فيتو إماراتي وتحفظ عماني.. لماذا لا يتحول مجلس التعاون إلى "اتحاد خليجي"؟

المسؤول القطري السابق أكد أن دعوته للاتحاد هدفها تجنب تبعات التقسيم
عاد إلى الواجهة مجددا مشروع انتقال دول الخليج من حالة التعاون إلى الاتحاد، وذلك في ظل تطورات كبيرة شهدتها المنطقة منذ أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لا سيما إضعاف المحور الإيراني، ومساعي إسرائيل لإقامة "شرق أوسط جديد".
ومنذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، شنّت إسرائيل هجمات مكثفة على "حزب الله" اللبناني، تسببت في مقتل معظم قادته وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، إضافة سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وشنت إسرائيل هجمات على اليمن، استهدفت فيها منشآت حيوية، منها: مطار صنعاء وميناء الحديدة ردا على صواريخ الحوثيين ضد الأراضي المحتلة، لتتبعها بهجوم واسع على إيران اندلعت على إثره معركة بين الطرفين استمرت 12 يوما بدءا منذ 13 يونيو/ حزيران 2025.

"مخططات التقسيم"
طرح مقترح الاتحاد هذه المرة جاء من رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم، الذي حذر دول مجلس التعاون الخليجي، من تبعات قال: إنها "تنسجم مع كل ما حصل في المنطقة أخيرا".
وأوضح ابن جاسم خلال تدوينة على حسابه بمنصة إكس" في 11 يوليو 2025 أن "هذه التبعات ستتم في عدة اتجاهات ومنها مخططات لتقسيم بعض الدول، مثل سوريا الشقيقة، أو فرض وضع يجعل هذه المنطقة تدفع أثمانا باهظة لسنوات طويلة قادمة".
وشدد على أن "دول مجلس التعاون الخليجي هي أول من سيلحق بها الضرر نتيجة لكل تلك التبعات، ولذلك يجب عليها أن تتفق فيما بينها على رؤية واحدة وواضحة حيال هذه التطورات والتبعات".
ولفت إلى أن "هذا الاتحاد لا يمكن أن يستمر في ظل الظروف الراهنة ما لم تكن كلمة القانون وليس القوة هي السائدة، لتسوية أي خلاف ينشأ بين أعضاء الاتحاد وتفسير أي مادة من مواد ميثاق تأسيسه".
وتابع: "حين يكون القانون كلمة الفصل فسيكون هناك اتحاد سياسي يضمن للجميع استقلال القرار الخليجي ويحمي الدول الأعضاء من أي تدخل في شؤونها الداخلية".
وأعرب المسؤول القطري السابق عن قناعته التامة بأن "دول الخليج قوية بما يكفي لتحقيق ذلك إذا توفرت الإرادة وصفت النفوس. ولو حدث ذلك فسيكون بداية لقيام اتحاد قوي وفاعل قد لا يكتب لي أنا أن أراه، بل سيراه أولادنا أو أحفادنا في المستقبل".
وأردف: "من أجل ذلك لا بد لنا من العمل بكل طاقاتنا كي نحفظ هذه المنطقة ليتسلمها أبناؤنا على خير حال".
وختم ابن جاسم بالقول: "كما نعلم جميعا فإن في الاتحاد قوة، ولكن ذلك يحتاج لبناء أساس سليم، وهذا الأساس ليس متوفرا للأسف في الوقت الحاضر. وأنا لا أتهم أي طرف، بل أقول إن اللوم يقع على الجميع".
وعلى تقدير أن حمد بن جاسم لا يشغل منصبا في الدولة القطرية حاليا، فإنه لم يصدر أي تصريح رسمي يمثل أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي على المقترح الذي طرحه الأخير.
"ضرورة حالية"
وفي المقابل، ردّت شخصيات خليجية- بعضها قريب من السلطات- على مقترح المسؤول القطري السابق؛ حيث ذهبت معظم الآراء إلى تأييد خيار الاتحاد الخليجي، لكن مع تباين في الأسس التي يقام عليها، والتي شدد ابن جاسم على أن يكون القانون حاكما فيها.
وقال الإعلامي السعودي داود الشريان، القريب من السلطات في المملكة: إن "المقترح الذي يقدم اليوم تحت عنوان القانون والعدالة، يبدو في هذا التوقيت أشبه بمن يسعى إلى تثبيت مخاوفه بدل أن يتجاوزها، في لحظة حرجة تتطلب تعزيز اللحمة لا تقنين التوجس".
الشريان وخلال ردّه الذي نشره في اليوم نفسه على منصة "إكس"، قال: "ليس في الخليج من يخطط لابتلاع الآخر، لكن هناك من يخشى ذلك لدرجة تعطل المشروع برمته".
وأكد الإعلامي السعودي أن "الاتحاد الخليجي ليس حلما مؤجلا، بل ضرورة حالية. ولا يمكن بناؤه بالأنظمة القانونية وحدها، بل بثقة صريحة تعترف بالفوارق بين الدول دون أن تخشاها أو تضخمها".
وتابع: "الحديث عن تفاوت الأحجام ليس دعوة لكبح أحد، ولا مدخلا للهيمنة، بل محاولة واقعية لفهم التوازن المطلوب لبناء مشروع مشترك، يقوم على دور لكل دولة، لا على قلق دائم من دور إحداها".
في المقابل، اتفق الصحفي الكويتي خالد الطراح، مع ما طرحه ابن جاسم، فقد رأى أن هناك "متغيرات ومستجدات تحتم إعادة النظر في الأهداف، وآليات العمل السياسي لمجلس التعاون من دون هضم حق كل دولة بالمحافظة على مصالحها، ولا إلغاء مصالح الدول الأخرى أو التقليل من قوتها، ونفوذها".
ورأى الطراح خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" أن "مجلس التعاون الخليجي بحاجة ملحة إلى مراجعة دقيقة من فريق محايد من سياسيين وخبراء ومراجع علمية لوضع تصورات جديدة تتلاءم مع متطلبات اليوم واحتياجات المستقبل".
وأيد رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني الكاتب الكويتي، أنور رشيد، طرح ابن جاسم، ورأى أن تغريدته "لها أهمية تاريخية بالغة على مستوى الأنظمة الخليجية أو شعوبها لحفظ أمنها ومكانتها".
وتفاعل صاحب حساب "الجنرال مبارك الخيارين" عل منصة "إكس"، واصفا ما طرحه المسؤول القطري السابق، بأنه يحمل معاني ومؤشرات عميقة تمس الوضع الراهن في المنطقة، ودعا دول الخليج إلى ضرورة "الاتفاق على رؤية واحدة وواضحة حيال هذه التطورات".

"فيتو إماراتي"
وعن فرص إعلان اتحاد كهذا، رأى الكاتب والباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري، أن "العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز هو أول من دعا إلى أن ينتقل المستوى الخليجي من التعاون إلى الاتحاد".
وأضاف الجبوري في حديث لـ"الاستقلال" أن "طرح العاهل السعودي موضوع الاتحاد سابقا كان هدفه الارتقاء إلى مستوى مواجهة التحديات، لكن كان هناك تحفظ من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة".
وأشار إلى أن "دعوة ابن جاسم إلى رفع هذا المستوى من التعاون إلى الاتحاد- والذي هو بلا أدنى شك يصب في صالح المنظومة الخليجية- أتصور سيواجه رفضا إماراتيا استمرارا لموقفها السابق".
واستبعد الجبوري أن يكون رفض إعلان الاتحاد بتدخل إسرائيلي أو ضغط غربي، لأن المنظومة الخليجية تتوافق في سياساتها الخارجية مع الجانب الغربي عامة، والأميركي خصوصا، وتتمتع هذه الدول بصداقات وعلاقات إستراتيجية.
ولفت إلى أن “بعض هذه الدول – بحكم المساحة الجغرافية وعدد السكان- تعد قوى صغيرة وإن امتلكت ثروة معدنية وقوة مالية”.
ولذلك ألمح إلى أن دولا أخرى لا تقيم الآخرين بنفس المستوى التي تنظر فيع لنفسها، مبينا هنا أن الإمارات لها نهجها داخل المنظومة الخليجية، فيما ترى السعودية نفسها قوة إقليمية.
وخلص إلى أن “دولة الإمارات تحديدا ستتحفظ على موضوع الاتحاد لأن لها سياستها (المستقلة) في المنطقة”.
وأردف: "فهي أكثر الدول العربية التي لها علاقة بالجانب الإسرائيلي، وهذا ليس من مصلحة دول خليجية ترى أن هكذا انفتاح مع الكيان الصهيوني يمكن أن يكون من دون ثمن".
كما يعتقد الجبوري أن "هناك بعض الدول الخليجية الصغيرة لا تريد أن يتحول التعاون إلى اتحاد، لأن الثقل سيكون للسعودية كونها المؤهلة إقليميا بحكم الموقع الجغرافي والنسمة السكانية والقوة الاقتصادية والعسكرية التي تمتلكها".
ورغم استمرار التعاون الخليجي سواء في الترابط السككي والمواصلات، والاتجاه نحو توحيد العملة، ومشاريع كثيرة، فإن دعوة ابن جاسم تؤكد عدم وصول هذه الدول إلى حالة الاتحاد.
وقال الجبوري: إن “إحياء هذه الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع، يصب بلا شك في مصلحة المنظومة وينعكس على الواقع العربي، لا سيما في مجال الأمن القومي”.
ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي بين ستة دول خليجية (السعودية، قطر، الإمارات، عُمان، الكويت، البحرين) في 25 مايو/ أيار 1981، كانت فكرة الاتحاد مطروحة بوصفها هدفا نهائيا للتكامل بين هذه الدول.
وفي قمة مجلس التعاون التي عقدت في الرياض عام 2011، اقترح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مبادرة تهدف إلى تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي.
وتأتي هذه المبادرة متوافقة مع المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون، والتي تنصّ على "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات وصولا إلى وحدتها".
وفي عام 2013، وقبيل انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي، أعلنت عُمان رفضها البقاء كعضو في مجلس التعاون إذا جرى تحويله إلى اتحاد، حسبما أوضح وزير الشؤون الخارجية السابق في السلطنة، يوسف بن علوي.
وأكد ابن علوي في حينها خلال تصريح لصحيفة "الحياة" السعودية، أن التماسك بين دول الخليج لم يبلغ بعد مستوى يسمح بتحويل مجلس التعاون إلى "اتحاد"، كما تطمح بعض الدول الأعضاء.
وأشار إلى أن نظام المجلس، الذي ينصّ في المادة الرابعة على أنه يستهدف الوصول إلى الوحدة، تمت صياغته في زمن القومية العربية، الذي قال: إنه "صار غير ممكن التطبيق"، لذلك فإن بلاده ترى أفضلية "ترحيله للأجيال المقبلة".