وسط جمود سياسي وعقوبات قاسية.. صحيفة عبرية تحدد احتمالات الحرب التالية مع إيران

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

مع إعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران رغم ما تعرضت له من عدوان أميركي إسرائيلي، حرضت صحيفة إسرائيلية ضد طهران، متحدثة عن مخاوف من احتمال وقوع “خطأ في التقدير” قد يدفعها إلى شن هجوم "وقائي" ضد الكيان.

وبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، فإن ما يزيد مخاوف الكيان أن هذه الحرب المقبلة قد تكون أكثر قسوة وعنفا، وأن احتمال اندلاعها يتزايد في ظل الجمود الذي يشهده المسار السياسي.

“حيوان جريح”

وقالت الصحيفة في مطلع مزاعمها: إن "إسرائيل تخشى من أن إيران، وهي في حالة أشبه بـ (حيوان جريح)، قد تسيء تفسير خطوات إسرائيل أو تحاول الضرب في جميع الاتجاهات -بالمعنى الحرفي والمجازي- نتيجة الضغوط التي تواجهها".

وأضافت: "تمثل العقوبات الاقتصادية -التي فُرضت أخيرا على إيران- عمليا نهاية عهد الاتفاق النووي السابق".

ووصفت الصحيفة هذه العقوبات بـ"القاسية"؛ حيث تشمل حظرا على الصادرات والواردات العسكرية من إيران، فضلا عن استهداف الدول التي تتعامل تجاريا مع إيران، سواء بالبيع أو الشراء.

إضافة إلى فرض قيود على "المعاملات الثانوية"، بحيث لا تبيع دولة ما إلى دولة ثالثة، ثم تبيعها بدورها إلى إيران.

وادعت الصحيفة أن "القيادة الإيرانية تعاني من قلق بالغ إزاء هذه العقوبات، خاصة وأن البلاد تواجه بالفعل معدلات تضخم مرتفعة".

وفي ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة، والخسائر التي مُنيت بها إيران خلال حرب الإثني عشر يوما، تعبر الصحيفة عن مخاوفها من أن "تختار إيران، وهي في موقف الضعف هذا، شن هجوم مفاجئ على إسرائيل".

وأردفت: "قد يدفعها الخوف من هجوم إسرائيلي محتمل إلى اتخاذ خطوة استباقية، انطلاقا من قناعتها بأن المبادرة قد تمنحها تفوقا إستراتيجيا".

هجوم استباقي

وما يزيد من احتمالات المواجهة بين إسرائيل وإيران، وفق الصحيفة، أن "الأخيرة، وبالنظر إلى الطابع (التآمري) الذي يميز تفكيرها، وإلى الريبة العميقة التي يُكِنّها خامنئي إزاء خطوات الولايات المتحدة؛ ستفسر الخطة الأميركية كتحرك إستراتيجي يستهدف النظام في طهران نفسه، وبالتالي ستراها كتهديد مباشر للأمن القومي الإيراني".

وتابعت: "من هذا المنطلق، قد يعتقد قادة إيران أن خطة ترامب تهدف إلى استكمال عملية إضعاف أحد أبرز أذرعها في المنطقة، أي حركة حماس، بعد أن واجه حزب الله أزمة داخلية في لبنان، وتراجعت قوة المليشيات الشيعية في العراق، وانهار نظام الأسد في سوريا".

وتعتقد الصحيفة أن "كل ذلك يُنظر إليه في طهران على أنه تمهيد للتركيز على الهدف الرئيس لنتنياهو وترامب؛ وهو استهداف النظام الإيراني نفسه".

وبناء عليه، رجحت الصحيفة أن "يزداد الضغط الداخلي على المرشد الإيراني علي خامنئي للمبادرة بـ (هجوم استباقي) ضد إسرائيل".

علاوة على ذلك، يرى التقرير أن "الاستجابة الإيجابية من الدول العربية وإسرائيل لخطة ترامب قد تُلحق ضررا كبيرا بالسياسة الإقليمية التي قادتها طهران منذ الهجوم الإسرائيلي على قطر".

وتابع موضحا: "ففي القمة الإسلامية التي عُقدت في قطر عقب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، دعت إيران إلى تشكيل جبهة إقليمية موحدة ضد إسرائيل، لا تكتفي بالإدانات بل تتخذ إجراءات حازمة ضدها".

واستطرد: "ومن بين الخطوات التي سعى خامنئي إلى دفعها، فرض حصار اقتصادي ودبلوماسي على إسرائيل".

واستدرك: "لكن خطة ترامب قلبت المعادلة رأسا على عقب، وطرحت توجها معاكسا تماما لما كانت إيران تسعى إليه".

واسترسل: "فاليوم، وبعد طرح الخطة وتجاوب إسرائيل والدول العربية معها، تقف هذه الأطراف في خندق واحد".

كما تحدثت الصحيفة عن عوامل أخرى تغذي الرفض الإيراني لخطة ترامب، منها: "الشكوك العميقة التي يكنها خامنئي لإدارة الرئيس الأميركي، وطموح إيران في إفشال النظام الإقليمي الذي تعمل الولايات المتحدة على تعزيزه".

هذا بالإضافة إلى "الرغبة الإيرانية في استغلال حرب (السيوف الحديدية) بشكل عام، والهجوم الإسرائيلي على قطر بشكل خاص؛ لإعادة تشكيل نظام إقليمي موالٍ لطهران".

كما ترجح الصحيفة أن "تخشى طهران من أن تكون إسرائيل تسعى فعلا لاستئناف الهجوم عليها، الأمر الذي يدفعها إلى محاولة الضغط على دول المنطقة كي لا تتعاون مع تل أبيب، حتى ولو بشكل غير مباشر أو سلبي، في حال تحقق هذا السيناريو".

ومن المنظور الإسرائيلي، تقدر الصحيفة أن "إسرائيل تستفيد بالفعل من الخطة حتى قبل تنفيذها؛ إذ إنها تضعف المشروع الإيراني الرامي إلى تشكيل جبهة إسلامية إقليمية ضدها".

ومع ذلك، تحذر "إسرائيل هيوم" من أن "هذه الخطة قد تسرع من تصاعد القلق في طهران التي تخشى أن تكون إسرائيل والولايات المتحدة بصدد تجديد الحرب ضدها، بهدف استكمال المهمة وإسقاط النظام".

"وبالتالي، فإن احتمال سوء التقدير من جانب إيران، وما قد يترتب عليه من اندفاعها نحو هجوم مباغت، هو سيناريو يجب على إسرائيل والولايات المتحدة أخذه بجدية أكبر في هذه المرحلة". تقول الصحيفة.

ونوَّهت إلى أن هذا الاحتمال يزداد في ضوء الأصوات الصاعدة داخل إيران، مثل تصريحات يحيى رحيم صفوي، المستشار الأمني البارز للمرشد خامنئي الذي دعا في منتصف أغسطس/ آب 2025 النظام إلى المبادرة بشن هجوم مباغت على إسرائيل.

ضربات قاسية

من جانب آخر، حذرت الصحيفة من الانجرار وراء القناعة الإسرائيلية التي ترى أن إسرائيل انتصرت وأن إيران هُزمت في المواجهة السابقة بينهما.

وقالت: "في أعقاب حرب الأيام الإثني عشر بين إسرائيل وإيران، ترسخت في إسرائيل قناعة بأنها (انتصرت) في المعركة، فقد تلقت إيران ضربات قاسية، وأسفرت الإنجازات الإسرائيلية عن تراجع فعلي في مكانة إيران كدولة على عتبة امتلاك السلاح النووي".

واستدركت: "لكن يبدو أن رواية انتصار مغايرة تتشكل في إيران".

وتابعت: "فرغم أن القيادة الإيرانية بمستوياتها كافة لا تنكر أن إسرائيل حققت إنجازات مهمة، إلا أن طهران ترى في بقاء النظام واستعادته لتوازنه خلال 24 ساعة بعد الهجوم -عبر تعيين مسؤولين جدد بدلا من الذين اغتيلوا- إنجازا إستراتيجيا في مواجهة عُدّت متكافئة مع إسرائيل والولايات المتحدة".

وشددت الصحيفة على ضرورة "عدم التقليل من شأن هذه النظرة الإيرانية للنصر، خصوصا في ظل المأزق القائم بشأن الاتفاق النووي، والذي ازداد تعقيدا بعد قرار الترويكا الأوروبية تفعيل خيار (سناب باك) وإعادة فرض جميع العقوبات التي رُفعت عام 2015".

انطلاقا من ذلك، تقدر "إسرائيل هيوم" أن إيران "لا تخشى اندلاع حرب جديدة، بل تعتقد أنها قادرة على تحقيق مكاسب إستراتيجية لم تتمكن من إنجازها في الحرب السابقة".

وأضافت: "ورغم أن القيادة في طهران لا تزال تفضل العودة إلى مسار تفاوضي قد يؤدي إلى رفع العقوبات، إلا أنها ترى في موقف الغرب تجاهها (مطالبة بالاستسلام)، وهو ما يعزز قناعتها بأن احتمالات التصعيد العسكري تتزايد".

"خاصة في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة باستئناف القتال إذا ما حاولت الجمهورية الإسلامية إعادة بناء قدراتها، لا سيما في المجال النووي". وفق الصحيفة.

وبناء على ذلك، ومن منطلق الخشية من هجوم مفاجئ جديد، تشير الصحيفة إلى أن طهران "تحاول التعلم من أخطائها في المعركة السابقة، مع التركيز على تعزيز ترسانتها الصاروخية".

واستشهدت على ذلك بـ"التقارير اليومية التي تفيد بإجراء طهران تجارب صاروخية، وتصريحات كبار المسؤولين حول التحديثات التي يتم إدخالها على الأنظمة الصاروخية".

فضلا عن ذلك، أكدت القيادة الإيرانية أنها "لن تتردد في شن هجوم استباقي إذا شعرت بأن إسرائيل تستعد لمهاجمتها".

في الوقت نفسه، ذكرت الصحيفة أن "إيران تواصل البحث عن حلول مع موسكو وبكين لتحسين منظومة دفاعها الجوي التي انهارت خلال المواجهة الأخيرة، في محاولة لتعزيز قدراتها الدفاعية".

مفاجأة غير مسبوقة

وفي سياق متصل، لفتت الصحيفة إلى أن "إسرائيل بدأت عملية (عام كلافي) من موقع قوة استثنائي، مستفيدة من عنصر المفاجأة غير المسبوقة واستخدام تقنيات متقدمة ألحقت أضرارا جسيمة بنظام الملالي، ودعم أميركي واضح واستعداد للدفاع عن إسرائيل بأي ثمن تقريبا، كما يتضح من تخصيص واشنطن 800 مليون دولار لصواريخ (ثاد) التي أطلقتها خلال القتال".

وتخشى الصحيفة أنه "من الممكن، بل ومن المرجح، أن تفتقر إسرائيل في المعركة القادمة إلى الظروف المشابهة التي ميزت بداية المواجهة السابقة".

وتابعت: "وسواء كانت إيران هي من تبادر بالهجوم -خشية هجوم إسرائيلي مفاجئ نتيجة سوء تقدير- أو كانت إسرائيل هي المبادرة، فإنه في كلتا الحالتين، تبدو درجة الجاهزية الإيرانية مختلفة هذه المرة".

إلى جانب ذلك، نوهت الصحيفة إلى أنه "مع انشغال إدارة ترامب المتزايد بقضايا أخرى -من الأزمة في فنزويلا إلى الغزو الروسي لأوكرانيا- يظل مستوى الدعم الأميركي في أي مواجهة جديدة غير مضمون، على عكس ما كان عليه في الحرب السابقة".

وهكذا، ترى الصحيفة أن "الجمع بين الاستعدادات الإيرانية المستندة إلى دروس الحرب السابقة، وبين غموض حجم الدعم الأميركي لإسرائيل، قد يضع تل أبيب أمام تحديات غير مسبوقة لم تواجهها في الجولة الماضية".

وتساءلت: “في حال كان التدخل الأميركي أقل فاعلية، يبرز سؤال محوري: كيف ستنتهي المعركة المقبلة؟”

وتابعت: “وهل يمكن منعها من الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة الأمد قد تلحق ضررا أكبر بإسرائيل مقارنة بإيران، بالنظر إلى اتساع المساحة الجغرافية الإيرانية وخبرة طهران الطويلة في حربها مع العراق؟”

وبناء عليه، شككت الصحيفة العبرية في جدوى الدخول في حرب مع إيران: "هذه المخاطر، إلى جانب الكلفة الباهظة التي قد تتحملها إسرائيل إذا طالت المواجهة، تثير تساؤلات جدية حول جدوى أي عملية عسكرية جديدة، خصوصا بعدما أظهرت التجربة محدودية جدوى الضربات الجوية في إسقاط النظام الإيراني".

حيث ترى الصحيفة أن "المواجهة السابقة أثبتت أن النظام الإيراني أكثر صلابة مما كان يعتقد، وأنه لا توجد (قيادة معتدلة) تنتظر الفرصة لتحل مكان المرشد علي خامنئي حتى في حال تصفيته".

أما في الملف النووي، فتشكك الصحيفة كذلك في قدرة إسرائيل على إلحاق ضرر إضافي بمنشآت التخصيب.

وفسرت ذلك بأن "أي مواجهة أخرى مع إيران لن تمحو المعرفة العلمية المتراكمة لدى العلماء الإيرانيين، إلى جانب المواد المتبقية، والتي ستسمح للجمهورية الإسلامية بالتقدم نحو صنع قنبلة نووية إذا رغبت في ذلك".

مواجهة أعنف

ولفتت "إسرائيل هيوم" إلى أن المواجهة القادمة ستختلف عن المواجهة السابقة، وقالت: "إذا كانت نقطة نهاية المعركة السابقة هي نقطة انطلاق المعركة القادمة، فمن الواضح أن المراحل الأولى ستكون أكثر عنفا".

وفي هذه الحالة، رجحت أن "تسعى إيران إلى استخدام قدراتها المتقدمة منذ البداية، بهدف توجيه ضربات قوية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق".

"في ضوء ذلك، فإن الجمود في العملية الدبلوماسية، وتزايد احتمالية سعي إيران لإعادة تأهيل منشآتها النووية، والتصريحات الإسرائيلية حول استعدادها لهجوم آخر، كلها عوامل تُفاقم التوتر بين الطرفين، وتزيد بشكل كبير من احتمالية التصعيد". تقول الصحيفة.

وتابعت: "ويبدو أن هذا التصعيد قد تصل إيران إليه هذه المرة وهي أكثر استعدادا مما كانت عليه في الحرب السابقة".

في ضوء ذلك، تشدد الصحيفة على "عدم الاستهانة بالجمهورية الإسلامية؛ لأن التجربة السابقة أثبتت أن النظام الإيراني أقوى مما يبدو عليه للوهلة الأولى".

واختتمت الصحيفة تقريرها مجددة تشكيكها في جدوى الحرب مع إيران، قائلة: “حتى وإن نجحت إسرائيل في الحفاظ على تفوقها العسكري، لا سيما في المجال الجوي، يبقى السؤال الأكثر أهمية: ما الجدوى من مواجهة مستقبلية قد تكون محفوفة بمخاطر التورط والتعقيد أكثر من أي وقت مضى؟”