إندونيسيا والسعودية ومصر.. لماذا تهتم الدول الإسلامية بشراء "قآن" التركية؟

"لا مجال للاسترخاء، فتركيا تلعب بأوراق السياسة والدين والجغرافيا"
في تطور لافت، أصبحت تركيا قوة بارزة في سوق تصنيع وتصدير الطائرات المقاتلة الشبحية، متحدية بذلك الهيمنة الأميركية ومثيرة تساؤلات حول مستقبل الطائرة الصينية "جي-35".
فقد وقعت تركيا، في 26 يوليو/ تموز 2025 صفقة ضخمة بقيمة 10 مليارات دولار لبيع 48 طائرة لإندونيسيا ضمن مشروعها الطموح لتسويق مقاتلة الجيل الخامس "قآن"، ما أحدث، بحسب صحيفة "سوهو" الصينية، "صدمة واسعة في أوساط الصناعات العسكرية الغربية".
وأثار هذا التحول الدراماتيكي تساؤلا لدى الصحيفة: “هل باتت تركيا، التي طُردت من برنامج الـ (إف-35) الأميركي عام 2019 بسبب شرائها منظومة الدفاع الروسية إس-400، لاعبا رئيسا في سوق تصدير الطائرات المقاتلة؟”

صفعة تركية
استهلت الصحيفة الصينية تقريرها مؤكدة أن "هذه الصفقة ليست مجرد إنجاز تجاري لأنقرة، بل إعلان مفاجئ عن تحول تركيا من مشتر إلى مُصنع ومصدر للطائرات المقاتلة المتقدمة".
واستدلت على ذلك قائلة: "فالسعودية تدرس شراء 100 طائرة، ومصر أعلنت مشاركتها في الإنتاج المشترك، إلى جانب باكستان التي وقعت اتفاقية تعاون مسبقا، كما أبدت ماليزيا وأذربيجان اهتماما بالانضمام إلى هذا المشروع الطموح".
ورجَّحت أن هذه الأنباء سببت "قلقا كبيرا لدى المحللين العسكريين الأميركيين في البنتاغون".
"حيث سينظرون إلى تركيا الآن، بوصفها الدولة التي طردت من مشروع إنتاج مشترك لطائرة (إف-35)، ومع ذلك، نجحت في تطوير طائرتها الخاصة، مع مجموعة من أخرى من الشركاء". وفق قولها.
وعقبت الصحيفة: "هذه ليست صفعة على الوجه، بل سلسلة من الصفعات، لا سيما أن المعركة الآن لم تعد معركة فردية، بل أصبحت معركة جماعية لعدد من الدول تحاول الاستقلال العسكري عن الولايات المتحدة".
وأضافت أن "مقاتلة (قآن) التركية، التي بدأ تطويرها عام 2010 وحلقت في أول طيران تجريبي عام 2024، تمثل ثمرة 14 عاما من العمل المتواصل".

خيار جذاب
وعما تتميز به الطائرة التركية عن مثيلاتها من الطائرات، قالت الصحيفة: "تمتلك (قآن) تصميما راداريا منخفضا، ومقصورة أسلحة داخلية، وقدرة على الطيران أسرع من الصوت".
ولفتت إلى أن "كل هذه المواصفات طُورت محليا، بما في ذلك الرادار من نوع AESA، والصواريخ، وأنظمة الطيران الإلكترونية".
وعند مقارنة الجدول الزمني، ذكرت أن "الولايات المتحدة استغرقت 6 سنوات لتصل إلى أول طيران تجريبي لطائرة (إف-35)، وهو نفس المدة تقريبا التي استغرقتها تركيا".
واستدركت: "لكن أنقرة بدأت مباشرة في تلقي الطلبات التجارية، بينما ما زالت (إف-35) تواجه تحديات تقنية بعد أكثر من 20 عاما من التطوير".
أما من حيث السعر، فالفارق كبير؛ حيث "تباع طائرة (إف-35) بسعر يبدأ من 110 ملايين دولار، مع شروط صارمة مفروضة من واشنطن".
بينما في المقابل، "تبيع تركيا طائرة (قآن) بحوالي 208 ملايين دولار للطائرة الواحدة ضمن صفقة إندونيسيا -التي تعاقدت معها تركيا على 48 طائرة مقابل 10 مليارات الدولار- لكنها تقدم مزايا إضافية تشمل نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك وخدمات ما بعد البيع، مما يجعلها خيارا جذابا للدول الشريكة". وفق الصحيفة.
وأوجزت الصحيفة المزايا التركية قائلة: "السياسة التركية لم تقتصر على بيع طائرة مقاتلة فحسب، بل امتدت لتقديم حزمة متكاملة من الحلول، فالمشترون المحتملون يحصلون على ما يريدونه: نقل للتكنولوجيا وإنتاج مشترك، وحتى تسهيلات في الدفع".
وتساءلت: "هل تستطيع الولايات المتحدة تقديم مثل هذه المزايا؟ مستحيل. فالأميركيون يفرضون شروطا صارمة مع طائرتهم (إف-35)، بينما تركيا تقدم مرونة غير مسبوقة".
وأوضحت أن "اختيار إندونيسيا لمقاتلة (قآن) يبدو منطقيا، فواشنطن رفضت بيع مقاتلات (إف-35) لها، أما المقاتلة الأوروبية (يوروفايتر تايفون) فهي مرتفعة الثمن، فيما لا تزال المقاتلة الروسية (سو-57) غير متاحة، وهنا، تدخلت تركيا لسد هذا الفراغ".

لا مجال للاسترخاء
ومع كل هذه التطورات، تساءلت الصحيفة عما إذا كانت المقاتلة الصينية "جي-35" لاتزال تملك فرصة في السوق؟
وأجابت قائلة: "الواقع أن المنافسة أصبحت شرسة، فمن جهة، استهدفت تركيا بذكاء سوق العالم الإسلامي، فالدول التي كانت مرشحة لاقتناء الطائرة الصينية مثل السعودية ومصر وإندونيسيا وباكستان، باتت معجبة بالطائرة التركية".
وأردفت: "ومن جهة أخرى، لا تزال (جي-35) تحتفظ بأوراق قوة مهمة، فمحركها WS-15 دخل مرحلة الإنتاج، وأنظمتها الإلكترونية أكثر تطورا، وخصائصها الشبحية أكثر تفوقا".
والأكثر أهمية من ذلك -بحسب الصحيفة- أن الصين "تمتلك منظومة صناعية مكتملة، من المواد الخام إلى المنتج النهائي، ومن البحث والتطوير إلى الإنتاج الضخم".
"في المقابل، لا تزال تركيا تعتمد على المحرك الأميركي F110، مع وعود بالتصنيع المحلي بحلول عام 2032، وهو أمر لا يزال محل شك". وفق تقديرها.
واستطردت: "وعند التدقيق في تصميم (قآن) ، يبدو أقرب إلى مقاتلة من الجيل 4.5 ترتدي زي الجيل الخامس، فهي لا تزال تفتقر إلى المعايير الكاملة للمقاتلات الشبحية الحديثة".
أما (جي-35)، فإنها من وجهة نظرها "مقاتلة حقيقية من الجيل الخامس، بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
ومع ذلك، تشدد الصحيفة على أنه "لا مجال للاسترخاء، فتركيا تلعب بأوراق السياسة والدين والجغرافيا، وتروج لـ (قآن) على أنها مقاتلة العالم الإسلامي الموحدة"، وهو "تسويق ذكي ومؤثر". حسب وصف الصحيفة.
وترى الصحيفة الصينية أنه لكي تستطيع بكين أن تنافس (قآن) فعليها "التركيز على أوراقها الرابحة وهي: التكنولوجيا والتكلفة التنافسية وجودة الخدمة".
مضيفة: "(جي-35) تقدم أداء حقيقيا لمقاتلة من الجيل الخامس، بسعر أقل، وبمرونة أكبر في التعاون".
ولخصت الصحيفة المقارنة بين الطائرتين بقولها: "تركيا تملك الطموح، والصين تملك القوة".
واختتمت بالقول: "السوق العالمي واسع بما يكفي لاستيعاب خيارات متعددة، لكن من سيحسم المنافسة في النهاية هو الأداء الحقيقي والقدرات الفعلية".