خيار محتمل.. ماذا يعني زيادة إيران تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة؟

"إيران لم تعد تقبل دبلوماسية أحادية الجانب تتيح لأوروبا إلحاق الضرر بها دون تكلفة"
في الآونة الأخيرة، يجري الحديث عن تداعيات التهديد الأوروبي بتفعيل "آلية الزناد" (Snapback) لإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، بالتزامن مع تصاعد التوتر بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني بعد العدوان الأميركي الإسرائيلي الأخير.
وفي السياق، يرى موقع "وطن أمروز" الإيراني أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، التي عد فيها تفعيل الآلية بمثابة "هجوم عسكري" ونهاية للدور الأوروبي في الملف النووي، تعكس تحولا إستراتيجيا في نهج طهران الخارجي.
وذلك في ظل دروس مستخلصة من التجارب الأخيرة، لا سيما الدعم الأميركي–الإسرائيلي للهجمات على البنية التحتية النووية الإيرانية.
ويستعرض التقرير السيناريوهات الزمنية لتفعيل الآلية، مشيرا إلى محدودية الفرصة القانونية المتاحة أمام أوروبا مع اقتراب موعد "بند الغروب" في أكتوبر/ تشرين الأول 2025.
كما يرصد الخيارات المتعددة المتاحة أمام إيران، بدءا من الردود السياسية والدبلوماسية، وصولا إلى الردود النووية التقنية كرفع مستوى التخصيب وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلا عن تهديدات إقليمية غير مباشرة.

آلية الزناد
وفي سياق الرد على تهديدات المسؤولين الأوروبيين بتفعيل "آلية الزناد"، رأى عراقجي، أن تفعيل هذه الآلية يعادل هجوما عسكريا، محذرا من أن هذا الإجراء سيعني نهاية دور أوروبا في البرنامج النووي السلمي الإيراني.
وتعكس هذه التصريحات استعدادا لتحول إستراتيجي في السياسة الخارجية الإيرانية. بحسب التقرير.
واستند إلى "التجارب الأخيرة، لا سيما الإجراءات الأميركية، كمرسوم دونالد ترامب التنفيذي الداعي إلى دفع الحلفاء لتفعيل آلية الزناد، والهجمات العسكرية على البنية التحتية النووية الإيرانية دعما للكيان الصهيوني".
وأوضح التقرير أن "تهديد أوروبا بتفعيل آلية الزناد، إلى جانب الأعمال العدائية الأميركية، وضع إيران في موقع لم يعد يسمح لها بالاستمرار في دبلوماسية أحادية".
وشدَّد على أن "الردود الإيرانية الحاسمة، مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وتعزيز البحث والتطوير النووي، بل وحتى التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، تعكس إصرار طهران على الدفاع عن مصالحها الوطنية".
وفي هذا السياق، أكد عراقجي أن "تفعيل آلية الزناد تعني نهاية الدور الأوروبي في الملف النووي الإيراني".
فيما صرح حسين بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن "تفعيل الآلية يأتي في إطار مواجهة إيران وسيلقى الرد المناسب".
أوضح التقرير أن آلية الزناد، المدرجة ضمن الاتفاق النووي، تتيح لأي طرف من أطراف الاتفاق -باستثناء الولايات المتحدة التي انسحبت عام 2018- تقديم شكوى إلى اللجنة المشتركة للاتفاق في حال حدوث خرق للالتزامات.
وبين أن هذه الآلية تتضمن سلسلة من مراحل تسوية النزاعات، والتي قد تؤدي، في حال عدم التوصل لحل خلال نحو 60 يوما، إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي.
كما أشار التقرير إلى أن "تصميم هذه الآلية يجعل من إعادة فرض العقوبات أمرا شبه تلقائي، لعدم امتلاك إيران حق الفيتو في مجلس الأمن كونها ليست عضوا دائما".
ورأى التقرير أن "توقيت التهديد بتفعيل الآلية له دلالات خاصة، نظرا لاقتراب موعد انتهاء بنود الغروب في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أي خلال قرابة 3 أشهر، وهو ما يجعل الفترة المتبقية لتفعيل آلية الزناد محدودة جدا".
ولفت التقرير إلى وجود قراءتين بشأن هذه المهلة. القراءة الأولى تقول: إن "أمام الدول الأوروبية حوالي شهر فقط لتفعيل الآلية، كي تكتمل فترة المراجعة (شهرين) قبل انقضاء بنود الغروب، وإلا تصبح الآلية بلا تأثير بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2025 حين تخرج إيران فعليا من إطار قرار مجلس الأمن 2231".
أما الثانية، فتفيد بأنه في حال تفعيل الآلية في اللحظات الأخيرة، فقد يجمد مجلس الأمن تنفيذ بنود الغروب مؤقتا لحين البت النهائي، ما يجعل التهديد قائما حتى آخر لحظة.
ويشدد التقرير على أن "هذا الغموض الزمني يحتّم عدم الركون إلى الحسابات التقنية، بل الاستعداد الدائم من قبل إيران للرد على أي سلوك عدائي في أي وقت".

رد متعدد الأوجه
كما أبرز التقرير أن تصريحات عراقجي، في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية وخلال لقائه مع السفراء والمندوبين الأجانب في طهران، عكست موقفا حازما وإستراتيجيا.
وأشار إلى أن عراقجي عد تفعيل الآلية من قبل الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) مكافئا للعمل العسكري الأميركي ضد إيران.
مؤكدا أن "هذا التصرف لن يؤدي فقط إلى إنهاء الدور الأوروبي في الملف النووي الإيراني، بل قد يدخل العلاقات الإيرانية–الأوروبية في (أظلم مرحلة) بتاريخها، يصعب التعافي منها لاحقا".
ورأى أن "إيران لم تعد تقبل دبلوماسية أحادية الجانب تتيح لأوروبا إلحاق الضرر بها دون تكلفة".
واستحضر التقرير التجربة المريرة لإيران في المفاوضات غير المباشرة الأخيرة مع الولايات المتحدة، والتي تزامنت -حسب تعبيره- مع دخول واشنطن في حرب دعما للكيان الصهيوني، واستهدافها للبنى التحتية النووية الإيرانية.
وأشار إلى أن هذه التجربة دفعت إيران إلى "التعامل مع أي إجراء سياسي ضد برنامجها النووي كتمهيد لتصعيد أمني، ما يجعل نظرتها هذه المرة عسكرية قبل أن تكون سياسية".
محذرا من أن "الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي ليس إلا أحد الخيارات، بينما تمتلك إيران قائمة واسعة من الردود، تُحدد وفق طبيعة الفعل المعادي المقابل".
وأعاد التقرير التأكيد على أن "تفعيل آلية الزناد ستكون له تداعيات واسعة على الغرب".
وأشار إلى أن "أوروبا، من خلال استضافتها لجماعات إرهابية وانفصالية معادية لإيران، واعتقالها لمواطنين إيرانيين دون مبرر قانوني، وضعت نفسها في مرمى ردود إيران المحتملة".
وقال: إن "طهران قادرة على مواجهة البرامج التجسسية والإرهابية الأوروبية بصرامة أكبر، مع سعيها -في الوقت ذاته- إلى إدارة التوترات بما يعيد التوازن الإقليمي نحو المسار الدبلوماسي".
لكن التقرير شدَّد على أن هذا المسار "مرهون بقبول الأوروبيين بالحلول الدبلوماسية"، محذرا من أن "استمرار السياسات الغربية غير الديمقراطية، في ظل نفوذ إيران الواسع في غرب آسيا، سيقابل بردّ حازم".
وأكد أن "إيران، حتى الآن، مارست ضبط النفس وتجنبت الانحياز في صراعات أوروبا، لكن إن استمرت أوروبا في سياسة المواجهة والتهديد لمصالح طهران، فلن يكون هناك مبرر للاستمرار في هذا الحياد الأحادي".
وأضاف أن هذا التحول قد يؤدي إلى تصعيد كبير في العلاقات مع أوروبا، ويفرض عليها أثمانا باهظة، خصوصا على ترويكا الدول الأوروبية.

ردود نووية غير محظورة
وفي المقابل، أكد التقرير أن "لدى إيران خيارات متعددة في المجال النووي للردّ على التهديدات الغربية، ومن أبرزها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 60 إلى 90 بالمئة أو قريب منها، لإرسال رسالة واضحة للخصوم".
وأشار إلى أنّ "إيران كانت قد أوقفت، عام 2024، خلال زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، وخفضت الكميات المتوفرة إلى 20 بالمئة".
لكن في الظروف الحالية، يرى التقرير أن "على طهران وقف التخفيف أو التحويل، والتركيز على تخزين كميات أكبر من اليورانيوم عالي التخصيب".
كما أوصى التقرير بـ "استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا لزيادة القدرة والسرعة الإنتاجية، إلى جانب تعزيز أنشطة البحث والتطوير في المجال النووي، وتصميم أجهزة الجيل الجديد من الطرد المركزي، وبناء سلاسل إنتاج اليورانيوم المعدني، بما يعزّز مكانة إيران التقنية".
وختم التقرير بالإشارة إلى أن "إيران قد تستخدم مخزونها الواسع من اليورانيوم المخصب لـ (أغراض عسكرية غير محظورة)، وهي استخدامات تدركها الوكالة والغرب جيدا".
فضلا عن "إمكانية تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصوصا فيما يتعلق بالإجراءات الخارجة عن البروتوكولات، ما يعدّ أداة إضافية للرد الإيراني على التهديدات الغربية".