سوريا تطلب دعم تركيا عسكريا لمواجهة التقسيم.. كيف استجابت أنقرة؟

"الطلب جاء في ظل التهديدات لوحدة الأراضي السورية"
وضعت الدولة السورية الجديدة بشكل رسمي أولى الخطوات العملية لتعزيز قدراتها الدفاعية عبر الجارة تركيا التي تعدّ أكبر حليف إقليمي داعم لاستقرار هذا البلد ومنع تقسيمه في ظل تزايد التحديات الداخلية.
وقد أعلنت وزارة الدفاع التركية، أن الإدارة السورية الجديدة طلبت دعما رسميا من أنقرة لتعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة.

دعم تركيا لسوريا
وأوضحت مصادر في وزارة الدفاع عقب إحاطة صحفية لمتحدث الوزارة زكي أق تورك في 23 يوليو/تموز 2025، أن تركيا تواصل جهودها من أجل تقديم التدريب والاستشارات والدعم الفني لتعزيز القدرات الدفاعية لسوريا استجابة لطلب من حكومة دمشق.
وأضافت المصادر لوكالة الأناضول التركية الرسمية "يتمثل الهدف الرئيس لتركيا في دعم الوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها، وقيادة الجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة".
وجاء الطلب السوري من الجارة الشمالية، بعد محاولة حكمت الهجري رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية (عند الحدود مع الأردن)، خلق واقع جديد في سوريا يقود لعزل المحافظة المذكورة ذات الغالبية الدرزية وجعلها بعيدة عن سلطة دمشق المركزية.
وتمثل ذلك، بطلب الهجري خلال بيان في 16 يوليو 2025 من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدو السوريين ومن يحتل أرضهم.
كما رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها، على إثر اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.
وقد كان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري؛ إذ شنَّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.
كما أكَّد قائد الأمن الداخلي السوري في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن أكثر من 200 عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي في اليوم الأول فقط من المواجهات بمدينة السويداء وريفها مع مليشيا الهجري، في حين أُصيب أكثر من 400 آخرين.
وأمام ذلك، أدت الهجمات الإسرائيلية المكثفة الأخيرة، لا سيما في منطقة جنوب السويداء، إلى تصعيد التوترات بين الدروز وحكومة دمشق الساعية لإدخال مؤسساتها إلى السويداء بينما يرفض الهجري ذلك متهما القيادة السورية الحالية بأنها "تكفيرية".
ومقابل ذلك، ترى تركيا أن إسرائيل هي الداعم الرئيس لمشاريع التقسيم في سوريا، ما يدفعها إلى التعبير عن قلقها من انعكاس ذلك على واقعها الداخلي؛ حيث تتمسك أنقرة بموقفها الثابت في حماية وحدة الأراضي السورية، وضمان الاستقرار، ومكافحة التنظيمات الإرهابية.
وقد ارتفعت لهجة الخطاب التركي على لسان وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي قال: إن بلاده ستتدخل في حال اتجهت الأطراف الانفصالية في سوريا إلى التقسيم، وستعدّ ذلك تهديدا لأمنها القومي. وفق تعبيره.
ولفت فيدان خلال تصريحات صحفية في 22 يوليو 2025 إلى الأحداث التي شهدتها السويداء، محذّرا الأطراف التي تسعى للانفصال في سوريا، بقوله "لا تتعاملوا مع هذا النوع من الفوضى على أنه فرص صغيرة وتكتيكية بالنسبة لكم".
وانتقد فيدان الزعيم الدرزي حكمت الهجري، قائلا: إنه "يتصرف بوصفه وكيلا لإسرائيل، وقد أبدى موقفا رافضا لأي حلّ من شأنه أن يسهم في الاستقرار والسلام".
وقد شكلت أحداث السويداء، ضربة ثانية لجهود استقرار سوريا، بعد محاولة فلول رئيس النظام البائد بشار الأسد في 6 مارس/آذار 2025 عزل الساحل السوري، وتهديد الانتقال السياسي في البلاد.
ووقتها هاجم ضباط وعناصر ومليشيات تتبع نظام الأسد المخلوع دوريات الأمن التابعة للدولة السورية الجديدة بمحافظتي طرطوس واللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.
إلا أن وزارتي الداخلية السورية والدفاع تمكنتا من إفشال حالة التمرد وقتل واعتقال العشرات من عناصر النظام البائد وفرض الأمن في جميع أنحاء محافظتي طرطوس واللاذقية خلال أقل من 24 ساعة.

تحديات داخلية وخارجية
ومنذ فترة تفيد التقارير الصحفية أن تركيا تعمل على توفير التدريب والخدمات الاستشارية والدعم الفني لتعزيز القدرة الدفاعية لسوريا الجديدة.
وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري العقيد فايز الأسمر لـ"الاستقلال": إن "طلب الدولة السورية الدعم والعون من تركيا يأتي بداية نتيجة تضرر وتدمير قدرات دمشق الإستراتيجية التي استهدفتها إسرائيل بنسب كبيرة وذلك بعد سقوط نظام الأسد البائد".
وأضاف الأسمر أن الخطوة تأتي في ظل “ازدياد التحديات الأمنية الداخلية للدولة من فلول الأسد، ومليشيا قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، والهجري ومليشياته في السويداء وهو ملف داخلي طارئ وله تداعياته”.
وهذا "إضافة إلى التحديات الخارجية المتمثلة بالانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والتي تفرض على الحكومة السورية إعادة بناء وتسليح جيشها وتعزيز قدراته العسكرية".
وأردف: "تدرك دمشق أن تعزيز قدراتها الدفاعية لن يكون في يوم وليلة بل يحتاج لجهود مضنية ومكثفة ولسنين طويلة حتى يستطيع هذا الجيش الوصول للحد الأدنى من مجابهة التحديات الداخلية والخارجية".
ولفت الأسمر إلى أن “اختيار الدولة السورية تركيا لتعزيز قدراتها الدفاعية؛ جاء أولا لوقوفها إلى جانب الثورة السورية من البدايات ومساعدتها وتسليحها”.
السبب الآخر يكمن في اهتمام تركيا التي تربطها مع سوريا حدود طولها أكثر من 900 كيلومترا بمواجهة التحديات الأمنية المشتركة للبلدين.
وخاصة "بسبب مليشيا قسد التي ترفض حتى الآن الاندماج بالحكومة وتريد الإبقاء على جيش داخل جيش لأهداف انفصالية مشبوهة وهذا ما ترفضه حكومة أنقرة بشكل مطلق".
وأمام سوريا طريق طويل جدا لتقطعه فيما يتعلق بتحسين القدرات الدفاعية التي عملت إسرائيل على تدميرها على مدى السنوات الماضية، علاوة على تأمين دمشق متطلبات الإنفاق الدفاعي في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.
ولهذا تتجه دمشق لإعطاء الأولوية لتعزيز القدرات الدفاعية التي تمنحها أكبر قدر من الردع، خاصة مع افتقار الصناعات الدفاعية السورية القدرة على توفير كميات كبيرة من الأسلحة الفعالة.
علاوة على أن الحرب الحديثة أصبحت تعتمد بشكل أساسي على تقنيات لم تكن معروفة أو منتشرة قبل ثلاثة عقود.
ولا يوجد في سوريا أي عتاد حديث حقيقي؛ إذ إن كل ما لديها قديم جدا ولا يستطيع الدخول في حرب مع دولة متقدمة، خاصة إسرائيل.
كما أن مساحة سوريا (185 ألف كيلو متر)، وحدودها الطويلة (حوالي 2500 كيلومتر)، معظمها مساحات مفتوحة صحراوية أو سهلية، وساحل بطول 195 كيلو مترا، تفرض متطلبات دفاعية ضخمة.

"قدرات متطورة"
ومن هنا، تدرك سوريا مدى حجم الاستفادة من تركيا التي نجحت في تحويل صناعاتها الدفاعية إلى رافعة إستراتيجية تُعزز من مكانتها على الساحة الدولية.
وخاصة أن تركيا أصبحت وفق المراقبين مركزا عالميا لتصدير الأنظمة الدفاعية، بفضل رؤية طموحة واستثمارات ضخمة في الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
وضمن هذا السياق، يقول المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد السوري أحمد حمادة، لـ "الاستقلال": إن "تركيا من خلال وزارة الدفاع تعمل على دعم نظيرتها السورية بالمشاورات وتقديم التدريب النوعي للجيش السوري".
وأضاف حمادة: "لهذا فإنه في ظل الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولات خلق توترات، تحتاج سوريا لتعزيز قدراتها الجوية والبرية، خاصة أن الاحتياجات تقدرها قيادة الأركان السورية وفق خطة عسكرية مبنية على العقيدة القتالية للدولة السورية".
ولفت إلى أن "سرعة الطلب جاء في ظل التهديدات لوحدة الأراضي السورية ومن الطبيعي أن تطلب دمشق من الأصدقاء والأشقاء والحلفاء تعزيز قدراتها وبناء جيش قادر على حماية وحدة الأراضي والحدود".
وأشار إلى أنّه "يمكن لتركيا التي تعتمد حاليا بنسبة 80 بالمئة على صناعاتها المحلية العسكرية ولديها قدرات متطورة، أن تقدم لسوريا تكنولوجيات متنوعة من المعدات والأنظمة الحديثة، فضلا عن تطوير أنظمة المعلومات والاتصالات المهمة في عصر الحروب الحديثة".
وكانت تقارير صحفية تحدّثت عن نقاشات "متقدمة" جرت بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارة الأول لتركيا تناولت بنود اتفاقية دفاع مشترك هي الأولى بين البلدين.
وقد كان لافتا أن السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث إلى سوريا توم باراك، قال ردا على سؤال في مقابلة حصرية حول احتمال إبرام اتفاق دفاع رسمي بين أنقرة ودمشق، إن واشنطن "ليس لديها موقف" بشأن مثل هذا الترتيب.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية عن باراك قوله في 21 يوليو 2025 "ليس من شأن الولايات المتحدة أو مصلحتها أن تُملي على أيٍّ من الدول المحيطة ما يجب فعله".
وجاءت تصريحاته بعد أن أدّت الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على سوريا إلى تجدد الجهود الدبلوماسية ووقف إطلاق النار بوساطة أميركية، بدعم من تركيا والأردن.
وسبق الطلب السوري من تركيا، كشف شركة "روكيتسان" التركية، في 22 يوليو 2025 عن أول صاروخ فرط صوتي خلال معرض الصناعات الدفاعية الدولي "آيدف 2025" بإسطنبول، والذي يبلغ طوله 10 أمتار، ووزنه نحو 7200 كيلوغرام.
وخلال مراسم الكشف عنه، قال المدير العام للشركة، مراد أكينجي إن الصاروخ بالغ الأهمية ويُظهر مدى تقدم تركيا في تكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
وأضاف أن صاروخ "طيفون بلوك 4" بفضل سرعته الفائقة سيكون العنصر الأكثر ردعا في ساحة المعركة، دون الكشف عن مداه.
وأكَّد أن المنتجات الجديدة التي كشفت عنها الشركة اليوم سيكون لها تأثير كبير كعامل مضاعف للقوة لصالح الجيش التركي وجيوش الدول الصديقة والشقيقة.