جدل "الشرعية" بين تصريحات السفير الأميركي وخطاب أردوغان عن إرادة الشعب

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

وسط أجواء سياسية مشحونة، افتتح البرلمان التركي دورته التشريعية الجديدة بجدول أعمال حمل ملفات بارزة أهمها مرحلة ما بعد حل حزب العمال الكردستاني ومناقشة مخرجات لجنة "التضامن الوطني والإخوة والديمقراطية" (ضمن مسار "تركيا بلا إرهاب")، وملف صياغة الدستور الجديد.

وبعد شهرين ونصف الشهر من العطلة البرلمانية، بدأ البرلمان برئاسة نعمان قورطولموش، أعماله مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعقد جلسة افتتاحية شارك فيها الرئيس رجب طيب أردوغان بإلقاء خطاب للنواب. 

جدل الشرعية

وقالت صحيفة صباح التركية في مقال للكاتب "أوكان مُدّرس أوغلو": إن المشهد لم يخلُ من توتر؛ حيث قاطع حزب الشعب الجمهوري المعارض الجلسة؛ احتجاجا على التحقيقات القضائية التي استهدفت عددا من بلديات الحزب أخيرا، وأسفرت عن اعتقال وعزل نحو عشرين رئيس بلدية منتخب.

في المقابل، هاجم حزب الحركة القومية، الحليف الرئيس لأردوغان في إطار "التحالف الجمهوري"، خطوةَ المعارضة، ورأى أن مقاطعة حزب الشعب الجمهوري تمثل "إساءة إلى الشرف التاريخي للبرلمان، وتناقضا مع مبادئ الديمقراطية".

بهذا الافتتاح، بدا واضحا أن البرلمان التركي يدخل سَنته التشريعية الجديدة محمّلا بملفات ثقيلة، ومناخ سياسي يتأرجح بين مساعي الإصلاح الدستوري وتصفية الحسابات الحزبية.

واستدرك الكاتب التركي: إن النقاش السياسي الأبرز لم يتجه نحو القوانين أو الإصلاحات بقدر ما انصبّ على قضية واحدة: "الشرعية". 

فالرئيس أردوغان ورئيس البرلمان كورتولموش شدّدا في خطابهما الافتتاحي على أن الشرعية في تركيا لا تستمد من الخارج، بل من الشعب وحده. لكن ما الذي فجّر هذا الجدل؟

وأوضح الكاتب التركي أن الاسم الذي أثار النقاش هو السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم براك. 

ففي حديثه عن العلاقات التركية-الأميركية، نقل براك عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوله: "علينا أن نمنح تركيا الشرعية". 

عندما وصلت هذه العبارة إلى الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا، فسّرت على أنها تتعلق بمكانة أردوغان وشرعية سلطته. 

فالمعارضة رأت فيها إشارة إلى أن أنقرة تستمد شرعيتها من الخارج، بينما رأى الإعلام المؤيد للحكومة أن الأمر محاولة جديدة للتشكيك في القيادة التركية.

غير أن البحث في خلفيات التصريح كشف عن جانب مختلف. فبحسب مصادر قريبة من البيت الأبيض، لم يكن المقصود بالشرعية هنا السلطة السياسية أو القانونية الداخلية، بل الاعتراف والاحترام على مستوى العلاقات الدولية.

ويرى الكاتب أنّ تفسير ذلك هو أن أردوغان في فترة إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لم يكن يحظى باستقبال رسمي يليق بمكانة تركيا في واشنطن، بل إن بعض الأوساط الأميركية عدّت بقاءه في السلطة أمرا غير مرغوب فيه. 

أما في عهد ترامب فقد تغيّر الموقف جذريا؛ إذ استقبل أردوغان في البيت الأبيض بصفته رئيسا شرعيا لتركيا، وهو ما مثّل اعترافا ضمنيا بمكانته الدولية.

المعارضة على الخط

واستدرك الكاتب التركي: إن رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، لم يفوّت الفرصة لاستثمار الجدل القائم حول كلمة "الشرعية" وتحويلها إلى مادة للمواجهة السياسية الداخلية.

ففي يوم افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان، اتخذ أوزيل قرارا رمزيا ذا دلالة سياسية بمقاطعته الجلسة الافتتاحية، وذلك في خطوة فسّرها كثيرون على أنها محاولة لإظهار رفضه المباشر لشرعية أردوغان وسلطته.

وخلال تعليقاته التي تلت هذا الموقف، استخدم أوزال خطابا صريحا قال فيه: "إن الحضور في البرلمان يتطلب شرعية. الشرعية تُستمد من الشعب لا من ترامب. من يبحث عن شرعيته في أميركا فلن يجدها هنا".

بهذه الكلمات، حاول أوزيل أن يعيد صياغة النقاش حول الشرعية من سياقه الخارجي المتعلق بالسياسة الدولية والعلاقات بين أنقرة وواشنطن، إلى سجل داخلي يستهدف بشكل مباشر مكانة أردوغان في نظر الرأي العام التركي. 

بمعنى آخر، سعى إلى تصوير تصريحات السفير الأميركي وكأنها دليل على أن أردوغان لا يستند في بقائه بالسلطة إلى إرادة الناخبين، وإنما إلى دعم أو اعتراف قادم من الخارج، وتحديدا من إدارة ترامب.

وأردف الكاتب التركي: أما أردوغان فقد وضع حدا للجدل الدائر حول قضية "الشرعية" في كلمته أمام البرلمان؛ حيث اختار أن يواجه الموضوع بشكل مباشر وصريح، مؤكدا أن الشرعية في تركيا لا يمكن أن تُستمد إلا من إرادة الشعب.

وأوضح أردوغان أن الشعب هو الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح هذه الشرعية، وأنه يمارسها عبر الآليات الديمقراطية الواضحة، أي من خلال انتخاب رئيس الجمهورية واختيار أعضاء البرلمان الذين يمثلونه تحت قبة المجلس. 

بهذا المعنى، شدد الرئيس على أن أي نقاش آخر حول مصادر بديلة للشرعية، سواء كان خارجيا أو داخليا، لا قيمة له ولا يمكن أن يُعترف به. 

بل وانتقد بشدة مواقف بعض قوى المعارضة، مبينا أن محاولاتهم المتكررة لفتح نقاش حول شرعية الحكم ما هي إلا "نقاشات مصطنعة" تُطرح في أوقات محددة ولغايات سياسية ضيقة، وتهدف بالغالب إلى التغطية على فضائح أو إخفاقات داخلية تعجز المعارضة عن مواجهتها بوسائل أخرى.

كما ذكّر الرئيس بأن الشعب التركي قد حسم موقفه بالفعل في انتخابات 14 و28 مايو/أيار؛ حيث منح عبر صناديق الاقتراع تفويضا واضحا وصريحا لكل من رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان كي يمارسوا سلطاتهم لمدة خمس سنوات.

وأكد أن هذا التفويض الشعبي ليس رمزيا، بل التزام فعليّ ستحرص الحكومة على استثماره حتى النهاية، وبأعلى قدر من الكفاءة والإنتاجية، قائلا إن الهدف هو استخدام هذا التفويض "حتى آخر يوم بأفضل وأجدى شكل ممكن".

وبهذا الخطاب لم يكتف أردوغان بالردّ على الانتقادات، بل أعاد صياغة النقاش كله، فالشرعية بالنسبة له مسألة محسومة ومصدرها الشعب وحده، وأي تشكيك فيها يعد في جوهره تجاهلا لإرادة ملايين الناخبين الذين جددوا ثقتهم به وبحكومته.

وبين الكاتب أن الجدل حول الشرعية أظهر مجددا أن السياسة التركية لا تتحرك فقط وفق ديناميكيات داخلية، بل تتأثر أيضا بما يقال ويفعل في واشنطن. 

فبينما أراد السفير الأميركي الحديث عن "الاحترام الدولي"، تلقفت المعارضة كلماته لتشعل سجالا جديدا حول شرعية الرئيس.

ومع ذلك، بدا موقف أردوغان واضحا: الشرعية لا تمنح من الخارج ولا تُنتزع بجدالات المعارضة بل تُستمد فقط من الشعب وصناديق الاقتراع. وفق الكاتب.