"السجن 5 سنوات".. هكذا تعمل اليونان على قطع طريق اللاجئين إلى أوروبا

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بدأت اليونان في تطبيق سياسة صارمة مثيرة للجدل تقود لقطع الطريق المفتوح على مدى سنوات للمهاجرين غير النظاميين للوصول إلى أوروبا، بعد اجتياز البحر المتوسط والانطلاق من البر اليوناني.

وعلى مدار سنوات كانت اليونان محطة مهمة للطامحين إلى الوصول للقارة العجوز، بحثا عن حياة أفضل بعيدا عن الحروب في بلدانهم الأم بالشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. 

اليونان والمهاجرين

وفي خطوة تصعيدية، جمدت اليونان في 11 يوليو/ تموز 2025 لثلاثة أشهر النظر في طلبات اللجوء من المهاجرين القادمين في قوارب من شمال إفريقيا، في مواجهة الزيادة الكبيرة في أعدادهم والتي وصفتها الحكومة بـ"الغزو".

ويسمح هذا التشريع الطارئ الذي صادقت عليه غالبية 177 نائبا من أصل 293، للسلطات باحتجاز طالبي اللجوء في مخيمات لمدة تصل إلى 18 شهرا.

وجاء تأييد المشروع بشكل أساسي من نواب الحكومة المحافظة واليمين المتطرف، في وقت تشير فيه أرقام وزارة الهجرة اليونانية إلى أن أكثر من 14 ألف مهاجر وصلوا إلى البلاد عام 2025، بينهم أكثر من ألفين وصلوا في يوليو من ليبيا.

ووصل المهاجرون بصورة رئيسة إلى جزيرة كريت التي تعد من القبلات السياحية الأولى في اليونان، ما أثار غضب السلطات المحلية والعاملين في مجال السياحة.

وقال رئيس الوزراء المتحدر من كريت للبرلمان في 4 يوليو: إن "أي مهاجر يدخل بشكل غير قانوني سيتم توقيفه واحتجازه".

من جانبه، قال وزير الهجرة ثانوس بليفريس لشبكة "سكاي تي في" اليونانية في 11 يوليو إنه "لا يمكن لليونان أن تستقبل قوارب تحمل ألف شخص يوميا"، مضيفا أن البلاد ستجري "مراجعة صارمة" لكيفية تعاملها مع المهاجرين.

وأكد بليفريس الذي وصف تدفق المهاجرين بأنه "غزو من شمال إفريقيا" أن "وزارة الهجرة اليونانية ليست فندقا، لا يمكن لأي كان الدخول بصورة غير قانونية وطلب اللجوء وتلقي مساعدات وثلاث وجبات في اليوم ومأوى، وكل ذلك على حساب دافعي الضرائب اليونانيين والأوروبيين".

وبحسب بليفريس فإنه من أصل مجموعة من أكثر من 500 مهاجر وصلوا أخيرا إلى كريت، فإن الغالبية الكبرى هم شبان مصريون غير مخولين للحصول على اللجوء، وأردف "كل من يدخل البلاد ولا يستوفي معايير الحماية الدولية غير مرحب به".

من جانبه قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في تصريح لصحيفة "بيلد" الألمانية في 11 يوليو: "اتخذنا القرار الصعب إنما الضروري للغاية بتعليق آلية النظر في طلبات اللجوء بصورة موقتة للوافدين بحرا من بلدان شمال إفريقيا".

وأضاف "هذا القرار يبعث برسالة واضحة لا تدع مجالاً لسوء التفسير لشبكات الاتجار بالبشر، مفادها أن اليونان ليست طريق عبور مفتوحا. الرحلة خطيرة، والنتيجة غير مؤكدة، والأموال المدفوعة للمهربين تذهب هدرا في نهاية المطاف".

لقد وصل حوالي ثمانية آلاف مهاجر إلى كريت منذ مطلع عام 2025، بحسب وزارة الهجرة، مقابل 4935 شخصا عام 2024.

وقررت الحكومة صياغة قوانين ناظمة قبل شن حملة جديدة لردع المهاجرين، ستشمل حتى إعادة تقييم جميع المزايا الحكومية التي يحصل عليها طالبو اللجوء، وستُراجع أيضا الوجبات المُقدمة في مراكز استقبال واحتجاز المهاجرين.

إذ تعمل وزارة الهجرة اليونانية، على إعداد تشريع جديد يُجرّم بقاء طالبي اللجوء في اليونان بعد رفض طلباتهم، حيث يُعاقَب على هذه الجريمة بالسجن خمس سنوات ما لم يُغادر الشخص البلاد طواعية.

"شرعنة الإعادة القسرية"

في الأشهر الأخيرة بدأت السلطات اليونانية مراقبة وصول المهاجرين إلى جزرها وتعمل على محاولة ضبطهم وإدخالهم في مخيمات لتسجيلهم ومعالجة ملفاتهم أو منحهم أورقا مؤقتة للتنقل يستخدمها البعض في الهروب بطرق مختلفة إلى دول أوروبية ثانية لتقديم اللجوء هناك.

وسبق ذلك تأكيد وزير الهجرة نيكوس باناجيوتوبولوس، نهاية أكتوبر 2024 بأن اليونان تسعى إلى تطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة من جانب الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تستعد فيه لزيادة محتملة في أعداد المهاجرين واللاجئين بسبب الحرب المستمرة في الشرق الأوسط.

وأمام ذلك، تسعى الحكومة اليونانية لجعل المهاجر غير النظامي الذي لا يحق له اللجوء، أمام خيارين لا ثالث وهما إما السجن أو العودة لبلده طوعا.

وضمن هذا السياق، أكد المحامي السوري محمد النواف أن "إجراء التعليق من الناحية عمليا يعد انتهاكا مباشرا لحق أساسي من حقوق الإنسان لأنه يضع عائقا أمام من يحق لهم الحصول على اللجوء فهناك دول ما تزال غير آمنة ومصنفة أمميا وأوروبيا كذلك".

وأضاف النواف أن "الحل الأمثل والإنساني هو وجود عملية استقبال مناسبة، تشمل التسجيل وإدارة طلبات اللجوء وإجراء المقابلات ودراسة الملفات الذي ينطبق على الجميع بغض النظر عن طريقة أو نقطة دخولهم إلى بلد ما طبقا للقانون الدولي والأوروبي".

ونوه النواف إلى أن "التعليق ينتهك المعاهدات الدولية الأساسية ويشرعن الإعادة القسرية إلى بلدان يكون فيها الناس معرضين لخطر التعذيب والانتهاكات الخطيرة".

لهذا "ما تريده الحكومة اليونانية اليوم وهذا ما يروق لكثير من دول أوروبا التي بدأت في تشديد إجراءات اللجوء كإيطاليا وألمانيا أن يُصبح البقاء في اليونان للمهاجر جريمة جنائية، مما يعني إبطاء عمليات تدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط واتخاذ التدفق المتزايد للمهاجرين واللاجئين كـ ذريعة لتطبيق سياسات صارمة بشأن اللاجئين"، وفق النواف.

"إجراءات قاسية"

وهذا التعليق اليوناني واجه انتقادات من مجموعات حقوقية عدته انتهاكا للقانون الدولي وقوانين الاتحاد الأوروبي، ومن أحزاب معارضة عدته غير دستوري.

وقبيل إقرار البرلمان اليونان لهذا التعليق بيوم أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين عن "قلقها العميق" لهذا الإجراء.

وأكدت المفوضية في بيان أن "طلب اللجوء حق أساسي من حقوق الإنسان يكفله القانون الدولي والأوروبي والوطني وينطبق على الجميع، بغض النظر عن وسيلة الوصول أو بلد الوصول وحتى خلال الفترات التي تشهد هجرة ضاغطة".

ورأت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "إبعاد أشخاص إلى بلد قد يواجهون فيه تهديدات لحياتهم أو حريتهم يُشكل انتهاكا لمبدأ عدم الإبعاد".

وأضافت "لا يجوز للدول عدم احترام هذا المبدأ المهم من مبادئ القانون الدولي".

من جانبها نددت لجنة الإنقاذ الدولية بقرار أثينا، وقالت إنه يشكل "انتهاكا واضحا لحق طلب اللجوء بموجب القانون الدولي والأوروبي".

وهنا يشير النواف إلى "أن هذا التعليق سيدفع من يفكرون بالوصول إلى اليونان إلى مراجعة دقيقة قبل دفع مبالغ طائلة للمهربين، والخشية من تنفيذ السلطات اليونانية إجراءات قاسية وشديدة وغير إنسانية منها احتجاز اللاجئ على الفور في مخيمات لقرابة العامين قبل فتح ملفه وإيداعه في منشآت بمناطق النائية مخصصة لذلك".

علاوة على "مراجعة جميع الامتيازات التي كان يحصل عليها اللاجئ بما في ذلك دعم الإيجار ومراجعة تكلفة كل مهاجر"، وفق النواف.

ولفت النواف إلى أن "هناك رغبة أوروبية في تطبيق كثير من قواعد صد المهاجرين ولهذا كانت اليونان من الدول الداعمة لمبادرات الاتحاد الأوروبي التي تربط المساعدات المالية للدول الإفريقية باستعدادها لاستقبال مواطنيها المرحلين أو موافقتهم على العودة الطوعية إلى أوطانهم من أوروبا".

ومع ذلك، فإن عمليات ركوب البحر من قبل المهاجرين مستمرة عبر اليونان، إذ أبلغ 36 مهاجرا على شاطئ في جزيرة ليسبوس ببحر إيجه السلطات عن تعرضهم للغرق، في 14 يوليو 2025.

قبل أن تهرع سفينة تابعة لوكالة حرس الحدود الأوروبية "فرونتكس" لإنقاذهم لكنها تعرضت للغرق عقب اصطدامها بشعاب مرجانية قرب الجزيرة حيث جرى إنقاذ طاقم السفينة المؤلف من خمسة برتغاليين ويوناني واحد.