100 طن متفجرات يوميا.. الروبوتات المفخخة سلاح لافت في إبادة مدينة غزة

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن ابتداع أساليب قتل جديدة في حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة؛ حيث بدأ أخيرا حملة تدمير هائلة بواسطة ما يعرف بالروبوتات المتفجرة.

ودمرت هذه الروبوتات آلاف المنازل خلال الأسابيع الأخيرة، شمال القطاع وفي مدينة غزة، كما حصدت أرواح العديد من الفلسطينيين الذين رفضوا النزوح من منازلهم، حتى أتت ودمرتها فوقهم. 

وتنشط هذه الروبوتات الآن في شمال القطاع وبالتحديد في منطقة جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، وفي الجانب الشرقي لمدينة غزة في أحياء الزيتون والصبرة والشجاعية والتفاح وغيرها.

عربات الموت

دخل هذا الأسلوب الدموي الخدمة منذ مايو/أيار 2024، في إطار ما يُعرف بـ"خطة الجنرالات" التي نُفذت شمال القطاع وامتدت لثلاثة أشهر ونتج عنها تدمير كامل لمخيم جباليا وبيت لاهيا ودمار كبير في بيت حانون.

وهذه الروبوتات في الأصل هي ناقلات جند أميركية الصنع من طراز إم 113، كانت في الخدمة حتى حرب عام 2014 قبل أن تتعرض لهجمات المقاومة الفلسطينية.

 ومنذ ذلك الحين، أخرجها الاحتلال من الخدمة وحوّلها إلى آليات مفخخة يجري التحكم بها عن بُعد، بعد إفراغ مقصوراتها وتحميلها بكميات ضخمة من المواد شديدة الانفجار.

تتراوح حمولة الروبوت الواحد بين 4 و7 أطنان من مادة "تي إن تي" أو "سي 4"، وهو ما يؤدي إلى انفجارات هائلة تحدث دمارًا شاملاً في دائرة قطرها ما بين 50 و150 مترًا، كفيلة بتسوية عدة مربعات سكنية بالأرض، مع تدمير عشرات المنازل الأخرى بشكل جزئي.

وكشف المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال يدمّر نحو 300 وحدة سكنية يوميًا في مدينة غزة ومخيم جباليا، مستخدمًا ما يقارب 15 روبوتًا تحمل نحو 100 طن من المتفجرات.

وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، خلال بيان في 3 سبتمبر / أيلول 2025، أن جيش الاحتلال فجر نحو 100 روبوت مفخخ بأحياء المدينة في عدوانه المتواصل منذ 3 أسابيع، ويرى أن ما يحدث يعكس اتباع سياسة "الأرض المحروقة" التي تستهدف البشر والحجر.

وأضاف البيان: "يواصل جيش الاحتلال ارتكاب جرائم ممنهجة وخطيرة بحق شعبنا الفلسطيني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني، من خلال استهداف المدنيين العزّل، بمن فيهم الأطفال والنساء، وتدمير واسع النطاق للمنازل والممتلكات".

وطور الاحتلال روبوتات لا تُفجّر مباشرة، بل تُستخدم كوسيلة لنقل صناديق ضخمة من المتفجرات تُفرّغ في الموقع المستهدف، ليُعاد الروبوت لاحقًا إلى القاعدة العسكرية لإعادة استخدامه في تدمير المزيد من المربعات السكنية.

وتشارك طائرات الكواد كابتر المسيرة كبيرة الحجم، بنقل صناديق مفخخة وتلقيها فوق المنازل، ومن ثم تبتعد وتفجرها، ما يؤدي لدمار المنزل بشكل كامل والمنازل المحيطة به.

وكذلك تلقي ذات المسيرات حمولة من القنابل الحارقة لحرق المنازل المأهولة، حسب ما كشفه شهود عيان تحدثوا لـ "الاستقلال". 

تدمير هائل

صهيب أبو جلال، أحد النازحين من منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة، روى لـ الاستقلال"  تجربته القاسية مع الروبوتات المفخخة، موضحًا كيف اضطر هو وعائلته إلى النزوح نتيجة تقدمها نحو حيّهم.

وأكد أن الانفجارات كانت عنيفة لدرجة أن أجزاءً من منزلهم انهارت بالقرب منهم، ما دفعهم للفرار فورًا نحو غرب غزة بحثا عن للأمان.

وأضاف أن أصعب اللحظات كانت عندما انفجر أحد الروبوتات على مفترق طرق في الصفطاوي شمال القطاع، ما أحدث دمارًا هائلًا بصوت قوي ووهج ولهب كبيرين، مستهدفًا منازل مأهولة بالسكان.

وبين أن العديد من سكان الحي أصروا على البقاء في منازلهم وعدم النزوح إلى جنوب القطاع مهما كانت الظروف، ما دفع الاحتلال لإرهابهم وقتلهم بالروبوتات.

وكشف أبو جلال أن الاحتلال يوجّه الروبوتات خصيصًا نحو المنازل المأهولة بالسكان، مستغلاً قدراته التكنولوجية لتحديدها ثم تفجيرها، مؤكدًا أن المئات في منطقته وفي أنحاء شمال غزة فجرت منازلهم فوق رؤوسهم دون أن يتمكنوا من النجاة.

وتابع أن "الاحتلال لم يقتصر على الروبوتات، بل استهدف الطرق أيضًا لمنع وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني لمساعدة الضحايا، ما أدى إلى استشهاد أعداد كبيرة من المصابين، حتى من لديهم إصابات متوسطة، بسبب غياب الرعاية الصحية بالكامل".

وهذا الوضع المأساوي امتد ليشمل شمال قطاع غزة وشمال المدينة كافة من منطقة الصفطاوي إلى الأحياء الشرقية.

وأشار أبو جلال إلى أنه رغم سياسة تفجير الروبوتات، لا يزال في شمال غزة أشخاص صامدون في منازلهم، يحاولون النجاة بالفرار من منطقة إلى أخرى بهدف البقاء في مناطقهم والعودة إلى منازلهم بعد انسحاب قوات الاحتلال. 

وغالبًا ما يخرج هؤلاء عائلاتهم، النساء والأطفال، إلى المناطق الغربية داخل مدينة غزة، بينما يفضلون البقاء في منازلهم والتنقل داخل الحي دون النزوح بشكل كامل عن مناطقهم، محافظين على صمودهم وسط ظروف صعبة للغاية.

عائلات تحت الركام

أما سعيد المصري، أحد سكان حي الزيتون شرق مدينة غزة، فقد كان موجدا داخل منزله أثناء تقدم الروبوتات المتفجرة في الحي وحوصر مع عائلته لليلة كاملة. 

وقال في حديث لـ "الاستقلال": إنه كان موجدا في منزله عندما بدأت قوات الاحتلال بإطلاق نار كثيف وقذائف مدفعية بشكل مفاجئ على مختلف مناطق الحي، وكانت الخطوة الأولى هي إدخال الروبوتات المتفجرة.

وأضاف سعيد: "الاحتلال استخدم الروبوتات في البداية لترهيب السكان وإدخال الرعب إلى قلوب من رفضوا النزوح، بعد توزيع منشورات تدعو إلى الإخلاء تجاه غرب المدينة".

ورغم القصف المدفعي والجوي، رفض السكان مغادرة منازلهم في البداية، لكن مع تقدم الروبوتات ودخولها عمق حي الزيتون، سادت حالة من الذعر؛ إذ كان الجميع يعلم أن هذه الأجهزة قادرة على تدمير مناطق واسعة من المخيم.

وروى لحظات مأساوية عاشها السكان؛ حيث اقتربت الروبوتات المتفجرة من المنازل مصدرة صوت عالٍ، وارتفعت أصوات بكاء الأطفال وصراخ النساء، في حين كان الرعب يخيّم على الجميع.

وأشار المصري إلى أن الاحتلال حرص في تلك الليلة على تمرير الروبوتات بجانب جميع المنازل، وفجّر أربعة منها في مناطق مأهولة دفنت تحتها العديد من العائلات، ما دفع معظم سكان الحي للنزوح مع صباح اليوم التالي هربًا من الموت.

وكشف أنه بعد نزوح السكان أو الجزء الأكبر منهم، كانت الانفجارات تهز حي الزيتون بشكل يومي، وكان معروفًا أن مصدرها الروبوتات. 

وأوضح الشاب الفلسطيني أنه عندما اقترب من الحي بعد أسبوع من نزوحه، شاهد دمارًا هائلًا؛ إذ دمرت الروبوتات معظم مناطقه خلال خمسة أيام، مقارنة بأسلوب التفخيخ التقليدي لكل منزل على حدة، والذي يستغرق وقتًا طويلًا.

وأشار إلى أنه عند انسحاب الاحتلال مستقبلاً، سيفجع العالم بعدد العائلات التي دُفنت تحت الأنقاض، مناشدا الصليب الأحمر والأمم المتحدة والمؤسسات الطبية كافة بالدخول إلى الحي ومحاولة انتشال جثث الشهداء.

كما كشف سعيد أن الاحتلال دمر أيضًا المنطقة الصناعية والمصانع الواقعة في حي الزيتون والتي أعيد ترميمها جزئيا سابقا، وكانت مصدر دخل لآلاف الغزيين.

أسباب استخدامها

هذه الإستراتيجية العسكرية التي تجمع بين الروبوتات المفخخة والبراميل المتفجرة التي تُلقى من الطائرات الحربية والمسيرات، أدت إلى تدمير شامل للبنية التحتية والمنازل في مدينة غزة وشمال القطاع مع تقدم الاحتلال نحوها من عدة محاور.

ويؤكد مراقبون أن استخدام هذا النوع من الأسلحة يهدف إلى إحداث أكبر قدر من التدمير والتهجير القسري، في إطار سياسة الإبادة الجماعية المستمرة منذ نحو 23 شهرًا ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

ومن جانبه، أوضح المختص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور صالح إبراهيم، أن اعتماد الاحتلال على الروبوتات المتفجرة جاء بعد تكبده خسائر فادحة في أرواح وحداته الهندسية، التي كانت تتولى تفخيخ المنازل الفلسطينية. 

وذكر لـ “الاستقلال” أن مئات الجنود قضوا أثناء هذه العمليات نتيجة استهداف المقاومة لهم وإطلاق القذائف عليهم، ما أدى إلى انفجار المتفجرات التي كانوا يضعونها داخل المنازل، وسقوطهم قتلى وجرحى، الأمر الذي أثار غضبًا داخل المجتمع الإسرائيلي بسبب تكتيك تفجير المباني بهذه الطريقة.

وبين إبراهيم أن "أقسى الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال بعد عملية طوفان أقصى كانت في كمين مخيم المغازي وسط القطاع في يناير / كانون الثاني 2024، الذي قتل فيه 21 جنديًا إسرائيليًا كانوا يعملون على تفخيخ منزلين".

 وفي هذه الأثناء جرى استهدافهم، ما أثار صدمة كبيرة في إسرائيل وذروة المطالبة بوقف العمليات البرية؛ حيث احتجت عائلات جنود الاحتياط بشدة، مطالبة باستخدام القصف الجوي بدل عمليات التفخيخ.

وأشار إلى أن الروبوتات تسهم أيضا في تنفيذ سياسة "الأرض المحروقة"؛ حيث ينتهج الاحتلال التدمير قبل إرسال قواته، في محاولة لتجنّب أي احتكاك مباشر مع المقاومة. 

وأوضح الخبير أن رئيس الأركان الإسرائيلي الحالي إيال زامير، يسعى من خلال هذه الطريقة إلى حماية الجنود، خاصة بعد الفشل الذي اعترف به الاحتلال في عملية "عربات جدعون"، والتي تكبد خلالها خسائر كبيرة نتيجة كمائن المقاومة، وبعضها من مسافة صفر. 

وأكد المختص أن هذه الروبوتات ستكون رأس الحربة في مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتهجير سكان مدينة غزة، المخطط الذي يجرى على قدم وساق مع تقدم آليات الاحتلال نحوها.

وذكر أن الاحتلال يراهن على سياسة القتل الجماعي وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها لإحداث حالة من الرعب تجبر الغزيين على مغادرة المدينة رغم تمسكهم بالبقاء.

وأضاف إبراهيم أنه رغم مراهنات نتنياهو على هذه الأساليب، فإن فرص نجاحها ضعيفة، موضحًا أن الاحتلال استخدم سياسة الأرض المحروقة، والتدمير الكامل، والروبوتات المتفجرة بشكل واسع في شمال القطاع ضمن خطة الجنرالات.

إلا أنه مع كل هذه العمليات، بقي في مدينة غزة وشمالها أكثر من 600 ألف غزي، مما يثبت فشل هذه الخطة في تحقيق أهدافها بالكامل، وفق تقديره.