بعد استهدافها في قطر.. هل تنقل حماس المعركة مع إسرائيل للخارج؟

حسن عبود | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بعد استهداف إسرائيل قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطر ومواصلتها عمليات الإبادة في غزة منذ عامين، تدور تساؤلات عن مدى إمكانية نقل الفصائل الفلسطينية المعركة مع الاحتلال إلى الخارج.

وتكمن التساؤلات ليس في قدرة الفصائل على توسيع نطاق العمليات واستهداف المصالح الإسرائيلية بالخارج، ولكن عن مدى استعدادها لإنهاء القطيعة الطويلة مع مثل هذا القرار.

وشنّت إسرائيل هجوما جويا على قيادة "حماس" بالدوحة في 9 سبتمبر/أيلول 2025، وتوعدت بعدها بمهاجمتهم "في كل مكان". ولاحقا أعلنت الحركة نجاة المستهدفين واستشهاد أشخاص من ذوي القيادات ومرافقيهم.

سؤال كبير

وحذّر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، من أنّ الذكرى الثانية للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 (عملية طوفان الأقصى)، "قد تشكّل هذا العام نقطة زمنية مهمة"، مشيرًا إلى إمكانية تصاعد محاولات استهداف إسرائيليين ويهود في الخارج خلال هذه الفترة.

وقال المجلس خلال بيان في 14 سبتمبر 2025، إنّ "التنظيمات الإرهابية قد تبذل جهودًا متزايدة للمساس بإسرائيليين في الخارج عبر عمليات مخططة مسبقًا أو مبادرات محلية".

ويأتي نشر هذه التحذيرات "مع اقتراب الأعياد اليهودية"، لتفصيل “التهديدات المحدثة ضد الإسرائيليين في الخارج”. وقال مجلس الأمن القومي إنّ الغاية من النشر "رفع وعي الجمهور الإسرائيلي تجاه المخاطر الأمنية في أماكن مختلفة من العالم واتخاذ تدابير وقائية وفقًا لذلك".

وأضاف أنّ “الفترة الأخيرة تميّزت باستمرار محاولات تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية ويهودية من عدة جهات معظمها بقيادة إيران وحماس”.

ولفت إلى أنّه "جرى إحباط عشرات المخططات، ومع ذلك سُجلت في الأشهر الستة الأخيرة حوادث بارزة من اعتداءات جسدية وأنشطة إرهابية، إلى جانب حوادث معاداة للسامية وتحريض على شبكات التواصل الاجتماعي".

ونقلت القناة 12 الإسرائيلية في 17 سبتمبر 2025،  عن مصادر قولها : إن “المؤسسة العسكرية رصدت مؤخرا إرادة لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين بالخارج”.

وبدوره، طرح المحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة سؤالا بعد هجوم قطر عن إمكانية تغيير حماس موقفها من استهداف مصالح إسرائيل بالخارج.

وقال الزعاترة في تغريدة على "إكس": "لم يكن قرار الحركة التقليدي عدم تنفيذ عمليات في الخارج نتاج عجز، بل كان تبعا لتقدير موقف سياسي خضع للنقاش في أكثر من محطّة".

 أما "وقد أعلن الصهاينة أن قائمة استهدافهم لرموز الحركة في الخارج طويلة، وطبعا بعد اغتيال أكثر قادتها في الداخل، فمن غير المُستبعد أن تعيد حماس النظر في تلك الإستراتيجية"، وفق تقديره.

ورأى الزعاترة أن ذلك قد يحدث في ظل معادلة جديدة أنتجتها الطوفان عنوانها تحوّل الحركة إلى أيقونة في وعْي أجيال من الشباب المسلم والأحرار.

ولذلك يعتقد أن فتح المقاومة الباب لهذا الخيار، سيعني “تبرّع أعداد كبيرة من هؤلاء لتنفيذ عمليات ضد أهداف صهيونية في أقطار كثيرة”.

والمثير في هذا السياق، بحسب تقدير الزعاترة أن “الحركة لن تحتاج حتى إلى تورّط مُباشر، إذ يكفيها توجيه نداءات إلى أولئك الشباب كي يجتهدوا في هذا المضمار، كلٌ بحسب وسعه ومكانه”.

قد يحدث هذا على صعيد الحركة وحدها، لكن تواصل عربدة الصهاينة في سوريا ولبنان اليمن وأماكن أخرى لاحقا، قد يوسّع دائرة الردود على نحو لا يمكنهم مواجهته، وفق تقديره.

وأكد أن “مشهد الإقليم، فضلا عن المشهد الدولي، مفتوح على احتمالات تصعيد، الله وحده مَن يعلم بتفاصيلها وتداعياتها”.

وخلال طوفان الأقصى، وسعت المقاومة خياراتها ونجحت بنقل المعركة إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة بتنفيذ عدة عمليات لكنها لم تتخذ بعد قرار الاتجاه نحو تهديد مصالح إسرائيل خارج البلاد.

كان آخرها تبني حماس قتل 6 مستوطنين إسرائيليين وجرح 30 آخرين، بإطلاق نار على حافلات في مستوطنة راموت بمدينة القدس في 8 سبتمبر.

ومن الأمثلة الأخيرة أيضا، انفجار 3 حافلات في 20 فبراير/ شباط 2025 بمنطقة بات يام جنوب تل أبيب بعد زرع عبوات ناسفة في المكان، دون وقوع إصابات، إضافة إلى عمليات إطلاق نار ودهس عديدة قبلها وبعدها.

التنبؤ الصعب

محلل سياسي مقرب من حركة حماس (رفض الكشف عن اسمه)، أكد لـ"الاستقلال" صعوبة التنبؤ بإمكانية إقدام المقاومة على مثل هذا الخيار من عدمه، رافضا إبداء رأيه في الفكرة.

فيما أبدى آخر مقرب من حركة الجهاد الإسلامي تأييده للفكرة حال اكتفاء قادة الفصائل الفلسطينية بالدعوة لانخراط العرب والمسلمين وأحرار العالم في استهداف المصالح الإسرائيلية.

ورأى المحلل السياسي الذي رفض أيضا الكشف عن اسمه خوفا من التعرض لملاحقة قانونية كونه يعيش في الخارج، أنه "يجب على الفصائل ألا تنخرط مباشرة بهذا الفعل".

وأردف: "بعد وصول مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة إلى طريق مسدود وبدء إسرائيل عملية تهجير السكان بهدف احتلال القطاع، لا بد من التفكير خارج الصندوق".

وتابع أن "نقل المعركة إلى الخارج سيضع الاحتلال في مواجهة مباشرة مع شعوب العالم الحرة وهو ما لا يمكنه السيطرة عليه".

ويعتقد أن تنفيذ هجمات ضد سفارات الاحتلال وشركاتها بالخارج ومصالحها الاقتصادية قد يحرج الدول المستضيفة لها للتحرك بشكل عملي، “لأنه ثبت أن التظاهرات والخطابات أفضت فقط إلى التصعيد الكلامي الأوروبي دون أفعال”.

وواصل القول: “لم تفلح كل المحاولات حتى الآن في وقف الإجرام والغطرسة الإسرائيلية، ولكن إذا شعر الاحتلال بالتهديد في مصالحه وعلاقاته بالخارج، فقد يتغير شيء”.

وأكد أن إسرائيل "نقلت المعركة إلى الخارج بالفعل في هجوم قطر وقبلها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في إيران فضلا عن استهداف قادة الفصائل في لبنان، فلماذا لا تفعل المقاومة الأمر نفسه؟”

واستدرك المحلل السياسي أن “إعلان خطوة كهذه، قد يضع قيادة المقاومة في حالة مطاردة ليس من إسرائيل وأميركا فقط”.

“بل أيضا من قبل دول عربية وإسلامية تخضع للمنظومة الدولية المتواطئة في العدوان على غزة والخاضعة في جلها لمعايير أميركا بشأن ما يسمى محاربة الإرهاب”، وفق تقديره.

ويؤكد أن “مثل هذه الخطوة ستصنف مباشرة على أنها إرهاب وستدخل الفصائل في حالة تجريم وإدانة فوق ما تكابده بالأساس من شيطنة وملاحقة، خاصة أنه سينظر إلى هذا التحرك على أنها زعزعة لاستقرار دول أخرى ".

ولذلك يرى ضرورة أن تمهد الفصائل الفلسطينية لمثل هذه الخطوة بإطلاق تصريحات أو تسريبات عبر مصادر مجهولة تلوح بإمكانية الاتجاه نحو هذا الخيار إذا لم يوقف الاحتلال الحرب.

وبين أن مثل هذه الخطوة ستضع دول العالم أمام مسؤوليتها، مضيفا أنه "قد يلتقط الأمر أحرار العالم ويبدأون باتخاذ خطوة ما"، وفق تقديره.

أرضية تاريخية

وهذا الخيار لم يطرح من العدم، ففي بدايات العمل الفدائي، نفذت بعض الفصائل الوليدة عمليات عديدة خارج الأراضي الفلسطينية ضد إسرائيل ومصالحها وشمل بعضها استهداف الإسرائيليين.

وكان أشهرها عملية ميونخ التي قتل فيها 11 شخصا من أعضاء البعثة الرياضية الإسرائيلية في أولمبياد عام 1972، على أيدي 5 أفراد (استشهدوا أثناء تنفيذها) من منظمة أيلول الأسود الفلسطينية.

ونفذت المنظمة العملية للرد على القصف الإسرائيلي لقواعد الفدائيين في لبنان واغتيال إسرائيل للعديد من الشخصيات الفلسطينية البارزة، وكان آخرها في ذلك الوقت، استهداف الصحفي والكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، قبل العملية بشهرين فقط.

وأيضا عملية عنتيبي التي اختطف فيها فلسطينيان من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (يسارية) وصديقان لهما من جنسية ألمانية، طائرة فرنسية أقلعت من مطار بن غوريون في تل أبيب باتجاه باريس يوم 27 يونيو/حزيران 1976.

وعند هبوط الطائرة في أثينا وعلى متنها 248 مسافرا بينهم 103 إسرائيليين وطاقم مكون من 12 شخصا، اختطفتها المجموعة وانطلقت بها نحو مطار عنتيبي في أوغندا بعد توقف قصير في ليبيا.  

وفي 4 يوليو/تموز، أرسلت إسرائيل قوات كوماندوز إلى المطار لتحرير الأسرى، وانتهت العملية بمقتل الآسرين و3 من الأسرى إلى جانب جنود أوغنديين والضابط يوناتان شقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

وكان لافتا في يناير/كانون الثاني 2024، أن نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس رسالة مصورة قالت فيها: "إلى عائلات الجنود الأسرى احذروا، نتنياهو لا يأبه بموتهم كلهم، لأن شقيقه يوناتان، قُتل في محاولة لتحرير الأسرى".

وتحضر أيضا العديد من عمليات اختطاف الطائرات التي نفذتها على وجه الخصوص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال الستينيات والسبعينيات وبمساعدة من أشخاص أجانب ردا على الاغتيالات الإسرائيلية وبهدف إتمام صفقات لتبادل الأسرى.

ومنذ تأسيسها عام 1987، لم يُعرف عن حماس تنفيذها عمليات فدائية أو هجمات عسكرية خارج فلسطين، وخاصة أنها تعرف نفسها على أنها "حركة تحرر وطني، ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تحصر نضالها وعملها في قضية فلسطين، ولا تتدخل في شؤون الآخرين”.

لكن حماس تحدثت سابقا وبشكل نادر عن إمكانية نقل المعركة إلى الخارج، وذلك بعد اغتيال جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” القيادي العسكري بالحركة محمود المبحوح في دبي مطلع عام 2010.

ووقتها، اتهم القيادي بحماس محمود الزهار، إسرائيل والغرب بدفع حركته لخوض المعركة بالخارج، مبدياً الاستعداد للمواجهة و"نقل الصراع إن أراد الآخرون ذلك".

كما أكد القيادي بحماس إسماعيل رضوان آنذاك أنه “إذا لم يلاحق الغرب، الموساد على جرائمه فسيكون مساهماً في توسيع مساحة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي”، منوهاً إلى أن “ذلك لن يكون في صالح الأوروبيين”.

وأشار رضوان إلى أن حماس بإمكانها أن تؤلم الاحتلال في كل زمان ومكان، مشيراً في ذلك الوقت إلى مساع إسرائيلية وغربية لدفع حركته لنقل الصراع في الخارج، مضيفا "ونحن سندرس كل خياراتنا ولن نهادن في دم شهدائنا".

وشدد وقتها على أن حركته تعتمد إستراتيجية العمل داخل الأراضي الفلسطينية لكنها لا تعدم الخيارات الأخرى إذا ما اضطرت لها خاصة في ظل تواطؤ الغرب مع الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

واليوم، تبقى الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بالتطورات في غزة التي تتعرض لإبادة وتسعى إسرائيل لاحتلالها وتهجير سكانها فضلا عن الخطط المتسارعة لضم الضفة الغربية.