"دازن" البريطانية في حضن "سرج" السعودية.. المال الرياضي يخدم نتنياهو ويبيد غزة

داود علي | منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في وقت يقصف فيه المدنيون الأبرياء في قطاع غزة وتطمر معالم هذه المنطقة المحاصرة تحت الأنقاض، اختارت بعض الأنظمة في الشرق الأوسط توسيع الشراكات لا مع ضحايا العدوان، بل مع مُموّلي الكيان الإسرائيلي.

ففي مشهد يعكس تناقضا صارخا بين الصور المعلنة والمصالح الخفية، أعلنت المملكة العربية السعودية، عبر ذراعها الرياضي "شركة سرج"، عن استثمار ضخم في شبكة البث البريطانية "دازن". 

وهي شبكة مملوكة لرجل الأعمال اليهودي الأميركي ليونارد بلافاتنيك، أحد أبرز الداعمين لإسرائيل سياسيا وماليا وإعلاميا، خاصة بعد بداية العدوان على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

طبيعة الصفقة

ورغم أن الصفقة جرى تسويقها بصفتها قفزة نوعية في قطاع البث الرياضي، فإن تتبع خيوط المال والإدارة يكشف عن شبكة علاقات معقدة ومتشابكة مع الاحتلال الإسرائيلي، ودور الرجل في العدوان على غزة وقمع التضامن الدولي مع الفلسطينيين.

وهو ما أدى إلى تحقيقات سلطت الضوء على التحالف بين "دازن" البريطانية و"سرج" السعودية، التي أصبحت شريكا إستراتيجيا في منصة يقودها أصحاب النفوذ الأكثر دعما لإسرائيل في الإعلام الرياضي العالمي.

وكشف موقع "صحيح مصر" في 15 يوليو/ تموز 2025، عن طبيعة التعاون والشراكة بين شركة "سرج" السعودية للبث الرياضي، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة "دازن" البريطانية.

وهذا الموقع يتبع لمنظمة "التحقق العربي" البحثية غير الربحية، التي تحظى بشراكة مركز أبحاث التنمية الدولية الكندية “IDRC".

وذكر الموقع أنه تزامنا مع افتتاح بطولة كأس العالم للأندية (14 يونيو/حزيران - 13 يوليو 2025)، فوجئ كثير من المشاهدين في العالم العربي بظهور شبكة بثّ رياضي لم تكن مألوفة من قبل، وهي "دازن" الرقمية.

وقد نالت الشبكة استحسان المتابعين بسبب جودة البث والصورة العالية، دون أن يدرك كثيرون أن خلف هذا البث المتقن تقف شبكة مصالح معقدة، تجمع بين ملياردير داعم لإسرائيل وذراع استثماري سعودي رسمي.

فقبل أربعة أشهر فقط من افتتاح البطولة، أعلنت السعودية عن ضخّ شركة سرج للاستثمار الرياضي، استثمارا ضخما بقيمة مليار دولار في شبكة "دازن". 

لم يكن هذا مجرد استثمار مالي، بل شمل أيضا اتفاقا لإنشاء فرع إقليمي للشبكة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يمنح المملكة دورا فاعلا في البنية التحتية للبث الرياضي الرقمي في المنطقة.

وبحسب بنود الاتفاق، حصلت "سرج" على أكثر من 5 بالمئة من ملكية "دازن"، إلى جانب شراكة في المشروع المشترك لتوسيع نشاط الشبكة في العالم العربي.

ما علاقة إسرائيل؟

مالك “دازن” هو الملياردير الأميركي اليهودي ليونارد بلفانتيك، أحد أغنى رجال الأعمال في بريطانيا، وصاحب سجل طويل في دعم إسرائيل ماليا وإعلاميا وسياسيا، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023.

ففي عام 2014، تبرع بلافاتنيك بـ 20 مليون دولار لصالح جامعة تل أبيب، وفي عام 2021، مول إنشاء خمسة مراكز بحثية في الجامعة نفسها، وخصص تمويلا كبيرا لمركز الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.

كما يمتلك حصة حاكمة في القناة 13 الإسرائيلية، التي كانت تعرف سابقا بمواقفها المعارضة لحكومة بنيامين نتنياهو.

لكنه عين إدارة جديدة موالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وحوّلها إلى منبر داعم للحكومة، الأمر الذي فجر موجة احتجاج من صحفيي القناة.

وفي أعقاب مجازر غزة، لعب بلافاتنيك دورا أعمق ضمن غرفة دردشة سرية عبر "واتساب" جمعت أثرياء يهودا في أميركا، بينهم جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهوارد شولتز مؤسس ستاربكس. 

هدفت هذه المجموعة إلى تغيير الخطاب الإعلامي الأميركي لصالح إسرائيل، وتمويل أفلام دعائية داعمة لجيش الاحتلال.

وكذلك الضغط على عمداء الجامعات الأميركية لقمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، ودعم الشرطة في مدينة نيويورك ماليا لقمع احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا المناهضة لإسرائيل.

بل إن بلافاتنيك شريك صندوق الاستثمارات السعودي، عرض بنفسه تمويل رواتب محققين خصوصيين لمساندة شرطة نيويورك، بحسب تحقيق لصحيفة واشنطن بوست نشر في مايو/أيار 2024.

رجل أعمال إسرائيلي 

وإلى جانب بلافاتنيك، يتولى إدارة "دازن" المدير التنفيذي شاي سيجيف، وهو رجل أعمال إسرائيلي الجنسية.

عمل سيجيف سابقا في شركة "Entain" البريطانية المتخصصة في المراهنات، والتي اضطرت إلى دفع 585 مليون جنيه إسترليني كتسوية في قضايا فساد جمركي خلال فترة إدارته. 

وقد ظهر أكثر من مرة في صور علنية حديثة إلى جانب رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، في إعلان عن "الجولة الثالثة" للشراكة بين السعودية والشبكة.

وهناك مسألة أخرى تتعلق بأهمية الشراكة بين "سرج" السعودية و"دازن" التي لم تكن في أفضل أحوالها قبل الصفقة مع المملكة. 

ففي عام 2023، تكبّدت خسائر وصلت إلى 1.4 مليار دولار، بعد أن سجلت 1.2 مليار دولار في العام الذي سبقه، وهو ما دفع بلافاتنيك لضخ 827 مليون دولار من أمواله الخاصة لإنقاذ الشبكة.

ولم يكفِ ذلك، بل اضطرت "دازن" إلى الحصول على قرض بقيمة مليار دولار إضافي عام 2025، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.

هنا برز الدور السعودي بصفته حبل النجاة للشبكة المتعثرة، في صفقة يرى البعض أنها أكبر من مجرد استثمار رياضي.

فبعد الشراكة مع “سرج” حصلت "دازن" على حقوق البث الرقمي لبطولة كأس العالم للأندية، كما حازت على حقوق بث مباريات الدوري السعودي في أوروبا، لا سيما بريطانيا وألمانيا. 

وإلى جانبها، حصلت شبكة "إم بي سي" السعودية على حقوق البث الفضائي في المنطقة العربية.

مفارقة مؤلمة 

ولم تكن شراكة "سرج" السعودية مع شبكة "دازن" المملوكة لممول داعم لإسرائيل، سوى حلقة في سلسلة خطوات متسارعة نحو تطبيع رياضي متصاعد في المملكة. 

فقد أثارت موجة من الغضب والانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي في 12 يوليو 2023، على إثر مشاركة لاعبين إسرائيليين في بطولة "الفيفا الإلكترونية" التي استضافتها السعودية، في مشهد وصفه ناشطون بأنه "تطبيع مقنع" من بوابة الرياضة.

وزاد من حدة الجدل آنذاك، نشر الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقطعا مصورا يظهر الوفد الإسرائيلي يحمل علم الاحتلال داخل أراضي المملكة، في سابقة أثارت تساؤلات حول حدود ما بات مسموحا به في الفضاء الرياضي السعودي.

وقد أصدرت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) بيانا شديد اللهجة، استنكرت فيه السماح الرسمي بمشاركة وفد رياضي من الكيان في فعالية تقام على أرض الحرمين. 

ورأت أنه كان الأولى بالمملكة أن تحتذي بمواقف بلدان كإندونيسيا وماليزيا، التي رفضت سابقا استضافة أي مشاركات إسرائيلية، انسجاما مع مواقف الشعوب وكرامة الضحايا.

وأضاف البيان أن المفارقة المؤلمة تكمن في خضوع الرياض لما وصفته بـ"إملاءات فيفا".

وجاء ذلك بعد أشهر فقط من موقف مشرف للشعب الإندونيسي الذي أجبر اتحاد بلاده على رفض استضافة منتخب الاحتلال في بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 عاما، احتراما للدم الفلسطيني ورفضا للتطبيع.

وزير الرياضة السعودي

وفي تأكيد رسمي على المنحى المتسارع نحو تطبيع رياضي علني مع الاحتلال، أعلن وزير الرياضة السعودي عبد العزيز بن تركي الفيصل أن الرياضيين الإسرائيليين يشاركون بانتظام في البطولات الدولية المقامة داخل المملكة. 

وجاءت تصريحات الوزير خلال مقابلة مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، في 31 يناير/ كانون الثاني 2025؛ حيث قال بوضوح: "ليس لدينا مشكلة في قدومهم والمنافسة، ولقد لعب بعض الرياضيين الإسرائيليين هنا خلال الحرب على غزة".

وأضاف أن هذه المشاركات "لا ترتبط بأي قرار سياسي"، مؤكدا أن العلاقات الرياضية يجب أن تبقى منفصلة عن السياسة.

ورغم تأكيده على دعم الحكومة السعودية للقضية الفلسطينية "على المستوى الحكومي"، فإن تصريحاته عكست موقفا متساهلا إزاء حضور رموز رياضية من دولة الاحتلال إلى المملكة. 

وذلك في وقت يتواصل فيه القصف الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، ويتصاعد الغضب الشعبي العربي والإسلامي من موجات التطبيع الناعمة، خاصة عبر البوابة الرياضية.

ويأتي استثمار المملكة في شبكة مملوكة لأحد أبرز ممولي آلة الدعاية الإسرائيلية، ليكشف حقيقة ادعاءات وزير الرياضة السعودي بشأن الفصل بين الرياضة والسياسية.

وفي مشهد يعكس نظرة إسرائيلية واضحة لطبيعة التحولات الجارية في المنطقة، صرّحت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هاسكل، في 18 يوليو 2025،  بأن على السعودية أن تحدد موقفها صراحة، إما الانضمام إلى دائرة التطبيع، أو البقاء في صف القضية الفلسطينية.

وعند سؤالها حول إمكانية إتمام التطبيع مع المملكة دون الحاجة للاعتراف بدولة فلسطينية، لم تخف حماستها، قائلة: "أعتقد حقا أن ذلك ممكن"، وأضافت بصراحة لافتة: "الكرة الآن في ملعب السعودية".