توني بلير.. أي دور قد يلعبه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في خطة ترامب "ريفيرا غزة"؟

"مشاركة بريطانيا في غزو العراق لا تزال تُلاحق بلير وتؤثر على صورته العامة"
أثارت مشاركة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي قاد بلاده إلى حرب العراق، في قمة بالبيت الأبيض حول مستقبل غزة، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وفي 27 أغسطس/آب 2025 اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع صهره جاريد كوشنر، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، لمناقشة "خطة شاملة" لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وأكد موقع "دير شتاندرد" النمساوي مشاركة موظفين من “معهد توني بلير للتغيير العالمي” في مخططات تفصيلية تتعلق بمصير القطاع المدمَّر، بما في ذلك الإعداد لخطط محتملة لتحويل المنطقة إلى “ريفييرا غزة”.

جائزة نوبل
ورأى الموقع في تقرير له أن بلير يسعى من خلال عودته مرة أخرى للمشهد الفلسطيني ومحاولة صياغة خطة شاملة لليوم التالي في غزة، إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام.
مع ذلك، يقدر أنه "من شبه المؤكد أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق لن يكون ضمن المرشحين لجائزة نوبل للسلام لعام 2025".
وعزا ذلك إلى أن "لقاء البيت الأبيض الأخير، الذي حضره بلير إلى جانب ترامب، لم يُنظر إليه على نطاق واسع كخطوة واعدة نحو حل جذري لأزمة غزة، التي تعاني من الدمار والجوع".
وذكر أنه "وإن تحقق نجاح غير متوقع لهذا الاجتماع، فإن الأنظار ستتجه نحو ترامب، الذي يرى بعض المقربين منه، مثل مبعوثه الخاص (للشرق الأوسط) ستيف ويتكوف، أنه يستحق الجائزة".
ونوَّه الموقع النمساوي إلى أن "هذا ليس الإخفاق الأول لبلير في سعيه لتحقيق إنجازات دبلوماسية".
ففي عام 1998، عندما تُوصل إلى اتفاقية السلام في إيرلندا الشمالية بدعم بريطاني وأيرلندي وأميركي ذهبت جائزة نوبل للسلام إلى الإيرلنديين الشماليين جون هيوم وديفيد تريمبل، تاركة بلير وحلفاءه دون تكريم.
ورغم ذلك، يشير إلى أن "بلير لم ينسحب من الساحة الدولية"، لافتا إلى أن "معهده، الذي يحمل اسمه، يوظف أكثر من 900 شخص في 40 دولة، من بينهم رئيسة وزراء فنلندا السابقة سانا مارين".
من هذا المنطلق، يقدر الموقع أن بلير "على دراية بأسماء الشخصيات القادرة والراغبة في تحقيق السلام، سواء من الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي".
ورجّح أن "يكون هذا هو سبب دعوته إلى طاولة واشنطن المستديرة؛ حيث لم يحضر أي مسؤول عربي رفيع المستوى اجتماع ترامب الأخير بشأن غزة".
وذلك على الرغم من أنه بعد تنحيه عن منصب رئيس الوزراء عام 2007، لم يحقق بلير أي نجاح يُذكَر خلال توليه منصب مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط لمدة ثماني سنوات.

خطة تهجير
في هذا السياق، طرح الموقع تساؤلات حول “ما إذا كان بلير وممولوه يسعون للاستفادة من رؤية ترامب المثيرة للجدل لما يسمى ريفييرا غزة، والتي ترتبط بفكرة تهجير الفلسطينيين؟”
وطرح ترامب في فبراير/شباط 2025، فكرة سيطرة بلاده على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد إخلائها من السكان، والذين يمكن حسب تصوره ترحيلهم إلى مصر أو الأردن.
ولاقت الخطة ترحيبا واسعا من اليمين الإسرائيلي المتطرف، لكنها قوبلت برفض عربي ودولي واسع، فيما حذّرت الأمم المتحدة من خطر "تطهير عرقي" في غزة.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 23 شهرا، وتدهور الحالة الإنسانية مع تفشي التجويع، يستمر الغموض الأميركي فيما يتعلق بمستقل إدارة الجيب المحاصر.
وفي حديثه عن إمكانية تورط رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بخطة ترامب، استند الموقع النمساوي إلى ما كشفه تحقيق نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في يوليو/ تموز 2025 عن مشاركة موظفين من معهد بلير في محاكاة خطط مشابهة.
في المقابل، نفى متحدث باسم المعهد هذه الاتهامات، مؤكدا أن المؤسسة تسعى فقط إلى "تحسين أوضاع غزة"، وأنها "لم تطور أو توافق على أي خطة لإعادة توطين السكان".
بل وعلى النقيض من تلك الأنباء المتداولة، كشف الموقع النمساوي أن "وسائل إعلام بريطانية تشير إلى أن بلير حاول خلال الاجتماع في واشنطن توجيه أفكار ترامب نحو مسارات أكثر واقعية".
ويُرجع الكاتب البريطاني أندرو جيمسون دوافع بلير إلى "رغبته العميقة في إثبات أنه رجل نزيه رغم ثروته الضخمة، ويسعى لتبرير نجاحه من خلال العمل السياسي والمبادرات الخيرية".

نفوذ ضخم
وحول قدرة بلير على التأثير على ترامب وقرارته حول غزة، يرى الموقع أن رئيس الوزراء الأسبق "يتمتع بنفوذ كبير".
وقال: "حتى بعد مرور 18 عاما على مغادرته منصب رئيس الوزراء، لا يزال توني بلير يتمتع بنفوذ كبير في قلب الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت".
فالعديد من موظفي شركة "بلير أسوشيتس" ومعهد توني بلير للتغيير العالمي يعملون الآن في الدوائر الحكومية، وفق الموقع النمساوي.
من بين هؤلاء، يبرز اسم فارون تشاندرا، أحد أبرز مستشاري زعيم حزب العمال (ورئيس الوزراء) كير ستارمر، والذي يتولى مهمة ربطه بعالم الأعمال، خاصة أن الأخير يُعرف بقلة خبرته الاقتصادية.
إذ رافق تشاندرا ستارمر في زيارته إلى منتجع ثورنبيري في إسكتلندا للقاء ترامب؛ حيث أُبرم اتفاق تجاري مؤقت بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأشار الموقع إلى الثورة الهائلة التي جمعها بلير خاصة بعد تركه لمنصبه "بطريقة لم يسبقه إليها سياسي بريطاني آخر".
وأضاف: "فقد جمع، إلى جانب زوجته شيري المعروفة بولعها بالصفقات العقارية، ثروة كبيرة تشمل عدة عقارات فاخرة في لندن ومحيطها".
في الوقت ذاته، ذكر أن "مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003 لا تزال تُلاحق بلير وتؤثر على صورته العامة".
ولا تقتصر الانتقادات على ذلك؛ إذ يرى كثيرون أن سعيه المحموم وراء المال، وتوقيعه عقدًا بملايين الدولارات مع بنك الاستثمار الأميركي "جي بي مورغان"، فضلا عن تقديمه استشارات مربحة لأنظمة استبدادية من كازاخستان إلى السعودية، قد ألحق ضررا أكبر بسمعته السياسية.
على صعيد آخر، تطرق الموقع إلى مصادر التمويل التي تتلقاها مؤسسة بلير، مشيرا إلى أن "هذه المصادر غير واضحة؛ حيث لا تنشر مؤسسة بلير سوى قائمة عامة بالجهات المانحة والشركاء، دون تفاصيل دقيقة".
وفي هذا السياق، لفت إلى أن "تحقيقا استقصائيا أجرته صحيفة الغارديان البريطانية كشف أن النظام السعودي تبرع لبلير عام 2018 مبلغا يعادل 10.4 ملايين يورو".