الاتفاق الأمني المحتمل بين إسرائيل وسوريا.. لماذا يثير انتقادات في تل أبيب؟

"الشرع لا يرغب في السلام أو التطبيع مع إسرائيل وإن كان لا يستبعد ذلك مستقبلا"
منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024، ترد تقارير بين حين وآخر عن احتمال عقد اتفاق بين إسرائيل والإدارة الجديدة في دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
وفي ضوء تحليلات المستوى الإعلامي في تل أبيب، تزعم صحيفة "معاريف" أن هذا الاتفاق يصب في مصلحة دمشق، ويحمل تداعيات سلبية محتملة على إسرائيل، وكذلك الطائفة الدرزية (المدعومة من تل أبيب) جنوبي سوريا.

انسحاب إسرائيلي
وأشارت الصحيفة إلى أنه "ليس من قبيل الصدفة أن تتسم المحادثات الجارية حاليا بين إسرائيل وسوريا بالسرية وعدم توفر معلومات دقيقة حول تفاصيلها".
وذكرت أن "ما ظهر حتى الآن من تسريبات، لا يبعث على التفاؤل إطلاقا فالاتفاق (المحتمل) في حد ذاته يشكل سابقة خطيرة؛ إذ لا يتعلق باتفاق سلام أو تطبيع".
وأضافت: "أفاد مدير عام قناة سكاي نيوز عربية نديم قطيش، في لقاء (خلال أغسطس/آب 2025) مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بأن الأمر يتعلق باتفاق أمني فقط"؛ إذ أكد أن "الشرع لا يرغب في السلام أو التطبيع مع إسرائيل، وإن كان لا يستبعد ذلك في المستقبل (حال وجود مصلحة لسوريا)".
علاوة على ذلك، من الواضح -وفقا للصحيفة- أن "أي اتفاق مستقبلي سيضع شرطا سوريا لا مفر منه، وهو استعادة هضبة الجولان، كما طالب النظام السابق".
وأردفت: "من الصعب تصديق أن القائد الذي يُطلق على نفسه لقب الجولاني، والذي طُرد والداه من الجولان خلال حرب يونيو/ حزيران 1967، سيتخلى عن هذا المطلب، إلا إذا اشترطت الإدارة الأميركية ذلك كشرط لرفع العقوبات، وهو أمر لم يحدث للأسف".
واستطردت: "وفقا للمقابلة التي أجراها قطيش، يركز الشرع حاليا على اتفاق يضمن وحدة سوريا تحت سلطته، ويمنع تقسيمها إلى مناطق حكم ذاتي طائفي، ويحول بشكل أساسي دون تدخل إسرائيل في شؤونها الداخلية".
وأوضحت الصحيفة العبرية أن "الاتفاق المنتظر يتضمن إعادة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار (فض الاشتباك) المبرم في مايو/ أيار 1974، عقب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973".
وهو ما يعني عمليا انسحاب إسرائيل من جبل الشيخ ومنطقة القنيطرة، الأراضي التي سيطرت عليها بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وانتقدت "معاريف" اللقاء الذي عُقِد في باريس خلال أغسطس بوساطة أميركية بين وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني؛ إذ تقدر أن "مجرد إجراء مفاوضات بين إسرائيل ومسؤول رفيع في حكومة دمشق يُعد اعترافا ضمنيا بنظام يحمل طابعا إشكاليا للغاية"، وفق وصفها.
وأشارت إلى أن "الحكومة السورية الحالية -التي تضم عناصر جهادية سابقة- تورطت في ارتكاب مجازر مروعة بحق الطائفتين العلوية والدرزية خلال الأشهر الستة الأولى من توليها السلطة". بحسب زعمها.

غير ضروري
وتعتقد الصحيفة العبرية أن ما تطلبه سوريا هو توقيع اتفاق غير ضروري إطلاقا لتل أبيب. وعزت ذلك إلى أن “وقف إطلاق النار قائم بالفعل على الأرض، ولا توجد نية أو قدرة لدى الجيش السوري الضعيف الذي يبدو أقرب إلى مجموعة مليشيات عشوائية، لشن هجوم على إسرائيل”. وفق تعبيرها.
في هذا السياق، تُذكّر أن إسرائيل “هي من خرقت وقف إطلاق النار في ديسمبر 2024 عندما اجتاحت الأراضي السورية واستهدفت مستودعات أسلحة تابعة لجيش الأسد السابق”.
كما أنها هددت مؤسسات النظام في دمشق قبل نحو شهرين، أثناء وقوع مجزرة بحق الدروز، بحسب وصفها، وذلك في إشارة إلى دخول إدارة الشرع إلى محافظة السويداء لفضّ اشتباكات محلية، ما أعقبها عدوان إسرائيلي سافر على العاصمة.
"بمعنى آخر، إسرائيل لا تكسب شيئا من هذا الاتفاق، بل تُجبر عمليا على التراجع إلى خطوط ما قبل ديسمبر 2024"، تقول الصحيفة.
وتساءلت: "ما الذي تغير فعليا في سوريا منذ ذلك الحين؟ فالسبب الذي دفع إسرائيل للسيطرة على تلك المناطق قبل نحو نصف عام ما زال قائما".
ولفتت إلى أن "ديكتاتورية بشار الأسد استبدلت بحكم خطير تقوده جماعات إرهابية وتنظيمات جهادية، قد تصل إلى حدود الجولان حتى بعد توقيع الاتفاق وانسحاب الجيش الإسرائيلي"، وفق تعبيرها.
وترى أنه "عندما تتحدث إسرائيل عن نزع السلاح جنوب دمشق كما ورد في تسريبات الاتفاق المرتقب، فإن ذلك يعد توقيعا غير ضروري على واقع قائم بالفعل"؛ "إذ لا يملك جيش الشرع دبابات أو صواريخ، بل فقط شاحنات دفع رباعي وأسلحة خفيفة وربما بعض المروحيات"، كما أوضحت الصحيفة.
وأردفت: "مع ذلك، يصرح الشرع مرارا وتكرار عن رغبته في سوريا موحدة، ويعارض بشدة فكرة الحكم الذاتي للطائفة الدرزية في محافظة السويداء جنوب البلاد". هذا يعني -وفق الصحيفة- أنه سيكون مضطرا بالضرورة إلى نشر قواته جنوب دمشق.
ورغم أن الاتفاق سيمنعه من إدخال أسلحة ثقيلة لا يملكها أساسا، فإنه يستطيع فرض سيطرته باستخدام الخفيفة منها وعدد كبير من المقاتلين، وفق تقديرها.
وهنا تكمن المشكلة؛ إذ تخشى تل أبيب أنه "إذا عادت مجازر النظام وحلفائه من البدو ضد الدروز كما هو متوقع بشدة، فإن يدي إسرائيل ستكونان مكبلتين بفعل اتفاق ترعاه الولايات المتحدة". وفق تعبير الصحيفة.
من زاوية أخرى، زعمت "وجود تسريبات تشير إلى بند يمنع تركيا من المساهمة في بناء الجيش السوري الجديد". وعقبت قائلة: "رغم أهمية هذا البند نظريا، إلا أنه من السهل الالتفاف عليه، ويصعب تطبيقه فعليا".
وفسرت ذلك بالقول: "الجيش الجديد الذي يعتزم الشرع تشكيله سيتمكن من شراء أسلحة ثقيلة، ليس من تركيا مباشرة، بل عبر طرف ثالث أو من دولة أخرى، بحجة أنه يحتاجها لأغراض داخلية ولتعزيز سلطته داخل البلاد".
"كما كشفت التسريبات أن الاتفاق الأمني قد يتضمن بندا لإبعاد إيران عن سوريا، وهو أيضا لا يحمل أي قيمة عملية". بحسب وجهة نظرها؛ إذ ترى أن "الوضع الميداني لا يستدعي اتفاقا بهذا الخصوص، فنظام دمشق يعد عدوا لدودا للمحور الإيراني منذ بداية الحرب (اندلاع الثورة) في 2011".
فقد كان تنظيم "جبهة النصرة" بقيادة الشرع رأس الحربة في القتال ضد نظام الأسد وحلفائه، وعلى رأسهم حزب الله والمليشيات الموالية لإيران.
وبالتالي، تقدر "معاريف" أنه "لا حاجة فعلية لتوقيع اتفاق حول هذا البند؛ لأنه يمثل مصلحة إستراتيجية للنظام السوري ولا علاقة له بالترتيبات مع إسرائيل".
وأضافت: "في حالة الشرع، فإن عدو عدوي ليس بالضرورة صديقي، بل على العكس، قد يُقيد الاتفاق يد إسرائيل إذا ما ظهر عنصر إرهابي تابع لإيران في قلب سوريا بعد توقيعه".

سابقة خطيرة
وما يثير قلق الصحيفة العبرية أكثر من أي شيء آخر في الاتفاق المرتقب بين إسرائيل وسوريا هو أنه قد يشكل سابقة إقليمية بالغة الإشكالية، تنهي فعليا "مسار السلام" بين تل أبيب والعالم العربي.
وتابعت: "حتى الآن، وُقعت اتفاقيات سلام رسمية مع مصر عام 1979 ومع الأردن عام 1994، إلى جانب اتفاقيات تطبيع ضمن (اتفاقيات إبراهيم) مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب عام 2020".
وعقدت الصحيفة مقارنة بينها، قائلة: "إسرائيل تستعد الآن لتوقيع اتفاق مع سوريا لا يُعد اتفاق سلام ولا تطبيع، ستحصل دمشق في مقابله على كل ما تحتاجه من رفع للعقوبات وإعادة إعمار الدولة واستئناف العلاقات مع الغرب".
وبناء عليه "يُطرح التساؤل التالي: لماذا ستسعى سوريا لاحقا إلى سلام شامل؟". بل إن الأخطر من ذلك، بحسب الصحيفة، أن "دولا أخرى في المنطقة مثل لبنان والعراق قد تستنتج أنه يكفي توقيع اتفاقيات أمنية مع إسرائيل دون الحاجة إلى سلام".
ولذلك، تخشى أنه "إذا منحت الولايات المتحدة شرعية لهذه الترتيبات الأمنية غير المرتبطة باتفاقيات سلام، فإن هذا السيناريو يصبح ممكنا جدا".
من هذا المنطلق، تساءلت "معاريف": "لماذا تقبل إسرائيل بالتوقيع على اتفاق سيئ ظاهريا، يقيد يديها وهي في موقع تفوق إستراتيجي كامل، ولماذا توافق على الانسحاب دون أن تحصل على مقابل يُذكر؟".
لتجيب قائلة: "يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تتحرك في الملف السوري لخدمة المصالح الأميركية، لا الإسرائيلية".
وأردفت: "فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يقود حملة عالمية لعقد تسويات، تشمل منطقة الشرق الأوسط، فقد أعلن عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بضغط من السعودية ودول الخليج".
وتابعت الصحيفة نقدها للرئيس الأميركي بالقول: "لقد اختار ترامب التنازل في منتصف الطريق بدلا من استغلال لحظة الضعف الشديد التي تمر بها سوريا لفرض اتفاق سلام جدي مع إسرائيل مقابل الانسحاب من مناطق محددة في هضبة الجولان، دون التنازل عنها بالكامل".
ويأتي ذلك على الرغم من أن ترامب نفسه كان قد اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان خلال ولايته السابقة عام 2019.
وبناء على تلك المعطيات، ترى الصحيفة أن "إسرائيل -على ما يبدو- ستضطر إلى التعايش مع هذا الاتفاق المؤقت لسنوات طويلة، وتحمل تبعاته".
واختتمت قائلة: "ما لم يتضمن بندا غير معلن قد يفاجئ الجميع، فإنه لا يعدّ فقط اتفاقا غير ضروري، بل يمثل أيضا خسارة دبلوماسية وفقدانا لأوراق ضغط إسرائيلية في أي مفاوضات مستقبلية مع سوريا".