"تهديد خطير".. معهد عبري يحذر من تآكل صورة إسرائيل لدى الشعب الأميركي

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة أزمة غير مسبوقة، مع تآكل واضح في الدعم التقليدي الذي كانت تحظى به، ليس فقط بين الديمقراطيين، بل حتى داخل أوساط الجمهوريين.

كما تشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى تراجع ملحوظ في الدعم وتزايد في الانتقادات الموجهة لإسرائيل في أوساط الجالية اليهودية، خاصة بين التيارات الليبرالية.

وأبدى معهد "دراسات الأمن القومي" العبري تخوفه من أن هذه التحولات “قد تؤثر بشكل كبير على حرية الحركة السياسية والعسكرية لإسرائيل، وتشكل تهديدا فعليا لأمنها القومي”.

تحول تاريخي 

واستهل المعهد تقريره بالتأكيد على أن "إسرائيل، على مدار عقود، حليفا إستراتيجيا مركزيا للولايات المتحدة، حيث تجاوز الدعم لها الانقسامات الحزبية، مستندا إلى مصالح مشتركة وروابط أمنية وقيمية متينة".

واستدرك: "غير أن السنوات الأخيرة، خاصة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، شهدت تحولات متسارعة في المواقف الشعبية والرسمية داخل الولايات المتحدة إزاء إسرائيل".

ورصد المعهد ظهور هذه التحولات بوضوح داخل الحزب الديمقراطي، لكن اللافت، أن التراجع نال أيضا صفوف الجمهوريين، خاصة بين الأجيال الشابة.

وعزا هذا التغيير إلى عوامل متعددة، أبرزها "تبدل أولويات السياسة الداخلية والخارجية الأميركية، إلى جانب حالة الاستياء من السياسات الإسرائيلية الأخيرة واستمرار الحرب في غزة".

ودعم المعهد استنتاجاته بنتائج استطلاع أجراه معهد "غالوب" في يوليو/ تموز 2025؛ حيث أظهرت النتائج أن 32 بالمئة فقط من الأميركيين يدعمون "العمليات العسكرية الإسرائيلية" في غزة، بانخفاض قدره 10 نقاط عن استطلاع مماثل في سبتمبر/ أيلول 2024.

في المقابل، أعرب 60 بالمئة من المستطلعة آراؤهم عن معارضتهم لتلك "العمليات".

ولفت المعهد إلى أن "الاستطلاع أجري عقب انتهاء الحرب مع إيران، وفي ظل مفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن وقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى".

وتابع: "في تلك الفترة، تصدرت وسائل الإعلام الأميركية تقارير عن تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، بما في ذلك حدوث مجاعة وسقوط عدد كبير من الضحايا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية من مراكز توزيع تمولها الولايات المتحدة وإسرائيل".

وأضاف أن "تقارير إعلامية نُشرت في الفترة ذاتها تحدثت عن اعتداءات نفذها متطرفون يهود ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، شملت مقتل مواطن أميركي".

ويرى المعهد أن "نتائج الاستطلاع كشفت النتائج عن فجوة حزبية عميقة؛ حيث عبر 8 بالمئة فقط من الديمقراطيين عن تأييدهم للعمليات الإسرائيلية، مقابل 71 بالمئة من الجمهوريين و25 بالمئة من المستقلين".

لكن الأكثر إثارة للقلق -بحسب المعهد- هو تراجع الدعم بوضوح بين الشباب (18-34 عاما)، إذ أعرب 9 بالمئة فقط من جميع المشاركين، بمن فيهم الجمهوريون، عن دعمهم للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

تعميق الفجوة

كما أشار المعهد العبري إلى أن استطلاعات رأي أخرى تؤكد على ذات النتائج.

ففي أبريل/ نيسان 2025، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 53 بالمئة من الأميركيين أعربوا عن رأي سلبي تجاه إسرائيل، بزيادة قدرها 10 نقاط مئوية عن استطلاع أجري في يناير/ كانون الثاني 2024.

ونوه المعهد إلى أن "هذه الزيادة في المشاعر السلبية برزت بشكل خاص بين الديمقراطيين الأكبر سنا والجمهوريين الأصغر سنا".

في الوقت ذاته، ذكر أن "الآراء انقسمت حول إسرائيل بين الجمهوريين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما بالتساوي، حيث أعرب بعضهم عن مشاعر إيجابية وبعضهم الآخر عن مشاعر سلبية تجاه الدولة اليهودية".

وعقب المعهد العبري على هذه الاستطلاعات قائلا: "هذه النتائج تعكس تحولا تاريخيا عميقا".

وتابع: "فبينما كانت إسرائيل تحظى سابقا بدعم متوازن نسبيا من الحزبين، فإن الفجوة خلال الربع قرن الأخير اتسعت على نحو غير مسبوق".

ويقدر التقرير أن "هذه البيانات لا تعكس تحولا أيديولوجيا داخل كل حزب فحسب، بل تعكس أيضا تسييسا متزايدا للقضية الإسرائيلية الفلسطينية؛ حيث تحول الموقف من إسرائيل من مسألة إجماع وطني إلى قضية حزبية".

ويرى أنه "خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، ازدادت حدة الاستقطاب؛ إذ ربطت بعض الأجنحة التقدمية في الحزب الديمقراطي دعمها الفلسطينيين بحركات اجتماعية واسعة مثل (حياة السود مهمة)".

أما خلال الحرب الحالية، فيعتقد أنه "رغم دعم إدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل، فإن الانتقادات الموجهة لها بسبب استهداف المدنيين في غزة ساهمت في تآكل دعمها داخل صفوف الديمقراطيين".

ويبدو أن الوضع يزداد سوءا، حيث نوه المعهد إلى أن "نتائج استطلاعات الرأي تشير بوضوح إلى أن الدعم بين الجمهوريين، خاصة بين الشباب، يشهد اليوم، ولأول مرة منذ سنوات، تراجعا ملحوظا".

وهو ما عده المعهد دليلا على أن "تداعيات حرب غزة لا تزال تؤثر في الرأي العام الأميركي، رغم تغير الإدارة".

ووفقا له، يتجلى هذا بوضوح في فئات ثلاث، فداخل الحزب الديمقراطي، تتزايد الأصوات المطالبة بربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بشروط إنسانية.

وبين الإنجيليين الشباب، فيعتقد المعهد أن "الصور القادمة من غزة أدت إلى تعميق الفجوة بينهم وبين الخطاب التقليدي لقياداتهم الدينية".

وأضاف أن "التأثير امتد لينال حتى تيار اليمين الشعبوي وأنصار حركة (ماغا)، حيث تصاعد النقاش حول جدوى الدعم غير المشروط لإسرائيل".

الحزب الديمقراطي  

كذلك رصد المعهد التغيرات داخل أوساط الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل.

وقال: "رغم تراجع التأييد الشعبي لإسرائيل، خاصة بين مؤيدي الحزب الديمقراطي، فإن إدارة بايدن قدمت دعما واسعا لإسرائيل، شمل مساعدات طارئة بمليارات الدولارات، وتسليحا متقدما، ودعما دبلوماسيا في الأمم المتحدة، وتعاونا عسكريا مباشرا ضد إيران وحزب الله". 

ومع ذلك، أشار المعهد إلى أن "انخفاض التأييد داخل قاعدة الحزب الديمقراطي، بدأ ينعكس على قيادة الحزب نفسها".

واستدل على ذلك بالقول: "ففي يوليو 2025، طالب 40 سيناتورا ديمقراطيا باستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار، وانتقدوا سياسات إدارة ترامب في المجال الإنساني".

وأردف: "وبعد أيام، أيد أغلب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ مقترحات رمزية قدمها السيناتور بيرني ساندرز لتقييد بيع الأسلحة لإسرائيل".

كما دعا جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي السابق لبايدن، الديمقراطيين في الكونغرس للتصويت ضد نقل أسلحة لإسرائيل.

ولفت التقرير إلى أن "سلوك الحكومة الإسرائيلية يؤثر بشكل مباشر على تراجع الدعم، ليس فقط بسبب الحرب في غزة، بل أيضا بسبب الشعور بفجوات متزايدة في القيم المشتركة، خاصة المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان".

“هذا فضلا عن اعتقاد يسود داخل أروقة الحزب الديمقراطي بأن الحكومة الإسرائيلية تخلت عن مبدأ التوافق الحزبي الأميركي، وفضلت التقارب مع الجمهوريين”. وفق تقييم المعهد.

إضافة إلى ما سبق، برزت عوامل أخرى أيضا أدت إلى تراجع الدعم بين صفوف الديمقراطيين، فوفق التقرير، يتهم العديد من الديمقراطيين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإطالة أمد الحرب للحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي. 

كما أوضح أن الأوساط الديمقراطية "تعارض نية الحكومة الإسرائيلية نقل السكان الفلسطينيين من قطاع غزة وضم القطاع".

وأضاف أن "الديمقراطيين ينظرون كذلك إلى الممارسات الإسرائيلية في غزة بصفتها جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي، خاصة مع فرضها قيود صارمة على إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، واستخدام القوة ضد المدنيين".

كذلك ينتقد الديمقراطيون إسرائيل لـ"تساهلها مع اعتداءات المتطرفين اليهود على الفلسطينيين في الضفة الغربية"، حسب التقرير.

الجمهوري واليهود

وانتقل المعهد للحديث عن تراجع تأييد إسرائيل داخل الحزب الجمهوري.

وقال: "يواصل ترامب تقديم دعم قوي لإسرائيل، عسكريا وسياسيا، دون ممارسة ضغط حقيقي لإنهاء الحرب في غزة، مع التركيز على توسيع (اتفاقيات إبراهيم) كجزء من رؤية إقليمية جديدة".

ويرى المعهد أن هذا الدعم "تجلى في قرار ترامب مهاجمة منشآت نووية إيرانية في يونيو/ حزيران 2025، كخطوة حاسمة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران".

واستدرك: "لكن في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر مؤشرات على تراجع التأييد، خاصة بين الشباب المحافظين الذين يتبنون خطاب (أميركا أولا)، إذ يشككون في جدوى المساعدات الخارجية، بما فيها تلك المقدمة لإسرائيل".

وبحسب المعهد، ظهر ذلك بوضوح في "تحذير عدد من الشخصيات المؤثرة، مثل تاكر كارلسون وستيف بانون وتشارلي كيرك، من تأثير جماعة (أيباك) في دفع الولايات المتحدة إلى صراعات عسكرية نيابة عن إسرائيل".

واستطرد: "وفي حين تظل غالبية قيادات الحزب الجمهوري داعمة لإسرائيل، انضم بعض أعضاء الكونغرس مثل مارجوري تايلور غرين خيرا إلى موجة الانتقادات، متهمة إسرائيل بـ (ارتكاب إبادة جماعية) في غزة".

وعقب المعهد على هذا التغيير قائلا: "هذه الديناميكية تخلق فجوة بين القيادة الرسمية للحزب، التي تواصل دعم إسرائيل بقوة، وبين الجمهور الأصغر نسبيا الذي يشترط أن تعمل إسرائيل بما يخدم المصالح الأميركية المباشرة".

وحذر من أن "تراجع دعم إسرائيل بين الجمهوريين الشباب، بمن فيهم الإنجيليون، يشكل ضغطا على قيادة الحزب، التي باتت تُدرك التحول في الرأي العام الداخلي".

وحول التغيرات في موقف يهود أميركا تجاه إسرائيل، قال المعهد: "رغم ندرة الاستطلاعات الدقيقة حول موقفهم من الحرب، فإن استطلاعا أجراه مركز معلومات الناخبين اليهود أظهر أن شعور الارتباط بإسرائيل ارتفع إلى 82 بالمئة بعد هجوم حماس، لكنه بعد ذلك عاد إلى مستواه السابق عند 69 بالمئة".

ورغم أن المنظمات اليهودية الكبرى مثل الاتحادات الرئيسة، ومنظمة يهود أميركا الشمالية (JFNA)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، تجنبوا انتقاد سلوك الحرب علنا.

إلا أن الجناح الليبرالي، بقيادة حركة الإصلاح اليهودية، أصدر بيانا شديد اللهجة في يوليو 2025، أدان فيه (المجاعة الواسعة التي يعاني منها آلاف الفلسطينيين في غزة)، واصفا منع الغذاء والماء والدواء، خصوصا للأطفال، بأنه (غير مبرر إطلاقا)، وفق المعهد الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، أشار إلى أن "قرار المجلس السياسي الأمني المصغر ​​بتوسيع نطاق القتال واحتلال مدينة غزة، دفع اللجنة اليهودية الأميركية -وهي منظمة معتدلة ومؤثرة- إلى إصدار تحذير غير مألوف من (مخاطر جسيمة) على وضع الرهائن وحياة المدنيين من كلا الجانبين".

وحسب التقرير، يحذر قادة يهود، من (أزمة غير مسبوقة) في مكانة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، ما دفع اتحاد نيويورك اليهودي إلى تخصيص مليون دولار لـ (المنتدى الإسرائيلي للمساعدات الإنسانية الدولية) لتقديم مساعدات إنسانية في غزة.

تهديد حقيقي 

وخلص المعهد إلى أن "إسرائيل تواجه أزمة غير مسبوقة في مكانتها داخل الولايات المتحدة".

وحذر من أنه "بينما لا تزال بعض قاعدة الدعم التقليدية، وخاصة بين الجمهوريين الأكبر سنا، مستقرة، فإن تآكل الدعم بين الديمقراطيين والمستقلين، وحتى بعض الجمهوريين، يثير علامات تحذير خطيرة".

وانتقد المعهد تعويل نتنياهو على ترامب: "في ظل هذا الواقع، تزداد تبعية إسرائيل لترامب، الذي يُنظر إليه على أنه غير متوقع، ويقود حزبا يبدو أنه يسيطر عليه ظاهريا، لكنه يشهد داخليا تصاعدا في الانتقادات تجاه سياسات إسرائيل وحجم الدعم الأميركي لها".

ورأى أن هذه التحولات "لا تعكس فقط اعتراضا على الأداء العسكري والسياسي الإسرائيلي، بل تشير إلى تغيرات أعمق في القيم والأولويات داخل المجتمع الأميركي".

وجدد التقرير تحذيره من خطورة هذا الوضع الراهن على إسرائيل، قائلا: "إن تراجع التضامن الحزبي مع إسرائيل قد يضر بقدراتها الإستراتيجية والعملياتية، ويحد من مرونتها السياسية، ويتركها عرضة للتحديات الإقليمية".

لذلك، يقدر أن "تآكل الدعم في الولايات المتحدة ليس مجرد قضية سياسية، بل هو تهديد حقيقي لأٰمن إسرائيل".ٰ

بناء على ذلك، يرى المعهد أن إسرائيل "تحتاج لصياغة إستراتيجية متكاملة لوقف هذا التدهور وضمان صمودها الدبلوماسي والإستراتيجي في المستقبل".

ونوه إلى أن "أي إستراتيجية إعلامية لا ترتبط بسياسات فعلية وشفافة لن تكون كافية لعكس الاتجاهات الحالية".

وشدد المعهد على أنه "من دون خطوات ملموسة لإنهاء الحرب في غزة، ستواجه إسرائيل صعوبة كبيرة في استعادة مكانتها لدى الرأي العام الأميركي والقيادات السياسية".

وتوقع أن "تكون عملية استعادة الدعم الأميركي لإسرائيل عملية طويلة الأمد، لكن لا يزال لإسرائيل حلفاء مهمون، من اليهود الأميركيين وكبار السن والمسيحيين الإنجيليين والمحافظين".

وللاستفادة من هذه القاعدة واستعادة الدعم الثنائي الحزبي، اقترح المعهد على إسرائيل تنفيذ الخطوات التالية. 

وتكمن الخطوة الأولى في تقديم خطة واضحة للمجتمع الأميركي والإدارة الحالية، تشمل أهدافا محددة، وجداول زمنية ومعالم واضحة، تؤكد نيتها إنهاء إبادة غزة بدلا من إدامتها.

أما الخطوة الثانية، بحسب معهد دراسات الأمن القومي، فهي السماح بدخول واسع للمساعدات الإنسانية، وإعادة إنشاء قنوات الحوار المباشرة مع قيادة الحزب الديمقراطي، وزيادة الاتصالات مع المجتمعات اليهودية والمجتمعات التقدمية والمجموعات الطلابية.

وأخيرا، أوصى المعهد إسرائيل بـ"إظهار استعدادها للدفع بخطوات سياسية مثل دعم السلطة الفلسطينية والمشاركة في عملية إقليمية برعاية أميركية، كدليل على التزامها بإيجاد حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، بدلا من الاكتفاء بإدارة الصراع".