تعاون الهجري مع إسرائيل يصطدم بفزعة العشائر السورية.. ما القصة؟

"العملية المضادة التي نفذتها قوات العشائر بالسويداء أربكت حسابات إسرائيل"
شكل دخول قوات العشائر العربية السورية لمساندة البدو في مواجهة فصائل محلية درزية موالية لرئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء السورية، حكمت الهجري، عاملَ ضغطٍ كبير في المعادلة العسكرية في الجنوب السوري.
وأدّت مشاهد القتل وتهجير عوائل من بدو ريف السويداء جنوب البلاد من قبل مليشيات موالية لحكمت الهجري، في 17 يوليو/تموز 2025 إلى زحف عشرات آلاف المقاتلين من أبناء العشائر السورية نحو هذه المدينة.

"فزعة ونصرة"
وأعلن شيوخ القبائل والعشائر السورية من كل المحافظات، النفير العام، دعما لعشائر البدو في السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وقالت العشائر خلال بيان في 17 يوليو: "نتابع بقلق بالغ ما ترتكبه مليشيا الهجري الإرهابية من جرائم قتل وإبادة بحق عشائر البدو في محافظة السويداء، وما خلَّفته من تهجير وتشريد للأهالي الأبرياء".
وأضاف البيان "انطلاقا من واجبنا الأخلاقي والقبلي، نطالب الحكومة بعدم التدخل أو عرقلة تحرك المقاتلين الذين قَدِموا من خارج المنطقة، فزعة ونصرة لإخوانهم من عشائر البدو، فهؤلاء يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن المظلومين ورد العدوان عن النساء والأطفال والشيوخ".
ووجه البيان المصور "نداء للعشائر في كل المحافظات السورية للتوجه فورا إلى السويداء لإنقاذ أهلنا من المذبحة والتطهير العرقي".
وقد تمكنت قوات العشائر من السيطرة على بلدات بريف السويداء، والوصول إلى تخوم هذه المدينة التي حوَّلتها فصائل محلية درزية إلى بقعة تحصن.
وبدورها، وقفت قوات الأمن السورية الرسمية على الحياد مكتفية بمراقبة المشهد بعد تعرّضها لهجمات من فصائل درزية محلية.
وجاءت الهجمات ضد قوات الأمن بعد دخولها مدينة السويداء لفض اشتباكات بين عشائر من البدو وفصائل محلية درزية في 13 يوليو 2025 أدت لوقوع عشرات القتلى من الطرفين.
وقد انسحبت قوات الأمن السورية بعد رفض الهجري محاولتها لبسط الأمن وفرض حالة الاستقرار في السويداء بموجب اتفاق مع مشايخ عقل من الطائفة الدرزية رفضَه الشخصُ المذكور بشكل علني.
واتهم سوريون حكمت الهجري بدفع المحافظة إلى أن تصبح ملفا دوليا بعد دعوة الأخير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لما سماه "إنقاذ السويداء".
وعقب بيان الهجري بساعات قليلة، وتزامنا مع عمليات الجيش السوري في السويداء لحفظ الأمن، شن الجيش الإسرائيلي في 17 يوليو 2025 عدوانا كبيرا على سوريا، شمل غارات جوية على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات.
وهي: السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.
كما خرج نتنياهو، ببيان متلفز في 17 يوليو 2025، وتحدث عن وضع سياسات "لنزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب العاصمة السورية دمشق، من مرتفعات الجولان إلى منطقة جبل الدروز، وهذا أول خط".
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: إن "الخط الثاني هو حماية الدروز في منطقة جبل الدروز"، إلا أن الاشتباكات بقيت مستمرة بين قوات العشائر السورية والفصائل الدرزية المحلية الموالية للهجري.
وقد أعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا وسفير واشنطن في تركيا، توماس باراك، ليل 18 يوليو 2025 عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين دمشق وتل أبيب.
وقال باراك في منشور على منصة إكس: إن الطرفين السوري والإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، اتفقا على وقف إطلاق نار تبنته تركيا والأردن وجيرانهما.
وأضاف: "ندعو الدروز والبدو والسنة إلى إلقاء أسلحتهم والعمل مع الأقليات الأخرى على بناء هوية سورية جديدة وموحدة، في سلام وازدهار مع جيرانها".
كما أعلنت الرئاسة السورية وقفا شاملا لإطلاق النار في السويداء، و"فسح المجال أمام الدولة السورية، ومؤسساتها وقواتها، لتطبيق الاتفاق بمسؤولية، وبما يضمن تثبيت الاستقرار ووقف سفك الدماء".
بدورها أعلنت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء السورية، في 19 يوليو 2025 بأن المفاوضات التي جرت "برعاية الدول الضامنة" من دون أن تسميها، جرى الاتفاق فيها على “انتشار الأمن العام عبر نشر حواجز تابعة له خارج الحدود الإدارية للمحافظة”.
إلا أن الاشتباكات بين قوات العشائر والفصائل الدرزية المحلية الموالية للهجري، تواصلت في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأعلن المتحدث باسم العشائر السورية محمود الجار الله، في 19 يوليو 2025 بأن "مقاتلي العشائر سيعودون إلى ديارهم إذا طبق الاتفاق وانتشر الأمن الداخلي في السويداء".
وأضاف في تصريحات صحفية "يجب استئصال من يستنجد بالخارج، نحن مع القيادة السورية ووحدة التراب السوري".
ويرى كثير من السوريين أن الهجري أشعل فتنة في سوريا وقد وصفوه بـ "الخائن"، لا سيما بعدما دعا إسرائيل إلى التدخل.

"إيقاف المشروع الإسرائيلي"
وعن موقف العشائر، قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل السورية مضر حماد الأسعد لـ "الاستقلال": إن “فزعتها نحو السويداء هي ما أوقف المشروع الإسرائيلي في سوريا”.
وبيّن أن "العشائر السورية قلبت المعادلات العسكرية خلال الأيام الأخيرة في الجنوب السوري، وأظهرت أنها عندما تتّحد ستكون قوة عسكرية وسياسية واجتماعية في المعادلة المحلية".
وأضاف أن "فزعة العشائر ليس لقتال الدروز بل لفض النزاع وإرسال رسالة لكل أبناء الجبل بدورها في وأد الفتنة في ظل وجود طرف ثالث في الساحة عمل على نشر الفتنة بين مكونات الشعب السوري والممثل بهيمنة حكمت الهجري على قرار" الغالبية الدرزية.
وأشار الأسعد إلى "أن العشائر والقبائل في سوريا ينبغي أن تلعب دورا في حفظ السلم الأهلي وحماية الدولة السورية وفض النزاعات".
ولفت إلى أن "قوة العشائر تكمن في قُدْرتها على إفشال كل المخططات التي يريدون منها تقسيم أو تفكيك سوريا".
وأردف "أن أبناء العشائر السورية منذ أن انخرطوا في الجيش الحر لمواجهة (نظام بشار) الأسد ومليشياته عقب الثورة كانوا الرقم الصعب في المواجهات".
وما بدا واضحا ومن الناحية العسكرية، فإن قوات العشائر السورية لعبت دورا في تعقيد الحسابات الإسرائيلية في الجنوب السوري.
وهذا ما يشير إليه رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، بالقول: إن "العملية المضادة التي نفذتها العشائر السورية ضد مليشيات الهجري أربكت حسابات إسرائيل الأمر الذي أدى لتفاهمات جديدة في المنطقة".
وقال لـ"الاستقلال": إن "قوات العشائر نفّذت هجوما عكسيا يقف في وجه ممر داوود الإسرائيلي المار من الجنوب السوري، والذي يريد أن ينفذه نتنياهو عبر الأداة الرخيصة حكمت الهجري".
وتقوم فكرة "ممر داوود" على وصل إسرائيل بالعراق لإعادة حلم “الأرض الموعودة”، هدف الصهيونية النهائي.
و"الأرض الموعودة" هي “التي وعد الله بها نبيه يعقوب (إسرائيل) وفقا لتوراتهم”، ويقصدون بها تلك الأرض تلك التي تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق”.
وفور سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، جرى الحديث في إسرائيل عن تنفيذ مشروع "ممر داود" بمساعدة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهو خط بري يمتد من الجولان إلى شمال البلاد، بهدف إعادة تشكيل المنطقة، سياسيا وجغرافيا.
وكان الهجري طالب في 17 يوليو 2025 بفتح ممرات من محافظة السويداء، باتجاه مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي البلاد، ومن الأردن المجاورة.
وجاء ذلك، بعد رفض الهجري بسط الدولة السورية الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدم قوات الأمن نحو المحافظة، في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها بعد اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

"مراقبة التحركات"
وهاجم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، خطاب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بعد إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء، وإشادته بالعشائر العربية.
وقال الشرع خلال كلمة له في 19 يوليو 2025: “مع خروج الدولة من بعض المناطق بدأت مجموعات مسلحة من السويداء بشن هجمات انتقامية عنيفة ضد البدو وعائلاتهم ما أدى إلى تهجير جماعي للسكان وخلق حالة من الرعب والفوضى”.
وأردف: "هذه الهجمات الانتقامية التي ترافقت مع انتهاكات لحقوق الإنسان دفعت باقي العشائر العربية إلى التوافد لفك الحصار عن البدو داخل السويداء ما أدى إلى تصاعد التوترات، وتغيرات كبيرة في المشهد الأمني في سوريا”.
وأضاف الشرع “لطالما كانت العشائر العربية في سوريا رمزا للقيم والمبادئ النبيلة التي تدفعها للنفير ومساعدة المظلومين، وأثبتت عبر تاريخها مواقفها المشرفة في الوقوف إلى جانب الدولة السورية وتقديم الدعم والتضحية في مواجهة التحديات التي مرت بها البلاد،”.
كما كانت العشائر في العديد من الأوقات حائط صدّ ضد التهديدات الخارجية والداخلية، وأداة فاعلة في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، وفق الشرع.
وادعى ساعر خلال تصريحات صحفية في 19 يوليو 2025 أن خطاب الشرع “كان تعبيرا عن دعمه للجهاديين المهاجمين”، بينما أُلقي اللوم عليه في سقوط "الضحايا من الأقلية الدرزية المُعتدى عليها"، وفق تعبيره.
وأمام ذلك، فإن التطورات الجارية في السويداء، سمحت لإسرائيل بالتدخل تحت ذريعة حماية أبناء الطائفة الدرزية.
فمنذ سقوط نظام بشار الأسد، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي كل مواقع الأسلحة السورية الثقيلة، ضمن خطة أعلنتها تل أبيب تقضي "بجعل جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات".
ولهذا عقب التطورات الأخيرة في السويداء، عاد نتنياهو، وقال: إن تل أبيب ملتزمة بما سماه الدفاع عن السكان الدروز في سوريا، مشيرا إلى أن مصلحة تل أبيب تكمن في الحفاظ على الجنوب الغربي السوري منزوع السلاح.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن زحف أكثر من 50 ألف مقاتل من العشائر السورية بأسلحة خفيفة، بهدف تمكين الدولة السورية في نهاية المطاف من بسط سيطرتها على محافظة السويداء، لا يقلق إسرائيل.
وهذا ما يشير إليه الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان لـ "الاستقلال" بقوله: إن "ردة فعل العشائر لا أظن أنها تقلق إسرائيل إن لم يكن هناك تحركات أكثر تنظيما له في الجنوب السوري أو قرب الحدود".
وأضاف أن "إسرائيل ليس بوارد الدفاع عن المجلس العسكري في السويداء الموالي لحكمت الهجري، بل تريد أن يكون هناك حالة استقرار في دول الطوق، وهي تستثمر ما يجري في هذه المحافظة لضمان أمنها القومي".
وأردف: "ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة تجاه سوريا كانت بسبب دخول الجيش السوري إلى السويداء بالسلاح الثقيل في 13 يوليو 2025 لفض الاشتباك بين البدو وفصائل درزية".
واستدرك علوان قائلا: "لذلك أمام التطورات المتسارعة في السويداء ستعمل إسرائيل مع الأميركي لضمان متطلبات أمنها القومي من قبل الحكومة السورية، علاوة على أنها تستثمر ما يجري في المحافظة لتحقيق مكتسبات تفاوضية مع دمشق".
المصادر
- توماس باراك يعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل
- الرئاسة السورية تعلن وقفاً شاملاً لإطلاق النار وتدعو إلى الالتزام الفوري
- العشائر تخوض اشتباكات داخل السويداء والداخلية تنفي انتشار عناصرها
- الهجري يحرض ضد الحكومة السورية ويناشد ترامب ونتنياهو التدخل
- 50 ألف مقاتل من العشائر العربية في سوريا يقتربون من مدينة السويداء