سلسلة إجراءات متصاعدة.. كيف انقلبت السلطات الأردنية على جماعة الإخوان؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

على ضوء قرار الأردن حظر جماعة "الإخوان المسلمين"، تواصل السلطات الحاكمة العمل ضد العمل الإسلامي والأنشطة الخيرية، خصوصا ما يتعلق بقطاع غزة، إضافة إلى الاعتقالات التي نالت المئات من أعضاء الجماعة، بدعوى "التوقيف الإداري".

أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في 23 أبريل/ نيسان 2025، "حظر جميع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين وعدها جمعية غير مشروعة"، مشددا على جعل الانتساب لها والترويج لأفكارها "أمرا محظورا، ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية".

استخدام القضاء

ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها السلطات الأردنية للتضييق على جماعة الإخوان، أصدرت المحكمة الدستورية في 17 يوليو/ تموز 2025، حكما بعدم دستورية قانون نقابة المعلمين الأردنيين رقم 14 لسنة 2011 وتعديلاته برمته، وعده باطلا من تاريخ صدور هذا الحكم. 

وتتهم السلطات الأردنية جماعة "الإخوان المسلمين" بالسيطرة على نقابة المعلمين منذ عودة نشاط النقابة عام 2011 بقرار دستوري، بعد حراك صاخب بدأ في مارس/ آذار 2010، حين نفذ المعلمون وقفات احتجاجية واعتصامات وإضرابات شلّت التعليم في البلاد.

وجاء حكم المحكمة بعدم دستورية نقابة المعلمين، عقب اتهامات وجّهتها الحكومة ضد جماعة "الإخوان المسلمين" في 16 يوليو، بجمع نحو 30 مليون دينار (42 مليون دولار)، بشكل غير مشروع.

وبحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية "بترا" في 16 يوليو، فإن "التحقيقات التي تجريها السلطات المختصة أظهرت وجود نشاط مالي غير قانوني ضالعة فيه جماعة الإخوان، تضاعفت وتيرته خلال السنوات الثماني الماضية".

وزعمت الوكالة أن "الجماعة أدارت شبكة مالية ضخمة ومعقدة" اعتمدت في تمويلها على التبرعات، وعوائد الاستثمارات، والاشتراكات الشهرية لأعضائها، مشيرة إلى أن حجم الأموال التي جُمعت خلال السنوات الأخيرة تجاوز 30 مليون دينار.

وادَّعت أن "الجماعة استغلت أحداث الحرب في غزة لجمع التبرعات دون شفافية أو تنسيق مع جهات دولية أو إنسانية، وأن نسبة ضئيلة من تلك التبرعات وصلت إلى الهيئة الخيرية الهاشمية (جهة رسمية)، فيما تحوّل الباقي بطرق غير قانونية إلى الخارج، باستخدام محلات صيرفة أو التهريب".

وقبل ذلك، قام مراقب عام الشركات بتحويل شركة "منتدى تدريب وتمكين المرأة والطفل" إلى النائب العام بسبب ما قيل: إنها "مخالفات مرتكبة"، بعدم تزويد المراقب بالبيانات المالية للعام 2024، ولم تفصح عن المستفيد الحقيقي لها.

كما قامت وزارة التنمية الاجتماعية بتحويل 3 جمعيات إلى النائب العام وهي؛ "الهلال الأخضر" و"العروة الوثقى" و"مبادرة سواعد العطاء"، بسبب تجاوزات إدارية وجمع التبرعات بشكل غير مشروع. حسبما ذكرت وكالة “بترا” في 9 يوليو.

وأضافت الوكالة أنه بعد المتابعات القانونية لـ"جمعية زهور البراري" قررت الهيئة الإدارية حل نفسها، فيما تعمل وزارة التنمية الاجتماعية على تتبع نشاط جمعية اقتصادية يقوم عليها رجال أعمال منتمون لجماعة الإخوان، ويرأسها نائب سابق (لم تسمه).

"اعتقالات إدارية"

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين المحاصرين بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت السلطات الأردنية حملات اعتقال نالت مئات الناشطين والمنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين لوقوفهم ضد الاحتلال. 

وفي 12 يوليو 2025 قدمت كتلة الإصلاح النيابية في البرلمان مذكرة لرئيس الوزراء، طالبته فيها باتخاذ إجراء بحق الناشطين الموقوفين إداريا في الأردن على خلفية قضايا سياسية.

وجاء في المذكرة التي قدَّمها النائب عن حزب جبهة العمل الإسلامي، أحمد الرقب: “نحن دولة القانون والمؤسسات؛ هل يقبل أن يحبس ثلة من الشباب أكثر من ستة أشهر تحت ذريعة ما يسمى بالتوقيف الإداري؟”

ولفت النائب إلى أنَّ "التوقيف الإداري غير مبرر، ويرتب نتائج سلبية ونفسية على الموقوفين وذويهم؛ مما يستلزم اتخاذ ما أمكن من إجراءات إيجابية تتجاوز البيروقراطية وآثارها السلبية".

وأوضح الرقب أنّ "الناشطين الموقوفين هم: عبد الرحمن أبو شرخ، نعيم جعابو،  جهاد عطية، عدنان أبو عرقوب".

وقبل نحو عام، وتحديدا في 7 يوليو 2024، خرجت مظاهرات شارك فيها آلاف الأردنيين تساند وتناصر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومقاومته التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، طالبوا فيها بالإفراج عن الناشطين المعتقلين بسبب دعم المقاومة الفلسطينية.

وجاءت المسيرة التي دعت إليها الحركة الإسلامية تحت شعار (الهجرة.. طوفان النصر)، تأكيدا على دعم الأردنيين المقاومة الفلسطينية المسلّحة بصفتها السبيل لردع العدوّ ودحر الاحتلال.

ودعا مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين، مراد العضايلة، الدولة الأردنية لفتح صفحة جديدة وتمتين الجبهة الداخلية، والإفراج الفوري عن معتقلي الرأي كافة، ومنهم، القيادي في الحركة الإسلامية نعيم جعابو، والناشط السياسي أيمن صندوقة.

وفي اليوم نفسه، قال "الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن" في الأردن: إن "نهج اعتقال الكتاب والصحفيين والحزبيين والناشطين السياسيين بسبب كلمة قالوها أو موقف أبدوه في قضية من قضايا الشأن العام هو نهج غير مقبول يوسع فجوة الثقة بين الشعب ومؤسساته ويهدم منظومة التحديث السياسي".

وطالب الملتقى خلال بيان له في 7 يوليو 2024، بالإفراج عن "هبة أبو طه ونعيم جعابو وأيمن صندوقة وغيرهم من معتقلي الرأي وتعديل جميع التشريعات المقيدة لحرية التعبير وعلى رأسها قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية".

وفي 13 أغسطس 2024، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، بأن مئات الناشطين يمثلون أمام القضاء الأردني، ويتم إسقاط العديد من التهم في نهاية المطاف، لكن يعاد اعتقالهم عبر وزارة الداخلية باستخدام الاحتجاز الإداري "المسيئة"، ويجبر بعضهم على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو التحريض عليه تحت طائلة دفع غرامات طائلة.

حملات تحريض

رافقت الإجراءات الحكومية حملة تحريض إعلامية واسعة على الحركة الإسلامية بشقيها، جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي"، لا سيما في قضية "أموال الجماعة"، التي اتهمتهم السلطات بجمع ملايين الدولارات بطرق "غير مشروعة".

ورأى الكاتب الأردني محمد كامل القرعان، أن ما تقوم به السلطات هو "قرار إستراتيجي مدروس بإخراج جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي والاجتماعي، ليس كردة فعل لحظية، بل كمسار تدريجي قائم على معطيات أمنية وسياسية عميقة".

وزعم الكاتب خلال مقال نشرته صحيفة "الرأي" الأردنية في 20 يوليو، أن "الجماعة في كثير من مواقفها قدّمت مصلحة التنظيم على حساب مصلحة الوطن، واحتفظت بخطاب مزدوج، فيه رمادية ومراوغة لا تستقيم مع مقتضيات الأمن القومي الأردني".

وبحسب قوله، فإنَّ "الدولة  لم تقم بإقصاء مباشر، بل اختارت أن تُفكّك نفوذ الجماعة بهدوء وبأدوات قانونية ومؤسسية تم حلّ الجماعة قانونيا، وسُحبت الصفة الشرعية عنها، وتم دعم منابر بديلة أكثر التزاما بالدستور، وأكثر توافقا مع فكرة الدولة المدنية".

وادعى القرعان أن "قرار إخراج الجماعة من الساحة هو قرار سيادي استباقي يحمي الداخل الأردني من التآكل ومن محاولات الاختراق".

وعلى الوتيرة ذاتها، زعم الكاتب الأردني صلاح العبادي، أنه "على مدار أعوام جمعت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ملايين الدنانير بحجة دعم القضية الفلسطينية، وتحديدا غزة، لكن أقل من 1 بالمئة فقط من تلك الأموال وصل فعليا إلى الفلسطينيين".

وادعى العبادي خلال مقابلة تلفزيونية في 17 يوليو، أن "باقي الأموال وُجّهت نحو أغراض داخلية، من توزيع الرواتب الشهرية بين قيادات التنظيم، وتمويل الذراع السياسية المتمثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي، إلى الاستثمار في العقارات داخل المملكة وخارجها".

وتابع: "الذراع السياسية للجماعة، حزب جبهة العمل الإسلامي، استفاد بشكل مباشر من هذه الشبكات المالية في تمويل حملاته الانتخابية وأنشطته الجماهيرية، ممّا يضعه تحت طائلة المساءلة القانونية، في ظل قانون الأحزاب الجديد الذي يشترط الشفافية والاستقلال التنظيمي عن الجماعات المحظورة".

وتحدّث الكاتب عن تنظيم الجماعة “معسكرات تدريب في مناطق مثل جرش والزرقاء استُخدمت لتجنيد طلبة الجامعات والمدارس، وهو ما بدا أنه محاكاة لهيكل تنظيمي موازٍ للدولة”.

ولفت إلى أن الحكومة الأردنية، من جانبها، حافظت على نهج حذر في التعامل مع الجماعة؛ حيث اختارت الحل القضائي والتعامل الحكيم. فقد جرى حل نقابة المعلمين، التي يُشتبه بارتباطها بالتنظيم عبر خطوات تدريجية لضمان استقرار المشهد الداخلي".

ومع اندلاع "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، برزت جماعة الإخوان المسلمين بحضورها الشعبي، والذي بدا واضحا في الميادين بخروج مظاهرات مستمرة تدين حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وانعكاسا للزخم الذي استعادته الجماعة في الشارع الأردني، حقَّقت "جبهة العمل الإسلامي" فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية، بـ31 مقعدا من إجمالي 138، والذي لا يزال مصيرها مهددا بعد قرار حظر "الإخوان المسلمين"، والمحاسبة القانونية لكل من ينتسب لهم ويروّج لأفكارهم.