3 مشاريع قوانين جدلية.. هل تصلح انتخابات المغرب 2026 ما أفسدته 2021؟

"لا تتوفر أي ضمانات بشأن عدم استغلال القوانين الجديدة من قبل السلطة لمنع أي شخص من الترشح للانتخابات"
أثارت مقتضيات قانونية تتعلق بالمنظومة الانتخابية بالمغرب نقاشا واسعا بالمغرب، بين داعم لهدفها في محاربة ترشح “الفاسدين”، ومحذرٍ من مخالفتها لقواعد دستورية عدة.
حيث صادق مجلس النواب، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025، بالأغلبية على ثلاثة مشاريع قوانين تتعلق بمجلس النواب والأحزاب السياسية والعملية الانتخابية، بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت.
وينص المشروع على منع الأشخاص المتابعين بارتكاب جرائم، أو الصادرة في حقهم أحكام بالإدانة، وكذا الأشخاص الذين تم عزلهم من مهام انتدابية، من الترشح لعضوية مجلس النواب.
ويأتي هذا المشروع ضمن حزمة إصلاحات مؤسساتية أقرها المجلس الوزاري المنعقد يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025 برئاسة الملك محمد السادس.
وحسب بيان للديوان الملكي وقتئذ، فإن المشروع ينص على تحصين الدخول إلى المؤسسة النيابية أمام كل من صدرت في حقه أحكام قضائية تُسقط الأهلية الانتخابية، واستبعاد أي مترشح تم ضبطه في حالة التلبس بارتكاب جرائم تهدد سلامة العمليات الانتخابية.
وجاء في نص المشروع القانوني أنه يهدف بالأساس إلى تكريس وتقوية القواعد اللازمة لتخليق الحياة النيابية، وتحسين كيفيات تدبير العمليات الانتخابية، ودعم شفافية الاقتراع.
في السياق، أكد وزير الداخلية، بمجلس المستشارين -الغرفة الثانية للبرلمان- أن روح المسؤولية تَسم التحضير لموعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة، بغية جعلها فرصة لتأكيد متانة النموذج الانتخابي المغربي.
وأكد الوزير في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2 ديسمبر 2025، أن إنجاح المحطة الانتخابية المقبلة يقتضي العمل على ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتخليق الحياة السياسية.
ووصف الوزير المادة المتعلقة بمنع المتابعين قضائيا من الترشح للانتخابات بأنها "تُشكل قلب مشروع القانون"؛ لأن هدفها الأساسي هو "حماية المجلس والعملية الانتخابية".
واسترسل، ولذلك يجب الذهاب نحو تشديد الأمر، وبالتالي، في نظره، كان من المفروض أن تسير التعديلات في اتجاه التشديد. مضيفا أن الوزارة ستمنع استعمال المال وترشح أناس محكومين ومشتبه بهم.
تخوفات مشروعة
كلام الوزير جاء تفاعلا مع التخوفات التي أبدتها المعارضة بمجلس النواب، بشأن مدى احترام هذه المقتضيات الجديدة للقواعد الدستورية.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بووانو، دعم حزبه للأهداف المعلنة للانتخابات المقبلة من حيث كثافة المشاركة والتخليق وإبعادها عن الفاسدين.
وأشار بووانو إلى أن الانتخابات البرلمانية السابقة المجراة بتاريخ 8 سبتمبر 2021، شوهت صورة المغرب أمام العالم، في ظل وجود عشرات المتابعين والمجردين من صفتهم البرلمانية في السجون بتهم الفساد.
واسترسل، طبيعي أن يكون هناك رد فعل أمام هذا الوضع، ورد الفعل الذي بين أيدينا يقضي بمنع ترشح كل من كان في وضعية تلبس أو صدر عليه حكم ابتدائي أو يخضع لمتابعة قضائية.
وأضاف بووانو، نتفهم إرادة التخليق المعلنة، لكن هذه العملية شاملة ولا يمكن حصرها في شروط الترشح، بل تشمل التمويل، والدور التوعوي للإعلام العمومي، وحياد الإدارة المشرفة على الانتخابات، وأيضا الالتزام الأخلاقي للمترشح.
وذكر رئيس المجموعة النيابية أن "مراجع حزبه بشأن هذه المواقف محددة، وهي خطابات جلالة الملك والدستور". مشيرا إلى أن هناك قواعد دستورية تتعلق بحرية الترشح وقرينة البراءة يجب احترامها، وكذلك قرارات المجلس الدستوري في هذا الباب.
واسترسل، "بدل الانطلاق من المنع القانوني لمن يتابع قضائيا، وهو منع غير دستوري، يمكن التوجه نحو ميثاق أخلاقي ملزم توقع عليه الأحزاب السياسية بأن لا ترشح المفسدين أو كل من له أحكام ابتدائية جنائية".
من جانبه، رأى رئيس فريق "التقدم والاشتراكية" بمجلس النواب، رشيد الحموني، أن "المشكل الأساسي لنزاهة الانتخابات لا يكمن بالدرجة الأولى في النصوص القانونية بل في الممارسات".
وأضاف الحموني في كلمة باسم حزبه خلال الجلسة البرلمانية نفسها، "علما أن المفسدين يبحثون دائما عن وسيلة ما للتحايل على القوانين".
وعبر المتحدث ذاته عن أمله في أن يكون للسلطات المختصة دور إيجابي في تنقية الفضاء الانتخابي والمؤسساتي، دون إغفال مسؤولية الأحزاب في حسن اختيار المرشحين، ودور الإعلام الحر والمسؤول، والمجتمع المدني، والدور المصيري للمواطنين في المشاركة الواعية والعارمة.
وشدد أن سياقات المرحلة تفرض إجراء انتخابات تجسد فعلا الإرادة الحرة للمواطنين، والقطع مع الأساليب المسيئة للديمقراطية ولصورة ومكانة المغرب.

ترميم الثقة
في قراءته لهذه التفاعلات، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري رشيد لزرق، أن "التشديد الذي عبّر عنه وزير الداخلية يؤكد انتقال مؤسسات الدولة إلى مقاربة تقوم على إعادة ترميم الثقة الانتخابية كشرط سيادي قبل أن يكون إجراء تقنيا".
وشدد لزرق لـ "الاستقلال" أن "هذا التوجّه يعكس إدراكا بأن هشاشة المشاركة أو تضارب مسارات العملية الانتخابية يضعفان أساس الشرعية التمثيلية".
وتابع: "كما يؤثران في قدرة المغرب على تقديم نموذج ديمقراطي منضبط لالتزاماته الدولية، خصوصا في سياق تراهن فيه المملكة على دبلوماسية المؤسسات لتعزيز قوة مبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، والذي دعمه مجلس الأمن الدولي في قرار أخير".
وذكر الأستاذ الجامعي أن "المقاربة الصارمة هنا لا تُقرأ كتشديد أمني، بل كإعادة هندسة للحياد المؤسساتي عبر ضبط التمويل، وتدقيق لوائح الناخبين، وتحصين الحملات من اختلالات التأثير غير المشروع، بما يجعل العملية الانتخابية نفسها جزءا من القوة الناعمة للدولة".
في السياق ذاته، أكد الخبير السياسي وأستاذ القانون العام، رشيد لبكر، أن "منع الفاسدين من الترشح للانتخابات معناه فتح المجال أمام الوطنيين من أصحاب اليد النظيفة للاضطلاع بمهمة التمثيل الحقيقية".
وأضاف لبكر في تصريح لجريدة "الصحيفة" المحلية، أن النزاهة هي الأولى دائما، بل هي مقدمة حتى على الكفاءة. مقدرا أن هذا المقتضى الجديد يضمن تطهير العملية الانتخابية من كل الشوائب التي قد تؤثر على اختيارات المواطنين، وبالتالي إفراز الأنظف والأصلح من بين المرشحين.
وأشار الخبير السياسي إلى أن بعض الأحزاب تراهن في كسب المقاعد البرلمانية على أصحاب المال والمصالح ممن تحوم حولهم الشبهات، والذين لو مُنعوا من الترشح، ستنكشف حقيقة وضعف هذه الأحزاب في إقناع المواطنين.
وشدد لبكر على أن اختيار المرشح الأصلح هو من أهم أسس التطوير الذي سيضمن النزاهة التي يتطلع إليها المغاربة، كي تستجيب الانتخابات القادمة لتطلعات الجميع، لا سيما فئة الشباب.
وفي تحليله لتأثير استبعاد "الفاسدين" على المشهد السياسي المقبل، قال الخبير السياسي إن "غياب هؤلاء سيكون له أثر مؤكد، سواء من جهة إنتاج تمثيلية حقيقية تعبر عن خارطة سياسية صحيحة، أو من جهة إفراز الأحزاب ذات المصداقية من غيرها".
وأضاف أن هذا التوجه سيفتح المجال أمام الفعاليات النزيهة والغيورة لتحمل مسؤوليتها في واجب التمثيل والدفاع عن الصالح العام، وهو ما سيعيد التقدير للممارسة السياسية ويعزز الثقة بين المواطن والمؤسسة المنتخبة.
وبخصوص مؤشرات نزاهة الانتخابات القادمة، يرى لبكر أنه من الصعب الجزم منذ الآن، "لكن هناك مؤشرات تشجع على القول بأنها ستكون أحسن من سابقاتها". وفق تعبيره.
وأشار في هذا الإطار إلى النقاش الذي فتحته وزارة الداخلية بأمر من الملك محمد السادس مع الأحزاب كافة لتوفير الشروط المثلى لإجراء الانتخابات القادمة.

مشاكل قانونية
اكتسبت المنظومة الانتخابية بالمغرب مكانة متميزة وفق مراقبين، وذلك بصفتها المدخل المركزي لتجديد النخب التمثيلية وضمان التداول الديمقراطي على السلطة.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري حاتم إيوزي، أن هذه الأهمية هي التي تفسر حرص المشرع على إدماج ضوابط تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد الانتخابي ضمن النصوص المنظمة للعملية الانتخابية.
وأضاف إيوزي في مقال رأي نشره موقع "العمق المغربي" المحلي بتاريخ 26 نوفمبر 2025، "غير أن هذا الحرص قد ينزلق، أحيانا، نحو تغليب منطق الزجر على منطق الضمانات.
واسترسل، هذا التوجه يثير أكثر من سؤال حول مدى احترام هذا المشروع القانوني لقرينة البراءة، وللحق الدستوري في الترشح، ولمبدأ التناسب في تقييد الحقوق الأساسية.
وذكر الباحث الأكاديمي أن المادة موضوع النقاش تُعبر عن تصور جديد ومقلق لعلاقة الدولة بالمواطن المشتبه فيه أو المتابع أو المدان؛ حيث تشكل تراجعا واضحا عن المسار الحقوقي والدستوري الذي انطلق مع دستور 2011.
وأوضح، لأن حرمان أشخاص من حق الترشح لمجرد وجودهم في وضعية متابعة، أو بناءً على أحكام ابتدائية لم تكتسب بعد قوة الشيء المقضي به، يعني في الواقع وضع المتهم في نفس خانة المحكوم نهائيا، وتحويل الشبهة أو الحكم غير البات إلى عقوبة سياسية تنتزع حقوقا دستورية أساسية، قبل أن يقول القضاء كلمته الأخيرة.
وأشار إيوزي إلى أن دستور المملكة، في الفقرة الرابعة من الفصل 23، ينص بكل وضوح أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان، وأن الأصل في كل شخص أنه بريء إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي نهائي.
وزاد، الأمر هنا لا يتوقف عند قرينة البراءة فقط، بل يمتد إلى مبدأين آخرين لا يقلان جسامة، الأول، يرتبط بمبدأ التناسب – تناسب الجزاء مع الغاية المعلنة – كما استقر عليه الفقه الدستوري المقارن، والثاني، يتعلق بمبدأ المساواة وعدم التمييز في التمتع بالحقوق السياسية.
ونبه إلى أن الأشخاص المتضررين من هذه المادة قد تنتهي متابعاتهم بالبراءة أو بحفظ الملف، أو قد تخفف إدانتهم، أو يغير وصف الأفعال المنسوبة إليهم في مرحلتي الاستئناف أو النقض، بما يسقط عنهم الوصف الجرمي، بينما تكون "العقوبة الانتخابية" قد استنفدت مفعولها بمنعهم من خوض الانتخابات لدورة أو دورتين.
وعليه، يقول إيوزي، نحن إذن أمام عقوبة سياسية سابقة لأوانها، شبه نهائية من الناحية الواقعية والعملية، تتعارض مع فلسفة العدالة الجنائية الحديثة التي تجعل من العقوبة وسيلة للإدماج وإعادة البناء، لا آلية للوصم والإقصاء السياسي الدائم.
في زاوية أخرى من التقدير، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط عبد العلي حامي الدين، أن المادة المعنية لا تُوفر أي ضمانات بشأن عدم استغلالها من لدن السلطة لمنع شخص أو أشخاص من الترشح للانتخابات.
وأضاف حامي الدين في ندوة صحفية لحزب العدالة والتنمية بتاريخ 26 نوفمبر 2025، أنه بإمكان أحد رجال السلطة اتهام شخص ما بما يندرج ضمن الجنايات، وتبعا لذلك اعتقاله وتحويله للقضاء، وبالتالي حرمانه من الترشح.
ونبّه الأستاذ الجامعي إلى أن هذه التخوفات هي التي جعلت فقهاء القانون الدستوري يؤكدون على جملة مبادئ وجب احترامها في أي قضية، وعلى رأسها قرينة البراءة ومبدأ التناسب بين الجرم والعقوبة، وهو ما يعني عدم إمكانية حرمان أي مواطن من الترشح ما لم يصدر في حقه حكم نهائي.
وذكر حامي الدين أن ضمان عدم فوز الفاسدين يمر عبر ضمان الحياد التام والإيجابي لوزارة الداخلية، وقطع العلاقة مع أي شكل من أشكال التوجيه أو الضغط على المرشحين والناخبين، بصفتها الجهة المسؤولة عن النزاهة الشاملة للعملية الانتخابية.
كما حث المتحدث ذاته على توسيع دور السلطة القضائية في كل مراحل العملية الانتخابية عبر آليات المراقبة والزجر، وتمكين القضاة من الوسائل اللوجستيكية وتلقي الشكايات عبر خطوط مباشرة لمكافحة استعمال المال والمخالفات الانتخابية.
ودعا حامي الدين إلى رفع مستوى يقظة القضاء والإدارة في مراقبة مصادر وأحجام تمويل الحملات الانتخابية، والتصدي للمال المشبوه والرشا الانتخابية، وتجريم تسلم أي هبات أو مساعدات مقابل التصويت.
المصادر
- مجلس النواب يصادق على مشروع قانون حول اللوائح الانتخابية
- بووانو لوزير الداخلية: نريد لعملية تخليق الانتخابات المقبلة أن تكون شاملة ووفق القواعد الدستورية
- السيد لفتيت: روح المسؤولية الجماعية تسم التحضير للاستحقاقات التشريعية المقبلة
- المغرب يعتزم تنظيم أكثر الانتخابات "نزاهة" في 2026
- المادة 6 من مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25.. قراءة نقدية في ضوء قرينة البراءة والحق الدستوري في الترشح
















