"تهدد الاستقرار الداخلي".. ما تفاصيل موجة الانتحارات داخل الجيش الإسرائيلي؟

منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تشهد إسرائيل سلسلة من حالات انتحار للجنود السابقين الذين أنهوا خدمتهم، ما يعكس أزمة نفسية عميقة تتفجر بعيدا عن خطوط المواجهة العسكرية.

وحذر خبراء الصحة النفسية، في حديثهم لموقع "واللا" العبري، من “بطء استجابة الجهات المعنية، ونقص الموارد الضرورية، وسيطرة الوصمة الاجتماعية، مما يدفع المقاتلين إلى مواجهة مصيرهم بمفردهم”.

عدوى انتحارية 

وأشار الموقع إلى أن حالات الانتحار المتزايدة في صفوف الجيش الإسرائيلي "تثير مخاوف متصاعدة، خاصة في ظل الأرقام المثيرة للقلق في السنوات الأخيرة".

ففي عام 2023، وهو عام اندلاع العدوان على قطاع غزة، أقدم 17 جنديا على الانتحار، وفي عام 2024، أُضيفت 21 حالة جديدة. 

أما في منتصف عام 2025، فقد أُبلغ عن 16 حالة أخرى، كان آخرها منتصف يوليو/ تموز 2025؛ حيث حاول أحد المقاتلين إنهاء حياته خلال تدريب، وهو في حالة حرجة ويتلقى العلاج في وحدة العناية المركزة بمستشفى "سوروكا".

وحذر البروفيسور إيال فروختر، الرئيس السابق لقسم الصحة النفسية في جيش الاحتلال، والمدير الحالي لقسم الطب والعلوم في منظمة "كولكتيف عيكار"، من وصف الظاهرة بأنها "موجة انتحارات". 

وأفاد للموقع بأن "ما نشهده سلسلة حزينة من الحوادث التي تستدعي الانتباه، لكننا بحاجة إلى بيانات دقيقة قبل إصدار أحكام قاطعة".

وأوضح أن جنود الاحتياط "يواجهون مخاطر نفسية فريدة، مثل الانكسارات العائلية أو المهنية، والعزلة، وسهولة الوصول إلى الأسلحة، والصدمات غير المُعالجة".

مع ذلك أشاد في المقابل بـ"توسيع برامج منع الانتحار لتشمل جنود الاحتياط"، مؤكدا ضرورة "إدارة الخطاب العام حول الظاهرة بحذر".

ونبه إلى أن "الخطاب الإعلامي المبالغ فيه قد يؤدي إلى (عدوى انتحارية)، ويهدد حياة جنود آخرين".

من جهته، قال نداف فيرش، رئيس "منتدى ألماس المعركة" المعنية بدعم المحاربين القدامى المصابين نفسيا وجسديا، إن "كل حالة انتحار لجندي أو مقاتل سابق كانت -على الأغلب- قابلة للمنع".

وأضاف: "في معظم الحالات، وُجدت إشارات مسبقة مثل أحاديث، أو أعراض واضحة، أو طلبات للمساعدة، لكن النظام كان بطيئا وبيروقراطيا ويتجاهل الألم".

وأوضح فيرش أن "نقص الكوادر العلاجية يمثل مشكلة جوهرية؛ إذ لا يحصل العديد من طالبي المساعدة على متابعة كاملة".

وقال المقاتل السابق الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة: "لا يوجد نظام طوارئ فعال يوفر استجابة فورية في لحظات الأزمة، ولا توجد متابعة طويلة الأمد، يضيع المرضى بين أقسام الجهاز البيروقراطي".

وأردف: "هناك تركيز مفرط على الأوراق والإجراءات، لكن ما ينقص هو الحضور الإنساني، والإصغاء، والتواصل الحقيقي، نحن نرى ذلك بوضوح في الميدان، وندفع الثمن".

غير مرئية

من جانبها، قالت الأخصائية الاجتماعية الإكلينيكية، رونا أكرمان: إن "القتال يترك جروحا غير مرئية". 

“أي إصابات نفسية أصبح النقاش حولها أكثر انفتاحا، لكنها لا تزال مصحوبة بشعور بالخجل وصعوبة”. وفق تعبيرها.

وأضافت: "المقاتل، الذي يرى نفسه ويُنظر إليه من قبل المجتمع كشخص قوي ومستقل وذي قدرة عالية، يجد صعوبة في الاعتراف بمشاعر الإرهاق والخسارة والضعف التي تظهر أحيانا بعد المعركة أو خلال فترة الهدوء".

واستطردت: "التناقض بين صورته الذاتية وشعوره بالعجز قد يزعزع هويته، ويقوض ثقته بنفسه، ويجعله عاجزا عن التعبير عما يشعر به، سواء لنفسه أو للآخرين".

وحذرت من أن "الفترة التالية للمعارك، حين يعود المقاتل إلى بيته أو يبقى في القاعدة دون شعور بالانتماء أو الهدف، قد تكون محفوفة بالخطر بشكل خاص".

وشددت أكرمان على أهمية التشخيص المبكر وتوفير العلاج بشكل يسير وسريع.

وقالت: “يجب أن نكون يقظين لهذه المعاناة، وأن نُرسل إشارات واضحة لكل مقاتل ومقاتلة أن هناك طريقا للحصول على المساعدة”.

ورأت أكرمان أن "اللجوء للعلاج ليس ضعفا، بل العكس تماما".

وكشفت معلومات وصلت إلى موقع "واللا" أن مركز "عيران" للدعم النفسي تلقى خلال يونيو/ حزيران 2025 وحده أكثر من 6 آلاف استفسار من جنود وجنديات.

وتشير البيانات إلى أن حوالي 28 بالمئة من هذه الاستفسارات تتعلق بمعاناة نفسية حادة، و20 بالمئة تتعلق بالقلق والصدمات والخسارة.

بينما يعاني ثلث المتصلين (32 بالمئة) من شعور بالوحدة الشديدة، فيما أبلغ حوالي 10 بالمئة من المتصلين عن صعوبات تتعلق بالعلاقات المهمة في حياتهم.

أرقام مقلقة

في هذا السياق، تحدثت المديرة المهنية في مركز "عيران"، شيري دانيلز، عن التحديات التي يواجهها الجنود في طلب المساعدة النفسية.

وقالت: "الكثير من المقاتلين يواجهون صعوبة في التوجه لطلب الدعم، إذ إن وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية تشكل حاجزا كبيرا في بيئة تُشجع بالأساس على القوة والصلابة".

وأوضحت دانيلز أن "الثقافة العسكرية نفسها قد تزيد من هذه الصعوبات النفسية والسلوكية، إذ يُطلب من المقاتلين غالبا كبت مشاعرهم، والعمل تحت ضغط شديد، والحفاظ على الأداء في جميع الظروف".

هذه المعايير -وفقا لها- تكون "مفيدة في ساحة المعركة، لكنها قد تعيق القدرة على التعبير عن المعاناة أو طلب المساعدة".

وأكدت دانيلز أيضا على أن "صعوبة التعرف الذاتي على الضائقة النفسية تشكل تحديا إضافيا؛ حيث يعتاد الجنود على التعامل مع التحديات النفسية والبدنية كجزء من روتينهم، مما يجعلهم يميلون إلى تقليل أهمية مشاعرهم أو نسبتها إلى تعب عادي".

الطبيب النفسي وأحد مؤسسي جمعية "من أجل الحياة"، حغاي حرماش، علق بدوره على حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي، لكنه دعا إلى توسيع النظرة لتشمل الصورة الأكبر.

وقال حرماش: "يبلغ عدد وفيات الانتحار ما بين 500 و700 شخص سنويا، معظمها بعيد عن أعين وسائل الإعلام".

وبحسبه، فإن "الأسوأ من ذلك، أن 97 بالمئة من الحالات لا يُحقق فيها إطلاقا ولا تثير أي اهتمام عام".

ويرى حرماش أن "إحدى الطرق الأساسية لتحسين الوقاية من الانتحار هي تعزيز (المعلومات الاستخباراتية)، أي تعزيز جمع البيانات الوبائية الدقيقة في الوقت الفعلي". 

في هذا الإطار، أشار الموقع إلى أن "وزارتي الصحة والمالية أطلقتا خدمة جديدة بعنوان (مسجّل حالات الانتحار)، هدفها توحيد وتجميع معلومات موثوقة وحديثة حول هذه الظاهرة".

ويقدر الطبيب النفسي أنه "عندما يبدأ هذا النظام في العمل بكامل طاقته، سنتمكن من معرفة ما إذا كانت الموجة المقلقة في الجيش تمتد أيضا إلى المجتمع المدني، وبالتالي نتحرك بسرعة وفعالية".

بدوره، شدد الرئيس السابق لقسم الصحة النفسية في الجيش، إيال فروختر، على أنه “حتى وإن لم نصل بعد إلى (موجة) فعلية، فهذا لا يعني أنها لن تأتي”.