دمشق تعلن خارطة مصالحة والهجري متمسك بالانفصال.. السويداء إلى أين؟

مصعب المجبل | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وضعت الحكومة السورية خارطة طريق بدعم من الولايات المتحدة والأردن لإرساء المصالحة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، والتي ما تزال جماعة حكمت الهجري تنادي بفصلها عن سوريا؛ تنفيذا للمخططات الصهيونية الإمبريالية.

وأعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في 16 سبتمبر/ أيلول 2025 عن الخارطة، وقال في مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي لسوريا توم باراك "وضعت الحكومة خارطة طريق واضحة للعمل...تدعم العدالة وتقوم على بناء الثقة وتعزيز الصلح المجتمعي".

خارطة طريق

وأشار الشيباني إلى أن الخارطة تستند إلى خطوات "عملية  بدعم كل من المملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأميركية".

وتشمل هذه الخطوات وفقا للشيباني "محاسبة كل من تلطخت يداه بالاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم بالتنسيق الكامل مع المنظومة الأممية للتحقيق والتقصي".

وأضاف أنها تضمّ كذلك "تعويض المتضررين وترميم القرى والبلدات وتسهيل عودة النازحين"، و"نشر قوات محلية من وزارة الداخلية لحماية الطرق وتأمين حركة الناس والتجارة".

وقال الشيباني: إن الخارطة تشمل "العمل على كشف مصير المفقودين وإعادة المحتجزين المخطوفين إلى عائلاتهم من جميع الأطراف" و"إطلاق مسار للمصالحة الداخلية يشارك فيه أبناء المحافظة بكل مكوناتهم".

من جهته أشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى أن "جزءا من الخارطة التي وضعت اليوم، هي آلية مشتركة سورية أردنية أميركية، من أجل ضمان تطبيق كل ما أعلنه معالي الأخ (وزير الخارجية السوري) حتى نحل هذه المشكلة".

وقال الشيباني: "وجدنا في أشقائنا في الأردن وأصدقائنا في الولايات المتحدة استعدادا لتقديم الدعم للازم لهذه الخطوات سواء عبر المساعدات الإنسانية أو عبر حشد التمويل الدولي".

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة في تركيا توم باراك: إن "الخطوات التي اتخذت اليوم من حكومتكم، تاريخية".

وأضاف باراك أن الولايات المتحدة تسعى مع الدول المجاورة لسوريا إلى جمع "خيوط المساعدة والتفاهم والدعم معا في نسيج جديد، وأعتقد أن اليوم يشكّل محطة أساسية في هذا المسار".

وأمام ذلك، يبقى تنفيذ الاتفاق مرهونا بمدى قبول الهجري به والسير في إجراءات عملية لتطبيقه على الأرض.

ففي مؤشر واضح على بقاء حكمت الهجري متصلبا على موقفه في الانخراط بالدولة السورية الجديدة، هو رفض ما تسمى "اللجنة القانونية العليا في السويداء"، المُشكلة من الهجري، خارطة الطريق لحل أزمة السويداء التي أعلنتها وزارة الخارجية السورية.

وترى أنها "محاولة لفرض وصاية جديدة على المحافظة وتجاهل لجرائم موثقة ارتكبتها القوات الحكومية بحق المدنيين".

وزعمت اللجنة أن بيان الخارجية السورية "يحتوي تناقضا صارخا"؛ إذ دعا إلى تحقيق دولي في الانتهاكات ثم عاد ليؤكد أن المحاسبة ستتم وفق القانون السوري، وهو ما عدته اللجنة "إفراغا للتحقيق الدولي من مضمونه؛ لأن المتهم لا يمكن أن يكون القاضي".

ورأت اللجنة في الحديث عن تشكيل مجالس محلية وقوات شرطية مشتركة "محاولة لزرع الفتنة بين أبناء السويداء"، مؤكدة أن مثل هذه الإجراءات "لن تفضي إلا إلى تعميق الانقسام الداخلي".

تحديات محلية

اللافت أن خارطة الطريق المذكورة، سبقها إعلان الشيخ سليمان عبد الباقي، وهو قائد "تجمع أحرار جبل العرب" في السويداء (مقيم في دمشق)، عبر فيديو مسجّل نشره على "فيسبوك"، في 15 سبتمبر،  توكيله بإدارة ملف الأمن الداخلي في محافظة السويداء من قبل وزير الداخلية السوري أنس خطاب.

واتهم عبد الباقي الشيخ حكمت الهجري، بالتسبب في أحداث السويداء، ونقضه الاتفاقيات مع الحكومة السورية.

وظهرت المحاولة العلنية من حكمت الهجري لخلق واقع جديد في سوريا يقود لعزل السويداء، وجعلها بعيدة عن سلطة دمشق المركزية، حينما طلب في بيان في 16 يوليو 2025 من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدو السوريين ومن يحتلّ أرضهم.

ورفض الهجري حينها بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في السويداء، لا سيما بعد تقدّم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو 2025 لإعادة الاستقرار إليها، على إثر اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.

وقد كان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري؛ إذ شنّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.

وأكَّد قائد الأمن الداخلي السوري في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن أكثر من 200 عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي في اليوم الأول فقط من المواجهات بمدينة السويداء وريفها مع مليشيا الهجري، في حين أُصيب أكثر من 400 آخرين.

ويبقى التحدي الأكبر في قدرة الحكومة السورية والمجتمع المحلي على تنفيذ الخطة عمليا، بما يحافظ على وحدة السويداء ضمن الدولة السورية.

وضمن هذا السياق، أكد المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، لـ "الاستقلال" أن "الولايات المتحدة عازمة على تنفيذ خارطة الطريق هذا بشأن الجنوب السوري إلى جانب الأردن المجاور للسويداء الذي يريد الحفاظ على حدوده من تهريب المخدرات والأسلحة".

وأضاف الحمادة قائلا "لقد اتضح أن إسرائيل كانت تستخدم ورقة السويداء من أجل توقيع اتفاق أمني مع سوريا وتحسين شروطها أو حتى تعديل اتفاق فض الاشتباك المبرم عام 1974".

ورأى الحمادة "أن كل هذه المعطيات تشير إلى قرب انتهاء الترتيبات لإبرام اتفاق أمني جديد بين سوريا وإسرائيل".

ولفت الحمادة إلى أن "السويداء ترغب في العودة إلى دمشق وطريق المصالحة.. لكن هذا يسبقه صعوبات وتحديات تتعلق بالفصائل التي تحمل السلاح في السويداء وهم ربما سوف يعرقلون خارطة الطريق هذه لأنهم سوف يخسرون الكثير من المزايا والمنافع وطرق التهريب التي تجلب لهم الأموال". 

وراح يقول "لذلك نجاح خارطة الطريق في حل أزمة السويداء مرتبط بكف إسرائيل يدها عن الاستثمار في ملف هذه المحافظة وترك المجال للمبادرات المحلية لخلق بيئة صحية للمصالحة السورية السورية".

"أزمة ثقة"

من جانبهم، أطلق ناشطون في السويداء حملة في منتصف سبتمبر 2025 تحت عنوان "حق تقرير المصير"، هدفت لجمع التواقيع الخطية من سكان القرى والبلدات "للمطالبة بحق أبناء السويداء في تقرير مصيرهم".

وسبق ذلك مطالبة حكمت الهجري، في 25 أغسطس 2025 بإقليم "منفصل"، تزامنا مع سعيه إلى توحيد الفصائل المسلحة ضمن تشكيل واحد.

وفي كلمة ألقاها في مقر الرئاسة الروحية في بلدة قنوات في محافظة السويداء، قال الهجري، وفق مقطع مصور نشره موقع "السويداء 24" الإخباري المحلي "بعد المحنة الأخيرة.. التي مررنا بها وكان القصد منها إبادتنا كطائفة درزية، نطلب من كل شرفاء العالم.. من كل الدول الحرة والشعوب الحرة أن تقف إلى جانبنا كطائفة درزية بالجنوب السوري لإعلان إقليم منفصل لحمايتنا".

وأمام ذلك، يشير كثير من المراقبين إلى أنه رغم رفض دمشق مطالب انفصالية أو تقسيمية، وتؤكد تمسكها بوحدة الأراضي السورية، إلا أنها ما تزال عاجزة عن فتح حوار جدي مع قيادة السويداء الحالية الممثلة بحكمت الهجري.

وهنا يرى الباحث السوري عمار جلو، أن "السويداء ستماطل في تطبيق خارطة الطريق؛ لسببين الأول جوهري كون السويداء لم تكن طرفا في الاتفاق مما يعني بقاء فواعل إقليمية ودولية في المسألة السورية". 

وأضاف جلو لـ "الاستقلال" قائلا "ثانيا تأكيد الحكومة السورية الجديدة أنها معنية فقط بالتوافقات الدولية وليس المحلية يعد خطأ، بمعنى أن هذا النهج يبقي أزمة الثقة موجودة مع القوة الفاعلة في السويداء ممثلة بحكمت الهجري وجماعاته المسلحة هناك".

ولفت جلو إلى أن "الالتزامات المذكورة في اتفاق خارطة الطريق ضخمة على حكومة دمشق والتي تتعلق بتفعيل المحاسبة على الجرائم المرتكبة من كل الأطراف في السويداء".

واستدرك جلو قائلا لهذا فإن "عملية تمثيل أطراف من السويداء في اتفاق خارطة الطريق كان مهما لكن تم إغفاله وهذا ربما يعد من العقبات الكبرى التي ستواجه تطبيق الخارطة خاصة مع رفض جماعة الهجري لشخصيات أخرى من السويداء تتعامل مع دمشق وتعدهم الأخيرة هم الممثلين للمحافظة".

وذهب جلو للقول "يبقى استجابة المجلس العسكري في السويداء والشيخ الهجري مهم لكي تبدأ بنود الخارطة التطبيق فعليا وإلا نحن أمام مماطلة على غرار قوات سوريا الديمقراطية التي ما تزال تضع الشروط للانخراط في الدولة الجديدة".

وما تزال قوات قسد تماطل في تطبيق الاتفاق الذي وقع بين قائدها مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع في 10 مارس 2025 والذي يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

والاتفاق مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.

وفي مقابلة مع قناة الإخبارية، قال الرئيس الانتقالي أحمد الشرع منتصف سبتمبر 2025 إن "المفاوضات مع قسد كانت سارية بشكل جيد، لكن يبدو هناك نوع من التعطيل أو التباطؤ في تنفيذ الاتفاق"، مؤكدا تدخل أطراف دولية للوساطة.

ويكثف مسؤولون بارزون في قسد التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا، فيما ترفض دمشق اللامركزية السياسية أو الفيدرالية.

كما خرجت مظاهرة في 17 سبتمبر 2025 وسط مدينة القامشلي بريف الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات قسد، طالبت باللامركزية وتمسكهم بالإدارة الذاتية الكردية.

وجدد القيادي الكردي ألدار خليل خلال التظاهرة مطلب الإدارة الذاتية باللامركزية. وقال في كلمة "عندما نتحدث عن اللامركزية فإننا نريدها لكل سوريا وليس لمنطقتنا فقط".