عصب حزب الله المالي.. لماذا قرر لبنان حظر التعامل مع "القرض الحسن"؟

"إضعاف بنية حزب الله لها أبعاد متشعبة تشمل تقليص أذرعه المالية وفك ارتباط حاضنته الشعبية به تدريجيا"
اتخذت الحكومة اللبنانية، أولى خطواتها العملية الهادفة لتضييق الخناق على البنية المالية لـ"حزب الله" والمؤسسات التي “تشكل مصدرا لتمويله”، بحظر مصرف لبنان المركزي التعامل مع جمعية "القرض الحسن" العصب المالي للحزب.
وقال مصرف لبنان المركزي في بيان منتصف يوليو/ تموز 2025 "يُحظر على المصارف والمؤسسات المالية أن تتعامل بشكل مباشر أو غير مباشر، كليا أو جزئيا، مع مؤسسات الصرافة غير المرخص لها أو الجمعيات والهيئات غير المرخصة".
ولفت إلى أن من "بين المؤسسات والجمعيات غير المرخصة جمعية القرض الحسن، وشركة سيدرز إنتر.ش.م.ل، وشركة الميسر للتمويل والاستثمار، وبيت المال للمسلمين، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكتائب والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية".

حظر القرض الحسن
وتعد مؤسسة القرض الحسن إحدى أهم المؤسسات المالية الاقتصادية لحزب الله ولا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني، افتتحت في ثمانينيات القرن العشرين بصفة جمعية خيرية.
إذ تتمتع القروض والخدمات المصرفية التي توفرها الجمعية بشعبية كبيرة خصوصا في أوساط الطائفة الشيعية.
واكتسبت مؤسسة القرض الحسن شعبية لمنحها قروضا بدون فوائد بحسب الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا، في بلد يعاني منذ خمس سنوات من انهيار اقتصادي مُتمادٍ وتوقّفت فيه البنوك التقليدية تقريبا عن العمل بعدما احتجزت أموال اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بها.
وتقدم الجمعية قروضا بسيطة لأصحاب الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الزراعية أو الصناعية.
وفي بلد يعاني من انقطاع متكرر للكهرباء، توفر الجمعية أيضا قروضا للأفراد والبلديات لشراء الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.
والمستفيدون من القرض الحسن هم في الأغلب من المسلمين الشيعة، لكن في ظل الأزمة المالية لجأ مسيحيون ومسلمون سنة أيضا إلى خدماتها.
فعلى سبيل المثال، عملت مؤسسة "القرض الحسن" على تركيب أجهزة الصراف الآلي في فروعها في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما سمح لسكان المنطقة، وفقا لبعض التقارير، بتسلم الدفعات النقدية والقروض من حزب الله دون القيود المفروضة في المصارف الأخرى.
وهذه المؤسسة ليست مصرفا أو مؤسسة مالية، لذا فهي لا تتلقى الأموال من "المصرف المركزي" أو من أي جهاز رسمي آخر من أجهزة الدولة اللبنانية.
ويسمح لها هذا الترتيب بوضع قواعدها وعقد صفقاتها الخاصة، إضافة إلى تعزيز اقتصاد حزب الله ونظامه المالي الموازيين.
وقد شكلت جمعية "القرض الحسن" المالية التابعة لحزب الله هدفا لغارات إسرائيلية عنيفة نالت فروعها في أكثر من منطقة لبنانية.
وبحسب ما أفادت به رئاسة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بأنه جرى قصف أكثر من 20 هدفا تابعا لمؤسسة "القرض الحسن" المرتبطة بحزب الله، مشيرة إلى أن مؤسسة القرض الحسن "تتلقى أموالا من إيران وتقدم القروض وتمول في نهاية المطاف حزب الله".
وترجع فكرة إنشاء حزب الله في لبنان لعام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته إيران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا وصورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني في لبنان.
وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 أن قال صراحة في 24 يونيو/حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".
وفي الوقت الراهن، منذ خروج “حزب الله” ضعيفا من معركة إسناد غزة ضد إسرائيل، تعرض لعملية حصار ومراقبة لموارده المالية التي تصله من الخارج، لا سيما إيران من قبل الحكومة اللبنانية.
وقد تطور ذلك، إلى مطالبات علنية خارجية في الفترة الأخيرة، بتعطيل ماكينة تمويل حزب الله بالتزامن مع عزم بيروت سحب سلاح الحزب ضمن سياسة حصر السلاح بيدها، كشرط لحصول لبنان على المساعدات الدولية وإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد المنهار منذ عام 2019 والذي زاد من ضعفه العدوان الإسرائيلي الأخير على البلاد.

"شروط مفروضة"
سبق حظر لبنان جمعية "القرض الحسن"، فرض وزارة الخزانة في 3 يوليو 2025 حزمة جديدة من العقوبات على 7 مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبطين بالجمعية ذاتها، بدعوى "تورطهم في تمكين حزب الله من تمرير أموال عبر النظام المالي اللبناني رغم العقوبات المفروضة عليه منذ سنوات".
وبهذا الصدد قالت متحدثة وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، إن "المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك صرّح بأن وقف تدفق أموال حزب الله، بما في ذلك عبر مؤسسة القرض الحسن، هو أولوية للولايات المتحدة".
وأضافت بروس في تصريحات صحفية في 17 يوليو: “نحن نرحّب بالجهود الأخيرة التي بذلها لبنان في هذا الصدد ونعدها خطوة في الاتجاه الصحيح”.
واستدركت: "لكن هناك حاجة للمزيد من العمل. على الحكومة اللبنانية أن تتخلى عن الادعاء بأن القرض الحسن هو منظمة غير حكومية بموجب القانون اللبناني، بينما هو في الواقع مؤسسة مالية يستخدمها حزب الله لتقويض أنظمة العقوبات الدولية والإضرار بالاقتصاد اللبناني الرسمي".
ورأت جمعية "القرض الحسن" في بيان لها في 19 يوليو أن التعميم الصادر عن مصرف لبنان، والمتعلق بطريقة تعاطي المصارف والمؤسسات المالية معها، "يندرج في إطار حملة سياسية ممنهجة، تقودها جهات داخلية وخارجية مرتبطة بأجندات أميركية، هدفها محاصرة البيئة الحاضنة لخيار المقاومة ومحاولة خنق المؤسسات التي تدور في فلكها اقتصاديا".
وفي هذا الإطار، أكد الصحفي اللبناني سمير عاصي، لـ "الاستقلال"، أن "الدولة اللبنانية مطالبة بإثبات مدى الجدية في التعامل مع ملف سلاح حزب الله ومصادر تمويله”.
ولفت عاصي إلى أن "إضعاف بنية حزب الله لها أبعاد متشعبة تشمل تقليص أذرعه المالية التي تموله وفك ارتباط حاضنته الشعبية به تدريجيا، خاصة أن مثل القرض الحسن كان بمنح قروض صغيرة لمناصريه تتراوح قيمتها بين 100 و3000 دولار”.
ولفت عاصي إلى أن "القرض الحسن يقدم خدمات مالية للمواطنين خارج إطار النظام المصرفي التقليدي، وقد زادت شهرتها وانتشارها بعد أزمة لبنان الاقتصادية واختفاء أموال المودعين من المصارف اللبنانية التي خسرت ثقة اللبنانيين بها".
واستدرك "بعد حظر القرض الحسن، سيخشى كثيرون من تطبيق المادة 200 من قانون النقد والتسليف التي تنص على تجريم أي شخص أو مؤسسة تمارس عمليات التسليف دون ترخيص من مصرف لبنان".
ولفت عاصي إلى أن الخطوة القادمة تتمثل بإغلاق فروع القرض الحسن؛ لأن ما حدث الآن هو حظر مصرف لبنان على المصارف ومؤسسات الصرافة، وشركات تحويل الأموال، والمؤسسات المالية المرخّصة، وغيرها، من التعامل مع جمعية القرض الحسن، كونها خاضعة لعقوبات أميركية، ولأن الأموال الصادرة عنها قد تلوث أموال المصارف وتعرضها لمخاطر في علاقتها مع المصارف المراسلة في الخارج".
ونوه إلى أن "القرض الحسن يساعد بنشاط شخصيات تابعة لحزب الله وإيران على تجاوز العقوبات الأميركية".
ولهذا وفق عاصي، فإن "الحكومة باتت أمام خيار قوننة وجود القرض الحسن عبر دمجه في النظام المصرفي اللبناني، مما يعزز الشفافية ويضمن الامتثال للقوانين المالية، وهذا يضمن تحقيق مصالح عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين يستفيدون من هذه المؤسسة، لكن هذه الخطوة قد لا تُرضي الأميركيين أو خصوم الحزب في الداخل، حيث يطمحون لإقفالها".

"تجفيف الأموال"
وسبق للنائب في حزب القوات اللبنانية رازي الحاج وهو أحد خصوم حزب الله في الداخل اللبناني، أن قال في مايو 2025: "على الحكومة اتخاذ تدابير صارمة بحق جمعية القرض الحسن، أي سحب الترخيص منها لمخالفتها قانون الجمعيّات، وحظر أعمال الإقراض المالي التي تقوم بها".
ومنذ مطلع عام 2025، دخلت إلى مطار بيروت، فرق حكومية مهمتها الكشف المُسبق على حقائب تخص أي مسافر يصل من إيران أو العراق، أو من إفريقيا أو من بلاد أخرى، بحثا عن أموال نقدية يقول العدو للأميركيين، وعبرهم للسلطات اللبنانية، إنها تخص حزب الله.
وجاءت تلك الخطوة في إطار رصد حزب الله من قبل الحكومة اللبنانية التي منعت في الفترة الأخيرة من دخول أموال له عبر مطار بيروت الدولي.
فأعلنت السلطات اللبنانية في 28 فبراير 2025 أن إدارة مطار بيروت ضبطت مع رجل وصل من تركيا 2.5 مليون دولار نقدا كانت في طريقها لحزب الله.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن القضاء المحلي فتح تحقيقا، مع الموقوف "محمد عارف حسين"، الذي ضُبِط المبلغ بحوزته لدى وصوله إلى مطار بيروت الدولي قادما من تركيا على متن رحلة تابعة لشركة "بيغاسوس" التركية.
وفجأة وبعد ثلاثة أيام على مصادرة تلك الأموال، أعلن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" أن الأموال المصادرة من أحد المواطنين اللبنانيين القادم من تركيا إلى لبنان، وقيمتها مليونان وخمسمائة ألف دولار، هي عبارة عن تبرعات حصل عليها المجلس من جمعيات خارجية، ويطلب تحريرها واستردادها".
و"المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" هو أول مركز رسمي للشيعة في لبنان منذ تأسيسه عام 1969.
وينظر كثير من شيعة لبنان إلى "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" على أنه أداة بيد الثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل).
لا سيما أن نواب حزب الله وأمل في البرلمان هم من أعضاء الهيئة العامة في المجلس، ولهذا فإن أي قرار يصدر عنه يكون بموافقتهما.