هل يأخذ "المجلس الوطني الكردي" من دمشق ما لم يحصل عليه من “قسد”؟

ترفض “قسد” السماح لـ”المجلس الوطني” بالانخراط في الإدارة العسكرية والسياسية لشمال شرقي سوريا
بينما تبحث قوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن ظروف جديدة لتحسين شروطها التفاوضية في ملف الاندماج مع الدولة السورية الجديدة، يبرز “المجلس الوطني الكردي” كلاعب في المناقشات السياسية مع دمشق، من أجل تحديد مصير مناطق شمال شرقي سوريا.
وأكد "المجلس الوطني الكردي" (خصم قسد السابق) تلقيه دعوة رسمية من الحكومة السورية لعقد لقاء مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في العاصمة دمشق.
ولطالما ضيّقت “قسد” وهي الذراع العسكري لحزب “بي واي دي” وحلفائه التابعين لحزب العمال الكردستاني، على نشاطات المجلس الوطني الكردي، في شمال شرق سوريا.
وعلى مر السنوات، نشبت خلافات بين “قسد” و”الوطني الكردي” انتهت بمنع “المجلس” من الانخراط بأي شكل من أشكال إدارة شمال شرقي سوريا، كما عملت مجموعات عسكرية موالية لـ”قسد” ومكوناتها على اعتقال أعضاء من “المجلس” ولا يزال جزء منهم في السجون.
ويتركز الخلاف بين الأطراف على نقطة إدارة المنطقة؛ إذ ترفض “قسد” السماح لـ”المجلس الوطني” بالانخراط في الإدارة العسكرية والسياسية والأمنية، وتفضّل استثمارها منفردة.

مطالب الكرد
وقال "المجلس الوطني الكردي" خلال لقاء الأحزاب السياسية المنضوية فيه وبحضور رئيس المجلس محمد إسماعيل، في بيان في 10 سبتمبر/ أيلول 2025: إن هناك "اتصالات متبادلة مع دمشق حيث أبدى المجلس استعداده للقاء الرئيس الشرع لكنه لم يتم تحديد موعد حتى الآن".
ويهدف اللقاء، لمناقشة الحقوق والمطالب الكردية ومستقبل البلاد، وذلك بعيدا عن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" و"حزب الاتحاد الديمقراطي - بي واي دي".
وقالت مصادر لموقع تلفزيون سوريا، في 9 سبتمبر 2025، إن الدعوة تضمنت لقاء الرئيس السوري ووزير الخارجية أسعد الشيباني.
وأوضح المصدر أن "المجلس الوطني الكردي" أبدى استعداده لتلبية الدعوة، وقدم قائمة تضم 15 شخصية من قياداته، بينهم مسؤولون سابقون في الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض، لافتة إلى أن موعد اللقاء لم يُحدّد بعد، لكنه مرجّح خلال سبتمبر 2025.
ولدى المجلس الوطني الكردي علاقات وثيقة مع تركيا والقيادة الكردية العراقية، لا سيما مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، برئاسة مسعود بارزاني.
وكان "المجلس الوطني الكردي" أعلن انسحابه رسميا من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في فبراير 2025 بعدما كان لـ 10 سنوات جزءا منه، مشيرا حينها إلى أن مرحلة جديدة قد بدأت في سوريا.
وقال في بيان آنذاك سنجري محادثات مع الإدارة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، من "أجل تحقيق حقوق الشعب الكردي".
من جانبه، أكد المتحدث باسم "المجلس الوطني الكردي"، فيصل يوسف، أنهم مستعدون لتلبية دعوة الحكومة السورية لكنهم سيرفضون المشاركة بأي شكل من شأنه أن يضر بوحدة الكرد". وفق ما نقلت شبكة "رووداو" الإعلامية.
وقال يوسف للشبكة في 9 سبتمبر، إن "المجلس الوطني الكردي" ملتزم بقرارات "مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفا" الذي عُقد في 26 أبريل 2025 في مدينة قامشلي بريف الحسكة، موضحا: "نحن نعدّ أنفسنا أصحاب المؤتمر ورؤيته المشتركة".
كما أوضح يوسف أنهم في تواصل مستمر مع أطراف عدة، بما في ذلك قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، والأطراف الأوروبية والأميركية، مشيرا إلى أن المجلس يطالب دوما بتشكيل وفد كردي مشترك.
عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024 عاد التقارب بين "المجلس الوطني الكردي" وقوات قسد على الرغم من المضايقات الكبيرة التي مارستها الأخيرة بحق أعضائه في مدينة الحسكة.
إلا أن أحزاب "المجلس الوطني الكردي"، رفضت حضور مؤتمر أطلقته قسد في الحسكة تحت اسم "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا" في 8 أغسطس/آب 2025.
وما تزال قوات قسد تماطل في تطبيق الاتفاق الذي وقع بين قائدها مظلوم عبدي والشرع في 10 مارس 2025 والذي يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
والاتفاق مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.
وأمام ذلك، تحدثت تقارير صحفية عن أن "المجلس الوطني الكردي" تراجع عن قبول دعوة لاجتماع من الحكومة السورية خشية تعرضه للمضايقة من قبل "قسد" كونها تتعلق بمناقشة القضايا ومطالب أكراد سوريا.

"اختراق من قسد"
وحاول "المجلس الوطني الكردي" الوقوف في المنتصف خلال الفترة الماضية، لدرجة أنه غاب عن مؤتمرات نظمتها قسد وخرجت بمخرجات تتبنى مطلب الدولة اللامركزية، ودستورا يضمن التعددية العرقية والدينية والثقافية في سوريا.
لا سيما أن دمشق ترفض اللامركزية السياسية أو الفيدرالية، في ظل تكثيف مسؤولين بارزين في قسد التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا.
وحرصها على مشاركة المجلس الوطني الكردي (خصمها السابق) وتقديم قياداته للرأي العام الكردي ولوسائل الإعلام لتنطق باسم المؤتمر، وهذا يأتي في إطار إظهار وحدة الصف الكردي.
وضمن هذا السياق، قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية مضر حماد الأسعد: إن "انفتاح دمشق على التيارات الكردية كافة وكل المكونات الإثننية والطائفية يسهم في الوصول إلى تعزيز الأمن والاستقرار، خاصة في منطقة الجزيرة والفرات".
وأضاف لـ “الاستقلال”، أن "انفتاح الحكومة السورية على المجلس الوطني الكردي أمر مهم جدا في الوقت الراهن كونه يدل على اتجاه دمشق نحو الانفتاح على التيارات السياسية كافة في سوريا".
ولفت الأسعد إلى أن "الأكراد لديهم تيارات وأحزاب متعددة والقسم الأكبر منها تحت مظلة المجلس الوطني الكردي وهناك جزء من المستقلين بعيد عنه وبعيد عن قوات قسد".
وأردف "هناك معلومات وصلتنا بأن الوفد الذي يمثل المجلس الوطني الكردي الذي ينوي الاتجاه إلى دمشق تم تشكليه من قبل قسد، ما يعني اختراقا واضحا من قِبل قسد ومن تحت الطاولة للمجلس الوطني الكردي على الرغم من وجودهم في منطقة الجزيرة والفرات".
ورأى الأسعد أن "الأكثر أهمية من كل ذلك هو مضي قوات قسد في تنفيذ اتفاق مارس 2025 لتجنب المنطقة شلال الدم".

فرصة سانحة
ولا يخفي "المجلس الوطني الكردي" سعيه لأن يتم إثبات حق المكون الكردي بشكل واضح وصريح في الدستور السوري القادم.
وهو بذلك، يركز على حقوق الأكراد في سوريا ضمن سوريا الجديدة، فيما قسد تركز على نظام الحكم والتمسك باللامركزية.
ورهنا يرى الأسعد أنه من "المهم أن يكون قرار المجلس الوطني الكردي بمعزل عن قسد وحزب العمال الكردستاني؛ لأن ذلك من مصلحة الأكراد أولا ومن مصلحة سوريا وتجنب مشاريع الانفصال والتقسيم والمشاريع غير الوطنية".
واستدرك "خاصة أن المجلس الوطني الكردي فيه قيادات وطنية سورية ولديهم تأثير قوي وفاعل في المجتمع الكردي سياسيا واجتماعيا في الحسكة".
وعمل “قسد” وحدها على مسار تفاوضي مع القيادة السورية الجديدة، في ظل وجود أحزاب كردية متعددة في محافظة الحسكة يبدو أنه دفع تلك الأحزاب للواجهة عقب تعثر كل جولات التفاوض بين دمشق وقسد في مناطق الطرفين لإتمام اتفاق مارس 2025.
وهذا ما يشير إليه الباحث السوري عمار جلو بقوله لـ "الاستقلال": إن تعثر المفاوضات بين دمشق وقسد لكون الأخيرة تصر على مطالب تتعلق بنظام الحكم والاندماج وليس الحقوق الكردية".
وأضاف جلو أن "المجلس الوطني الكردي يركز على الحقوق الكردية ويعمل على توحيد المطالب الكردية بين الفرقاء الكرد".
ولفت جلو إلى أن "المجلس الوطني الكردي يجد في تعثر المفاوضات بين قسد ودمشق فرصة مناسبة للدخول كتيار كردي لبناء توافقات مع حكومة دمشق وهذا ما يشير إلى وجود بدائل وخيارات لتحقيق الوحدة بسوريا وإظهار الأطراف المتعنتة والتي تريد عرقلة مشروع الاندماج في ملف قسد".