"عقدة الذنب تحولت إلى تواطؤ".. تقرير ألماني ينتقد دعم برلين لإسرائيل

منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة لإسرائيل جراء إبادتها لقطاع غزة، طرحت تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت ألمانيا، في ظل دعمها السياسي والعسكري المستمر للاحتلال، قد انتقلت من موقع الدولة التي تحمل عبء الذنب التاريخي إلى موقع الشريك في الانتهاكات.

ووصف تقرير نشره موقع "تيليبوليس" الألماني، ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنه “إبادة جماعية”. 

كما تناول التقرير مسألة صمت الإعلام والسياسة الألمانية تجاه انتهاكات إسرائيل، وطالب بإعادة تقييم نقدية وشاملة للعلاقة الثنائية، “بعيدا عن الأساطير التاريخية والمواقف العاطفية”. 

ويرى أن التزام ألمانيا غير المشروط تجاه إسرائيل، خصوصا في ظل تصاعد العدوان في غزة، يلحق ضررا متزايدا بسمعتها الدولية.

ودعا التقرير إلى تبني مقاربة عقلانية ومتوازنة لا تتجاهل الحقيقة ولا تتواطأ معها، انطلاقا من أن "الصديق الحقيقي هو من يصارح الآخر بالحقيقة، لا من يبرر له الخطأ".

إبادة جماعية

وفي 9 يوليو/ تموز 2025، نشرت وزارة الداخلية الألمانية، بقيادة الوزير أليكساندر دوبرينت، منشورا على منصة "إكس"، يقول التقرير: إنه "حظي باهتمام كبير في ظل ما يحدث في غزة".

وورد في التغريدة: "يا له من احتفال رائع! في الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل.. إنها لحظة مهمة لبلدين يجمعهما اليوم أكثر من مجرد التاريخ: القيم المشتركة والصداقة الحقيقية والتعاون القوي".

وطرح التقرير تساؤلات: “عن أي (قيم مشتركة) يتحدث هنا؟ وما هي الجوانب التي يُفتخر بها في التعاون الألماني-الإسرائيلي حاليا؟ وما نوع هذه (الصداقة الحقيقية) إذا كانت تجمع طرفين متورطين في نزاع معقد ومثير للجدل؟”

وأكد كاتب التقرير أن محاولته البحث عن إجابات قادته أيضا إلى "استنتاج لا مفر منه: العلاقة الألمانية-الإسرائيلية، بما في ذلك الأساس التاريخي الذي قامت عليه، يجب أن تخضع لتساؤل نقدي وإعادة تقييم جذرية".

وفي هذا السياق، أشار إلى أنه "لا يتناول إعادة تقييم مسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه الديانة اليهودية، والتي تنبع من جرائم الحرب والهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية".

بل يركز على "تقييم العلاقة بين ألمانيا والدولة الإسرائيلية، تلك التي تعد نفسها (موطنا لكل يهود العالم)، وهو تعريف لا يشاركه جميع اليهود، لا سيما في الولايات المتحدة". 

وأوضح التقرير أن "إسرائيل، عمليا، تمثل بالدرجة الأولى أيديولوجية صهيونية خاصة، نشأت في نهاية القرن التاسع عشر كحركة تهدف لإيجاد وطن قومي ليهود أوروبا المضطهدين".

وأردف: "وعند أخذ ممارسات العنف التي ارتكبها الرايخ الثالث (النازية) في الحسبان، يمكن تفهم نشوء ردة فعل ألمانية وقائية تجاه حياة اليهود".

وأشار إلى أن "هذه الاستجابة تصبح مشكلة، بمجرد أن تتحول إلى موقف تبريري لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، بل وتقديم الدعم السياسي والمادي لها، كما يحدث حاليا".

وذكّر موقع "تيليوبوليس" أن "ألمانيا تواجه بالفعل منذ أكثر من عام اتهامات دولية بأنها تقدم (مساعدة في ارتكاب إبادة جماعية) من خلال دعمها لإسرائيل". 

ومنذ ذلك الحين، عبر خبراء -بمن فيهم يهود- عن مواقفهم المفصلة التي تعزز اتهام الإبادة في غزة.

وأضاف التقرير أن "النقاشات -رغم ما تتسم به من انفعالية- يجب ألا تتجاهل الحقيقة التاريخية أن ما يحدث اليوم ليس أول عنف تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين".

الأسطورة التأسيسية

وأشار التقرير إلى أهمية إدراك أن "الشرعية التاريخية المزعومة لتأسيس إسرائيل، والتي يروج لها بشكل مفرط في الخطاب الغربي، تمثل أحد العناصر الأساسية للأساطير التي صاغها التيار الصهيوني السياسي".

وذكر أن مدرسة "المؤرخين الجدد" الإسرائيليين كانت من أبرز من عمل على تقويض بعض ركائز هذه الأيديولوجيا، عبر الاعتماد على مصادر موثقة وتحليل عقلاني، وقد كشف هؤلاء عن تناقضات منطقية جوهرية في أطروحات الصهيونية، يمكن كشفها دون جهد كبير”.

واستشهد التقرير بمثال على ذلك، وهو الادعاء الذي يصفه بـ"السخيف"، بأن "وجود مملكة يهودية قديمة في المنطقة يعطي الحق، في الزمن الحاضر، لليهود بالمطالبة بالأراضي ذاتها".

كما انتقد الابتكار الأيديولوجي لمفهوم "الشعب اليهودي" بدلا من الحديث عن طائفة دينية.

وأشار إلى أن "هذا المفهوم يوحي بتجانس قومي غير قائم في الواقع".

واقتبس في هذا السياق عن المفكر الإسرائيلي شلومو ساند، الذي قال: "إذا أردنا أن نكون منطقيين ومتسقين في استخدامنا لمصطلح (شعب) -كما في الشعب الفرنسي أو الشعب الأميركي أو الشعب الفيتنامي- فإنه سيكون من الغريب أن نتحدث عن (الشعب اليهودي)، تماما كما لو تحدثنا عن الشعب البوذي أو الشعب الإنجيلي أو شعب البهائيين". 

وأكد أن "مصيرا مشتركا لأشخاص يؤمنون بنفس العقيدة، ومجرد تضامن ديني، لا يصنع منهم شعبا أو أمة".

نفوذ اللوبي

ويرى التقرير أن "القبول الساذج بهذه الأساطير يمثل الأساس الذي تستند عليه السياسة الألمانية تجاه إسرائيل". 

كما أشار إلى أن "إقصاء المعلومات الناقدة حول تصرفات إسرائيل في غزة، إلى جانب تبني السرد الإسرائيلي في وسائل الإعلام الألمانية بدون تمحيص، يشكل ظاهرة يجب تحليلها والتشكيك فيها بعمق".

ولفت إلى أنه "من المفيد في هذا السياق الاستفادة من الدراسات الموجودة حول نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وبريطانيا، وتطبيق هذه النماذج على الحالة الألمانية". 

وأكد أن هذا من شأنه "كسر هيمنة الرواية الإسرائيلية على النقاش العام"، واستبدالها بـ"قراءة عقلانية وموضوعية للأحداث".

وشدد التقرير على أن "هذا المسار يجب أن يكون مقنعا حتى لأولئك الذين يدافعون بشدة عن مصالح إسرائيل ويدعمون فكرة الدولة الصهيونية". 

وعزا ذلك إلى أن "الدعم الأحادي للسياسات الإسرائيلية العدوانية وغير القابلة للتسوية، بات يلحق ضررا بالغا بصورة إسرائيل وألمانيا معا على الساحة الدولية".

وبناء على ما سبق، أكد التقرير على وجوب قيام النخبة السياسية الألمانية بإعادة النظر في انحيازها العلني لصالح إسرائيل، وأن تميل نحو موقف أكثر حيادية.  

ورأى أن المسألة لا تتعلق فقط بحياة عدد كبير من الأبرياء، بل أيضا بسمعة ألمانيا الدولية، والتي تضررت بشدة بسبب ما يسميه التقرير "تبني (السببية الوجودية للدولة) التي ربطت بمصير إسرائيل".