تتواطأ بالصمت وترفض معاقبة إسرائيل.. كيف تتقاعس أوروبا عن إغاثة أهل غزة؟

خالد كريزم | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في وقت تعيش فيه غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، صدر عن الاتحاد الأوروبي خلال يوليو/تموز 2025 موقفان أثارا موجة غضب واستياء عارمين لدى الفلسطينيين وداعمي قضيتهم في أنحاء العالم. 

الموقفان اللذان جاءا أشبه بصفعتين؛ سياسية ترتبط بالعقوبات، وإنسانية تتعلق بالمجاعة والإبادة في غزة، كشفا عن حجم التواطؤ الأوروبي مع إسرائيل، وعجز الاتحاد عن اتخاذ مواقف تُلزمها بوقف جرائمها بحق المدنيين.

المفاجأة الأولى

المفاجأة الأولى تمثّلت في عزوف الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الـ 27 الأعضاء ببروكسل، عن فرض أي عقوبات على إسرائيل، رغم توثيق منظمات دولية لارتكابها جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

وجاء ذلك رغم إقرار الاتحاد بأن إسرائيل تنتهك المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الجانبين والتي تنصّ على احترام حقوق الإنسان.

وتشكّل هذه الشراكة أساس العلاقة بين الطرفين وتسمح لإسرائيل بالوصول المفتوح معفاة من الرسوم الجمركية إلى عالم التجارة الأوروبي بأكمله.

وفي 15 يوليو، قرر الوزراء عدم فرض عقوبات على إسرائيل في الوقت الراهن، رغم استمرار المجازر بغزة ووصول المجاعة إلى مستويات خطيرة.

وكان هذا الاجتماع هو الأخير في بروكسل قبل عطلة الصيف (حتى نهاية أغسطس/آب على أقل تقدير).

وخصص لمناقشة التقرير الذي أعدته مسؤولة السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، حول انتهاك إسرائيل لاتفاقية الشراكة مع كتلة بروكسل والذي نُشر منتصف يونيو/حزيران 2025.

وأكّد التقرير وجود “مؤشرات على أن إسرائيل لم تلتزم بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان”، وهو ما تنص عليه المادة الثانية من الاتفاق.

وطرحت كلاس خلال الاجتماع 10 تدابير عقابية تراوحت بين التعليق الكامل لاتفاقية الشراكة أو الركائز التفضيلية المتعلقة بالتجارة و/أو الأبحاث، أو فرض حظر على تصدير الأسلحة.

وشملت أيضا فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، أو وقف السفر دون تأشيرة للإسرائيليين إلى الاتحاد الأوروبي، أو حظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية.

وكانت المفاجأة أن الدول لم تتبنّ أي تدبير عقابي من المقترحات العشرة، ما أعاد الحديث عن مدى التواطؤ الأوروبي في العدوان الإسرائيلي على غزة.

وعقب الاجتماع اكتفت كايا كالاس بالقول: إن الاجتماع طرح إجراءات محتملة ضد تل أبيب وأن هذه الخيارات يمكن أن تناقشها الدول الأعضاء في المستقبل. مبينة أن "الهدف ليس معاقبة إسرائيل، بل تحسين الوضع في غزة بشكل حقيقي".

وأشارت إلى أن الاتحاد "سيراقب عن كثب" مدى امتثال إسرائيل لخطوات وافقت عليها لتحسين الوضع الإنساني في غزة، وهو أمر لم يحدث.

وجاءت تلك المناقشات بناء على دعوات عامة ومقترح هولندي، إذ بدأ الاتحاد الأوروبي مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل في 20 مايو/أيار في إطار شرط "الامتثال لحقوق الإنسان والقانون الدولي".

وتعليقا على عزوفه عن معاقبة تل أبيب، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار، في 17 يوليو، إنّ "رفض الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقيته مع إسرائيل يُعدّ خيانة قاسية وغير مشروعة".

وأردفت خلال بيان أن ما جرى "خيانة للمشروع الأوروبي ولرؤيته القائمين على صون القانون الدولي ومناهضة الممارسات الاستبدادية، وخيانة لقواعد الاتحاد الأوروبي نفسه، ولحقوق الإنسان الفلسطيني".

“فقد أُتيحت أمام القادة الأوروبيين فرصة اتخاذ موقف مبدئي في وجه جرائم إسرائيل، ولكنهم بدلا من ذلك منحوها الضوء الأخضر لمواصلة ارتكابها الإبادة الجماعية بغزة، واحتلالها غير القانوني لكامل الأرض الفلسطينية، وفرضها نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) على الفلسطينيين"، وفق كالامار.

وأردفت: “تجاوز الأمر حدود الجبن السياسي، فكلّ مرة يخفق فيها الاتحاد الأوروبي في التحرك، يزداد خطر تواطئه في أفعال إسرائيل، ويبعث ذلك برسالة شديدة الخطورة لمرتكبي الجرائم الفظيعة مفادها أنهم لن يفلتوا من العقاب فحسب، بل سيُكافؤون أيضًا”.

وبدوره، قال الممثل السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل عبر إكس: "قررت أوروبا عدم معاقبة إسرائيل على جرائم الحرب المستمرة والسماح باستمرار الإبادة الجماعية في غزة دون هوادة".

واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأعرب عن "صدمته وغضبه الشديد إزاء الموقف الأوروبي الرسمي"، مبينا أنه "كرّس العجز الأخلاقي والسياسي" لكتلة بروكسل في وجه الإبادة الجماعية.

المفاجأة الثانية

أما المفاجأة الثانية، فقد تمثّلت بعدم تحقق اتفاق تحدثت كايا كلاس عنه مع إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

فقبل الاجتماع الأوروبي بأسابيع، بدأت كلاس باللعب على وتر التلويح بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل وإعادة النظر فيها من أجل الضغط على تل أبيب.

وتحدثت كلاس في 10 يوليو عن التوصل إلى اتفاق مع تل أبيب للالتزام بزيادة "كبيرة" في المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة، لكن ذلك لم يحدث قبل الاجتماع أو بعده.

وعلى هامش الاجتماع الأوروبي، تطرقت كلاس إلى "الإشارات الإيجابية" القادمة من القطاع لتبرير تجميد جميع الإجراءات العشرة، الاقتصادية والسياسية، التي عُرضت على الدول الأعضاء.

كما قالت: إننا “نشهد دخول المزيد من الشاحنات والإمدادات، وفتح المزيد من المعابر، وإصلاح خطوط الكهرباء”، وهي أمور لم تحدث على الإطلاق.

وعلق موقع إي يو نيوز الأوروبي في 18 يوليو، بالقول: “تراقب بروكسل تنفيذ الاتفاق وتعمل بنشاط مع وكالات الأمم المتحدة على الأرض".

وأردف: "نظرا لعدم وجودها على المعابر الحدودية أو داخل القطاع، فإنها تعتمد على تقاريرها القادمة من مصر والأردن، وما تزعم إسرائيل نفسها أنها فعلته”.

وأوضحت كالاس أنها ستقدم تقريرا عن الوضع في غزة كل أسبوعين للوزراء، وستناقش الملف في كوبنهاغن في 28 أغسطس، خلال الاجتماع غير الرسمي المقبل لوزراء خارجية التكتل.

وبعد مرور عدة أيام دون سماح تل أبيب بإدخال المساعدات المتوقفة منذ 2 مارس/آذار، نُشرت وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي في 18 يوليو، تقول: إن “الاتفاق مع إسرائيل شفهي ويفتقر لأي آلية ملزمة”.

وتفاعل العديد من النخب الحقوقية مع الموقف الأوروبي، متهمين كتلة بروكسل بالتواطؤ وضخ معلومات كاذبة أضرت بالمجوعين في غزة.

وقالت النائبة الأوروبية إيما فورو من على متن سفينة حنظلة التي تتوجه حاليا إلى القطاع: “البرلمان الأوروبي متواطئ مع حصار وإبادة غزة”.

أما رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، فقد غرد عبر إكس قائلا: "الاتحاد الأوروبي متورّط في تمكين إسرائيل من تجويع غزة. كايا كالاس لعبت دورا في ذلك".

وأوضح في تغريدة أخرى: “كيف أسهم الاتحاد الأوروبي بوصول التجويع لهذا المستوى، ضخ إعلاميا معلومات عن الاتفاق مع الاحتلال على دخول المساعدات الإنسانية؛ فماذا حدث؟”

وأجاب بالقول: “لم تدخل المساعدات بالمطلق، لم يقم المجوعين بإدارة استخدامهم للطعام اعتقادا بأن الاحتلال سيدخل الطعام وفقا لما أعلنه الاتحاد الأوروبي، وقام اللصوص والتجار بجمع المواد الموجودة في السوق بأسعار أقل من البيع”.

وتعليقا على ما أثارته كلاس من بلبلة، غرد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند قائلا: إنّه على عكس ما يقوله الاتحاد الأوروبي، “بالنسبة لنا وللعديد من الجهات الأخرى، لم تدخل أي مساعدات منذ 142 يومًا. لا شاحنة ولا شحنة واحدة”.

وأردف عبر إكس: “بالنسبة للجهات القليلة المسموح لها بإدخال إمدادات محدودة، أفادت الأمم المتحدة بأنه في الفترة من 19 مايو إلى 14 يوليو، تم جمع ما معدله 28 شاحنة فقط يوميًا لتوزيعها داخل غزة”.

وتابع: “لماذا؟ لأن القوافل الإنسانية تتحرك دون أمن، ويتعرض السائقون لإطلاق النار، ويموت المدنيون وهم ينتظرون الطعام. هذا ليس وصولا. أكثر من 85 بالمئة من شاحنات المساعدات لا تصل أبدًا إلى وجهتها، حيث يتم الاستيلاء على محتوياتها أو نهبها على طول الطريق”.

وواصل القول: “في مواقع التوزيع العسكرية التي تديرها ما تسمى بمؤسسة غزة الإنسانية (الأميركية الإسرائيلية)، كانت النتيجة وفيات جماعية بين المدنيين، وليس إغاثة. تعيش العائلات على وجبة واحدة رديئة الجودة يوميًا - إن وُجدت”.

وأكمل: “الأسواق فارغة والأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والناس يبحثون الآن في القمامة لإطعام أطفالهم. لا يمكن للمساعدات أن تعمل في ظل الفوضى، والوصول يعني أكثر من مجرد دخول - إنه يعني إيصالا آمنا وموثوقا وملتزما بالمبادئ. لا وجود لأيٍّ من ذلك”.

وأكد أن “وصف هذه الأمور بالبوادر الجيدة (كما قال الاتحاد الأوروبي) ليس مضللًا فحسب، بل يُقوّض الواقع الذي يواجهه عمال الإغاثة والمدنيون يوميا. هذا ليس تقدما، بل فشلٌ مُعاد صياغته".

ماذا ينتظر؟

وفي رصده للمتسبب بالأزمة، يقول مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة سكاي لاين الدولية لحقوق الإنسان محمد عماد: إن “ما يعلنه الاتحاد بشأن العقوبات والتنسيق فيما يخص المساعدات ليس الأول من نوعه”.

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": “هناك الكثير من تصريحات بعض الدول الأوروبية بأنها تواصلت مع إسرائيل لمتابعة مجزرة معينة أو انتهاك ضد طواقم طبية وما إلى ذلك، وهذه فقط استهلاك إعلامي لامتصاص الغضب الشعبي الأوروبي دون تحريك في ملف غزة على أرض الواقع”.

وذكر أن “ما تشهده غزة منذ نحو عامين والشهر الحالي من أزمة جوع وخطر فقدان الحياة للآلاف بسبب عدم توفر المساعدات ناهيك عن الإبادة، يضع الاتحاد الأوروبي في خانة المتواطئين مع إسرائيل”.

ولفت إلى أن الاتحاد يظهر نفسه وكأنه مهتم بحقوق الإنسان وحمايتها، بينما لا ينفذ أي تحرك فعلي للضغط على إسرائيل. مشيرا إلى أن الاتفاق الأخير الذي لم ينفذ أكبر دليل.

وبين عماد أن الاتحاد الأوروبي مطالب اليوم باتخاذ خطوات حقيقية أبرزها فرض عقوبات على إسرائيل وقادة وجنود الجيش فيها.

ولفت إلى ضرورة إنهاء اتفاقية الشراكة وشراكات السلاح واستدعاء السفراء وقبل كل شيء، تأمين دخول المساعدات إلى غزة.

وأكد أن “ما يجري في غزة تطهير عرقي وقتل جماعي لمليوني فلسطيني، وهذا اختبار إنساني حقيقي لمصداقية وقيم الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والأمم المتحدة واللجان التي تندرج تحتها”.

وقبل الاجتماع الأوروبي كان الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر قد استبعد أن تنتقل أوروبا من مرحلة انتقاد إسرائيل إلى فرض العقوبات عليها، مبينا أن هذا الأمر سيبقى بعيد المنال.

وقال لـ"الاستقلال": إن أوروبا ما تزال تتهرّب من تسمية الأمور بمسمياتها وتستخدم مصطلحات مثل “استخدام الغذاء سلاحا” دون أن تتهم إسرائيل صراحة بهذه الجريمة أو تحميلها المسؤولية بشكل مباشر.

وأوضح أن هذا يشير إلى “انحياز متأصل في الخطابات الرسمية الأوروبية مع تباينها بين دولة وأخرى".

وذكر أن هذه الحرب بدأت بدعم أوروبي وتقديم ذرائع استخدمتها إسرائيل لاقتراف الفظائع والجرائم، “واليوم مع وصولها لمرحلة التجويع تحاول تلك الدول أن تظهر أنها منزعجة مما يجرى”.

وتوقع شاكر أن تتصاعد المواقف الأوروبية ويزداد منسوبها ارتفاعا من النقد اللاذع خاصة فيما يتعلق بسياسة التجويع.

وتابع: “أوروبا تستطيع إيقاف حرب الإبادة والتجويع بجملة إجراءات منها تعليق اتفاقية الشراكة المشتركة التي يستفيد منها الاحتلال بشكل كبير في مجالات عديدة”.

كما يمكن لأوروبا “فرض طابع عقابي في مجالات أخرى فضلا عن إعلانها حظر أي صادرات سلاح منها إلى الجانب الإسرائيلي”.

لكنه بيّن أن “كل هذا لم يحصل وهذه معضلة المواقف الأوروبية التي تكتفي بالتصريح دون إجراءات حقيقية فاعلة”.

وغياب أي إجراء عقابي يشير إلى ضعف جدية أوروبا في وقف الحرب ويدل على غياب الإرادة السياسية لمحاسبة إسرائيل ونزع الحصانة عنها.

وأبرز أن “هناك مواقف أوروبية ضاغطة على الاحتلال وتدخله في نوع من العزلة المتزايدة حول العالم، لكنها دون مستوى التصرف اللازم”.

وفصّل بالقول: “يمكن أن نقارن الأمر ببساطة مع المواقف التي اتخذتها أوروبا تجاه روسيا والتي كانت قوية وجريئة وصارمة؛ حيث فرضت عليها آلاف العقوبات ضمن 16 حزمة حتى الآن بينما لم تفرض أي عقوبة على إسرائيل”.

وإلى جانب ذلك، قال شاكر: إن مؤسسات الوحدة الأوروبية يوجد فيها ما يشبه لوبي إسرائيلي يعطل أي توجهات أو قرارات فعالة يمكن أن تضر بإسرائيل وتعاقبها، “ولذلك هناك فقط مبادرات وتحركات فردية من بعض الدولة لكنها ما تزال خجولة”.