حرب الـ 12 يوما بين إيران وإسرائيل.. لماذا عدتها تركيا تهديدا لأمنها؟

منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدا جديدا مع اندلاع النزاع بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو، والذي استمر لمدة 12 يوما، وقد تزايدت المخاوف من انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع.

وفي خضم هذا التوتر برزت تركيا كلاعب محوري يتابع التطورات عن كثب، متبنّية موقفا مبدئيا داعما للحلول الدبلوماسية، مع تحركات سياسية وأمنية مكثفة لاحتواء التصعيد.

مركز "إيرام" التركي نشر  مقالا للكاتب سرحان أفاجان، والذي سلّط فيه الضوء على رؤية تركيا للنزاع الإيراني–الإسرائيلي، موضّحا أن أنقرة تتعامل مع هذا الصراع بصفته قضية تمس الأمن الإقليمي والدولي.

واستدرك الكاتب التركي: منذ المراحل الأولى للأزمة حذّرت أنقرة من أن مواقف إسرائيل وإيران، إلى جانب الدعم الأميركي قد تقود إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وأكّدت على ضرورة تحييد المنطقة عن حروب جديدة.

دبلوماسية نشطة

وقد تجسّد هذا الموقف في تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وصف الهجمات الإسرائيلية على إيران بأنها "استفزاز سافر وانتهاك للقانون الدولي"، وحذّر من أن استمرار هذه السياسة قد يدفع الشرق الأوسط نحو كارثة شاملة.

وفي الوقت ذاته حرصت تركيا على الحفاظ على توازن دقيق في مواقفها؛ إذ دعت إيران التي رأت أن لها حق الدفاع عن النفس إلى عدم إغلاق باب المفاوضات بشأن برنامجها النووي، مؤكدة ضرورة معالجة هذا الملف وفق القوانين الدولية. 

إن الموقف التركي في هذا السياق يعكس تمسك أنقرة بثبات مواقفها؛ إذ لم تغيّر سياساتها المبدئية رغم خلافاتها مع إيران في ملفات إقليمية؛ مثل دعم أنقرة لحكومة الرئيس السوري أحمد الشرع مقابل مواقف طهران المعاكسة.

وأضاف الكاتب: إن القضية الفلسطينية، لا سيما الوضع في غزة، شكّلت محورا أساسيا في الموقف التركي. فقد أكدت أنقرة ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على غزة إلى جانب إيران. وترى أن أي تهدئة لا يمكن أن تكتمل من دون معالجة الانتهاكات بحق الفلسطينيين.

وتابع: إن استعدادات تركيا لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي فحسب؛ إذ أعلنت أنها وضعت خططا لمواجهة "جميع السيناريوهات السلبية"، وفق تعبير أردوغان. 

وفي هذا الإطار، عُقد اجتماع أمني موسع في وزارة الخارجية بمشاركة وزير الخارجية هاكان فيدان، و وزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الأركان متين غوراق، بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات إبراهيم قالن، حيث تمّ التأكيد على أن الدبلوماسية تمثل البديل الوحيد لتفادي حرب شاملة.

كما قاد الرئيس أردوغان جهود وساطة نشطة، عبر اتصالات متكررة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الإيراني مسعود پزشكيان إلى جانب قادة إقليميين ودوليين، مما أسهم في تهيئة الظروف لوقف إطلاق النار الذي بدأ تطبيقه فعليا في 24 يونيو.

ولفت الكاتب النظر إلى أنه من منظور أنقرة لم يكن النزاع مجرد أزمة عابرة، بل محطة تكشف هشاشة التوازنات الإقليمية وخطورة سرعة التصعيد بين إيران وإسرائيل، التي تُعَدّ أحد أبرز مصادر التوتر في الشرق الأوسط منذ سنوات. 

ومع مرور أسبوعين على وقف إطلاق النار، تبدو تركيا حريصة على الاستفادة من دروس هذه المواجهة لتعزيز دورها كقوة موازنة؛ حيث تسعى لاحتواء النزاعات عبر مزيج من الدبلوماسية والجاهزية الإستراتيجية.

حسابات أنقرة

وأردف الكاتب التركي: إن تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل منذ 13 يونيو، وما تبعه من مواجهات استمرت 12 يوما، لم يشكّل تهديدا مباشرا للأمن القومي التركي، إلا أنه دفع أنقرة إلى حالة استنفار إستراتيجي نظرا لما يحمله هذا التصعيد من تداعيات إقليمية واسعة. فتركيا، رغم اختلاف منظومتها الأمنية عن كلا الطرفين، تجد نفسها أمام مشهد معقّد يفرض عليها دورا نشطا في موازنة المخاطر والدفع نحو الحلول الدبلوماسية.

وأضاف: ترى تركيا أن النزاع الحالي، رغم عدم ارتباطه المباشر بمصالحها الحيوية، يحمل أبعادا قد تمسّ أمنها بشكل غير مباشر. أبرز هذه المخاطر تتمثل في:

أولا: العدوان الإسرائيلي غير المقيّد الذي قد يدفع المنطقة إلى فوضى أمنية شاملة.

ثانيا: خطر حدوث تسرب نووي نتيجة الهجمات على إيران، وهو سيناريو كارثي ينبغي تفاديه.

ثالثا: استغلال بنيامين نتنياهو للأزمة لتعزيز موقعه السياسي داخليا وتبرير مزيد من الانتهاكات في فلسطين.

رابعا: انتقال الصراع إلى ساحات أخرى مثل سوريا والعراق، بما يهدد الاستقرار الهش فيهما.

خامسا: احتمال تفاقم الفوضى داخل إيران وما قد يترتب عليه من موجات نزوح غير نظامية نحو تركيا.

سادسا: تأثر هدف "تركيا خالية من الإرهاب" بما قد تفرزه الأزمة من تداعيات أمنية غير متوقعة.

وأشار الكاتب التركي إلى أنه رغم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ترى أنقرة أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية أن تضيف إيران بعدا غير سلمي إلى برنامجها النووي. فرغم تأكيد المسؤولين الإيرانيين المتكرر على أن بلادهم لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، يبقى ضعف آليات الرقابة على البرنامج مصدر قلق رئيس. 

وقد ازدادت هذه المخاوف بعد قرار البرلمان الإيراني في 25 يونيو بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أقره مجلس صيانة الدستور ودخل حيز التنفيذ بتوقيع الرئيس مسعود پزشكيان في 2 يوليو.

إن هذا القرار الذي عدته طهران ردا على موقف مدير الوكالة رافاييل غروسي، لا يعني الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكنه يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر.

وفي ظل هذا التصعيد ترى تركيا أن غياب المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، أو فشلها في التوصل إلى اتفاق مؤقت قد يفاقم الأزمة، وربما يفتح الباب أمام هجوم جديد على إيران، رغم أن احتمالات حدوثه ضعيفة. 

لذلك فإن أنقرة تدرك أن التوتر بين طهران وكل من واشنطن وتل أبيب دخل مرحلة أكثر خطورة مقارنة بالعام الماضي، ما يرفع تكلفة أي إخفاق دبلوماسي، خصوصا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتابع: كما أن اتهامات إيران لبعض الدول المجاورة، على رأسها أذربيجان، بتقديم تسهيلات للطائرات الإسرائيلية قد أثارت قلق أنقرة؛ إذ تخشى تركيا أن تمتد الأزمة إلى جنوب القوقاز، في وقت تحقَّقَ فيه تقدمٌ ملحوظ في العلاقات على خط باكو–يريفان–أنقرة، وتمّ إحراز خطوات نحو فتح ممر زنغزور.

لذلك شدد الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في 18 يونيو، على أن تركيا لا تسعى في المنطقة إلا إلى "السلام والاستقرار والتعاون".

ولفت الكاتب النظر إلى أنه من منظور أنقرة لا يمكن حصر مستقبل الأمن الإقليمي في إطار الصراع الإيراني–الإسرائيلي. فتركيا، التي تعد إسرائيل الطرف المعتدي وإيران في موقع الدفاع، تدرك أن سلوك كلّ من الطرفين بعد النزاع سيكون حاسما في تحديد مسار المرحلة المقبلة. وعليه ترى أن أي تهديدات إسرائيلية جديدة، أو خطوات إيرانية مثيرة للريبة في برنامجها النووي تستدعي مراقبة دقيقة وتحركا دبلوماسيا نشطا.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إنّ تركيا تدرك جيدا أن استمرار الأزمات في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل سيؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية والاقتصادية والسياسية على المنطقة. لذلك، تؤكد أنقرة على ضرورة تسريع الجهود الإقليمية والدولية الرامية لاحتواء التصعيد، ليس فقط لحماية مصالحها الإستراتيجية، بل للحفاظ على استقرار الإقليم بأسره.

الكلمات المفتاحية