الجزائر تورد لإسرائيل مواد كيميائية ومعادن.. تواطؤ أم ضحية وسطاء؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم إعلانها الرسمي عن عدم إقامتها لأي علاقات مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن نتائج تقرير أممي أوردت أن الجزائر تواصل تصدير عدد من المواد والمنتجات إلى "إسرائيل"، وهو الخلاصة نفسها التي وردت في تقارير اقتصادية دولية متخصصة.

وفي هذا الصدد، كشف تحديث لبيانات الأمم المتحدة الصادرة عن قاعدة COMTRADE الخاصة بالتجارة الدولية بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2025، عن وجود حركة تجارية مثيرة للاهتمام بين الجزائر وإسرائيل خلال عام 2024، حيث سجلت الواردات الإسرائيلية من الجزائر قيمة بلغت 32.29 مليون دولار. 

وتشير التفاصيل إلى أن الصادرات الجزائرية إلى إسرائيل شملت بشكلٍ أساسي مواد كيميائية غير عضوية، ومركبات للمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين.

بالإضافة إلى النظائر المشعة التي تستخدم عادة في المجالات الطبية والعلمية والتقنية، والتي تمثل في بعض الأحيان أهمية في القطاعات الإستراتيجية والحساسة.

ويبن التقرير أن صادرات الجزائر إلى إسرائيل في 2020 ارتفعت لتصل 9.77 ملايين دولار، ثم واصلت ارتفاعها في سنة 2021 لتصل إلى 14.9 مليون دولار، وصولا إلى ذروتها في 2024.

وتثير الأرقام والإحصائيات المنشورة تساؤلات عميقة حول طبيعة هذه المبادلات والمسارات التي تتخذها، خاصة في ظل تأكيد الجزائر الرسمي على رفض التطبيع مع إسرائيل. 

وفي السياق ذاته، يشير مراقبون إلى أن مثل هذه الصفقات غالبا ما تتم عبر وسطاء دوليين أو شركات متعددة الجنسيات، مما يسمح بتسجيل البضائع على أنها قادمة من الجزائر، حتى وإن لم تكن هناك علاقات مباشرة بين البلدين، ومع ذلك، فإن ورود هذه الأرقام في قاعدة بيانات أممية رسمية يطرح تساؤلات حول مستويات الرقابة التجارية ومدى انسجامها مع المواقف السياسية المعلنة.

تجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات المنشورة من قبل الأمم المتحدة تعتمد على تقارير جمركية وبيانات مقدمة من الدول الأعضاء، مما يجعلها مصدرا موثوقا به يعكس حركة التجارة عبر الحدود بدقة كبيرة، وبالتالي فإن وجود هذه الأرقام في قاعدة "COMTRADE" يعني أن التبادل قد تمّ وأنه مسجل، حتى وإن لم يتم الإعلان عنه على المستوى السياسي.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد قال في حواره مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، في وقت سابق، إن الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في اليوم الذي تُقام فيه دولة فلسطينية كاملة.

وأشار في حواره بتاريخ 02 فبراير/شباط 2025 إلى أن أسلافه، الرئيسان عبد العزيز بوتفليقة والشاذلي بن جديد، لم يكن لديهما أي مشكلة مع "إسرائيل".

Capture d’écran 2025-09-14 091022.png

وقائع سابقة

بعيد حوار تبون مع الصحيفة الفرنسية بأيام، كشف تقرير صادر عن معهد أميركي مرموق، عن انتعاش التبادل التجاري بين الجزائر وإسرائيل منذ 2017، وخاصة عبر تصدير مواد طاقية وبترولية من الجزائر إلى الكيان.

وبحسب ما ورد في صحيفة "الجزائر تايمز" الإلكترونية بتاريخ 16 فبراير 2025، فإن هذه المعطيات نشرها "مركز التقعيد الاقتصادي" المتخصص في التجارة الدولية OEC الذي يتخذ من بوسطن مقرا له، وله شبكة واسعة تغطي 500 موقع في العالم، و5000 مُنتج، بالإضافة إلى حصولها على بيانات آلاف الشركات.

وذكر التقرير أن الجزائر تقدمت في ترتيب الشركاء التجاريين لإسرائيل لتصبح الرابع ضمن الدول العربية، بعد الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر، حيث تجاوزت قيمة صادراتها إلى إسرائيل 30 مليون دولار، غالبيتها مواد طاقية وبترولية.

غير أن هذا الترتيب تغير ما بعد توقيع اتفاقيات أبراهام التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ومنها الإمارات والبحرين والمغرب، مما جعل الدول العربية الخمس المطبعة على رأس ترتيب المبادلات التجارية مع إسرائيل، لا سيما وأن العلاقات البينية لهذه الدول مع الكيان أصبحت رسمية ومعلنة بخلاف الوضع مع الجزائر.

في السياق ذاته، كشف تقرير في الفترة نفسها صدر عن مجلة "ألجيري بارت بلوس" شهر فبراير 2025، أن شركة النفط والغاز الجزائرية الوطنية "سوناطراك" قامت بتصدير ما لا يقل عن 50 ألف طن من غاز البترول المسال (جي بي إل) إلى إسرائيل.

وأكد التقرير أن العملية التجارية بين الجزائر وإسرائيل، تمت عبر وسيط رئيس في سوق الهيدروكربونات العالمي، يدعى "فيتول"، ينقل البترول المسال من ميناء وهران إلى عسقلان الإسرائيلية.

وقال المصدر ذاته: إن "الشركة الجزائرية للنفط، باعت عدة شحنات من غاز البترول المسال إلى "فيتول" الذي نقله عبر سفن مستأجرة إلى إسرائيل للشركة الإسرائيلية أنابيب عسقلان إيلات، حيث استقبل ميناء أشكلون الإسرائيلي، طوال عام 2021 العديد من القوارب والسفن التي تحمل غاز البترول المسال الجزائري".

ولتفادي إثارة الشكوك في الجزائر، يضيف تقرير المجلة الجزائرية، "كانت سوناطراك وفيتول تعمل على أن تغادر السفن ميناء أرزيو بولاية وهران ثم تتوقف في البحر الأبيض المتوسط، غالبا على مستوى السواحل اليونانية، قبل أن تغير اتجاهها بعد ذلك إلى عسقلان في إسرائيل".

وبحسب المصدر ذاته، دعا عدد من المسؤولين في شركة سوناطراك، إلى "إعادة النظر في العقد المبرم مع الوسيط فيتول، حيث لفتوا انتباه إدارة تسويق الشركة إلى الوجهة النهائية والمثيرة للجدل لصادرات غاز البترول المسال الجزائري".

وأضافوا: "خاصة أن سوناطراك كانت قد ألغت في الماضي عقودا مع وسطاء أعادوا بيع النفط والغاز الجزائري إلى تايوان، حتى تحافظ الجزائر على علاقاتها مع الصين".

وفي واقعة أثارت الكثير من التساؤلات، ظهرت سفينة شحن جزائرية وهي ترسو بسواحل إسرائيل خلال أبريل/نيسان 2025، حيث كشفت مواقع تتبع الملاحة البحرية أن سفينة الشحن المسماة “CAPTAIN CHRISTOS”، قد قامت برحلة بحرية من ميناء بالجزائر نحو إسرائيل.

وأكدت المعطيات ذاتها أن "آخر محطة لهذه السفينة كانت بميناء بجاية الجزائري يوم 11 أبريل 2025 قبل أن تظهر بعدها وهي ترسو مباشرة بميناء أشدود الإسرائيلي بتاريخ 18 أبريل".

وبالتدقيق في المعلومات الظاهرة في موقعي “Marine traffic” و”Vissel Finder” يتبين أن السفينة مثار الجدل تحمل العلم الليبيري، ويبلغ طولها الإجمالي 179.97 مترا وعرضها 29.8 مترا.

ويأتي هذا الحدث في ظل الحرب الدموية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي أدت إلى ارتقاء وجرح أكثر من 200 ألف فلسطيني، فضلا عن تدمير كامل للبنية التحتية في القطاع، بتواطؤ ودعم من المنظومة الغربية، خاصة من الولايات المتحدة الأميركية.

قراءة سياسية

يرى الإعلامي والمعارض السياسي الجزائري وليد كبير، أن التقرير الصادر عن المنظمة الأممية، يؤكد ما صرّح به قبل أكثر من سنتين، وتحديدا في مارس/آذار 2023، من أن التبادل بين الجزائر وإسرائيل في تطور، وأنه قد وصل وقتها إلى 21 مليون دولار، ويتعلق الأمر أساسا بمواد طاقية ومعادن نفيسة.

واسترسل كبير لـ "الاستقلال"، وقد شاركت هذه المعطيات عبر منابر إعلامية وحوارية عدة، وبينت الأدلة الدامغة حول هذه العلاقات التي تتم تحت الطاولة.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن تقرير المعهد الأميركي كشف عن تبادلات تجارية موثقة بين الجزائر وإسرائيل، وهي مبادلات كانت أعلى مما تم تحقيقه من مبادلات بين المغرب وإسرائيل ما قبل توقيع الاتفاق الثلاثي بين واشنطن وتل أبيب والرباط نهاية 2021.

وأردف، وثائق اليوم مؤكدة وذات مصداقية، وتبين أن الاتصال بين الجزائر وإسرائيل ما يزال مستمرا في عهد تبون، كما كان في عهد سلفه عبد العزيز بوتفليقة.

وزاد، بل إن تبون نفسه صرح خلال لقائه مع صحيفة لوبينيون بإمكانية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل والاعتراف بها كدولة.

‏وشدد كبير أن ما يجري ليس بجديد، وهنا، علينا أن نتذكر الصورة الواضحة التي ظهر فيها الجنرال شريف زراد (شغل منصب رئيس دائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش الوطني الشعبي سابقا) وإلى جانبه علم الجزائر إلى جانب الجنرال بيني غانتس ممثل إسرائيل، وذلك خلال ‏الاجتماع 166 لرؤساء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل، بتاريخ 18-19 يناير/كانون الثاني 2012، وتحديدا اجتماعات اللجنة العسكرية - MC/CS مع دول البحر الأبيض المتوسط.

‏ورأى الناشط السياسي والإعلامي أن سلطات بلاده خاصة العسكر المسيطر على الحكم، يهاجم عبر إعلامه دول التطبيع لكسب أوراق سياسية وإيديولوجية، بينما عمليا ينخرط في لقاءات مع الإسرائيليين في المحافل الدولية والعسكرية.

‏وأردف، أستحضر هذه الأحداث بالتزامن مع عملية التصويت التي عرفتها أروقة الأمم المتحدة بخصوص قرار الجمعية العامة أو ما يعرف بـ"إعلان نيويورك" قبل أيام، والذي أدان حركة حماس، ودعا لنزع سلاحها، وعدم تمكينها من حكم غزة، وإلى تطبيع الدول العربية مع إسرائيل.

‏واسترسل، هذا القرار الذي صوتت عليه الجزائر في حين غابت عن التصويت كل من تونس والعراق وإيران، رغم أن ‏هذه الدول الثلاث تشترك مع الجزائر في نفس الخطاب السياسي والإعلامي الموجه للداخل بخصوص القضية الفلسطينية.

ومما يبين أن النظام يتاجر بالقضية الفلسطينية على مستوى الشعارات دون أي فعل في الميدان، وفق كبير، أن أسطول الصمود المتوجه إلى غزة لم يتوقف الجزائر قبل تونس، وهو ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام.

وتابع، هل خشي عسكر الجزائر الذي يرفع شعار مع "فلسطين ظالمة أو مظلومة" استهداف إسرائيل لتلك السفن بميناء الجزائر فلا يقوى على الرد مثل نظام قيس سعيد؟

وأشار كبير إلى أن ما حدث مع سفينة “CAPTAIN CHRISTOS” يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن خطاب عسكر الجزائر شيء، وممارساته شيء آخر تماما.

وزاد، "ففي الإعلام الرسمي، نجد عبارات "الخيانة" و"التطبيع" جاهزة لتكفير الشعوب والدول، أما على أرض الواقع، فالتجارة مستمرة، والصمت مطبق حين يتعلق الأمر بمصالح العصابة الحاكمة"، وفق تعبيره.

وتساءل، كيف يبرر النظام الذي وصفه بـ "المنافق" أن سفينة كانت ترسو في ميناء جزائري، تتابع مسارها بكل أريحية نحو إسرائيل؟ وأين شعارات المقاطعة؟ وأين "التشدد الثوري" الذي يزايدون به على الشعوب الأخرى؟ هل أصبح التعامل مع إسرائيل حلالا إذا جرى في الظلام؟

وشدد كبير على أن "تلك الفضيحة تؤكد أن عسكر الجزائر مجرد تجار بمآسي الشعوب عبر ماكينة دعائية موجهة للاستهلاك الداخلي، تلهي الشعب عن أزماته الحقيقية، من قمع الحريات إلى الانهيار الاقتصادي".

وأضاف: "المثير للسخرية فيما يجري، أن نفس النظام الذي يتشدق بمعاداة التطبيع، لم يجرؤ يوما على دعوة مواطنيه للاحتجاج أمام السفارات الأجنبية، ولا إلى المطالبة بمقاطعة فعلية للمصالح المتشابكة مع دول يعاديها في العلن ويتعامل معها في الخفاء".

وخلص كبير إلى أنه في ظل المعاملات التجارية السرية بين الجزائر وإسرائيل، وفي ظل الصمت الرسمي عن الرد عن كل هذه التقارير المتعاقبة والموثوقة، وفي ظل منع المواطنين من التعبير عن رفضهم لما يجري في غزة، وحظر المسيرات الوطنية والشعبية، يتبين أن القضية الفلسطينية على المستوى العملي بالنسبة لنظام بلاده هي مجرد ورقة للتجارة الداخلية والتسويق الخارجي، دون أي أثر حقيقي لصالح القضية.

تجارة محرمة

أشارت بيانات صادرة "دائرة الإحصاء الإسرائيلية" إلى تراجع قيمة التجارة الإسرائيلية مع 19 دولة عربية وإسلامية، بنسبة 52 بالمئة خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2025، بالمقارنة بقيمة التجارة في نفس الشهر من عام 2024.

وبحسب ما نقل موقع "قدس" بتاريخ 03 مارس 2025، فقد شمل تراجع التجارة كلا من الدول العربية بنسبة 9 في المئة، من 381 مليون دولار إلى 348 مليون، وانخفاض قيمة التجارة مع الدول الإسلامية غير العربية بنسبة 80 في المئة، من 593 مليون دولار إلى 118 مليون دولار، وذلك رغم نمو تجارة إسرائيل مع العالم بنسبة حوالي 7 في المئة.

وداخل المجموعة العربية المكونة من خمس دول، تراجعت قيمة التجارة الإسرائيلية مع كل من الإمارات بنسبة 15 في المئة، والمغرب بتراجع 28 في المئة، كما تراجعت مع البحرين، في حين زادت قيمة التجارة مع الأردن بنسبة 39 في المئة، كما زادت مع مصر.

وداخل الدول الإسلامية غير العربية المكونة من 14 بلدا، تسبب الهبوط الكبير للتجارة مع تركيا في هبوط إجمالي التجارة مع باقي الدول مجتمعة، نظرا للوزن النسبي الكبير للتجارة مع تركيا.

وذكرت البيانات الإسرائيلية لتجارة الكيان مع 19 دولة عربية وإسلامية خلال سنة 2024، فقد بلغت قيمة تلك التجارة 7.8 مليارات دولار مقابل 10.7 مليارات دولار في سنة 2023، بنسبة تراجع 27 في المئة، وكان السبب الرئيس لذلك التراجع، هو توقف التجارة التركية مع إسرائيل منذ شهر مايو/ أيار 2025.

ومن الناحية الشرعية، دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كافة الدول، ولا سيما الدول الإسلامية، إلى القطع الفوري والشامل لجميع أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل وداعميه، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وأضاف الاتحاد في بيان صدر بمناسبة اختتام مؤتمر "غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية" بإسطنبول التركية، 29 أغسطس/ آب 2025، "وذلك التزاما بمبادئ الشريعة الإسلامية والقانون الدولي وواجباتها في محاربة الظلم وردع الاحتلال وانتهاكاته المستمرة".

وشدد الاتحاد العلمائي أنه "لا يجوز شرعا التعامل بالبيع والشراء، ونحوهما مع الصهاينة المحتلين، ويحرم أيضا السماح لسفنهم بالعبور عبر الممرات المائية للدول الإسلامية، وهذا الحكم عام للأفراد والشركات والحكومات".