقبلية، يعتقد غيريت كورتز، الخبير في شؤون القرن الإفريقي لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن "احتمالات حدوث النزاعات على مستوى الوكلاء أكثر من احتمالية نشوب حرب رسمية بين الدولتين".
ويضيف للموقع الألماني: "إريتريا لديها مصلحة في دعم جماعات مسلحة داخل الجارة الكبرى إثيوبيا".
وأكمل موضحا: "إثيوبيا تصبح ضعيفة حين تكون مفككة وتعاني من نزاعات داخلية متعددة، وهي نزاعات تسهم إريتريا في تغذيتها".
ولذلك، يقدر أن "مختلف الأزمات السياسية الداخلية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، والتي تتلقى في بعض الأحيان دعما إريتريا؛ تصب في مصلحة الأخيرة".
وبحسب تقارير المراقبين، "تعمل القوات الإريترية على تدريب وتسليح جماعات مسلحة داخل إثيوبيا، من بينها على ما يبدو مليشيا فانو في إقليم أمهرة".
وخاض مقاتلو "فانو" في مارس/ آذار 2025، معركة استمرت يومين ضد القوات الإثيوبية. ووفقا للرواية الرسمية الصادرة عن أديس أبابا، أسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 300 من عناصر الميليشيا.
ويشير الموقع إلى أن إريتريا "تتحرك في هذا المسار، بسبب ارتباطها بتاريخ معقد ومتقلب مع إثيوبيا".
فبدلا من أن تنال استقلالها مباشرة بعد انسحاب الاستعمار الإيطالي، ضُمت عام 1952 إلى اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا، ثم دُمجت قسرا داخل الدولة الإثيوبية لاحقا.
واستطرد: بعد سنوات طويلة من الكفاح المسلح، أعلنت استقلالها رسميا عام 1993، ما أدى إلى فقدان إثيوبيا منفذها البحري الوحيد بين عشية وضحاها.
وتابع: "ومنذ ذلك الحين، تطورت إريتريا، بقيادة الرئيس أسياس أفورقي، إلى نظام استبدادي مغلق ومعزول دوليا".
ثم في عام 2010، فرضت الأمم المتحدة حظرا على توريد الأسلحة إلى نظام أفورقي بسبب دوره في تأجيج النزاعات الإقليمية.

تعزيز المكانة
وفي هذا السياق، كشفت منظمة (ذا سينتري) الأميركية المتخصصة في رصد جرائم الحرب، خلال تقرير جديد، كيف عززت إريتريا خلال السنوات الماضية موقعها الإقليمي، خصوصا من خلال تدخلها في صراع تيغراي.
وقال رئيس قسم التحقيقات في المنظمة تشارلز كيتر: "نرى نمطين واضحين: الأول هو عمليات نهب ممنهجة حدثت في تيغراي خلال النزاع، حيث فُككت مصانع كاملة ونقلت عبر الحدود".
وأضاف في مقابلة مع "دويتشه فيله": "يمكن القول إن كل ما كان ذا قيمة أُخرج من تيغراي إلى داخل إريتريا".
وتابع: "النمط الثاني تمثل في الانخراط بأنشطة تجارية غير مشروعة، شملت الاتجار بالذهب والسمسم الذي استخرج بشكل غير قانوني من إقليم تيغراي، إلى جانب ضلوع إريتريا في عمليات تهريب البشر".
ورجحت المنظمة أن "تكون العائدات النقدية من هذه المصادر، قد دعمت أهداف إريتريا في إثيوبيا بشكل كبير". ورأت أن "فترة التقارب القصيرة بين الحكومتين في عام 2018 كانت ذات أثر بالغ".
فبعد توليه السلطة، وقع آبي أحمد اتفاق سلام رسميا مع إريتريا، وهو ما منحه جائزة نوبل للسلام. واستطرد: "ورغم أن الرئيس الإريتري لم يُكرم، فقد رفع المجتمع الدولي لاحقا حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة على بلاده".
ويعتقد تقرير المنظمة أن إريتريا "استفادت من ذلك عبر شراء أسلحة، بما في ذلك صفقات مع روسيا، مما زاد من قدراتها العسكرية".
وبدوره، رفض وزير الإعلام الإريتري، يماني جبر ميسكل، ما ورد في التقرير، واصفا إياه بأنه "سرد مفبرك يهدف إلى تقديم بلاده ككبش فداء".
وبحسب تقرير المنظمة، "عززت القوات الإريترية مؤخرا وجودها على الحدود مع تيغراي، بل وتوغل بعضها حتى 10 كيلومترات داخل الأراضي الإثيوبية، رغم أن الجانبين كانا قد اتفقا على ترسيم الحدود في سنوات الانفراج السابقة".
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق بريتوريا كان ينص على انسحاب جميع القوات غير الفيدرالية من تيغراي، بما في ذلك القوات الإريترية.
في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي غيريت كورتز، أن على آبي أحمد "السعي لحلول سياسية، سواء بملف إريتريا أو في التعامل مع جبهة تحرير تيغراي ".
وأضاف كورتز أن "لدى آبي مصلحة في إبقاء خصومه السياسيين الداخليين ضعفاء، كي لا يشكلوا تهديدا له ولا يتحالفوا ضده".
"ولذلك، يسعى إلى التحالف مع بعضهم ومواجهة البعض الآخر، وهي لعبة معقدة ومكلفة سياسيا"، بحسب قوله.
ولفت الموقع إلى أنه "مع اقتراب الانتخابات الإثيوبيةعام 2026، يُخشى أن تتحول أزمة تيغراي إلى جزء من حسابات سياسية، تماما كما هو الحال مع مطالب آبي المتكررة منذ عام 2023 بمنح إثيوبيا منفذا بحريا خاصا بها".
وهو ما أثار، مخاوف بعض المراقبين من "إقدام إثيوبيا على غزو إريتريا، خاصة وأن قضية المنفذ البحري تسببت بتوترات حادة مع الصومال".
وختم الموقع قائلا: "ومع ذلك، أكد آبي أحمد أخيرا في مرات عديدة التزامه بالحل السلمي للأزمات".