العدوان الإسرائيلي على قطر.. كيف يؤثر على مسار المفاوضات مع حماس؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أعقاب الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس في الدوحة، يبرز السؤال حول مستقبل عملية التفاوض لوقف إطلاق النار في غزة، وعما إذا كانت قطر قادرة على الاستمرار في دورها كوسيط بين الأطراف.

في هذا السياق، تحدثت صحيفة "معاريف" العبرية مع أفنير ساعر، الخبير في إدارة المفاوضات والمحاضر في الكلية الأكاديمية للجليل الغربي، بشأن موقع قطر كوسيط مركزي في النزاعات الدولية، وحول المعضلات الإستراتيجية التي تواجه علاقاتها مع إسرائيل بعد العملية الأخيرة.

وشنت إسرائيل هجوما جويا على قيادة "حماس" بالدوحة في 9 سبتمبر/أيلول 2025، وتوعدت بعدها بمهاجمتهم “في كل مكان”. ولاحقا أعلنت الحركة نجاة المستهدفين واستشهاد أشخاص من ذوي القيادات ومرافقيهم.

تغير جذري

وقالت الصحيفة: إنه "على مدى السنوات الماضية، نجحت الدولة الخليجية الصغيرة في ترسيخ مكانة فريدة لها كوسيط مركزي في النزاعات الدولية، واستطاعت أن تضع نفسها كلاعب مؤثر على الساحة الجيوسياسية رغم صغر حجمها".

إلا أن الضربة التي تلقتها قيادة حماس تضع قدرة قطر على الحفاظ على هذا الدور قيد الاختبار مجددا، وقد تعيد رسم حدود نفوذها في المرحلة المقبلة. وفق تقديرها.

ويتفق ساعر مع رأي الصحيفة؛ إذ يعتقد أن طريقة تعامل الدوحة كوسيط ستشهد تغيرا جذريا في المرحلة المقبلة، وقال: "(محاولة) تصفية قيادة حماس في قطر تفرض على الوسطاء الرئيسين إعادة ترتيب أوراقهم".

وقال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: "حاليًا نعيد تقييم كل شيء في العملية برُمّتها؛ لأن هذا الأمر (الهجوم على الوسيط) أمر غير مقبول".

وأردف خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن الأميركية في 10 سبتمبر: “نحن في حوار مفصل للغاية مع حكومة الولايات المتحدة، وعلينا أن نفهم كيف سيكون الوضع مستقبلاً”.

وأضاف أن "الأمر ليس اعتداء على سيادتنا ووطننا فقط، بل على المنطقة بأكملها اليوم. منطقة مجلس التعاون الخليجي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة بالشرق الأوسط في خطر".

وعما إذا كان مستقبل المحادثات غير واضح في هذه المرحلة، قال رئيس الوزراء القطري: "ليس لديّ إجابة على هذا؛ لأنني في الحقيقة أرى كلامًا فارغًا الآن".

وواصل القول: "كنت أُعيد التفكير في العملية برمتها خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ لأن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو كان يُضيع وقتنا فحسب، ولم يكن جادًا في أي شيء".

ومن هنا توقع ساعر أن "تسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة إسرائيل وكبح تحركاتها في الدوحة، خشية حدوث تصعيد إقليمي واسع".

أما مصر، بصفتها وسيطا تقليديا، فيقدر أنها "ستحاول توسيع دائرة نفوذها في عملية التفاوض، وتأكيد دورها كعنصر أساسي في استقرار المنطقة".

وأضاف: "سيركز كلا الوسيطين على إعادة بناء قنوات التواصل وضمان السيطرة على مجريات العملية، حفاظا على نفوذهما ومكانتهما الإستراتيجية".

ثم توسع في الحديث عن الأزمة المتوقعة مستقبلا بالقول: "في المرحلة الأولى، من المرجح أن تدخل المفاوضات في أزمة حقيقية".

وتابع: “قد تتجه حماس إلى تشديد مواقفها، وتعليق الاتصالات مع الوسطاء، بل ربما تصعيد العنف على الأرض”. وفق تعبيره.

وأردف: “يتبلور أمامنا سيناريوهان محتملان: الأول، انهيار عملية التفاوض نتيجة فقدان الثقة وتصاعد نفوذ التيارات المتطرفة داخل حماس”، وفق وصفه.

والثاني، استئناف المحادثات بوساطة مكثفة من الولايات المتحدة ومصر، وربما قطر أيضا، بعد أن تستعيد الأخيرة توازنها إثر الضربة الإسرائيلية في الدوحة.

أداة إستراتيجية

وانتقل الخبير في إدارة المفاوضات للحديث عن دور قطر المحوري في مفاوضات السلام، قائلا: "إنها دولة صغيرة من حيث المساحة والسكان، لكنها غنية بالموارد، وقد نجحت في ترسيخ مكانتها كوسيط رئيس في النزاعات الدولية". 

وذكر أن "حجم مشاركتها في عمليات السلام وحل النزاعات يتجاوز بكثير قدراتها الجغرافية والديمغرافية، وفي العديد من الحالات، أثمرت جهودها عن نتائج ملموسة".

واستطرد أن "المادة السابعة من الدستور القطري تنص صراحة على التزام الدولة بنشر السلام، مما يجعل الوساطة ليس فقط أداة إستراتيجية، بل أيضا واجبا دستوريا ومبدأ أساسيا في سياستها الخارجية".

وفصّل ساعر الدوافع التي تدفع قطر للعب هذا الدور، ويرى أن أبرزها يكمن في "السعي نحو مكانة دولية مرموقة".

وأوضح قائلا: "من خلال الوساطة، تبني قطر لنفسها صورة دولة محبة للسلام ولاعبا عالميا مهما، وبذلك تتجاوز قيود حجمها الجغرافي وقدراتها العسكرية المحدودة".

يتمثل الدافع الثاني في "سعيها لتعزيز الأمن القومي والردع، فقطر تقع بين قوتين إقليميتين كبيرتين؛ السعودية وإيران، وتواجه ضغوطا إقليمية مستمرة".

وهو ما يعني أن "انخراطها في الصراعات يمنحها شبكة أمان؛ حيث تخشى دول عديدة، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة ودول أوروبية، وحتى خصومها العرب، من اتخاذ إجراءات مباشرة ضدها".

علاوة على ذلك، يقدر ساعر أن قطر بتبنيها دور الوساطة "تحافظ على علاقات مزدوجة مع الغرب ومع الحركات الإسلامية".

فإلى جانب علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، بفضل استضافتها لقاعدة العديد العسكرية، تحتفظ قطر أيضا بروابط قوية مع حركات مثل حماس وطالبان الأفغانية.

واستطرد ساعر أن "هذه القدرة على التوازن بين الطرفين تمنحها ميزة فريدة في الساحة الدبلوماسية".

على الصعيد الإقليمي، يرى أن الدوحة تسعى لاكتساب نفوذ في العالم العربي والإسلامي بفضل انخراطها في الوساطات الدولية.

وقال: “تسعى قطر إلى أن تُصور كداعم للقضية الفلسطينية وقضايا الأمة الإسلامية”، مضيفا أن "دورها كوسيط يتيح لها الجمع بين المسؤولية الدولية، وتعزيز شرعيتها أمام الرأي العام العربي".

ويعتقد ساعر أن قطر نجحت بالفعل في تحقيق إنجازات على الساحة الدولية، مبينا أنها "رسخت مكانتها كوسيط دائم على مدى ثلاثة عقود".

واستشهد على ذلك بالقول: "منذ تسعينيات القرن الماضي، لعبت قطر دور الوسيط في أكثر من 15 نزاعا كبيرا".

وعدد أبرز إنجازاتها قائلا: "نجحت قطر في إنهاء الأزمة السياسية في لبنان عبر توقيع اتفاق الدوحة عام 2008، الذي أفضى إلى انتخاب رئيس توافقي".

من الإنجازات الأخرى أيضا، عملية السلام في دارفور عام 2011، التي أسفرت عن اتفاق بين حكومة السودان والمتمردين، والاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان عام 2020، الذي مهد الطريق لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

ومع ذلك، يضيف ساعر بتحفظ: "في بعض ملفات الوساطة، مثل النزاع بين إسرائيل وحماس، والأزمة اليمنية، والمصالحة الفلسطينية، بقيت قطر لاعبا ثابتا، لكنها لم تنجح في التوصل إلى تسوية دائمة". وفق تعبيره.

صورة معقدة 

وفي حديثه عن موقف تل أبيب من الدور القطري، يرسم ساعر صورة معقدة قائلا: "فيما يتعلق بما إذا كان ينبغي لإسرائيل قبول خدمات قطر كوسيط، فالإجابة ليست بسيطة".

وفسر حديثه بالقول: “من جهة، توفر العلاقة مع قطر لإسرائيل قناة غير مباشرة للتواصل مع حماس”.

“كما أن تدخل الدوحة في ضخ الأموال وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة يمنحها تأثيرا مباشرا على حماس، وهو أمر يمكن لإسرائيل الاستفادة منه”.

ويتابع: "من جهة أخرى، يجب أن نتذكر أن قطر دولة إسلامية ترتبط بعمق بالعالم العربي والإسلامي".

وأردف: "من بين سكانها البالغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة (حتى عام 2024)، لا تتجاوز نسبة المواطنين المحليين 10-12 بالمئة، بينما يشكل المسلمون نحو 65-70 بالمئة من عموم الموجودين في البلاد".

وحول تأثير تلك المعطيات على تل أبيب، قال ساعر: "هذه الحقيقة تشكل هوية قطر، وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت قراراتها السياسية ستصب دائما في مصلحة إسرائيل".

ويقدر الخبير التفاوضي أنه "في ظل الظروف المستجدة عقب الضربة القاسية لقيادة حماس، قد تجد إسرائيل نفسها أمام مفترق طرق.

فإما أن تواصل الاعتماد على قطر كوسيط وحيد، أو أن تبحث عن وسطاء بديلين لتوزيع المخاطر والحفاظ على مرونة دبلوماسية.

في هذا السياق، يؤكد ساعر أن إسرائيل لا يمكنها تجاهل تعقيدات الوساطة المعقدة؛ إذ "على الوسيط أن يتحمل الإهانات، ومواجهة الطرق المسدودة، والتعامل مع المشاعر السلبية، وكل ذلك دون الإخلال باستقرار المفاوضات".

في ضوء ذلك، يقدر ساعر أن "إسرائيل تحتاج إلى تحليل نقدي لطبيعة الوسيط ودوافعه وصلاته الجيوسياسية".

ويشير إلى أن "هذا التحليل سيساعد إسرائيل على تحديد متى يكون التعاون مع قطر مصلحة إستراتيجية، ومتى قد يصبح عاملا مقيدا أو ضارا".

و"يمكن لإسرائيل أيضا أن تتعلم كيفية الجمع بين عدة وسطاء، وأحيانا تركيز الجهود مع بعضهم في قضايا معينة شديدة التعقيد".

واستطرد: "في كل الأحوال، نأمل جميعا أن يعود كل أسرانا الأحياء وجثامين القتلى (من غزة) إلى إسرائيل في أسرع وقت ممكن".

واختتم حديثه للصحيفة قائلا: "تطرح الضربة الأخيرة علامة استفهام حول مستقبل مكانة قطر كوسيط، لكن لا خلاف على أنها نجحت حتى الآن في ترسيخ نفسها كواحدة من أهم اللاعبين الدبلوماسيين في المنطقة، وصياغة واقع تفاوضي يتجاوز بكثير وزنها السياسي والعسكري".