أسطول عالمي ضخم يحاول كسر حصار غزة.. كيف تستعد إسرائيل لمواجهته؟

خالد كريزم | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على عكس المحاولات السابقة التي اعتمدت على سفن منفردة، يراهن "أسطول الصمود العالمي" على الوصول إلى قطاع غزة وكسر الحصار عنه من خلال إطلاق عشرات القوارب البحرية دفعة واحدة.

ومن ميناء برشلونة الإسباني، انطلقت نحو 20 سفينة ضمن الأسطول في 31 أغسطس/آب، على أن تتبعها سفن من تونس ودول أخرى مطلة على البحر الأبيض المتوسط في 4 سبتمبر/أيلول، إضافة إلى تظاهرات و"نشاطات متزامنة" في 44 دولة.

تفاصيل الأسطول

ينطلق الأسطول تحت شعار "بينما يبقى العالم صامتا، نحن نُبحر"، ويهدف إلى محاولة "لكسر الحصار غير القانوني" الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة الذي يتعرض منذ 23 شهرا لعدوان مدمر.

كما يهدف إلى إيصال مساعدات إنسانية وإعلان فتح ممر إنساني ثم جلب مزيد من المواد الإغاثية، وبالتالي كسر الحصار وإنهاء عملية التجويع الإسرائيلية.

ومنذ الثاني من مارس/آذار 2025، أغلقت إسرائيل جميع معابر قطاع غزة ومنعت المساعدات، ما أدخل السكان في حالة مجاعة شديدة، فقد على إثرها العشرات من الفلسطينيين حياتهم.

يتكون الأسطول من اتحاد أسطول الحرية، وحركة غزة العالمية، وقافلة الصمود، ومنظمة "صمود نوسانتارا" الماليزية، ويصف نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه منظمة "مستقلة" و"غير تابعة لأي حكومة أو حزب سياسي".

وانطلق أكثر من 300 ناشط من برشلونة، لكن يتوقع أن يصل العدد الكلي إلى الآلاف مع مشاركة من دول أخرى. ويتوقع أن يتراوح عدد السفن الكلي بين 50 و70.

ومن بين المنطلقين من المدينة الإسبانية، الناشطة السويدية المعروفة دوليا غريتا ثونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام، والممثل الإسباني إدواردو فرنانديز.

وهذا بالإضافة إلى برلمانيين أوروبيين مثل النائبة البرتغالية اليسارية ماريانا مورتاغوا وشخصيات مثل رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو. 

كما سافر أربعة نواب أتراك إلى تونس للمشاركة في الأسطول من أحزاب السعادة (نائبان)، والمستقبل الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، إضافة إلى حزب الدعوة الحرة (إسلامي كردي).

وقالت الناشطة السويدية ثونبرغ التي شاركت في رحلة سابقة (على متن السفينة مادلين) إلى غزة خلال العدوان وجرى ترحيلها من إسرائيل: إنّ هذه المهمة تاريخية وتختلف عن سابقاتها؛ لأنّ "لدينا الآن المزيد من السفن، وعددنا أكبر".

ولفتت في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أنه "يقع على عاتق حكوماتنا ومسؤولينا المنتخبين العمل والسعي للدفاع عن القانون الدولي، ومنع جرائم الحرب والإبادة الجماعية، لكنهم يفشلون في ذلك، وبذلك يخونون الفلسطينيين، بل البشرية جمعاء".

وتابعت ثونبرغ (22 عاما): "للأسف، الأمر متروك لنا- نحن المواطنين العاديين- لتنظيم هذا الأسطول". وأضافت "السؤال اليوم ليس لماذا نُبحر... القصة هنا تتعلق بفلسطين وببقاء العالم صامتا في حين يحرم الناس عمدا من أهم وسائل البقاء (الغذاء)".

من جانبه، قال الناشط البرازيلي تياغو أفيلا من برشلونة: "ستكون هذه أكبر مهمة تضامنية في التاريخ"؛ إذ "سيشارك فيها عدد أكبر من الأشخاص والسفن يفوق كل محاولات الوصول إلى غزة".

بدوره، أوضح الممثل الإسباني إدواردو فرنانديز في مؤتمر صحفي قبل الانطلاق: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن غزة مرآة تعكسنا جميعا"، مبينا أن كل سفينة تنطلق إلى القطاع تعد صرخة لكرامة الإنسان.

وأكد أن مهمة أسطول الصمود العالمي لا تشكل تهديدا لأحد، وإنما فعل إنساني ضد الوحشية، مضيفا: "الصمت قاتل كالقنابل ويعني الشراكة في الجريمة".

وفي تونس، تجرى استعدادات لوضع اللمسات الأخيرة على جل السفن التي ستبحر إلى غزة، ضمن الأسطول العالمي والتي يقدر عددها بسبعة قوارب.

ويتوقع أن تصل سفن برشلونة إلى المياه الإقليمية التونسية ثم تنطلق نحو غزة وتصل إلى المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة في 11 سبتمبر.

تكرار المحاولة

وهذه ليست المرة الأولى خلال العدوان الإسرائيلي المستمر، التي تبحر فيها سفن دولية لمحاولة كسر الحصار عن غزة، لكنه الأسطول الأضخم حتى الآن.

ففي يوليو/ تموز 2025، أبحرت سفينة تحمل اسم "حنظلة" من ميناء سيراكوزا الإيطالي، لكن قوات البحرية الإسرائيلية اقتحمتها واعتقلت 21 ناشطا كانوا على متنها ورحلتهم إلى بلدانهم.

وقبلها بشهر، استولى الاحتلال في 9 يونيو/ حزيران، على السفينة "مادلين" ضمن "أسطول الحرية" من المياه الدولية، بينما كانت في طريقها إلى القطاع المحاصر لنقل مساعدات إنسانية، واعتقل 12 ناشطا دوليا كانوا على متنها، ولاحقا رحلتهم إسرائيل شرط التعهد بعدم العودة إليها.

وأيضا قبلها سفينة "الضمير" لكسر الحصار عن غزة، التي تعرّضت لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية في الثاني من مايو/ أيار من نفس العام، أثناء محاولتها الإبحار نحو غزة، ما تسبب في ثقب بهيكلها واندلاع حريق في مقدمتها.

وقال نبيل الشنوفي الناطق الرسمي باسم قافلة الصمود وعضو الهيئة التسييرية لأسطول الصمود المغاربي: إن الأسطول الحالي يتميز بعدد السفن الكبير الذي يصل إلى 60 سفينة، على عكس المحاولات السابقة التي لم تتجاوز 3 قوارب.

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" أن ما يُميّزه أيضا عدد الجنسيات والدول المشاركة من تونس وإسبانيا وإيطاليا وتركيا وإندونيسيا وأغلب الدول الأوروبية وغيرها، إضافة إلى أنه يحمل شخصيات معروفة مثل الدبلوماسيين والبرلمانيين والفنانين والمؤثرين.

وذكر أن الأسطول مبادرة ترمي للضغط على الكيان وإحراجه دبلوماسيا أمام العالم، وتوسيع دائرة التنسيق بشأن المبادرات الدولية التي تحيد الاحتلال وتجبره على إنهاء العدوان وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامة دولته المستقلة.

وفي حال عدم التمكن من الوصول إلى غزة، أوضح الشنوفي أن الخطة ستكون الذهاب إلى أقرب دولة محاذية للقطاع مثل لبنان ثم معاودة الخروج، مضيفا: “وإذا جرى اعتراضنا فسنعاود الكرة وننطلق في أسطول جديد أو نبتكر مبادرة جديدة".

وواصل القول: “لن نكل ولن نملّ من المحاولة حتى ينهي الكيان عدوانه على غزة، وهناك العديد من الأفكار التي تراودنا سنتركها مفاجأة للكيان إذا جرى اقتحام السفن واعتقالنا”.

وتوقع الشنوفي أن يعمد الاحتلال إلى استهداف بعض القوارب لدفع البقية نحو التراجع، أو أن يسعى لاعتقال الناشطين على متنها.

وكان عمال ميناء "جنوة" الإيطالي هددوا في الثاني من سبتمبر بفرض حصار كامل على البضائع المتجهة إلى إسرائيل، حال فقدان الاتصال بالسفن المشاركة في “أسطول الصمود”، حتى لو لمدة 20 دقيقة، أو إذا جرى منعهم من الوصول إلى وجهتهم.

وقال العمال، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الإيطالية: إن الممر الإنساني يهدف إلى إيصال المساعدات للسكان تحت القصف، مؤكدين أن الأولوية القصوى هي عودة الناشطين بسلام؛ “لأن كل شحنة غذائية تمثل حقًا للشعب الفلسطيني”. 

وأوضحت التقارير الإيطالية أن ميناء جنوة يشحن سنويًا نحو 13 إلى 14 ألف حاوية إلى "إسرائيل"، لكن النقابات العمالية أكدت أن أي شحنة لن تغادر الميناء حتى يتم ضمان وصول الأسطول بسلام، ملوّحة بإمكانية إطلاق إضراب دولي وقطع الطرق لدعم موقفها. 

وكان عمال الميناء قد نظموا في يونيو 2025 اعتصامًا بدعم من النقابة العمالية، وأكدوا خلاله أنهم لن يحملوا أي سفينة إسرائيلية بالأسلحة، في ما وصفته صحيفة"إل مانيفيستو" بأنه حظر سلمي ضد المجازر في غزة.

إسرائيل تستعد

وتستعد إسرائيل حاليا لإيقاف هذا الأسطول الكبير وتناقش آليات منعه من الوصول إلى قطاع غزة، ومعاقبة المشاركين فيه بمعاملتهم مثل الأسرى الفلسطينيين الأمنيين بسجون الاحتلال.

وفي 31 أغسطس، عُقد اجتماع مصغر في المقر الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس لمناقشة الإستراتيجية العملياتية ضد المشاركين في الأسطول، وذلك بمشاركة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وأفراد من الأمن.

اقترح بن غفير على نتنياهو إجراءات أكثر صرامة كجزء من إستراتيجية ردع لمنع أساطيل السفن في المستقبل، وفق ما قالت “وكالة أنباء اليهود” الإسرائيلية (JNS).

ووُضعت هذه الإستراتيجية، بحسب الوكالة، في اجتماع تحضيري استضافه بن غفير في 28 أغسطس مع كبار مسؤولي الشرطة ومصلحة السجون.

تشمل الإستراتيجية “احتجاز الناشطين في ظروف تُشبه ظروف الإرهابيين في سجني كتسيعوت (النقب الصحراوي للرجال) ودامون (للنساء)”.

وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم": إن تلك الظروف تشمل ألا يكون لدى المحتجزين تلفزيون أو راديو، وألا تُقدم لهم وجبات عالية الجودة، مع احتجاز مطول بدلا من مجرد ليلة واحدة.

وأضافت مطلع سبتمبر: “أساس الاحتجاز في هذه الظروف سيكون انتهاك الناشطين منطقة عسكرية محظورة، بالإضافة إلى رفعهم صور إرهابيين (فلسطينيين) وارتباطهم بجماعات إرهابية”. وفق زعمها.

بالإضافة إلى ذلك، وبموجب الاقتراح، ستصادر إسرائيل السفن وتُحولها إلى أصول شرطية لإنشاء قوة بحرية لعمليات الشرطة. وقد أظهر تقييم قضائي بالفعل أنه سيسمح بمصادرة هذه الأنواع من القوارب.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من بن غفير قولها: إن التعامل "اللطيف" مع أساطيل الاحتجاج السابقة لم يردع الناشطين عن محاولة أخرى. 

وأضافت المصادر أنه في حال الموافقة على الإستراتيجية، "فبعد أسابيع من سجنهم في كتسيعوت ودامون، سيندمون على الوقت الذي وصلوا فيه إلى هنا. يجب أن نقضي على رغبتهم في محاولة أخرى".

وكان متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوكالة أنباء اليهود الإسرائيلية في 11 أغسطس أنهم "ينفذون حصارا بحريا أمنيا ​​على قطاع غزة، ونحن مستعدون لمجموعة واسعة من السيناريوهات، وسنتصرف وفقًا لتوجيهات القيادة السياسية".

وأصدر الجيش في 12 يوليو 2025، أمرا عسكريا يقضي بإغلاق بحر قطاع غزة بشكل كامل، كما أنه يفرض حصارا عليه ويمنع دخول السفن التضامنية منذ سنوات.

ويأتي انطلاق الأسطول في الوقت الذي صعّدت فيه إسرائيل هجومها على غزة، وتستعد لاحتلال المدينة المكتظة بالسكان في الجزء الشمالي من القطاع. 

وفي إطار استعداداتها، تخطط تل أبيب لإبطاء أو وقف وصول المساعدات الإنسانية القليلة بالأساس إلى المنطقة الشمالية من أجل دفع السكان نحو المناطق الجنوبية تمهيدا لاحتلال القطاع وتهجير السكان، وفقًا لما صرّح به مسؤولون إسرائيليون وكشفته تقارير عبرية خلال الأسابيع الماضية.