سوريا ترسم خريطة جديدة بأول انتخابات برلمانية بعد الأسد.. ما التوقعات؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

دخلت سوريا مراحل متقدمة في التحضير للانتخابات البرلمانية المقررة خلال سبتمبر/أيلول 2025، فقد بدأت اللجان الفرعية في جميع المناطق عملية اختيار أعضاء الهيئات الانتخابية.

وفي الوقت نفسه، يُحدد المسؤولون المتطلبات القانونية والوثائق اللازمة للمرشحين، وفقا لجدول زمني مُحدد لضمان إجراء الانتخابات بشكل منظَّم مع الالتزام بمعايير النزاهة والشفافية.

وأكد المتحدث الرسمي باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب "نوار نجمة" لموقع "ذا ميديا ​​لاين" الأميركي، أن اللجان الفرعية على مستوى المناطق قد بدأت بالفعل اختيار أعضاء الهيئات الانتخابية.

وأضاف: "منذ هذه اللحظة، ينطلق عمل اللجان الفرعية بخطواتٍ عملية، تشمل اختيار الأسماء المرشحة لعضوية الهيئات الانتخابية، والتواصل معها مباشرةً لطلب الوثائق والشهادات اللازمة". وبعد ذلك، تُعرض هذه الأسماء على اللجنة العليا للموافقة المبدئية، ثم تُنشر للعلن.

وبدأت العملية مع إصدار الرئيس أحمد الشرع، في 13 يونيو/حزيران 2025، المرسوم رقم (66) الذي شكل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب برئاسة محمد طه الأحمد. ونص على تشكيل المجلس الجديد خلال 60 إلى 90 يوما، باعتماد نظام انتخابي مؤقت وغير مباشر.

وستكون هذه الانتخابات أول استحقاق تشهده البلاد منذ سقوط النظام السابق برئاسة بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حين أُعلن عن تعيين أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية.

وكانت الانتخابات مقررة بين 15 و20 سبتمبر، لكنها شهدت تأخيرا لبضعة أيام. وأوضحت اللجنة العليا للانتخابات أن الأمر يعود لأسباب لوجستية بحتة، مع التأكيد على استكمال الاستحقاق قبل نهاية نفس الشهر.

ضمان الشفافية

وأضاف المسؤول السوري أن "هذه الآلية ليست شكلية، بل مصممة لضمان أعلى درجات الشفافية، تتيح لكل مواطن ممارسة حقه القانوني في الطعن على أي مرشح لا يستوفي الشروط أو المعايير المقررة".

وقال: "نحن في اللجنة العليا نعد حق الطعن ضمانة؛ إذ يفتح الباب أمام مشاركة شعبية حقيقية، ويمنع أي مخالفات من شأنها أن تقوض مصداقية العملية الانتخابية".

وسلّط ​​نجمة الضوء على دور المجتمع المدني في العملية الانتخابية، مشيرا إلى أن اللجنة وقّعت أخيرا مذكرة تفاهم مع منظمات مدنية لتعزيز الرقابة ورفع الوعي العام. ووصف الاتفاقية بأنها "حجر أساس لضمان الرقابة المجتمعية ورفع الوعي الانتخابي".

وذكر أن هذه الخطوة تعكس قناعة اللجنة بأن الانتخابات ينبغي ألا تقتصر على مؤسسات الدولة، بل هي "مسؤولية مشتركة بين جميع الجهات المعنية".

وبحسب موقع "ذا ميديا لاين"، تؤكد هذه التصريحات توجّه اللجنة الواضح نحو تعزيز المشاركة الشعبية، وضمان خضوع تشكيل الهيئات الانتخابية للرقابة الجماعية بدلا من حصرها بجهة واحدة.

وفيما يتعلق بتمثيل الأقليات في الانتخابات، نقل الموقع عن "​​نجمة" قوله: إن هذا الأمر يعتمد على المرشحين أنفسهم والناخبين، وأضاف: "باب الترشح مفتوح للجميع، وبالمناسبة، أنا شخصيا مسيحي، ولا أعتقد أن الانتخابات ستقتصر على لون أو عرق واحد".

أما بالنسبة لليهود، فقد أوضح أن عددهم في سوريا لا يتجاوز 10 أشخاص نظرا لهجرة معظمهم خلال حكم آل الأسد.

فيما يتعلق بالسويداء جنوبي سوريا، أقرّ المسؤولون بالصعوبات القائمة، وصرحوا بأن ترتيبات إجراء الانتخابات هناك ستُحدَّد لاحقا.

وشهدت السويداء توترات أمنية متصاعدة عقب اشتباكات مسلحة استمرت أسبوعا بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، وأسفرت عن سقوط مئات القتلى، قبل أن يتوقف القتال باتفاق لوقف إطلاق النار في 19 يوليو/ تموز.

غير أن إسرائيل استغلت هذا الوضع وتذرعت بـ"حماية الدروز" لتكثيف عدوانها على سوريا وارتكاب مزيد من الانتهاكات بحقها.

وفي سياق متصل، وقّعت اللجنة العليا مذكرة تفاهم مع خمس منظمات من المجتمع المدني للتعاون في برامج التدريب والتوعية المتعلقة بالانتخابات.

تهدف الاتفاقية إلى تعزيز ثقافة المشاركة المجتمعية ودور المنظمات المدنية كشركاء فاعلين في مراقبة العملية الانتخابية وضمان نزاهتها.

وصرح النائب السوري السابق عباس الفارس الذي سبق أن ترشح عن محافظة إدلب، بأن المذكرة تُبرز إدراك السلطات لضرورة إشراك مختلف الفاعلين المجتمعيين في الإشراف على المراحل الانتخابية الرئيسة.

وفي مقابلة مع الموقع الأميركي، وصف الفارس المنظمات المدنية بأنها "عين إضافية" على العملية، مضيفا أنها تُسهم في توعية المواطنين بحقوقهم ومسؤولياتهم الانتخابية.

وبالتزامن مع اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية، أصدرت اللجنة العليا تعميما يُفصّل الوثائق والشهادات المطلوبة للترشح.

ويُشترط على المتقدمين تقديم نسخة من بطاقة الهوية الوطنية أو سجل الأحوال المدنية، وجواز سفر ساري المفعول، وإثبات إقامة مستمرة منذ عام 2006 في حال التقديم من خارج دائرة الأحوال المدنية التابعة لهم.

كما حُدّدت الشروط التعليمية: شهادة جامعية أو ما يعادلها للمرشحين في فئة "الكفاءة"، وشهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها للمرشحين في فئة "الأعيان".

كذلك يجب على المرشحين تقديم سيرة ذاتية شاملة تتضمن البيانات الشخصية، ومكان الإقامة والعمل، والمؤهلات الأكاديمية، والخبرة المهنية، والأنشطة المجتمعية، وغيرها من المعلومات ذات الصلة.

جدول صارم

وأوضحت اللجنة العليا في تعميمها أن العملية الانتخابية ستتبع جدولا زمنيا محددا بدقة؛ حيث أُغلق باب الترشح في 11 سبتمبر/أيلول 2025. 

وفي اليوم التالي، أحيلت قوائم المرشحين الأولية إلى اللجنة، ثم أُصدرت القوائم الأولية للهيئات الانتخابية في 13 سبتمبر.

 ومن 14 إلى 16 سبتمبر، جرى قبول الطعون، على أن تصدر القرارات النهائية بشأنها في 17 من نفس الشهر وتختتم العملية في اليوم الذي يليه، عند نشر القوائم النهائية للهيئات الانتخابية.

وأكّد الموقع الأميركي أن هذا الجدول الزمني الصارم يعكس رغبة واضحة في تنظيم دقيق، ويضمن سير العملية ضمن مواعيد نهائية محددة، فهو يمنع اللبس ويُتيح لجميع الجهات المعنية وضوحا بشأن مختلف مراحلها.

وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة دمشق سامر الحسن: إن التحديد الدقيق للوثائق المطلوبة والجدول الزمني يمثل حجر الزاوية في الشفافية؛ إذ يمنع أي غموض أو تقدير شخصي قد يؤثر على نزاهة العملية. 

وعلاوة على ذلك، فإن فتح باب الطعون يُعزز الرقابة الشعبية، ويمنح المواطنين شعورا مباشرا بالشراكة في إدارة العملية الانتخابية، وفق ما أوضح للموقع الأميركي.

وأشار الحسن إلى أن العمل مع منظمات المجتمع المدني يمثل خطوة حاسمة نحو تعزيز ثقافة انتخابية سليمة، مؤكدا أن الشراكات الحقيقية بين السلطات الانتخابية والهيئات المدنية لعبت دورا حاسما في العديد من التجارب الدولية الناجحة.

وتتكشف هذه الإجراءات في ظل مناخ سياسي محلي يركز على إعادة بناء الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، لا سيما في مجال التمثيل الشعبي.

ويعد تشكيل الهيئات الانتخابية أساس العملية برُمّتها، وتعدّ دقة ونزاهة تشكيلها عاملا مباشرا في شرعية النتائج النهائية.

وقال الموقع: "إن اعتماد جدول زمني صارم يؤكد على الانضباط والجدية، ويشير إلى أن العملية تُحكم بمعايير مؤسسية واضحة بدلا من تركها مفتوحة".

وأضاف: "تعكس الإجراءات المُعلنة أخيرا، مجتمعةً، جهود اللجنة العليا لبناء إطار انتخابي قائم على الشفافية والمشاركة".

فمن اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية إلى تحديد المتطلبات والوثائق، والالتزام بالمواعيد النهائية، تشير كل خطوة إلى إرادة تنظيمية حازمة.

لكن الاختبار النهائي يكمن في مدى كفاية هذه الإجراءات لاستعادة ثقة الجمهور وإقناع المواطنين بأن أصواتهم قادرة على التأثير فعليا في تشكيل البرلمان القادم، بحسب الموقع الأميركي.

وفي هذا الصدد، تبرز تصريحات نوار نجمة، التي تُسلّط الضوء على الشفافية، والشراكة المجتمعية، ومشاركة منظمات المجتمع المدني، والحق في الطعن، كضمانات رئيسة لبناء انتخابات تتمتع بمصداقية أكبر.