اتفاق ثلاثي على فتح ممر زنغزور.. ما التداعيات على الصين وروسيا وإيران؟

"الخلاف بين روسيا وأذربيجان بلغ ذروته مؤخرا"
تتحدث تقارير دولية عن أن منطقة القوقاز باتت على أعتاب انفجار سياسي وعسكري، مع تصاعد التوترات بين روسيا وأذربيجان، وظهور ملامح "جبهة ثانية" قد تهدد مصالح موسكو الإقليمية.
فبعد خلاف دبلوماسي حاد بين الجانبين، أقدمت باكو على خطوات تصعيدية غير مسبوقة، في وقت كشفت فيه اتفاقية جديدة أبرمت بين أذربيجان وتركيا وأرمينيا عن نوايا إستراتيجية لفتح ممر "زنغزور" الجغرافي.
وفي السياق يسلط موقع "سوهو" الصيني الضوء على ما أسماه “الأبعاد الجيوسياسية لهذا التطور، والدعم الذي تتلقاه أذربيجان من أنقرة وتل أبيب”.
كما يحذر في تقريره من تداعيات محتملة تمتد إلى إيران وآسيا الوسطى، بل وتمس مشاريع الصين الحيوية في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، ما يجعل من هذا التحول تطورا إقليميا لا يستهان به.

صداع روسي
وفي هذا السياق، أفاد التقرير بأن "الخلاف بين روسيا وأذربيجان بلغ ذروته مؤخرا"، مشيرا إلى أن "السبب المباشر يعود إلى قيام روسيا باعتقال 6 من المهاجرين الأذربيجانيين المتهمين بارتكاب جرائم، ما أسفر عن وفاة اثنين منهم، وهو ما أثار غضب باكو".
وأضاف التقرير أن "الرد الأذربيجاني جاء مباشرا، حيث اقتحمت قوات الأمن مكاتب وكالة سبوتنيك الروسية واعتقلت صحفيين اثنين، إلى جانب أكثر من 20 مواطنا روسيا آخرين، مما أدخل الطرفين في سلسلة من الإجراءات التصعيدية المتبادلة دون أن يتنازل أي منهما".
وتابع التقرير موضحا أن "التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد، بل توج باتفاق ثلاثي بين أذربيجان وتركيا وأرمينيا لبناء ممر زنغزور، وهو مشروع يربط تركيا بأذربيجان مباشرة عبر أراضي أرمينيا، دون علم روسيا أو موافقتها".
مضيفا أن "هذا المشروع لا يشكل صداعا لروسيا فحسب، بل قد يؤثر على أطراف إقليمية أخرى، بما في ذلك الصين".
وفي هذا الصدد، أشار التقرير إلى أن "جذور الصراع بين روسيا وأذربيجان في منطقة القوقاز تعود إلى سنوات طويلة".
لافتا إلى أن “أذربيجان لم تكن تجرؤ على تحدي موسكو سابقا، أما اليوم فهي لا تتردد في الرد، بل تتبنى موقفا متحديا وكأنها تقول: ما الذي بوسعك فعله؟”
ويرى التقرير أن "مصدر هذه الثقة هو ما وصفه بـ (الذهب الأسود) المتدفق تحت أقدام أذربيجان، والمتمثل في النفط والغاز الطبيعي في بحر قزوين".
مؤكدا أن "أذربيجان باتت تملك عملة صعبة في هذا العصر المضطرب".
وأضاف أن "الحرب الأوكرانية دفعت أوروبا للتخلص من اعتمادها على الطاقة الروسية، ما جعل من أنابيب الطاقة الأذربيجانية حبل نجاة للقارة".
لافتا إلى أن "أذربيجان استفادت من ذلك ماديا ودبلوماسيا، فتحولت من دولة صغيرة تابعة إلى لاعب مؤثر على رقعة الشطرنج الأوروبية".
وأكد التقرير أن "الثقل الأذربيجاني لا يعود للثروة فقط، بل أيضا للدعم الإستراتيجي من حليفين كبيرين: تركيا وإسرائيل".

"حلم عثماني"
وفي هذا الصدد، زعم الموقع الصيني أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحمل في قلبه حلما عثمانيا جديدا، يسعى لربط دول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية عبر ممر جغرافي منظم تحت قيادة أنقرة، وأذربيجان تشكل رأس الحربة في هذا المشروع".
وأضاف أن "تركيا لا توفر فقط المال والسلاح لأذربيجان، بل تقدم أيضا الدعم التدريبي والخبرات العسكرية، بل وتسعى من خلال منظمة الدول التركية إلى تقويض النفوذ الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى".
وفيما يتعلق بإسرائيل، أشار التقرير إلى أن "40 بالمئة من وارداتها النفطية تأتي من أذربيجان، ما يجعل الأخيرة شريكا لا يمكن التفريط به".
موضحا أن "تل أبيب ردت الجميل عبر بيع طائرات مسيرة متقدمة وتقنيات عسكرية حساسة لباكو، كما تعاون الموساد بشكل وثيق مع الاستخبارات الأذربيجانية".
لافتا إلى أن "الموقع الجغرافي لأذربيجان، المحاذي لإيران، يمنحها قيمة إستراتيجية كبرى".
وأشار كذلك إلى "وجود تقارير عن سماح باكو لإسرائيل باستخدام قواعدها الجوية لتنفيذ عمليات ضد طهران"، واصفا هذه العلاقة بعبارة: "أنت تعطيني نفطا، وأنا أقدم لك خنجرا حادا".
وفي تطور لافت، أفاد التقرير بأن "أذربيجان وتركيا وأرمينيا توصلوا لاتفاق يقضي بفتح ممر زنغزور الذي يصل بين تركيا وأذربيجان مباشرة"، واصفا الأمر بأنه "تطور جيوسياسي خطير تم من وراء ظهر موسكو".
وأكد التقرير أن "فتح هذا الممر سيغير قواعد اللعبة، حيث سيكون من الممكن تجاوز أرمينيا كممر إجباري للسلع الإيرانية المتجهة لأوروبا، ما يعرض طهران لخسائر اقتصادية".
وأوضح التقرير أن "الأخطر من ذلك، هو احتمال استغلال تركيا لهذا الممر لبث الفكر القومي داخل إيران، وتحفيز أكثر من 20 مليون من الأذريين الإيرانيين على التمرد، ما ينذر باشتعال الجبهة الداخلية الإيرانية".
كما حذر التقرير من أن "الممر يهدد القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا، وهي آخر موطئ قدم لموسكو في القوقاز".
مشيرا إلى أن "الممر سيتيح لتركيا التمدد شرقا نحو آسيا الوسطى، على حساب النفوذ الروسي التقليدي هناك".

هل تتأثر الصين؟
وفي انعكاسات المستجدات على الصين، قال التقرير صراحة: "نعم، سيكون التأثير علينا –أي الصين- كبيرا".
موضحا أن "الحلم التركي إذا اكتمل، فلن يتوقف عند حدود القوقاز، بل سيتجه شرقا نحو آسيا الوسطى".
وأضاف: "آسيا الوسطى هي نقطة محورية في مشروع الحزام والطريق، ومتى ما تسلل الأتراك إلى هناك، وبدأ التقاطع مع النفوذ الغربي، فقد تواجه مشاريعنا الإستراتيجية مثل سكة حديد الصين-قرغيزستان-أوزبكستان عراقيل خفية".
وتابع: "أمن الطاقة الصيني قد يصبح مهددا، والخطط الصينية في المنطقة قد تدخل دوامة من التعقيدات".
مشيرا إلى أن "أطماع تركيا تشبه يدا ممدودة نحو آسيا الوسطى، ونحن لا يمكننا تجاهلها".
من زاوية أخرى، أعرب التقرير الصيني عن استغرابه من "موقف أرمينيا التي قررت أن تعانق خصومها التاريخيين"، واصفا قرارها بالمشاركة في اتفاق الممر بأنه "مغامرة خطيرة".
وذكر التقرير أن "رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان تخلى عن روسيا وتوجه غربا، لكنه لم يجد الدعم حين اشتعلت حرب قره باغ، فهزمت أرمينيا أمام أذربيجان، فيما وقفت واشنطن وبروكسل مكتوفتي الأيدي".
واختتم بالقول: "اليوم، يعود باشينيان ليصافح أعداء الأمس ويوافق على مشروع قد يفتح الباب لتقويض استقلال بلاده نفسه، معتقدا أنه بذلك يحقق السلام، لكنه في الحقيقة يسلم مصير وطنه إلى من كانوا خصومه".