اتفاق "خور عبد الله" لتنظيم الملاحة مع الكويت.. شرعي أم تجاوز على الدستور؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

تجدد الجدل في العراق بخصوص اتفاقية "خور عبد الله" لتنظيم الملاحة مع الكويت، وذلك بعد أن رأى رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، القاضي فائق زيدان، أنها شرعية وملزمة، وأن قرار المحكمة الاتحادية العراقية ببطلانها، تجاوز على الدستور.

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2023 قضت المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون تصديق البرلمان العراقي لاتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت في منطقة "خور عبد الله"، وذلك لعدم توفر أغلبية الثلثين في الجلسة التي تعدّ شرطا أساسيا لإضفاء الشرعية.

وتقع منطقة "خور عبدالله" المائية شمال الخليج العربي، بين جزيرة بوبيان الكويتية، وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلا خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي.

وتقضي الاتفاقية بتقسيم مياه "خور عبدالله" مناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابعة للأمم المتحدة رقم 833 الصادر عام 1993، الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي للكويت.

"اتفاقية شرعية"

ومع أن قضية "خور عبد الله" كانت معروضة في المحكمة الاتحادية للبتّ بها بعد طعنين تقدم بهما رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق، لكن القاضي فائق زيدان، حسم الأمر خلال مقال له نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 23 يوليو/ تموز 2025.

وفي 15 أبريل 2025 قدم الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، طعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية، طالبا فيها بالعدول عن قرارها بإبطال اتفاقية "خور عبد الله" وإعادة التقدير للاتفاقية المبرمة بين البلدين في 2013.

وقال زيدان خلال المقال: إن "اتفاقية خور عبد الله، المُبرَمة بين العراق والكويت في 29 نيسان 2012، تمثّل معالجة فنية وإدارية لآثار جريمة غزو صدام حسين للكويت عام 1990، وتستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (833) لسنة 1993، الذي حدّد الحدود البحرية بين البلدين".

وأشار إلى أن الاتفاقية دخلت حيّز التنفيذ وأصبحت ملزمة بموجب مبدأ "pacta sunt servanda"، أي "يجب احترام المعاهدات"، وهو من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، وقد تمّ استكمال إجراءات التصديق عليها من قِبل مجلس الأمة الكويتي.

وأوضح أن المحكمة الاتحادية ردّت الدعوى بشأن الاتفاقية لعدم استنادها إلى أساس دستوري أو قانوني، مما ثبّت شرعيتها داخليا، وحماها من أي طعن لاحق، في وقت عدّت فيه المحكمة نفسها، لاحقا، قانون البرلمان عام 2013 غير دستوري لعدم التصويت عليه بأغلبية الثلثين.

وحذّر القاضي زيدان من أن اعتماد هذا التفسير قد يؤدي إلى إبطال أكثر من 400 اتفاقية دولية أُبرمت سابقا بأغلبية بسيطة، وهو ما يُهدد بإسقاط المنظومة التعاقدية للدولة العراقية بأثر رجعي.

وانتقد رئيس مجلس القضاء الأعلى ما قامت به المحكمة الاتحادية في قرارها الصادر بتاريخ 4 سبتمبر 2023، فقد وصف تراجعها عن حكمها القطعي الصادر عام 2014 بشأن الاتفاقية بأنّه "عدول"، رغم أن العدول لا يجوز أن يمسّ حكما نهائيا.

ولفت إلى أنَّ هذا التصرف يتجاوز الطبيعة القانونية للنظام الداخلي للمحكمة، الذي لا يرقى إلى مستوى القانون، وبالتالي لا يحقّ له توسيع صلاحيات المحكمة أو منحها اختصاصًا غير منصوص عليه في الدستور.

ورأى زيدان أن المحكمة، بتصرفها هذا، خرقت مبدأ حجّيّة الأمر المقضي فيه وأثارت فراغا تشريعيا واضطرابا دبلوماسيا، إذ إن الحكم الملغى كان يُرتب التزاما دوليا مُودَعا لدى الأمم المتحدة.

وختم زيدان مقاله بالتأكيد على أن القرار القضائي لعام 2014 كان منسجمًا مع الدستور والقانون الدولي، وحقق يقينا قانونيا داخليا وخارجيا، في حين أن قرار عام 2023 افتقر إلى الأساس الدستوري والقانوني، وخلّف آثارا خطيرة على الصعيدين القانوني والدبلوماسي.

في 22 أبريل وصل القاضي فائق زيدان إلى الكويت على رأس وفد قضائي رفيع المستوى، وذلك في اليوم نفسه الذي كان مقررا أن تبت المحكمة الاتحادية بقضية خور عبد الله، قبل أن تعلن تأجيلها لأكثر من مرة، كان آخرها إلى 25 يونيو 2025، لكن استقالة رئيسها جاسم العميري، غيّب موعد القضية. 

وأفاد بيان للقضاء العراقي، بأن "رئيس المجلس يزور الكويت بناء على الدعوة الموجهة من رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز (الكويتي) المستشار عادل بورسلي؛ لغرض تعزيز التعاون القضائي والقانوني بين البلدين"، لكن لم يصدر أي بيان من الجانبين عن نتائج اللقاء.

"انقسام إطاري"

قضية "خور عبد الله" إحدى القضايا الجدلية الكبيرة بالعراق، فالبعض يعد التنازل عنها خيانة وبيعا لأرض عراقية، بينما يؤيدها آخرون لكنهم لا يصرحون بذلك علنا، خصوصا من وقّع عليها عام 2013، ومنهم رئيس الحكومة الحالية، الذي كان أحد أعضاء الوفد المفاوض مع الجانب الكويتي.

وأحدثت القضية شرخا واضحا داخل "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم؛ لأن من وقع على الاتفاقية عام 2013، يقوده رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، وبرفقته وزراء النقل هادي العامري، والخارجية هوشيار زيباري، والتجارة محمد شياع السوداني (رئيس الوزراء الحالي).

ونالت هذه الشخصيات اتهامات من ناشطين عراقيين، بالخيانة وبيع أجزاء من العراق مقابل رِشا مالية ضخمة تصل إلى 6 مليارات دولار أميركي، وصلت إلى وزير النقل الأسبق القيادي الحالي في الإطار التنسيقي الشيعي، هادي العامري.

وأعاد ناشطون في 2 مايو 2025 نشر مقطع فيديو سابق للمحافظ الأسبق لمدينة البصرة العراقية، القاضي وائل عبد اللطيف، يقول فيه: إن "توقيع اتفاقية خور عبد الله مع الجانب الكويتي كان مقابل أموال ضخمة بقيمة 6 مليارات دولار".

وأوضح القاضي عبد اللطيف أن تلك الأموال "ذهبت إلى هادي العامري في وزارة النقل، إلى جانب سيوف ذهبية وصلت إلى مبنى وزارة الخارجية العراقية إلى الوزير هوشيار زيباري".

وعلى الجانب الآخر، فإن طرفا آخر ضمن "الإطار التنسيقي" هو من يعترض عليها ورفع دعوى ضدها بالمحكمة الاتحادية وكسبها عام 2023، وهي كتلة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله"، وتؤيدهم فيها "عصائب أهل الحق"، إضافة إلى عدد من النواب الشيعة المستقلين.

وفي وقتها، ظهر النائب في البرلمان العراقي سعود الساعدي، عن كتلة "حقوق" البرلمانية، في مقطع فيديو نشره على حسابه بمنصة "إكس" في 4 سبتمبر 2023، يقول فيه إنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.

من جهته، قال رائد المالكي النائب المستقل عن "الإطار التنسيقي"، إن "ما أقدمت عليه الحكومة العراقية من طعن لدى المحكمة الاتحادية لمطالبتها بالعدول عن قرارها بخصوص خور عبد الله، جاء بعد مماطلة في تنفيذ هذا القرار الذي صدر عام 2023".

وأضاف المالكي خلال حديث مصور مع إذاعة "المربد" العراقية، في 23 أبريل، أن "قرار المحكمة الاتحادية ببطلان الاتفاقية جاء بعد دعوى رفعناها نحن، واستجابت الأخيرة للطعن وأعادت السيادة للعراق على هذا الممر المائي المهم".

وتابع: "نهيب بالشعب العراقي والقوى السياسية للوقوف إلى جانب المحكمة الاتحادية التي تتعرض إلى ضغوط سياسية من أجل ثنيها وإجبارها على العدول عن قرارها السابق".

وقبل ذلك، صرح النائب عن كتلة "العصائب" عدي العوادي، في 6 مايو 2025، بأن خور عبد الله "عراقي" ولا يمكن التنازل عنه تحت أي ضغط، وأن بعض السياسيين يذهب ذليلا إلى الكويت، ويقدّم التنازلات، ولو كنت مكان السوداني لا أتنازل عنه.

"فضيحة كبرى"

لكن توقيت ما أدلى به القاضي زيدان بخصوص القضية الجدلية، كان لافتا كونه جاء بعد شهر واحد من إحالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا، جاسم العميري، إلى التقاعد، بعد ما تحدث البعض عن "انقلاب" زيدان عليه في 23 يونيو 2023، وتسمية منذر إبراهيم بديلا عنه.

وقال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي: إن "ما طرحه القاضي فائق زيدان، مع أنه مصادرة لقرارات المحكمة الاتحادية، لكنه جاء في توقيت منشغل فيه الرأي العام الداخلي بحادثة حريق المبنى التجاري في الكوت، والذي انشغلت فيه كل وسائل الإعلام المحلية".

ففي 16 يوليو/ تموز 2025، اندلع حريق داخل مبنى تجاري مؤلف من خمسة طوابق وسط مدينة الكوت مركز محافظة واسط وسط العراق، أودى بحياة 63 شخصا، ونحو 40 مصابا بعضهم حالته حرجة، وأن معظم الضحايا قضوا اختناقا نتيجة الدخان لعدم وجود مخرج طوارئ.

وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "هذا الانقسام داخل الإطار التنسيقي الشيعي، يعبر عن حالة طبيعية بين الأحزاب القريبة من إيران منذ 2003، فهي ذاتها التي أيدت دخول الاحتلال الأميركي للبلد وصفقت له، ثم إنها هي اليوم تدّعي أنها هي التي كانت تقاومه وأخرجته بقوة السلاح".

ولفت الباحث إلى أن "القضاء بدلا من التحقيق في حديث تقديم رشا مالية كبيرة من الكويت إلى مسؤولين عراقيين، أصبح اليوم طرفا في تأييد إنفاذ الاتفاقية التي يشوبها الكثير من علامات الاستفهام".

من جهته، قال الكاتب والخبير القانوني العراقي، يحيى الكبيسي: إن "مقال زيدان يُشكّل فضيحة قانونية كبرى؛ لأنه يعني أن رئيس مجلس القضاء الأعلى ينتهك بشكل صارخ المادة الدستورية التي تنص على أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسُلطات كافّة".

وتابع الكبيسي قائلا: بعيدا عن أن هذا المقال يُمثل تجاوزا خطيرا على اختصاصات رئيس مجلس القضاء الأعلى الواردة في قانون المجلس، فإنّه يقول شيئا واحدا: "اتفاقية خور عبد الله باقية ولن تمس".

ولفت إلى أن "المحكمة الاتحادية الجديدة التي شكلّها فائق زيدان بعد انقلابه على جاسم العميري ستتخذ قرارا يقر بأن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله دستورية وباقية وتتمدّد".

وعلى خلفية تصريحات القاضي فائق زيدان، خرجت تظاهرات في عدد من المدن العراقية لا سيما في العاصمة بغداد، والبصرة وميسان والنجف وواسط، رفضت ما أسمته "بيع أرض عراقية"، متوعدين بالخروج في احتجاجات واسعة تشمل عموم البلاد في حال الإصرار على ذلك.