انتقادات شعبية.. رسائل المغرب الحقيقية من التركيز على المهرجانات الفنية

"المهرجانات في هذه الظروف استفزاز لمشاعر المغاربة والإنسانية"
مع اختتام مهرجان "موازين" في العاصمة المغربية الرباط، تصاعدت الانتقادات الموجهة له ولباقي الفعاليات الفنية البعيدة عن الرسائل الإنسانية، خاصة مع إذاعة سهرة لأحد الفنانين تتضمن كلمات نابية.
وعلى مدار سنوات نظمت حملات وطنية معارضة لمهرجان "موازين" طالبت الوطنية بإلغائه، بصفته "وجها من وجوه الفساد والاستبداد، ويسهم في هدر المال العام".
واستغرب المواطنون من الإصرار على هذه المهرجات رغم تكاليفها المادية المرتفعة، وما الرسائل الحقيقية وهل التركيز عليها مقصود لأهداف أيديولوجية.
ثقافة الانحلال
وانتقد الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، السياسة الثقافية التي تنتهجها الحكومة المغربية.
وقال الريسوني لموقع "العمق المغربي" في 5 يوليو/ تموز 2025: إن هذه السياسة تُكرّس نماذج "سيئة" في المجتمع وتُقصي القيم الأسرية.
ولفت إلى أن "هناك إرادة لفرض نماذج معينة على المجتمع المغربي، وهذه هي المعركة الحقيقية التي يجب أن نخوضها ثقافيا وفكريا وإعلاميا".
من جانبها، قالت السياسية نعيمة بويغرومني: “في زمن صارت فيه القيم تُجلد على خشبات المسارح، والحياء يُنحر تحت أضواء الشهرة، بات لزاما أن نصرخ في وجه هذا العبث”.
وأضافت بويغرومني في مقال نشرته عبر موقع “العدالة والتنمية” في 4 يوليو أن "الوطن ليس ساحة مفتوحة لكل من باع نفسه لثقافة الانحلال، وليس حائطا قصيرا يتسلّقه كل متطاول على الأخلاق باسم الفن".
وتساءلت “كيف لنا أن نسكت، وقد أُقيم حفل لمدعوٍّ يتبجح بوقاحته؟.. هل هذا هو النموذج الذي نريد تقديمه لأبنائنا؟ أم أن الوطن صار مسرحا مفتوحا لمن لا خجل له؟!”
واستطردت: “ما شاهدناه في الحفل المسموم، ليس حدثا فنيا عابرا، بل هو فضيحة ثقافية، وانهيار أخلاقي، وتواطؤ رسمي مفضوح”.
كما تساءلت بويغرومني: “متى صار خدش الحياء العام بطولة؟ ومتى صار الانحراف حقا مشروعا؟ ومتى تحوّلت الكلمات البذيئة إلى إبداع؟”
وقالت: “من هذا المنطلق، نحن لا نلوم (طوطو) ومن هم على شاكلته فقط، بل نلوم الجهات التي رخّصت، والمجالس التي باركت، والهيئات التي صمتت، والجمهور الذي تراقص مترنحا…”.
وأضافت :فهل يُعقل أن نترك من لا يستحيي يُشكّل وعي شبابنا ويُدوّخ عقول المراهقين؟!"
واسترسلت "لله در أجدادنا حين قالوا: “الفن الذي لا يحترم الإنسان، لا يستحق أن يُسمّى فنًّا.”، وقالوا -وهم على حق- (وما أكثر الضجيج حين يغيب المعنى!)".
ولفتت بويغرومني إلى أنه “نحن اليوم أمام واقع مؤلم، تُفتح فيه خزائن المال العام لدعم من يُفسد الذوق العام، ويشيع الانحلال، بينما تُغلق الأبواب في وجه المبدعين الحقيقيين الذين يحملون هموم الوطن وينشرون الجمال والعقل والنور”.
وشكّل حضور مغني الراب المغربي "إلغراندي طوطو" واحدة من أبرز نقاط الجدل؛ حيث اشتعلت مواقع التواصل بانتقادات طاولت أسلوبه وكلماته "النابية" خلال الحفل.
استفزاز الإنسانية
وقال الحقوقي عزيز غالي: إن “أي متتبع للأحداث لا يمكنه إلا أن يدين قرار الحكومة لتنظيم مهرجان موازين في هذه الظروف، في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لإبادة بشكل يومي”.
وأضاف غالي خلال تصريحات صحفية في 29 يونيو/ حزيران 2025، أن "الحكومة دائما تتجه عكس مطالب الشعب المغربي. في حين هي مطالبة بإلغاء موازين والحكومة تتشبث بتنظيمه وكأنها تريد أن تقول أنها لا تسمع أحدا”.
وتابع: "على الشعب المغربي أن يرد على هذه الاستفزازات لأنه استفزاز ليس للمغاربة وفقط، ولكن للمشاعر الإنسانية أينما وجدت".
وأقيمت فعاليات المهرجان خلال الفترة بين 20 و28 يونيو 2025 في العاصمة الرباط، بماركة أكثر من مئة فنان من مختلف أنحاء العالم.
غير أن هذه النسخة، رغم جماهيريتها، لم تخلُ من الجدل الذي تنوع بين مشكلات تنظيمية وانتقادات لسلوك بعض الفنانين أو خياراتهم الفنية وحتى لحضورهم نفسه.
الباحث سليمان صدقي يرى أن "أغلب الشباب المدمن على المهرجانات ينتمي لشباب نييت NEET البالغ عددهم 4.5 ملايين. هذه الفئة لا تدرس ولا تشتغل وغالبا لا تتوفر على مؤهل علمي.. إنها قنبلة موقوتة يجب الحذر منها".
وأوضح صدقي في تدوينة عبر فيسبوك في 30 يونيو، أن ”معدلات الهدر المدرسي تصل إلى 300 ألف تلميذ سنويا، وحوالي نصف الطلبة يغادرون الجامعة دون دبلوم (يبلغ عدد الطلبة حوالي مليون)".
وأضاف “بمعنى أنه بين 2021 و2031 من المتوقع أن تحقق نسب الهدر المدرسي والجامعي أرقاما فلكية، بحوالي 8 ملايين شاب بدون شهادة وبمستوى تعليمي لا يسمح بولوج سوق الشغل وبدون خبرات ولا مهارات ولا تجارب…”.
ولفت صدقي إلى أنه “عشية ربيع 2011 الشبابي، كنا نعيش تقريبا نفس سياقات الوضع الحالي: ركود اقتصادي، تنامي الفساد، وهيمنة مطلقة على المشهد السياسي، صاحب ذلك تنامي غير طبيعي للمهرجانات حتى أضحى لكل دوار مهرجان؟”
واستطرد: "مع تدهور مؤشرات الأداء الاقتصادية والاجتماعية، وجب التفكير بجدية في إعادة قطار الديمقراطية إلى سكته، وإطلاق مسار إصلاحات اقتصادية واجتماعية قادرة على تجاوز حالة الركود والتراجع الحالية، وعدم التعويل على مهرجانات الإلهاء".
وشدد صدقي على أن “فعاليات المهرجات محدودة في الزمن والمكان والفئة المستهدفة من شباب (نييت).. الأخيرة تحتاج جهدا مضاعفا لإعادة إدماجها في الحياة العامة وفي أسلاك التعليم وخلق فرص شغل قارة وذات جودة ومستدامة …”.
انحدار المعنى
وقال الناشط المدني، زكريا النويني، إن " مهرجان موازين من أبرز الفعاليات الفنية في المغرب؛ إذ يستقطب سنويا فنانين من مختلف أنحاء العالم ويجمع مئات الآلاف من الحضور".
وأضاف النويني لـ"الاستقلال" أن "هذا المهرجان وغيره يثير جدلا داخل الأوساط المغربية، خاصة فيما يتعلق بتمويله، الذي تقول بعض الأصوات إنه يعتمد جزئيا على موارد عمومية في بلد يعاني من تحديات اجتماعية واقتصادية".
وأشار إلى أن "المهرجان يُنتقد لاهتمامه الكبير بالأسماء الفنية الأجنبية على حساب الفنانين المحليين، مما يثير تساؤلات حول أولوياته الثقافية".
ولفت النويني إلى أن "هناك ملاحظات متكررة حول مضمون بعض العروض وطبيعة الأجواء التي لا تنسجم، بحسب منتقدين، مع القيم المجتمعية المحافظة في المغرب".
واستدرك: "طبعا هذه السنة الغضب يزداد حدة بسبب تزامن المهرجان مع ما يحصل في قطاع غزة من حرب إسرائيلية مستمرة، ما جعل كثيرين يرون في مشاهد الاحتفال والرقص تناقضا صارخا مع حجم المأساة الجارية".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 197 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.
من جهته، انتقد الكاتب منير لكماني، الحفل الذي أحياه مغني الراب المثير للجدل "طوطو" ضمن فعاليات مهرجان موازين، معتبرا أن ما يُقدَّم لا علاقة له بالفن أو الثقافة، بل هو تعبير عن أزمة في الذوق العام وانحدار في المعنى.
وقال لكماني في مقال رأي: إن "المشكلة لا تكمن في حفل صاخب أو مهرجان مزخرف، بل في اقتناع تسلّل إلى العقول حتى صار الضجيج يُعتبر إنجازا، والجمهور معيارا للقيمة، والتصفيق بديلا عن الذوق".
وأضاف أن "هناك خللا أصاب بوصلة الذوق؛ حيث انقلب الصخب إلى فضيلة، وعدت الجرأة إبداعا، بينما تغيب الحدود بين الجرأة والانحدار.. كلمات بلا مضمون، إيقاعات مكررة، ورؤوس تهتز لا طربا بل انسياقا مع تيار عبثي يُسوَّق كأنه حداثة، بينما هو في الحقيقة فراغ مزيَّن بالمؤثرات".
ورأى لكماني أن "النبرة العالية أصبحت ستارا يُخفي فراغ المعنى، والكثرة لم تعُد ضمانة، بل مجرّد تبرير.. نعم، قد يحضر الآلاف، لكن ماذا يبقى بعد أن تنطفئ الأنوار؟ لا شيء سوى صدى في الفراغ".
واستطرد: "نحن في غاية الضيق من فرحٍ زائف، يُراد له أن يكون غطاء على التراجع، وسلاحا ضد كل من يجرؤ على السؤال".
وشدد لكماني على أن "المجتمعات لا تنهض حين تهتزّ، بل حين تصغي، ولا تنضج حين تحتفل، بل حين تعقل ما تحتفل به، ولعلّ الصمت -أحيانا- أنبل من الضجيج".