وصول "سوبراسيتيلني" إلى موسكو.. هل انتهت حقبة روسيا في المتوسط؟

مغادرة الفرقاطة سوبراسيتيلني للمياه المتوسطية لا تمثل مجرد حدث عملياتي
غادرت الفرقاطة الروسية "سوبراسيتيلني - Soobrazitelnyy" المياه المتوسطية عائدة إلى كالينينغراد (أسطول البلطيق)، في يوليو/ تموز 2025، بعد أن عبرت في 25 أبريل/ نيسان من نفس العام، مضيق جبل طارق، متوجهة إلى البحر الأبيض المتوسط.
وبين فرضية الانكفاء والانطلاق نحو تموضع عالمي جديد، تثار الكثير من التساؤلات عن مستقبل الوجود الروسي على البحر الأبيض المتوسط في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، يقدم المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية (IARI) تحليلا معمقا لما أسماه انسحاب روسيا من المتوسط عقب فقدان قاعدتها البحرية في طرطوس بسوريا مطلع عام 2025.
ولم تعلن روسيا رسميا التخلي عن قاعدة طرطوس، لكن أظهرت صور أقمار صناعية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية نهاية يناير/كانون الثاني 2025، أن سفن شحن تبحر بالقرب من القاعدة الروسية على الساحل السوري بدأت في إزالة المعدات العسكرية من المنطقة.
ورأى المعهد أن مغادرة الفرقاطة لا تمثل مجرد حدث عملياتي أو ختام دورة تشغيلية، بل ختام عقد إستراتيجي بدأ في 2013 مع تكثيف الحضور البحري الروسي دعما لنظام بشار الأسد، مما يعكس “تحولا إستراتيجيا في العقيدة البحرية الروسية”.
واستعرض أبعاد المهمة البحرية الأخيرة، وأهدافها العسكرية والرمزية، والقيود التي كشفتها، إلى جانب سيناريوهات مستقبلية محتملة: من أسطول أكثر مرونة واستقلالا، إلى تراجع نفوذ موسكو في المنطقة لصالح قوى أطلسية وإقليمية.
فهل تمثل نهاية الوجود الروسي في البحر المتوسط هزيمة جيوسياسية؟ أم خطوة مدروسة لإعادة رسم خريطة النفوذ في بحار العالم؟

انسحاب صامت
وقال المعهد: إن مغادرة الفرقاطة الروسية ترمز إلى انسحاب صامت لروسيا من بحر سعت لعقد من الزمن إلى استعادته.
وأضاف أن السؤال الجوهري الذي يظل مطروحا: “هل هو انسحاب يعكس هزيمة فعلية؟ أم بداية لإستراتيجية بحرية عالمية جديدة؟”.
وتابع: "رغم أن العملية بدت في ظاهرها روتينية، فقد اكتسبت المهمة قيمة رمزية واستراتيجية قوية، حيث بدت كواحدة من أواخر عمليات الوجود الروسي في قلب البحر عقب فقدان قاعدة طرطوس البحرية في سوريا".
وذكر أن "هذه المهمة القصيرة -والتي لم تتجاوز 80 يوما- جرت من دون توقفات لوجستية كبيرة، واعتمدت على دعم عن بعد من وحدات الإمداد، ما يعكس تقليصا حادا في قدرة روسيا على نشر قوتها في هذه المنطقة".
وتوج ذلك الحضور بترسيخ نقطة الارتكاز في طرطوس، وهي القاعدة الروسية الوحيدة في المياه الدافئة خارج الفضاء ما بعد السوفيتي.
وتابع المعهد أن "موسكو تمكنت، خلال ذلك العقد، من ترسيخ وجود بحري شبه دائم في المتوسط، ما سمح لها بإعادة التوازن مؤقتا للهيمنة البحرية التي تفرضها الناتو (حلف شمال الأطلسي)".
كما عزز هذا الوجود نفوذ روسيا في ملفات أساسية مثل سوريا وليبيا ولبنان ومنطقة الساحل.
وأشار إلى أن "قاعدة طرطوس لم تكن مجرد رصيف بحري، بل دعامة لوجستية للعمليات بعيدة المدى، ومحورا للإمداد، وعقدة جيوسياسية تربط بين البحر الأسود والمشرق العربي وشمال إفريقيا، ضمن شبكة إسقاط نفوذ روسي منسقة، لكن هذا التوازن تبدل".
فتدهور العلاقات مع دمشق الجديدة، إلى جانب الضغوط الغربية والإقليمية، أدى إلى فقدان طرطوس بين ديسمبر/ كانون الأول 2024 ويناير 2025، وهو ما شكل "نقطة تحول كبرى".
وفي هذا السياق، وصف المعهد مهمة "سوبراسيتيلني" بأنها كانت "أشبه بوداع صامت"، على اعتبار أنها "آخر جولة في مياه كانت تتمركز فيها سابقا غواصات من فئة كيلو، وطرادات صاروخية، وسفن حربية قادرة على عرض القوة الروسية على مقربة من قاعدة سيغونيلا الإيطالية والسواحل الليبية".
ورغم كل ذلك، يتساءل: "هل يعد الانسحاب الروسي من المتوسط هزيمة إستراتيجية؟ أم إعادة تموضع محسوبة؟ هل هو نهاية حلم إمبراطوري؟ أم بداية لتموضع عالمي جديد؟".
ويجيب بأن "روسيا، في عالم متعدد الأقطاب، يبدو أنها على استعداد للتخلي عن البحر الداخلي لأوروبا، من أجل تركيز مواردها في مناطق أقل خضوعا لنفوذ الناتو، وأكثر انسجاما مع عقيدتها البحرية المحدثة".
وأردف: "ففي وقت يتحول فيه القطب الشمالي إلى ساحة منافسة جديدة، ويغلي فيه المحيط الهادئ إستراتيجيا، ويشتعل فيه البحر الأسود توترا وعدم استقرار، يبدو أن موسكو تعيد حساباتها، وتوجه بوصلتها البحرية نحو مسارح عمليات مختلفة".
لذلك، لا يرى المعهد أن مهمة "سوبراسيتيلني" تمثل "مجرد عملية بحرية"، بل يرى أنها بمثابة "وثيقة جيوسياسية".
وتابع: "فالبحر المتوسط لم يعد في قلب الإستراتيجية البحرية الروسية، بل أصبح مسرحا ثانويا، يصلح لرسائل استعراضية من حين إلى آخر، لكنه محصن بشكل أكبر أمام تحقيق طموحات طويلة الأجل".
وذكر أن "روسيا تطوي هذه الصفحة لكنها ربما لا تفعل ذلك نتيجة هزيمة، بل قرار بارد؛ يشبه برودة مياه القطب الشمالي التي توجه إليها أنظارها اليوم".
وفي هذا السياق، قال إن "نشر الفرقاطة الروسية سوبراسيتيلني في البحر المتوسط بين أبريل ويوليو 2025 شكل اختبارا عمليا وسياسيا عالي القيمة بالنسبة لموسكو، وذلك في لحظة كانت تشهد فيها إستراتيجيتها البحرية عملية إعادة تقييم إستراتيجي جذري".
وأوضح أن "روسيا، بعد أن حرمت من قاعدة طرطوس السورية، اضطرت إلى اختبار قدرتها على إبراز قوتها البحرية ميدانيا دون دعم لوجستي ساحلي، معتمدة فقط على وسائل الإمداد البحرية والتخطيط الذاتي".
وأكد أن "مهمة سوبراسيتيلني لم تكن مجرد جولة تقنية، بل عرضا للعلم وصمودا جيوسياسيا، نفذت في مياه تزداد عدائية، وتخضع لرقابة مكثفة من قبل الناتو والقوى الأوروبية".

أهداف وقيود
كذلك أشار المعهد إلى أن "السفينة أبحرت على مقربة من المياه الإقليمية لإيطاليا واليونان وإسبانيا، مع بقائها دائما في المياه الدولية، لكنها كانت مرئية بوضوح لرادارات وأقمار حلف شمال الأطلسي".
ورأى أن هذه المناورة تنتمي إلى منطق "الإشارة البحرية" (naval signalling)، أي رفع العلم لتأكيد أن "موسكو ما زالت قادرة على الظهور في المتوسط، حتى من دون قواعد محلية".
وأضاف أن ذلك "يعد شكلا من أشكال الردع الرمزي، ليس بهدف التخويف، وإنما لتفادي الغياب التام عن الرادار الاستراتيجي للغرب".
وأفاد أن "سوبراسيتيلني، بفضل راداراتها المتقدمة وأنظمتها للحرب الإلكترونية، نفذت على الأرجح عمليات اعتراض إشارات (Electronic Intelligence) ومراقبة إلكترونية (Signal Intelligence) موجهة ضد الاتصالات التابعة للناتو".
وتهدف هذه العمليات إلى رسم أنماط الدوريات والمناورات البحرية وحركة الملاحة الجوية وشبكات الرادار على الضفة الجنوبية لأوروبا.
ورأى المعهد أن "هذه الأنشطة تمثل عودة إلى منطق الحرب الباردة، لكن بأدوات تكنولوجية محدثة".
كما أكد أن "للمهمة بعدا تجريبيا واضحا، يتمثل في اختبار الاستدامة التشغيلية في غياب قاعدة ساحلية".
فبعد فقدان طرطوس، اضطرت روسيا لتنسيق إمدادات الوقود والمواد الغذائية والذخائر عبر ناقلات بحرية وسفن لوجستية مخصصة، مثل سفينة أكاديميك باشين.
وهذا الخيار "يختبر قدرة روسيا على العمل في مسارح عمليات بعيدة دون موانئ عميقة (deep water ports)، ويعد بمثابة محاكاة واقعية لمهام مستقبلية محتملة في البحر الأحمر أو المحيط الهندي أو الهادئ".
كذلك أشار المعهد إلى أن "سوبراسيتيلني شاركت خلال مهمتها في مناورات مشتركة مع وحدات سورية وجزائرية، ركزت على دوريات السواحل، واعتراض الأنشطة غير القانونية، والسيطرة البحرية".
وأردف: "رغم أن الطابع العملياتي لهذه المناورات كان منخفضا، فإن لها دلالة رمزية: موسكو ما تزال تحتفظ بحلفاء إقليميين مستعدين للتعاون، رغم تآكل قدرتها الصلبة".
من زاوية أخرى، أوضح المعهد أن هناك قيودا تشغيلية برزت خلال العملية، مشيرا إلى أن "غياب قاعدة دائمة يجعل من الضروري التخطيط المسبق لكل عملية إمداد، وتنفيذها إما في عرض البحر أو في موانئ محايدة".
وبيّن أن "ذلك يرفع من كلفة اللوجستيات، ويقيد الاستقلالية التشغيلية، ويعرض سفن الإمداد لاحتمال التتبع، ما يزيد من مخاطر الحوادث أو الاستفزازات".
وشدد على أن "غياب بنية تحتية مثل طرطوس يحول دون أي تدخل تقني هيكلي، ما يجعل المهمة بأكملها رهنا بالحالة الابتدائية للسفينة".
وتابع: "فأي خلل ميكانيكي أو إلكتروني أو تسليحي قد يؤدي إلى إفشال المهمة بأكملها، ويجبر على العودة المبكرة". كذلك أضاف المعهد قيدا متعلقا بالتراجع في مدة الانتشار العملياتي.
ولفت إلى أن "سوبراسيتيلني بقيت في المتوسط حوالي 70 يوما، وهي مدة تقل كثيرا عن مهام الانتشار الروسي المعتادة في المنطقة قبل عام 2022، والتي كانت تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر".
و"هذا المعطى يؤكد التراجع الفعلي في قدرة روسيا على التمركز المستقر في المنطقة"، مضيفا أن "البحرية الروسية لا تزال قادرة على الدخول إلى المتوسط، لكنها لم تعد قادرة على البقاء فيه لفترة طويلة".
أبرز الفرضيات
وتعليقا على فقدان روسيا للقاعدة السورية في طرطوس في يناير 2025، أكد المعهد أن ذلك "لا يمثل مجرد خروج قسري لموسكو من البحر المتوسط، بل يعد نقطة تحول استراتيجية، وإعادة تعريف لطريقة وجودها البحري على المستوى العالمي".
فبحسب العقيدة البحرية الروسية، كان البحر المتوسط "رمزا للعودة إلى مكانة القوة العظمى".
غير أن هذا البحر، كما يرى المعهد، "تحول في عام 2025 إلى ساحة مغلقة بشكل متزايد ومكلفة ومشبعة عسكريا من قبل حلف الناتو".
وأشار إلى أن "كامل الساحل الشمالي للمتوسط بات الآن تحت سيطرة أعضاء في حلف شمال الأطلسي (إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا)".
وهو ما يجعل الحوض البحري مغلقا، ترصد فيه كل وحدة بحرية روسية فور عبورها مضيق جبل طارق أو قناة السويس.
وأضاف المعهد أن "غياب الموانئ الصديقة، ونهاية التعاون مع سوريا، يفرضان على روسيا النظر إلى الوجود البحري الدائم في تلك المنطقة باعتباره خيارا غير عملي".
ورغم ذلك، يؤكد أن "هذا الانسحاب لا يعني عزلة، بل إعادة تموضع استراتيجية"، فروسيا أعادت بالفعل رسم خريطتها البحرية.
ولفت المعهد إلى أن "المياه الجديدة التي تشكل فضاء نفوذها العسكري والتجاري باتت تشمل القطب الشمالي وبحر بارنتس، وشمال المحيط الهادئ، وشمال الأطلسي وبحر البلطيق.
فيما يتعلق بالقطب الشمالي، أوضح أن مستقبل الممر البحري الشمالي الذي يربط أوروبا بالمحيط الهادئ عبر شمال سيبيريا، سيتحدد في هذه المنطقة.
ومع ارتفاع درجات حرارة العالم، أكد أن "هذه الممرات البحرية ستصبح ذات أهمية استراتيجية واقتصادية بالغة".
وأفاد يأن "موسكو تنوي الهيمنة عليها عبر مزيج من القواعد القطبية، وكاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، وغواصات هجومية".
كما شدد على أن "أسطول الشمال" الروسي هو بالفعل الأقوى والأحدث ضمن البحرية الروسية.
ورأى أن "روسيا، من خلال تحالفها المتنامي مع الصين، وتعزيز وجودها في بحر أوخوتسك حولت أسطول المحيط الهادئ إلى رأس حربة في محور بحري شرقي يجمع بين موسكو وبكين".
وأوضح أن "هذه المنطقة تمثل ساحة تنافس عالمي حقيقية، يتواجه فيها كل من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند ودول الآسيان".
ورغم أن موسكو لا تهيمن على تلك البحار، فإن مشاركتها ضمن التحرك الصيني يمنحها نفوذا غير مباشر.
كما أشار المعهد إلى أن روسيا تركز مواردها المتبقية على منطقة لطالما اعتبرت حساسة: بحر البلطيق وشمال الأطلسي.
ولفت إلى أن "القواعد العسكرية في كالينينغراد وكرونشتات وسيفيرومورسك توفر حماية للسواحل الغربية الروسية، لكنها تمنحها أيضا قدرة هجومية تحت سطح البحر تستهدف الدول الاسكندنافية وألمانيا والمملكة المتحدة".
وأكد أن "اللعبة هنا تتمثل في منع الوصول والتمركز، حيث تسعى موسكو إلى إعاقة أي تحرك بحري عدائي نحو سواحلها، لا للسيطرة الفعلية على البحار، بل لجعلها غير ممهدة؛ أشبه بحقول ألغام غير مرئية".

سيناريوهات مستقبلية
وسرد المعهد الإيطالي عددا من السيناريوهات لمستقبل الوجود الروسي بعد فقدان قاعدة طرطوس، مبينا أن أفضلها هو "التكيف الناجح".
وفي وصف هذا السيناريو، قال: إن "فقدان قاعدة طرطوس لا ينظر إليه في موسكو على أنه هزيمة، بل نقطة استراتيجية فاصلة".
وأوضح أن "روسيا تفسر انسحابها من البحر المتوسط لا كخطوة تراجعية، بل كفرصة لإعادة تموضعها البحري".
وتابع: "من هذا المنظور، تنشأ أساطيل أكثر مرونة، وتشكيلات بحرية غير متوقعة وقابلة للتعديل، لا تعتمد على قواعد دائمة، بل تتبع منطق التناوب الديناميكي بين الأساطيل الإقليمية الأساسية: أساطيل الشمال والبلطيق والمحيط الهادئ".
وفي هذا السيناريو، أكد أن "التجربة في المتوسط تصبح بمثابة ساحة تدريب للمهام العالمية المستقبلية".
وأردف: "فغياب طرطوس يجبر البحرية الروسية على تطوير قدرات لوجستية متحركة، وتحسين قابلية التشغيل البيني بين الأساطيل، وتجريب مهام طويلة دون دعم من الموانئ".
ويرى المعهد أن "هذه الفلسفة العملياتية الجديدة قابلة للتكرار في مسارح أخرى مثل المحيط الهندي أو القطب الشمالي".
ويعتقد أن "الأثر الناتج عن هذا السيناريو هو اكتساب روسيا مرونة إستراتيجية أكبر، وتحررها من الاعتماد على بنى الموانئ الثابتة، إضافة إلى عمل سفنها بطريقة أكثر هدوءا، وعلى مسارات أقل توقعا، ما يزيد من تعقيد التخطيط العسكري بالنسبة لحلف الناتو".
وفي ختام هذا السيناريو، يوصي بأن "على حلف شمال الأطلسي أن يكثف رقابته على المسارات اللوجستية الروسية، عبر المراقبة الدائمة لنقاط الاختناق البحرية الرئيسة: جبل طارق وقناة السويس والمانش والبوسفور".
كما يشدد على "ضرورة تعزيز مراقبة الأصول اللوجستية الروسية، مثل سفن الدعم وناقلات التزويد في البحر، التي تعد اليوم نقطة الضعف الحقيقية في الاستراتيجية البحرية الجديدة لموسكو".
أما السيناريو الأسوأ، فعنونه التقرير بـ "تآكل النفوذ البحري". وفي وصفه، أوضح أن "التخلي عن طرطوس ينتج تأثير دومينو سلبيا على موسكو".
وأردف: "فبعد أن خسرت قاعدتها الوحيدة الدائمة في المتوسط، تصبح روسيا قوة بحرية هامشية في المنطقة، وتتآكل روابطها الاستراتيجية تدريجيا مع شمال إفريقيا والمشرق العربي ومنطقة الساحل، مما يفسح المجال أمام لاعبين إقليميين وأوروبيين-أطلسيين أكثر تنظيما وحضورا".
وتابع: "رغم وجود قواعد بديلة على الورق بالجزائر أو مصر، لا توفر هذه الخيارات ذات المستوى من الأمان أو الموثوقية السياسية أو التغطية اللوجستية".
وأردف أن "الحكومات المحلية، تحت وطأة الضغوط الغربية والقيود الداخلية، لا تستطيع أن تضمن لموسكو ولوجا مستقرا وطويل الأمد وغير مشروط".
وحول انعكاسات حدوث هذا السيناريو على موسكو، يؤكد أن "فقدان النفوذ البحري الروسي يترجم إلى انكماش جيوسياسي عام".
إذ سرعان ما تملأ فرنسا والولايات المتحدة وتركيا الفراغ الذي تتركه روسيا، عبر تعزيز حضورها في منطقة الساحل والمشرق العربي وشرق المتوسط.
نتيجة لذلك، تصبح روسيا غير ذات صلة في العمليات الدبلوماسية والعسكرية المرتبطة بأزمات مثل ليبيا وسوريا ولبنان والنيجر.
وفي حال غياب قواعد آمنة، يقترح المعهد على روسيا أن تتبنى "استراتيجية غير تقليدية وغير متناظرة".
تقوم الاستراتيجية على استخدام الطائرات المسيرة البحرية والغواصات الذاتية، وتحويل سفن شحن مدنية إلى أدوات لتنفيذ مهام عسكرية غير نظامية.
وأيضا عقد اتفاقيات مبهمة مع مليشيات ليبية وفاعلين غير حكوميين، للحفاظ على التأثير الميداني حتى في ظل غياب بحري مباشر.
وفي ختام تحليله، أكد المعهد أن "مهمة فرقاطة سوبراسيتيلني عام 2025 تمثل أكثر بكثير من مجرد دورة انتشار بحري عادية، فهي إشارة تاريخية فارقة".
وأشار إلى أن "العودة الصامتة لهذه السفينة إلى كالينينغراد تتزامن مع نهاية فصل إستراتيجي من التاريخ".
وأضاف: "فبعد أكثر من عقد على الحضور البحري الروسي في البحر المتوسط، والذي بدأ عام 2013 بدعم نظام الأسد، وبلغ ذروته بالاستخدام المنتظم لقاعدة طرطوس، تغادر روسيا المنطقة دون أن تطلق طلقة واحدة".
وأكد أن "ما حدث ليس هزيمة مدوية، بل إعادة تموضع إستراتيجية باردة ومحسوبة"، مؤكدا أن "موسكو لا تتخلى عن المتوسط لعجز، بل كخيار مدروس".