"الحلقات الخمس".. إستراتيجية غربية لإنهاك إيران دون إطلاق رصاصة

أي محاولة جديدة للهجوم على إيران ستفشل ما لم تحظ بدعم شعبي داخلي
في خطوة تحمل تبعات سياسية واقتصادية عميقة، أقدمت ثلاث دول أوروبية من أعضاء مجموعة 5+1 على تفعيل إجراءات "آلية الزناد" ضد إيران داخل مجلس الأمن الدولي.
وأظهرت رسالة اطلعت عليها وكالة "رويترز" البريطانية في 28 أغسطس/آب أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا فعّلت عملية إعادة فرض العقوبات على إيران بعد 30 يوما إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج طهران النووي.
ويقدّر موقع "جوان أونلاين" الفارسي أن هذه الخطوة قد لا تُحدث تأثيرات مباشرة على أرض الواقع، لكن أبعادها النفسية والسياسية داخل إيران تعد أكثر أهمية.
إذ يرى أن هذه التحركات الأوروبية تندرج في سياق ما يُعرف بـ"الحرب المركبة" التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ضد إيران.
ويعتقد أن "تفعيل آلية الزناد يأتي كوسيلة لإثارة القلق داخل المجتمع الإيراني، وزعزعة الاستقرار الداخلي، عبر التأثير على المزاج الشعبي وإضعاف التماسك الوطني".
وبحسب الرسالة، ستسعى الدول الثلاث لاستغلال الأيام الثلاثين المقبلة لحل القضايا العالقة مع طهران، حاثة إياها على الانخراط في دبلوماسية بناءة لتبديد المخاوف المرتبطة ببرنامجها النووي.
وقالت الرسالة: إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستواصل مناقشة إيران في عرض تمديد القرار الذي يرسّخ الاتفاق النووي لعام 2015.

هجوم مركب
وينظر الموقع إلى هذه الخطوات بصفتها تطبيقا عمليا لسياسة إسرائيل تجاه إيران، والتي تقوم على "الاستثمار في بؤر التذمر الشعبي واستغلال نقاط التوتر داخل المجتمع الإيراني".
إذ يقدر أن إسرائيل "راهنت في وقت سابق على أن أي تصعيد عسكري سيقابل بتأييد شعبي داخل إيران". إلا أن الحرب التي استمرت 12 يوما خلال يونيو/حزيران 2025 كشفت خلاف ذلك.
إذ اصطدمت حسابات تل أبيب بعدم تجاوب الشارع الإيراني مع مخططاتها، إلى جانب القيادة الحازمة للمرشد الأعلى والقدرات العسكرية الإيرانية، وهو ما أدى إلى "انهيار أركان الهجوم المركب ضد إيران".
وعليه، يدرك صانع القرار الإسرائيلي أن أي محاولة جديدة للهجوم على إيران ستفشل ما لم تحظ بدعم شعبي داخلي، وهو ما يعد شرطا أساسيا لنجاح إستراتيجيتها، بحسب رأيه.
ومع ذلك، يؤكد الموقع أنه "حتى في حال حدوث هذا الدعم، تمتلك الجمهورية الإسلامية من القدرات ما يكفي لردع أي عدوان، ما يجعل تحقيق نصر حاسم أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
في هذا السياق، يرى أن "نهج الأطراف الغربية والإسرائيلية يسعى لاستهداف عنصرين أساسيين في الداخل الإيراني: الوحدة الوطنية والقدرة على الصمود".
وبالتالي، يفسر التحرك الأوروبي الأخير على أنه "محاولة لتحويل هذا الملف إلى قضية خلافية داخل إيران".
"ومن جهة أخرى، يراهنون على الأثر النفسي المترتب عليه، بما يؤدي إلى إنهاك المجتمع وإضعاف مقاومته تجاه الأوضاع الراهنة"، بحسب تقييمه.

الحلقات الخمس
ولتوضيح هذه الإستراتيجية، استند الموقع إلى نموذج "الحلقات الخمس" الذي وضعه الخبير العسكري الأميركي جون واردن، والذي يقدم رؤية توضيحية لكيفية استهداف أي كيان إستراتيجي وإسقاطه من دون إطلاق رصاصة واحدة.
وفقا لهذا النموذج، يُنظر إلى كل كيان إستراتيجي على أنه يتكون من خمس حلقات مترابطة ومتداخلة، يشكل كل منها عنصرا أساسيا في بنية النظام.
العنصر الأول هو حلقة القيادة السياسية والأجهزة الاستخباراتية، القلب النابض للنظام، الذي يشكل مركز التوجيه والهوية ويعد غير قابل للاستبدال.
ويشير واردن إلى أن فقدان هذه الحلقة يعني انهيار النظام أو إحداث تغير جوهري في طبيعته.
أما الحلقة الثانية فتتمثل بالضروريات الحيوية، وتشمل الموارد الأساسية التي تمكن القيادة من العمل، وهي قابلة للاستبدال جزئيا، لكنها تظل حيوية لاستمرار النظام.
وتأتي حلقة البنية التحتية في المرتبة الثالثة، وتشمل الأنظمة والموارد اللازمة لتأمين تدفق الموارد الأساسية وغير الأساسية.
ووفق واردن، يمكن استبدال أجزاء من هذه الحلقة أو حتى التغاضي عن بعضها إلى حد معين.
وفي المرتبة الرابعة، يأتي عنصر المجتمع، أي مكونات الشعب والمؤسسات الاجتماعية، وتُعد أكثر قابلية للفقد مقارنة بالحلقة السابقة، بحسب واردن.
وأخيرا، توجد حلقة الدفاع، وهي التي تحمي النظام من التهديدات الخارجية، وتشمل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

تحريض المجتمع
ويلفت الموقع إلى أنه "وفقا لهذا النموذج، هناك عدة طرق لتدمير كيان إستراتيجي، إما عبر تدمير حلقاته واحدة تلو الأخرى، أو عبر ضرب حلقة القيادة مباشرة، بما يؤدي إلى تعطيل النظام وفقدانه هويته".
وذكر أن “النقطة الجوهرية في هذا النموذج هي أن إسقاط العدو لا يتطلب بالضرورة استهداف منظومته الدفاعية فقط”.
بل يمكن، من خلال بعض التدابير، جعل هذه المنظومة الدفاعية غير فعالة تماما، وفق تقدير واردن.
وأردف: "بعبارة أدق، يتمثل الوضع الأمثل للنموذج في التأثير على مكونات النظام لخلق الظروف التي تمنع آلية دفاعه من العمل".
انطلاقا من هذا النموذج، يفسر الموقع "محاولة تفعيل آلية الزناد على أنها جزء من إستراتيجية تهدف إلى شل قدرة إيران الدفاعية عبر الضغط على المجتمع الداخلي".
ويهدف الغرب من ذلك إلى "خلق حالة من التوتر بين المجتمع والنظام، بحيث تُفرض ظروف تجبر المنظومة الدفاعية على الخضوع والانصياع للضغوط الخارجية".
وهو ما يفتح الباب أمام خيارات أكثر خطورة: إما الاستسلام أو مواجهة هجمات تستهدف باقي الحلقات الحيوية.
وعليه، يشدد على أن "التعامل مع هذه المرحلة يتطلب أقصى درجات الوعي والحذر، مع التركيز على حماية الوحدة الوطنية وتعزيز القدرة على الصمود".