الصين تلعب على وتر الاقتصاد لكسب طرفي الصراع في ليبيا.. كيف؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بخطى متوازنة وتصاعدية، تسعى الصين لتعزيز تعاونها متعدد الأبعاد في ليبيا سواء مع الحكومة المعترف بها دوليًا في الغرب، أو مع سلطات الشرق الموالية للواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر.

أهمية هذا التعاون أكّدت عليه وزارة الخارجية الليبية، خلال اجتماع تنسيقي بين إدارة شؤون آسيا وأستراليا، وقسم التدريب بإدارة الشؤون الإدارية والمالية، مع القائم بأعمال سفارة جمهورية الصين الشعبية المعتمدة لدى دولة ليبيا.

وذكرت الوزارة في 9 سبتمبر/أيلول 2025، أن الاجتماع يندرج في إطار تنمية وتطوير العلاقات الدبلوماسية بين دولة ليبيا وجمهورية الصين الشعبية.

وأوضحت أنه جرى خلال الاجتماع مناقشة وتقييم نتائج الدورات السابقة ومقترحات تطوير الدورات القادمة، بما يعزز جوانب التعاون الدبلوماسي بين البلدين والاستفادة من الخبرات والتجارب في هذا المجال.

وفي 20 يوليو/تموز 2025، وقع مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بلقاسم خليفة حفتر، مذكرة تفاهم مع ائتلاف شركتي «power china» الصينية و«future» البرتغالية لتنفيذ مشاريع إستراتيجية في مدينة بنغازي.

وقال صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا في منشور عبر فيسبوك، إن المشاريع الإستراتيجية التي سيجرى تنفيذها في مدينة بنغازي، أهمها تطوير مطار بنينا الدولي وفق أعلى المعايير العالمية ومشروع المنطقة الحرة المريسة.

ويشمل الاتفاق بين الجانبين إنشاء محطات للطاقة الشمسية ومحطات معالجة المياه، بالإضافة إلى خط سكة حديد يربط بنغازي بامساعد على الحدود المصرية، مع ربط شرق ليبيا مباشرة بشبكات النقل الإقليمية.

ومن المشاريع الضخمة أيضا التي تعكس ثقل الحضور الصيني يبرز مشروع "مترو بنغازي"، الذي يقدّر تمويله بين 24 و30 مليار يورو.

وهذا المشروع تنفذه مجموعة الصين للسكك الحديدية الدولية إلى جانب شركتي "سيمنس" الألمانية و"أروب" البريطانية للهندسة.

كما طُرحت مشروعات سكنية وتجارية في مدينتي درنة وبنغازي، في خطوة تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتحسين ظروف المعيشة.

521931040_122206221284264579_5226987759293256043_n.jpg

رسائل صينية

على المستوى الدبلوماسي، لا تخفي الصين تركيزها على الأفق الاقتصادي المهم والواعد في ليبيا، مما يستدعي توفير الأجواء السياسية والمؤسساتية المساعدة.

وفي هذا الصدد، سبق أن نقلت وكالة "شينخوا" الصينية، تأكيد نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، سون لي، أن "ليبيا تعاني من جمود سياسي منذ أمد طويل، وإن تعزيز العملية السياسية هو مفتاح تحقيق الاستقرار الدائم في البلاد".

وأعلن الدبلوماسي الصيني خلال جلسة لمجلس الأمن في 24 يونيو/حزيران 2025، دعم بلاده للبعثة الأممية بليبيا، واحترامها الكامل لإرادة الشعب الليبي، وأهمية تحقيق الوحدة الليبية في أقرب وقت، مؤكدا "استعداد الصين لمواصلة المشاركة الفعالة في العملية".

وشدد سون لي على أن "الحفاظ على الأمن والاستقرار أولوية قصوى"، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم ليبيا في تسريع إصلاح إدارة المالية العامة والوصول إلى ميزانية موحدة في أقرب وقت ممكن، من أجل وضع أساس جيد لاستقرار الاقتصاد.

وذكر أن الأصول الليبية المجمدة في الخارج هي ثروة مشتركة للشعب الليبي، وينبغي للمؤسسات المالية الدولية ذات الصلة حماية وإدارة الأموال المجمدة بشكل صحيح والاستجابة لطلب ليبيا المعقول بإعادة استثمار الأموال.

وأضاف: "ليبيا غنية بالنفط وغيرها من الموارد وكانت ذات يوم واحدة من أكثر الدول تطورا في إفريقيا".

 وتعتقد الصين أن الشعب الليبي سيتمكن بدعم من المجتمع الدولي من الانطلاق على طريق النهضة في وقت مبكر، وفق تقديره.

وأكد سون أن "الصين صديقة جيدة لليبيا وتدعم بقوة جهودها لحماية سيادتها وسلامة أراضيها"، معربا عن استعداد بكين للاضطلاع بدور بناء لتحقيق السلام الدائم والتنمية والانتعاش في أقرب وقت ممكن.

بدوره، قال القائم بالأعمال الصيني في ليبيا ليو جيان، إن الصداقة التقليدية بين البلدين أصبحت أقوى بمرور الوقت، بفضل الدعم المتبادل.

وفي مقال كتبه بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، تعهد المبعوث الصيني في 31 أغسطس/آب 2025، بأن الصين ستدافع عن الحقوق والمصالح المشروعة لليبيا في المحافل الدولية، وفق موقع "libyaobserver" الليبي.

وأكد أن الصين "ستدعم بقوة كل الجهود الرامية إلى حماية سيادة ليبيا ووحدتها وسلامة أراضيها"، مؤكدا دعمه للعملية السياسية التي تقودها ليبيا وتملكها ليبيا.

كما صرح ليو بأن الصين ستعزز التعاون مع ليبيا من خلال منتديي التعاون، الصيني العربي، والصيني الإفريقي، ومبادرة الحزام والطريق.

وأضاف أن بكين ستلعب دورا إيجابيا في تنمية ليبيا وإعادة إعمارها، بهدف تعميق الشراكة الإستراتيجية القائمة وتوسيع التعاون العملي في قطاعات متعددة.

Capture d’écran 2025-09-10 131619.png

إحياء الشراكة

في تحليله لتنامي الدور الصيني في ليبيا، رأى الباحث في العلوم السياسية إلياس الباروني، أن هذا الاهتمام الصيني يجد ما يدعمه كون ليبيا "تمثل موقعا إستراتيجيا مهما على مستوى البحر الأبيض المتوسط ومنطقة عبور محتملة تربط بين آسيا وإفريقيا".

وأضاف الباروني لـ "الاستقلال"، "من هنا تسعى الصين إلى أن تكون ليبيا ضمن إستراتيجيتها الأوسع للتموضع الجيو-اقتصادي، أي الاستفادة من الجغرافيا الاقتصادية لتحقيق مصالح البلدين".

وذكر الباحث السياسي أن "الصين ستعمل على أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة، لا سيما في ظل التنافس القوي بين القوى الإقليمية على ليبيا".

ويعتقد أن حكومتي البلاد تسعيان إلى استغلال الفرصة التي تمثلها محاولات إعادة الإعمار في شرق البلاد وتنمية الموانئ والمطارات وبقية البنى التحتية وهي مجالات تحتاج إلى شركات كبرى.

وشدد على أن "الصين تريد أن تكون سباقة نحو ليبيا لضخ استثمارات وتعزيز وجودها في المنطقة، لا سيما أنها تحاول الاستفادة من الانقسام السياسي لإبرام بعض العقود والصفقات وهو ما تفعله في شرق البلاد".

ولفت الباروني إلى أن "الغرب الليبي مرتبط باتفاقات مع القوى الأوروبية وتركيا والولايات المتحدة ما يقلل فرص الصين في الوجود هناك".

وهو ما جعلها تلجأ إلى الشرق في محاولة لترسيخ نفوذها في شمال إفريقيا في ظل وجود أسباب تعطيها زخما في ذلك.

ومن أهمها الموقع الإستراتيجي لليبيا التي تملك ساحلا طويلا على البحر الأبيض المتوسط، وحلقة وصل بين الغرب والشرق والجنوب والشمال، أي بين أوروبا وإفريقيا وآسيا والولايات المتحدة. وفق تقديره.

وأيضا هناك فراغ يحصل على الجانب الجيوسياسي نتيجة الصراع المستمر في ليبيا وعدم وجود حكومة موحدة.

وخلص إلى أن هذا الوضع "يعطي الصين بيئة خصبة حتى تتمكن من ترسيخ موطئ قدم لها من خلال إقامة تحالفات معينة وكسب ورقة ضغط ضد الغرب".

ولذلك، شدد على أن "دخول الصين إلى شرق ليبيا ليس عبثا بل خطوة مدروسة ضمن مخطط إستراتيجي للبحث عن نفوذ في شمال إفريقيا".

طموحات إستراتيجية

أشار تقرير صيني إلى بروز ليبيا كعنصر محوري في الطموحات الجيوسياسية والاقتصادية المتنامية لبكين؛ إذ تسرع وتيرة الاستثمارات متعددة القطاعات في الطاقة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية في شرق البلد المغاربي، كجزء من مبادرة الحزام والطريق.

وعد التقرير الصادر عن موقع "سينوساج" الصيني، في 6 يوليو 2025، أن ليبيا بالنسبة للمخططين الصينيين تمثل "بوابة لديها القدرة على ربط إفريقيا وأوروبا وآسيا معا تحت هيكل تجاري عالمي جديد تقوده بكين".

وهذه التطورات تعكس جهدا أوسع تبذله الصين لإعادة تشكيل طرق التجارة وسلاسل التوريد والتحالفات السياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء، وفق التقرير.

ولفت إلى أن شرق ليبيا الذي تسيطر عليه قوات "القيادة العامة" بقيادة حفتر، محور للمفاوضات التي يمكن أن تحول المنطقة إلى مركز حاسم للتجارة الصينية - الإفريقية والصينية - الأوروبية.

وأشار الموقع إلى وقوع مدينة طبرق في قلب الخطط الصينية؛ إذ يقدم موقعها الإستراتيجي - على بعد أقل من 400 كيلومتر من كريت وجنوب أوروبا - مزيجا فريدا من القرب الجغرافي والإمكانات البحرية.

وهو ما يمكن بكين من الوصول إلى المواد الخام الإفريقية - النفط والعناصر الأرضية النادرة والمنتجات الزراعية.

ويقول: إن موافقة حفتر على المقترحات الصينية ستحول ليبيا إلى مرساة غربية لشبكة لوجستية وطاقية ضخمة بقيادة صينية تمتد عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

وتوقع أن تمنح مصفاة طبرق والبنية التحتية المرتبطة بها بكين نفوذا جديدا على أسواق الطاقة في أوروبا، خاصة مع سعي الأخيرة للتنويع بعيدًا عن الغاز الروسي.

كما يمكن للطبيعة ذات الاستخدام المزدوج لمطار وميناء طبرق المحدثين أن تمتد لتشمل قدرات بحرية أو استخباراتية صينية في البحر الأبيض المتوسط.

وأثارت هذه الاحتمالية بالفعل مخاوف في بعض أوساط شمال حلف الأطلسي "ناتو"، على الرغم من عدم التعبير عن معارضة رسمية.

في حال نجاحها، توقع الموقع الصيني أن تعيد إستراتيجية الصين في ليبيا تشكيل سلاسل التوريد وتدفقات التجارة الأوراسية. 

كما سيشير ذلك إلى تحول في ميزان القوة الناعمة والنفوذ الإستراتيجي بشمال إفريقيا، مع تداعيات محتملة العمق على أمن الطاقة والاستقلالية الجيوسياسية لأوروبا.

لكن هذا التحول الصيني تجاه ليبيا، وفق التقرير الصيني، ستكون له آثار عميقة على أمن الطاقة الأوروبي.

وسيطرة بكين على مصفاة ضخمة في طبرق والبنية التحتية للموانئ المرتبطة بها، ستكسبها نفوذا كبيرا على سلاسل التوريد التي تغذي أوروبا، خاصة بعد بدء أوروبا الاعتماد على مصادر طاقة بديلة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عقب الحرب الروسية- الأوكرانية.

وعد الموقع أن هذا النفوذ سيتحدى استقلالية الطاقة في أوروبا خلال فترات الأزمات مستقبلا، ويزيد اعتمادها على بكين في وقت يشهد فيه التحالف عبر الأطلسي توترا بالفعل.

وذكر أن سيطرة الصين على الخدمات اللوجستية للحاويات عبر طبرق سيمنحها نفوذا ليس فقط على الطاقة، بل أيضا السلع المصنعة والتقنيات الحرجة.

كما يمكن للمطار ذي الاستخدام المزدوج، إلى جانب البنية التحتية للرقابة والبنية التحتية الرقمية، أن يخدم أيضا أهدافا استخباراتية وعسكرية.

تعزيز النفوذ

في السياق ذاته، يرى مركز بحثي تركي أن الصين تهتم باستكشاف الفرص الاقتصادية في ليبيا، بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي، ضمن مبادرة الحزام والطريق؛ إذ تركز بكين على مشاريع البنية التحتية والسكك الحديدية والطاقات المتجددة.

وسلط مركز "تاسام" التركي للدراسات الإستراتيجية الضوء على محاولات بكين لتعزيز حضورها في شمال إفريقيا وإعادة تشكيل موازين القوى بالمنطقة، حيث تبرز ليبيا بين أهم الدول المستهدفة.

وأرجع تقرير المركز الصادر في أغسطس 2025، استعادة زخم العلاقات الليبية الصينية إلى ربيع عام 2023، مع إطلاق مشاريع اقتصادية وتوسيع نطاق الاتصالات السياسية والعسكرية؛ إذ تعتمد بكين على "مبدأ الحياد السياسي" في ليبيا الذي مكّنها من الحفاظ على علاقات متوازنة مع الحكومتين في شرق وغرب البلاد.

ومن وجهة نظر المركز، فإن تجاهل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإفريقيا أتاح فرصا جديدة للصين للتوسع وتعزيز نفوذها، خصوصا في ليبيا.

ويرى أن توجه الصين نحو مشاريع التنمية في بنغازي وطرابلس، "يعكس الاهتمام المشترك بمراحل إعادة هيكلة الجماعات السياسية المختلفة في ليبيا.

وهو ما قد يتيح إمكانية الحد من تأثير أوروبا الغربية في المنطقة، وينقل المنافسة بين الصين والولايات المتحدة إلى شمال إفريقيا عبر ليبيا".

وهذا الأمر يراه المركز سببا في "غموض المستقبل السياسي" للمنطقة، مع عدم وضوح احتمالات تدخل واشنطن مجددا.

وتتحرك الصين في ليبيا ضمن إطار رؤية إستراتيجية طويلة الأمد؛ إذ تطرح مشاريع متوازية موجهة لكل من الحكومة والسلطات المحلية، مع تنويع مدروس في مجالات الاستثمار لضمان تأثير شامل ومستدام، وفق المركز.

ويعتقد الصينيون أن موقع ليبيا الإستراتيجي قد يشكل بديلا للممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي الذي أُعلن عنه في العام 2023، وهو ما يعزز من قيمتها بالنسبة لمشاريع الربط الإقليمي التي تقودها بكين.

وشدد المركز أن "ليبيا أكثر من مجرد ساحة استثمارية للصين، فهي مركز محتمل لتوسيع النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي في شمال إفريقيا، ومنصة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية في ظل المنافسة العالمية المتصاعدة".

كما يبرز البعد الأمني بشكل متزايد؛ إذ طورت بكين تعاونا عسكريا وأمنيا مع أكثر من 100 دولة في إطار مبادرة الأمن العالمي.

 وفي حال تجسدت الشراكة العسكرية مع ليبيا، "فإن تأثيرها قد يتجاوز حدود البلاد، ليعيد تشكيل التوازنات الإستراتيجية في شمال إفريقيا"، وفق المركز البحثي.