السوداني كان هدف الحريق.. كيف يجري توظيف الأحداث في العراق انتخابيا؟

"الحادثة وظِّفت سياسيا وانتخابيا خصوصا من نوري المالكي وهو الخصم اللدود للسوداني"
مع قرب الانتخابات البرلمانية العراقية، تتصاعد الحرب الإعلامية بين القوى السياسية، لا سيما استغلال الأزمات والحوادث للإطاحة بالخصوم، حتى على حساب أرواح المواطنين، وهذه تُعد واحدة من أبرز وجوه الصراعات بين الأحزاب الشيعية الحاكمة في البلاد.
الانتخابات البرلمانية العراقية التي من المقرر أن تجرى في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، تتنافس فيها معظم القوى الشيعية- باستثناء التيار الصدري الذي أعلن مقاطعتها- للوصول إلى رئاسة الحكومة المقبلة، وسط توقعات بتغير كبير في الخارطة السياسية.

فاجعة الكوت
لعل حادثة حريق مدينة الكوت، آخر تلك الحوادث التي وظفتها القوى السياسة الشيعية للإطاحة برئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، الذي يشارك في الانتخابات على رأس قائمة كبيرة، لكن محافظ واسط التي كان كبش الفداء للحادث الذي أودى بحياة أكثر من 60 شخصا.
وفي 16 يوليو/ تموز 2025، اندلع حريق داخل مبنى تجاري مؤلف من خمسة طوابق وسط مدينة الكوت مركز محافظة واسط وسط العراق، أودى بحياة 63 شخصا، ونحو 40 مصابا معظمهم حالته حرجة، وإن معظم الضحايا قضوا اختناقا نتيجة الدخان لعدم وجود مخرج طوارئ.
ونتيجة الحادث أعلن محافظ واسط، محمد المياحي، في 23 يوليو، استقالته من منصبه، وسارع مجلس المحافظة إلى قبولها، والتصويت على انتخاب هادي مجيد كزار خلفا له.
وحقّق المياحي فوزا كاسا خلال انتخابات مجالس المحافظات في 10 أكتوبر 2024، الأمر الذي هدَّد شعبية قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، كونه جاء من خارج هذه المنظومة، وكان متوقعا أن يحصد غالبية أصوات الناخبين خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقبل تقديمه الاستقالة بيوم واحد، ظهر المياحي في مقابلة تلفزيونية، وأكَّد أن الحريق قد يكون بفعل فاعل، متهما في الوقت ذاته أطرافا داخل الإطار التنسيقي، وتحديدا ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، بتأجيج الشارع ضده.
وكشف المياحي خلال المقابلة أن "إحدى الكتل السياسية (لم يسمها) التي تقف بالضد من رئيس الوزراء، محمد السوداني، طلبت مني أن أحضر للبرلمان وأشهد بالضد من الأخير لكي تنال منه، وأنا أخرج من القضية، وأن شخص السوداني هو من تلقى عليه المسؤولية".
وفي السياق ذاته، شن الأمين العام "كتائب الإمام علي" ورئيس تحالف "خدمات" البرلماني، شبل الزيدي عبر منصة "أكس"، هجوما لاذعا على ائتلاف دولة القانون، وزعيمه نوري المالكي، بعدما طالبوا بمحاسبة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، على خلفية حريق الكوت.
وذكّر الزيدي في 21 يوليو، أعضاء "ائتلاف دولة القانون" بسقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة عام 2014، وعشرات الحرائق والتفجيرات التي حدثت خلال رئاسة زعيم الائتلاف نوري المالكي للحكومة لدورتين متتاليتين (2006 إلى 2014).
وأكَّد رئيس تحالف "خدمات"- الذي يعدّ المياحي أحد مؤسسيه ويتزعمه في محافظة واسط- أن العدالة يجب أن تكون موحدة المعايير، وليست خاضعة للأهواء السياسية بالقول: إنَّ "العدالة ليس لها وجهان ولكن المنافق هو الذي له وجهان". حسب تعبيره.
"توظيف انتخابي"
وبخصوص استقالة المياحي والتصعيد الحاصل بين قوى سياسية على خلفية حريق الكوت، قال الباحث العراقي، بهاء الدين البرزنجي: إن "الحادثة وُظِّفت سياسيا وانتخابيا، خصوصا من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وهو الخصم اللدود لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف البرزنجي لـ"الاستقلال" أن "تيار الحكمة أيضا وظف الحادث ضد المياحي الذي كان أحد قياداته قبل أن ينشق عنهم ويأخذ المنصب ويشكل قائمة وحده بالتشارك مع شبل الزيدي، بالتالي أراد هذا التيار أن يزيحه من منصبه مستغلا نقمة الجماهير في محافظة واسط".
ولفت الباحث إلى أن "القوى الشيعية مستعدة للتصادم بالسلاح مقابل الحصول على المناصب والمغانم في الدولة العراقية كما حصل بين الإطار والتيار الصدري عام 2022، وبالتالي ليس من الغريب توظيف مثل هذه الكوارث للإطاحة برئيس الحكومة أو غيره".
في 29 أغسطس/ آب 2022، وقعت اشتباكات داخل المنطقة الخضراء بين أتباع التيار الصدري، وفصائل مسلحة تابعة للإطار التنسيقي، وذلك على خلفية فشل الصدر في تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع أطراف سنية وكردية، يعزل فيها قوى الإطار.
وعلى إثر ذلك، خرج الصدر في كلمة دعا فيها أنصاره للانسحاب من المنطقة الخضراء، وإعلان اعتزاله العمل السياسي نهائيا، وذلك بعد أيام من إجبار نواب كتلته في البرلمان تقديم استقالاتهم، رغم أنهم حقّقوا المرتبة الأولى في انتخابات 2021 وحصلوا على 73 مقعدا.
من جهته، أكّد الكاتب والمحلل السياسي العراقي، شاهو القرة داغي، أن "ما جرى من تصعيد بين الطرفين (شبل الزيدي، وائتلاف دولة القانون) يأتي في سياق الصراعات السياسية وتصفية الحسابات قبيل الانتخابات، وأن هذا الشيء يؤكد استفحال الصراع داخل البيت الشيعي".
نقلت شبكة "الساعة" العراقية عن القرة داغي في 22 يوليو، قوله: "هجوم الزيدي بهذه الصراحة على شخص المالكي يعكس تصعيدا سياسيا بين الطرفين، خاصة أنه يستغل حادثة الحريق لتصفية حسابات سياسية، والدفاع عن المحافظ (المياحي) في وجه انتقادات تعرض لها نتيجة تعامله مع الحريق".
وأضاف القرة داغي أن "الحلفاء يحتاجون أحيانا إلى إثارة نوع من النزاعات والمشاكل الداخلية بينهم لغرض تحقيق الأهداف الانتخابية ودغدغة جمهورهم" مبينا أنه "ورغم ارتباط الهجوم بهذه الغايات ألا أنه يشكّل علامة على وجود خلافات داخلية بين هذه القوى قد تنفجر في أي لحظة".
وأشار إلى أنّ "الفصائل المسلحة والكيانات الصغيرة داخل البيت الشيعي أصبحت أيضا تمتلك إمبراطوريات اقتصادية، وبالتالي تحاول أن ترسخ نفوذها داخل العملية السياسية"، مؤكدا أن "تلك المساعي ستؤدي بلا شك إلى صراع بين القوى الشيعية التقليدية في المرحلة المقبلة".

أزمات سابقة
لم تكن حادثة حريق الكوت الأولى في التوظيف السياسي؛ إذ سبق أن استغلت الأطراف القريبة من إيران أزمة الكهرباء قبل انتخابات عام 2018، وحرّضت على رئيس الحكومة حيدر العبادي، وبالتالي لم يحصل على ولاية ثانية التي كان على مقربة منها.
حين تولى العبادي رئاسة الحكومة بين 2014 و2018، تعهد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأن يدعمه في تولي ولاية ثانية ليكمل ما بدأه من إصلاح لأوضاع البلاد، لكنه تراجع عند خروج احتجاجات بالبصرة في منتصف يوليو/ تموز 2017، تطالب العبادي بتوفير الكهرباء.
لكن العبادي، أعلن خلال مقابلة تلفزيونية في ديسمبر 2018، أن "صراع الإرادات في العراق وداخل إيران أدى إلى إبعاده عن رئاسة الحكومة لولاية ثانية"، في إشارة منه إلى أن طهران قطعت الغاز متعمدة في الصيف اللاهب عن مولدات الكهرباء، لإخراج مظاهرات ضده.
وفي تطور جديد، أعلن ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي انسحابه من الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر 2025، احتجاجا على ما وصفه دور "المال السياسي"، وغياب الضوابط المانعة لتوظيفه في هذه العملية الديمقراطية.
وأصدر "النصر" بيانا في 29 يونيو 2025، أعلن فيه أنه "يرفض إشراك مرشحيه في انتخابات تقوم على المال السياسي، وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات، وتوظيف المال العام والمال الأجنبي، واستغلال موارد الدولة".
كما جدّد زعيم التيار رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر تأكيده على مقاطعته للعملية الانتخابية في أكتوبر 2025، مشترطا تسليم "السلاح المنفلت" و"حلّ المليشيات" مقابل مشاركته.
في بيان حمل توقيع "المقاطع مقتدى الصدر"، أصدره في 4 يوليو/ تموز 2025، قال زعيم التيار الصدر: "مقاطعون.. فمن شاء فليقاطع، ومن شاء فليتخذ شهوة السلطة سبيلا".
وأضاف: "لن يُقام الحق، ولن يُدفع الباطل، إلا بتسليم السلاح المنفلت إلى يد الدولة، وحلّ المليشيات، وتقوية الجيش والشرطة، وضمان استقلال العراق وعدم تبعيته، والسعي الجاد نحو الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، وما خفي أعظم".
وقبل ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدا أن قراره "نابع من قناعته بغياب الحد الأدنى من شروط التنافس السياسي السليم".
وأضاف الكاظمي خلال مقابلة تلفزيونية مطلع يونيو 2025، أن "العملية الانتخابية المرتقبة تفتقر إلى العدالة والنزاهة، وتخلو من المشاريع السياسية الحقيقية، في وقت تهيمن فيه الأموال السياسية والنفوذ المالي على المشهد الانتخابي".
المصادر
- المياحي يتبرأ ويتهم: خُدعت من الدفاع المدني و«دولة القانون» و«الحكمة» يشعلان الفتنة
- حريق الكوت.. النار تفتك بالمتسوقين وغياب الطوارئ يعمق المأساة
- ما وراء هجوم الزيدي على المالكي واتهامه بالتورط بسقوط الموصل؟
- حرب بالأسلحة والقذائف في قلب بغداد.. ماذا وراء اقتحام الصدريين للمنطقة الخضراء؟
- حيدر العبادي.. "تشرشل العراق" الذي أفل نجمه بعد تخندقه في صف إيران
- العبادي: إيران أزاحتني عن ولاية ثانية لهذه الأسباب (شاهد)