سياسة الأمر الواقع.. هل اقتربت مواجهة المياه بعد تشغيل سد النهضة الإثيوبي؟

"المخاوف الإقليمية تبقى حاضرة"
تصعيد متواصل بشأن مشروع "سد النهضة الكبير" الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل الأزرق، في ولاية بني شنقول-قماز.
وتقدم الحكومة الإثيوبية المشروع كركيزة لتنمية البلاد وتسريع عملية إمداد البلاد بالكهرباء، إلا أن تداعياته الإقليمية تثير توترا متزايدا، لا سيما في مصر والسودان، الدولتين المعتمدتين بشكل كبير على مياه النيل.
وأشار تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية إلى إعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد عن تشغيل توربينات السد بشكل كامل بطاقة تتجاوز 5150 ميغاواط، ما أعاد للواجهة التحذيرات بشأن "سياسة الأمر الواقع" التي تتبعها أديس أبابا، في ظل تعثر المفاوضات الثلاثية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.
تغيرات مفاجئة
فيما تواصل القاهرة موقفها المتشدد، متمسكة باتفاقيات تاريخية تمنحها حقوقا مائية واسعة، يحذر السودان من آثار محتملة مباشرة على أراضيه، في ظل غياب البنية التحتية الكافية لمواجهة تغيرات مفاجئة في تدفق المياه.
ولفت التقرير إلى أن آبي أحمد يسعى لطرح السد كمشروع "فرصة مشتركة" لتصدير الكهرباء إلى دول الجوار، بينما تبقى المخاوف الإقليمية حاضرة، وسط غياب اتفاق شامل ينظم الاستخدام العادل لمياه النهر الدولي.
وأفاد بأن "المشروع الإثيوبي لسد النهضة الكبير، حين يقدم من منظور وطني، يبدو محل إجماع داخلي".
جدير بالذكر أن هذا السد، الذي يقع في ولاية بني شنقول-قماز على نهر النيل الأزرق، بدأت أعمال بنائه منذ عام 2011، وحصل على تمويل جزئي من خلال اقتطاع جزء من رواتب المواطنين لعدة أشهر.
ووعدت الحكومة بتسريع وتيرة إمداد البلاد بالكهرباء، التي كانت لا تصل -آنذاك- إلا لنحو نصف سكان البلاد.
لكن التقرير أشار إلى أن "هذه الصورة المثالية أقل حضورا في الدولتين الواقعتين على مجرى النهر السفلي؛ أي مصر والسودان".
وأوضح أنه "منذ إعلان آبي أحمد، أمام البرلمان في 3 يوليو/ تموز 2025، عن تشغيل 13 توربينا في سد النهضة، بطاقة إجمالية معلنة تفوق 5150 ميغاواط، ارتفعت أصوات معارضة للتذكير بأن النيل هو (مجرى مائي دولي مشترك)".
كما لفت إلى أن "المفاوضات الثلاثية بشأن تشغيل السد متوقفة منذ ديسمبر 2023".
التنسيق ممكن
كذلك أكد التقرير أن "الدولتين الواقعتين على مجرى النهر عبرتا رسميا عن قلقهما من سياسة (فرض الأمر الواقع) التي تنتهجها إثيوبيا من خلال إجراءات أحادية الجانب تتعلق بالنيل".
غير أن مصر كانت، بحسب التقرير، "الأكثر حدة في مواقفها، وربما الأقل تأثرا، في حين يقف السودان في الصفوف الأمامية، لكنه بدا أكثر تصالحا".
وأشار إلى أن "القاهرة كانت قد أطلقت في السابق تهديدات -وإن كانت غير مقنعة- بقصف السد".
وأضاف: "وبعد تدخل آبي أحمد الأخير، رفضت وزارة الموارد المائية والري المصرية بشدة إعلان تشغيل السد".
من جانب آخر، لفت التقرير إلى "امتلاك مصر لخزان أسوان، الذي تفوق سعة تخزينه مثيلتها في خزان سد النهضة بأكثر من الضعف".
وأشار إلى أن "السودان لا يمتلك أي سد على النيل".
وأردف: "ونظرا لموقعه الذي لا يبعد سوى أقل من 30 كيلومترا عن الحدود السودانية، يخشى السودان من معاناة دورية بين نقص في المياه وإطلاق مفاجئ لتدفقات كبيرة".
ورأى التقرير أن "التنسيق اليومي بين أديس أبابا والخرطوم يبدو ممكنا تماما، غير أن أطراف النزاع السوداني القائم يخشون -على ما يبدو- من إغضاب النظام المصري الذي يقوده عبد الفتاح السيسي".
فرصة مشتركة
وبعد أكثر من 5 مليارات دولار من الاستثمارات، يفترض أن يفتتح السد الإثيوبي العملاق في سبتمبر/ أيلول 2025، وأن يوفر إنتاجا يعادل إنتاج خمسة مفاعلات نووية.
وفي مواجهة مخاوف الدولتين بشأن انخفاض تدفق المياه، أشار التقرير إلى تأكيد آبي أحمد على أن "سد النهضة لا يمثل تهديدا، بل هو فرصة مشتركة".
كما أشار إلى "وجود نية لتصدير جزء كبير من الكهرباء المنتجة من السد، خصوصا إلى السودان، وكذلك إلى كينيا أو جيبوتي".
وتحدث التقرير عن أن "مصر ما زالت تتمسك بمعاهدتين عائدتين لعقود طويلة".
وأوضح أنه "في عام 1929 منح التاج البريطاني القاهرة حق النقض (الفيتو) على المشاريع المائية للمستعمرات البريطانية المجاورة، وبعد ثلاثين عاما وقعت مصر والسودان اتفاقا يمنحهما 87 بالمئة من مياه النهر".
وتابع: "في المقابل، وقعت كل من بوروندي ورواندا وتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان، إلى جانب إثيوبيا، اتفاقا إطاريا للتعاون في حوض نهر النيل، وقد دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2024".