"توقيت إيراني".. لماذا استأنف الحوثيون هجماتهم على السفن بشكل أقوى؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

على وقع استئناف “الحوثيين” الهجمات ضد السفن في البحر الأحمر بعد توقف دام أشهرا، برزت تساؤلات عدة تتعلق بتوقيت هذا التطور، إضافة إلى مدى إمكانية عودة الولايات المتحدة لشن ضربات عسكرية على اليمن التي توقفت منذ مايو/ أيار 2025.

وفي ظرف أسبوع واحد فقط، وتحديدا خلال يومي 7 و 8 يوليو 2025، استهدف الحوثيون سفينتي الشحن اليونانية "إترنيتي سي" و"ماجيك سيز" وإغراقهما في مياه البحر الأحمر، وذلك على خلفية “توجههما إلى موانئ إسرائيلية”.

اتهامات لإيران

وعلى ضوء هذه التطورات، أدانت الولايات المتحدة استهداف الحوثيين للسفينتين، ووصفتها بـ"الإرهابية وغير المبررة"، وترى أن هذه الأفعال تبرز "التهديد المتواصل الذي يشكله الحوثيون المدعومون من إيران على أمن الملاحة والتجارة في المنطقة".

وقالت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، دوروثي شيا، إن "الولايات المتحدة ملتزمة بحرمان الحوثيين من الموارد التي تموّل أنشطتهم الإرهابية"، مطالبة مجلس الأمن بضرورة العمل على إنهاء العراقيل التي تعيق عمل فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني باليمن.

واتهمت دوروثي شيا خلال بيان لها في 10 يوليو، طهران باستمرار التنسيق مع الجماعة اليمنية، بالقول: "الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر وتنسيقهم مع إيران لضرب إسرائيل يبرهن على الحاجة إلى يقظة مستمرة من جانب مجلس الأمن".

وقبل ذلك وخلال بيان لها في 8 يوليو، وصفت وزارة الخارجية الأميركية هذه الهجمات بأنها "تعكس التهديد المتواصل الذي يشكله المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على حرية الملاحة والأمن الاقتصادي والبحري على المستوى الإقليمي".

وقال البيان: "لقد كانت الولايات المتحدة واضحة لناحية أننا سنواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حرية الملاحة والشحن التجاري من هجمات الحوثيين الإرهابية، التي ينبغي أن يدينها المجتمع الدولي بأسره".

وفي السياق ذاته، ألمح وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، بشكل أو بآخر إلى أن طهران تتحمل مسؤولية ما أقدمت عليه الجماعة اليمنية كونها هي من تدعمها، بقوله: إنه "يُتوقع من إيران أن تمارس نفوذها على الحوثيين في اليمن لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر". 

وذكر فاديفول خلال مؤتمر صحفي في فيينا مع نظيريه الإسرائيلي والنمساوي، أن "الهجمات تظهر حاجتنا إلى تفاهم مع إيران بشكل عام، ليس فقط فيما يتعلق بتطوير الأسلحة النووية، بل أيضا فيما يتعلق بسلوك طهران الإقليمي".

من جهتها، قالت السفارة البريطانية لدى اليمن عبر بيان لها في 13 يوليو: إن "استهداف السفن المدنية وحرية الملاحة في البحر الأحمر يعد انتهاكا للقانون الدولي وحرية الملاحة".

وشددت على أن "استمرار هذه الهجمات يهدد بعرقلة تدفّق السلع عبر المنطقة، ويُبعد آفاق التسلسل لاستدامة السلام"، مشددة على ضرورة أن "يوقف الحوثيون هجماتهم فورا".

وتعد هذه أولى الهجمات، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في 6 مايو 2025، إيقاف الضربات العسكرية على اليمن، وذلك بعد "استسلام" الحوثيين والتوقف عن هجماتهم في البحر الأحمر، وأكد في حينها أنهم "لن يفجروا سفنا بعد الآن".

لكن رئيس "اللجنة الثورية العليا" للحوثيين محمد علي الحوثي، أكد عبر منصة "إكس" في 8 مايو، أن “عمليات اليمن كانت ولا تزال إسنادا لغزة لإيقاف العدوان”، وأن وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة لا يشمل وقف هجمات الجماعة على إسرائيل.

ورقة إيرانية

وبخصوص توقيت استئناف الحوثيين للهجمات، رأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أنه "مرتبط بطهران أكثر من أي جهة أخرى في الإقليم، وأن طبيعة الاستهدافات مختلفة عن سابقاتها، كونهم كانوا يناورون ويطلقون الصواريخ فإما تصيب أو تخيب".

وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أن "موجة الهجمات الحوثيين الأولى للسفن طالت سفينتين على مدار عام كامل، لكن هذه المرة هناك استهداف بواسطة قوارب مفخخة  قبالة مدينة الحديدة، بمعنى أن مساحة المناورة ضيقة جدا، وهذا زاد من الأثر المباشر للهجمات".

وأشار إلى أن "الهجمات الحالية تختلف من حيث الجرأة في تدمير السفن أو في قتل الطواقم البحرية لها، وهذا يشير إلى رغبة الحوثيين وإيران معا إلى رفع الكلفة في البحر الأحمر".

وأعرب التميمي عن اعتقاده بأن "إيران ترغب من خلال الهجمات الحوثية في تقوية أوراقها التفاوضية في ملفها النووي؛ لأن الحوثيين توقفوا في المرة الماضية حتى عن استهداف السفن، لكنهم استأنفوها حاليا، وأقرأ ذلك بأنه توقيت إيراني بامتياز". 

ولفت إلى أن "أسلوب تنفيذ الهجمات متقدم هذه المرة عن السابق ومغامر إلى حد كبير وهدفه إلحاق أضرار مادية واضحة للملاحة الدولية وتوجيه الصدمة لها، وهذا ترك أثره بشكل مباشر؛ لأن التأمين ارتفع بشكل كبير وجنوني بعد هذه الهجمات".

وبناء على ذلك، يعتقد التميمي أن "هذا الأمر (ارتفاع التأمين) سيلحقه إما تفاوض مع الحوثيين وإيران، أو الترتيب لهجمات لا أحد يعلم بتوقيتها ولا بطبيعتها أو نتائجها".

وبحسب التميمي، فإنه "هناك من حاول أن يروّج إلى أن وقف إطلاق النار في 6 مايو، حصل باتفاق بين واشطن والحوثيين، لكن حقيقة الأمر هو أن الحوثي أبدى رغبة في إيقاف هجماته، وعدم التعرض بشكل أكبر للضربات الأميركية، وتم هذا الأمر عن طريق سلطنة عُمان".

وأردف: "كانت هذه تخريجة مناسبة لترامب الذي خرج للعالم وأعلن أن الحوثيين استسلموا، وأنا أوقفت الضربات، لكن المسألة لم تكن اتفاقا وبنودا، لذلك الآن الحوثيون استأنفوا الضربات".

وعن احتمالية عودة الولايات المتحدة شن هجماتها ضد الحوثيين، رأى التميمي أن "هذا الأمر سيعتمد بشكل أساسي على مدى قدرة الجانب الإسرائيلي في تحريض الأميركي على استئناف الضربات على مواقع الحوثي وأسلحتهم، وربما يكون الرد نوعيا أو لا يكون".

وأكد أن "الضربات الحوثية الآن ورقة ضغط تحسب لإيران وهي المستفيدة منها، إضافة إلى أن منطق القوى الغربية هو ضعيف خصوصا إذا كانت هذه السفن بالفعل وجهتها إلى إسرائيل؛ لأنها هدف عسكري وفقا لقواعد الاشتباك، ولا يمكن للغرب الحديث عن اعتداءات في ظل تجاهل الإبادة في غزة".

"أميركا لن ترد"

وفيما إذا كانت واشنطن سترد على استئناف الحوثي للهجمات، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أميركي كبير (لم تسمه)  إنه "طالما لم يطلق الحوثيون النار على السفن الأميركية، فإن الولايات المتحدة ترى أن الحوثيين ملتزمون بشروط وقف إطلاق النار".

ولفت المسؤول الأميركي في 13 يوليو، إلى أن الجهود الدولية لحماية الممرات البحرية أصبحت أقل قوة في الأشهر الأخيرة؛ حيث أصبح عدد أقل من القوات البحرية لديه القدرة على مواجهة ترسانة الحوثيين المتطورة بشكل متزايد.

ونقلت الصحيفة أيضا عن إيلي شفيق، رئيسة قسم الاستخبارات البحرية في شركة “فانجارد تك” البريطانية للحلول الرقمية، قولها: "هذا أسوأ ضرر ألحقوه (الحوثيون) خلال 48 ساعة، إنه الأسوأ من حيث عدد الهجمات الناجحة والمركّزة".

وبحسب تقرير لوكالة "رويترز" في 11 يوليو، فإن الحوثيين أغرقوا سفينتي شحن في البحر الأحمر (إترنيتي سي، وماجيك سيز)، في أول تصعيد منذ سبعة أشهر في الحملة التي تشنها الجماعة المتحالفة مع إيران منذ سنتين تقريبا لخنق حركة الملاحة العالمية.

وتسبب الهجوم على "إترنيتي سي" بمقتل أربعة بحارة قتلوا خلال الهجمات، وجرى إنقاذ 10 بحارة في حين فقد 11 آخرون، بينما جرى إجلاء جميع أفراد طاقم "ماجيك سيز" إلى جيبوتي على متن سفينة تجارية عابرة.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، شن الحوثيون أكثر من 100 هجوم على السفن ، وأغرقوا أربع سفن واستولوا على أخرى وقتلوا ثمانية بحارة على الأقل، وفقا للتقرير.

ففي 21 أغسطس/آب 2024، تعرضت الناقلة اليونانية المسجلة "سونيون"، والتي تحمل 150 ألف طن من النفط الخام، لضربة بعدة صواريخ وطائرات مسيرة واشتعلت فيها النيران، وأن الأمر استغرق شهورا لحين إعلان سلامة السفينة وإزالة الشحنة.

وقبلها غرقت ناقلة الفحم اليونانية "توتور" في يونيو 2024، بعد أيام من قصفها بصواريخ وقارب محمل بالمتفجرات يتحكم فيه الحوثيون عن بعد قرب ميناء الحديدة اليمني. 

ولم يُعثر قط على أحد أفراد الطاقم الذي يُعتقد أنه كان يعمل في غرفة محرك السفينة، بينما أجلي الباقون وأعيدوا إلى أوطانهم.

وفي مارس/ آذار 2024 أدى هجوم صاروخي للحوثيين إلى مقتل ثلاثة بحارة على متن السفينة اليونانية (ترو كونفيدنس) التي ترفع علم باربادوس، في أول حصيلة وفيات معروفة جراء هذه الهجمات. 

وتعرضت السفينة "روبيمار" المملوكة لبريطانيا إلى ضربة بصواريخ متعددة في فبراير/ شباط 2024، لتصبح أول سفينة يغرقها الحوثيون، وغرقت في الثاني من مارس من العام نفسه.

وتعرضت السفينة اليونانية "زوغرافيا" التي كانت تبحر من فيتنام إلى إسرائيل وعلى متنها طاقم من 24 فردا، إلى الهجوم قبالة ميناء الصليف اليمني في يناير/ كانون الثاني 2024، وفقا للتقرير.

وكانت أول سفينة هاجمها الحوثيون هي (جالاكسي ليدر) البولندية، والتي ترفع علم جزر الباهاما، واحتجاز طاقمها (25 فردا) في المياه الدولية في نوفمبر 2023، لكن لم يفرج عنهم إلا في يناير 2025، أي بعد أكثر من عام من احتجازهم.