بين الحق السيادي ومخاطر الاحتكار.. ماذا بعد تصدير النفط السوري؟

"إذا أُديرت موارد سوريا بشكل صحيح فقد تشكل ركيزة نحو المصالحة المجتمعية"
في تطور لافت على الساحة السورية، صدّرت الدولة الجديدة مطلع سبتمبر/أيلول، 600 ألف برميل من النفط الخام الثقيل عبر ميناء طرطوس، بموجب اتفاق مع شركة تجارية خاصة (بي سيرف إنرجي).
وتعد هذه الخطوة أول عملية تصدير رسمية للنفط منذ أكثر من 14 عاما؛ إذ صدرت سوريا 380 ألف برميل من هذه المادة يوميا عام 2010، أي قبل عام من بدء الثورة ضد حكم رئيس النظام البائد بشار الأسد، والذي أطيح به نهاية 2024.
ولذلك، رأى مركز "أورسام" التركي لدراسات الشرق الأوسط أن هذه العملية تحظى بأهمية استثنائية اقتصاديا وقانونيا وسياسي، خاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد برئاسة أحمد الشرع.
لكنها تطرح جملة من الأسئلة الجوهرية حول من يملك الحق في موارد سوريا الطبيعية، وكيف سيتم ضبط العائدات المتأتية من بيعها. وفق الكاتب التركي “عبد الله شاهين”.

عنوان للسيادة
فالأمر لا يقتصر على مجرد بيع النفط، بل يتعلق بمسألة السيادة والشرعية: هل ستُستخدم هذه العائدات لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، أم ستُوظف لترسيخ سلطة مجموعة بعينها على حساب بقية القوى المجتمعية والسياسية؟
ولفت الكاتب إلى تجارب دول أخرى مثل العراق عام 2005، أظهرت أن قضية ملكية الموارد وتوزيعها كانت من أعقد الملفات في المراحل الانتقالية.
فقد أُقر في الدستور العراقي بعد ضغط الرأي العام أن النفط ثروة وطنية، ووُضعت قواعد لتوزيع عائداته.
أما في دول مثل ليبيا ولبنان، فقد عُرفت محاولات مشابهة لإيجاد آليات دستورية تنظم هذه المسألة.
لذلك، إلى جانب التأكيد على ملكية الموارد العامة، من الضروري إدراج آلية رقابية أو مبدأ للتوزيع ضمن نص ذي طبيعة دستورية.
وإلا فإن عائدات هذه الموارد قد تُستخدم لمصلحة المجموعة التي تدير المرحلة الانتقالية فعليا. وفق تقديره.
وهو الأمر الذي قد يؤدّي إلى تحول المرحلة الانتقالية – بعكس المتوقع – إلى حكم سلطوي بيد فئة واحدة.
وأردف الكاتب: في سوريا، يُنظم "الإعلان الدستوري" الصادر في مارس/آذار 2025 الإطار القانوني للمرحلة الانتقالية.
ورغم أنه ينص صراحة في مادته السادسة عشرة على أن الموارد العامة مملوكة للشعب، فإنه لا يتضمن أي تفاصيل حول مبادئ توزيع هذه الموارد أو آليات الرقابة عليها.
بل تكتفي المادة الثانية والأربعون بالإشارة إلى أن السلطة التنفيذية – ممثلة برئيس الجمهورية – هي الجهة المخولة باستخدام الموارد وعائداتها بشكل "فعال وشفاف".
وهذه الصياغة العامة تترك الباب مفتوحا أمام غياب الضمانات الفعلية لاستخدام عائدات النفط لصالح الشعب. بحسب الكاتب.

التطورات المحتملة
في المحصلة، يعد تصدير 600 ألف برميل من النفط الخام الثقيل عبر ميناء طرطوس خطوة تبعث على الأمل بالنسبة لسوريا، التي تمر بمرحلة انتقال وإعادة إعمار، وتواجه في الوقت نفسه صعوبات اقتصادية كبيرة.
فهذا النشاط التجاري إيجابي من الناحية الاقتصادية، إلا أن أهميته لا تقتصر على هذا الجانب فحسب، بل تتعداه إلى البعدين القانوني والسياسي، حيث ستطرح في المستقبل قضايا جدلية عديدة.
فمن الناحية القانونية، يبدو أن جهود سوريا منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 للاندماج في المجتمع الدولي بدأت تؤتي ثمارها.
بمعنى آخر، فإن قدرة سوريا على التصرف في مواردها بصفتها حقا سياديا على الساحة الدولية يُعد مؤشرا مشجعا لمستقبلها. وفق الكاتب.
كما يمكن النظر إلى هذه الخطوة كتطور إيجابي في مسار الاعتراف الرسمي بسوريا. غير أن القضايا المتعلقة بملكية الموارد الطبيعية، وكيفية التصرف بها وتوزيع عائداتها، تبقى من أكثر المسائل حساسية في أي مرحلة انتقالية، ودمشق ليست استثناءً في ذلك.
وتابع الكاتب أن الإعلان الدستوري في مارس 2025، ويُتوقع أن يكون نافذا عمليا حتى إقرار دستور جديد، تضمن نصا واضحا يُقر بأن الموارد ملك للشعب.
وعلى الرغم من أن هذه الصياغة تبدو إيجابية للوهلة الأولى، فهي غير كافية؛ إذ إنه كان هناك دساتير أُقرت في عهد الأسد الأب والابن، بما فيها دستور عام 2012، وكانت قد نصّت على الأمر ذاته دون أن ينعكس ذلك فعليا في الممارسة.
فالمسألة الجوهرية ليست مجرد الإقرار بالملكية العامة، بل كيفية إنفاق العائدات، وما إذا كان قد تمّ وضع مبدأ واضح وآلية للرقابة. في هذا الصدد، يظل الإعلان الدستوري قاصرا؛ إذ لم يحدد أي قواعد أو آليات رقابية.
وتابع الكاتب: "قد يُقال إن هذه المسائل ستُنظم لاحقا بشكل تفصيلي في الدستور الجديد المنتظر خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة، لكن في سياق المرحلة الانتقالية السورية، يُعد موضوع عائدات النفط مسألة لا تحتمل التأجيل"؛ إذ إن إرجاء وضع قواعد تنظيمية حتى صدور الدستور قد يؤدي إلى نتائج لا يمكن إصلاحها، مثل حصر عائدات النفط المرتفعة بيد مجموعة واحدة.
بعبارةٍ أخرى، إذا لم تُدَر هذه الموارد خلال المرحلة الانتقالية بشكل عادل وشفاف ومتوافق مع القانون، فإن خطر العودة إلى الحكم السلطوي سيظل قائما، والتجارب السابقة في مراحل انتقالية مشابهة تثبت ذلك. وفق تقديره.
أما إذا أُديرت الموارد بشكل صحيح، فإنها قد تشكل ركيزة أساسية لتحقيق المصالحة المجتمعية والإعمار.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إن نجاح المرحلة الانتقالية السورية لن يقاس فقط بوقف الحرب أو صياغة دستور جديد، بل أيضا بمدى قدرتها على إدارة الموارد العامة بشفافية وعدالة، وتحويل النفط من عامل نزاع إلى ركيزة لإعادة البناء الوطني.