قمة "تيكاد" نموذجا.. إلى أي مدى يمكن لليابان منافسة الصين بإفريقيا؟

"اليابان تريد إعادة التموضع وتعزيز الحضور في القارة الإفريقية"
في ظل التنافس بين الدول الكبرى على إفريقيا وسعيها لبناء علاقات إستراتيجية تحقق مصالحها الاقتصادية، تقترح اليابان نهجا جديدا لشراكتها مع هذه القارة تحت عنوان "المساعدة التنموية".
ففي مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (تيكاد) 2025 بنسختها التاسعة، والذي عقد في مدينة يوكوهاما بين 20 - 22 أغسطس/آب 2025، أكد نائب رئيس وكالة التعاون الدولي اليابانية ناوكي أندو، تمسك بلاده بنموذج "المساعدة التنموية" بدلا من "المساعدات التقليدية" مع القارة.
وأشار إلى أن إعادة تدوير القروض المسددة من دول آسيوية يتيح هامشا للتحرك دون زيادة الإنفاق، في ظل تراجع الدعم الأميركي والأوروبي لقطاعات حيوية في عدد من دول القارة.
وفي كلمته الافتتاحية بالمنتدى في 20 أغسطس، أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا عن معالم هذا النهج الجديد، والذي يشمل خطة لتدريب 30 ألف شخص بمجال الذكاء الاصطناعي في إفريقيا على مدى ثلاث سنوات.
كما أعلن عن رؤية لإنشاء شبكة توزيع تربط دول القارة وبلدان المحيط الهندي، في إطار مبادرة المنطقة الاقتصادية لهذه الدول؛ إذ تهدف طوكيو إلى جذب استثمارات الشركات اليابانية العاملة في الهند والشرق الأوسط إلى إفريقيا.
وأكد رئيس الوزراء الياباني التزام بلاده بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تُحدث أعمالها تأثيرا اجتماعيا وبيئيا كبيرا، خاصة في مجال الزراعة وتجهيز الأغذية والتصنيع.
وذكر أن اليابان ستقدم قروضا تصل إلى 5.5 مليارات دولار أميركي بالتنسيق مع بنك التنمية الإفريقي لتعزيز التنمية المستدامة في إفريقيا ومعالجة المشكلات المتعلقة بديونها.
وأطلقت اليابان مؤتمر "تيكاد" عام 1993 بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، بهدف تعزيز التنمية والسلام والأمن في إفريقيا، من خلال تعزيز العلاقات في التعاون والشراكة المتعددة الأطراف.

اتجاه إستراتيجي
رأى موقع "japantimes"، في 25 أغسطس 2025، أن اليابان حولت تركيزها من المساعدات إلى الاستثمار في الدول الإفريقية، في وقت تحاول فيه الصين وروسيا زيادة حضورهما في القارة.
وأوضح الموقع أن طوكيو وعدت خلال قمة تيكاد بمساعدة الدول الإفريقية على تطوير 300 ألف عامل، وذلك بالتعاون مع الشركات اليابانية، كما حثت شركاتها على الاستثمار والتوسع في القارة.
وفي هذا السياق، قال الخبير في العلاقات اليابانية الإفريقية بجامعة واسيدا بالعاصمة طوكيو، ساداهارو كاتاوكا، إن "الحكومة اليابانية كانت تريد منذ فترة طويلة دخول المزيد من الشركات اليابانية إلى الأسواق الإفريقية وتطويرها".
وذكر كاتاوكا للموقع، أن عدد القواعد التي أنشأتها الشركات اليابانية الراغبة في التوسع بالقارة، تضاعف من 520 قاعدة عام 2010 إلى 948 قاعدة عام 2023، وفقا لوزارة الخارجية.
واسترسل: "في الوقت نفسه، تشير التقديرات إلى أن الشركات الصينية العاملة في إفريقيا قد أعدّت أكثر من 10 آلاف قاعدة".
كما تعمل روسيا التي تواصل غزوها لأوكرانيا، على تعزيز نفوذها في إفريقيا باستخدام التعاون العسكري كوسيلة ضغط من أجل خلق بيئة دولية مواتية لها، وفق كاتاوكا.
وأشار إلى أن الشركات اليابانية "متأخرة كثيرا عن نظيرتها الصينية، حيث ما يزال الكثير منها مترددا في إدارة أعماله في السوق خوفا من المخاطر المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي وضعف القدرة على التنبؤ".
وتتوقع الأمم المتحدة أن ينمو عدد سكان القارة إلى نحو 2.5 مليار نسمة عام 2050، أي ما يعادل ربع سكان العالم مستقبلا.
وذكر الأستاذ الجامعي أن "الفوائد والمخاطر في القارة وجهان لعملة واحدة؛ إذ سيؤدي النمو السكاني إلى نشوء أسواق عملاقة".
في السياق ذاته، رأت مجلة "the diplomat" المتخصصة في الشأن الآسيوي، أن اليابان تريد إعادة التموضع وتعزيز الحضور في القارة الإفريقية، ليس كجهة مانحة، بل كشريك طويل الأمد، خاصة أن هناك تنافسا دوليا محتدما على النفوذ في القارة الإفريقية.
وأوضحت المجلة خلال تحليل نشرته في 19 أغسطس 2025، أن المساعي اليابانية تأتي بالتزامن مع وجود "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وجهود الغرب المتجددة لبسط نفوذه في إفريقيا، الأمر الذي يعني دخول طوكيو إلى حيز جيوسياسي مزدحم ومعقد.
وأشار المصدر ذاته إلى أن بلوغ صافي الأصول الخارجية اليابانية مستويات قياسية في عام 2024، يجعل البلاد تتوفر على رؤوس الأموال والقدرة على زيادة الاستثمار الخارجي ومنه بإفريقيا، لا سيما في البنية التحتية والتكنولوجيا والتنمية الصناعية.
وذكرت أن اليابان تسعى إلى الاستثمار في مشاريع ذات فوائد اجتماعية واقتصادية طويلة الأجل، مثل أنظمة الرعاية الصحية، والتعليم، والتصنيع المحلي، والمحافظة على البيئة، مشيرة إلى أن هذا النهج يلقى صدى لدى القادة الأفارقة.
وذكرت المجلة أن طوكيو تخطط أيضا لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية من خلال نموذج "الشراكة"، الذي يتجنب عمدا التدخل السياسي.
وأشارت إلى أن هذا الموقف أكسب اليابان مصداقية في جميع أنحاء القارة، خاصة لدى الحكومات التي تخشى المساعدات المقيدة بشروط جيوسياسية.

منافسة الصين
في تحليله لهذه التطورات، توقف دا تشيغانغ مدير معهد دراسات شمال شرق آسيا في أكاديمية هيلونغجيانغ للعلوم الاجتماعية، عند التنافس الذي دخلته اليابان مع الصين على القارة الإفريقية.
ورأى تشيغانغ في مقال رأي نشره موقع "globaltimes" الصيني، 23 أغسطس 2025، أن المشاركة الدبلوماسية والاقتصادية لليابان مع إفريقيا قد تسارعت بسرعة، لكن دون أن تكون في مستوى منافسة الصين.
فقد بلغ حجم تجارة اليابان مع إفريقيا حوالي 24 مليار دولار أميركي في أوائل عشرينيات القرن الحالي. وفي عام 2024، لم تمثل القارة سوى 0.5 بالمئة من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر لطوكيو، وفقا لوزارة المالية اليابانية.
في الوقت نفسه، اقترب حجم تجارة الصين مع إفريقيا من 300 مليار دولار أميركي عام 2024. وتشير تقديرات مؤسسة هينريش إلى أن إفريقيا تُمثل حوالي 15 بالمئة من قيمة استثمارات الصين.
من ناحية أخرى، يقول الأكاديمي الصيني: إن تعاون الصين مع إفريقيا في إطار مبادرة الحزام والطريق حقق نتائج مهمة، ووجد مفهوم "مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك" صدىً بين الدول الإفريقية.
وعلى النقيض من ذلك، لم تُحرز اليابان تقدما يُذكر في السنوات الأخيرة، مع قلة المشاريع الكبرى التي يُمكن عرضها.
ورأى تشيغانغ أنه بدلا من التفكير في عيوبها - مثل النهج المتعالي، وإهمال الأولويات الإفريقية، والتركيز الضيق على "دبلوماسية الموارد" – تركز طوكيو بشكل متزايد على كيفية التعامل مع المنافسة الصينية.
وخلص إلى أن اليابان لا تحتاج إلى استخدام دول أخرى كذريعة لتوسيع تعاونها مع إفريقيا، لأن ما ينبغي عليها اتباعه هو المسار الحقيقي للشراكة: الاحترام المتبادل، والإنصاف والعدالة، والمنافسة الشريفة، والتعاون المربح للجانبين.
من جانبه، أكد الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية والمالية الآسيوية، أنتوني رولي، أن مبادرة طوكيو التي أعلنت عنها أخيرا بشأن المنطقة الاقتصادية في المحيط الهندي وإفريقيا قد تضعها على مسار التداخل والصدام مع مبادرة الحزام والطريق الصينية.
ورأى رولي في مقال رأي نشرته صحيفة "South China Morning Post" الصينية، 23 أغسطس 2025، أن إعادة إطلاق اليابان لمبادرة رئيسة للبنية الأساسية البرية والبحرية تمتد عبر شرق آسيا وإفريقيا والهند والشرق الأوسط، يهدد بوضع طوكيو في منافسة مع بكين بشكل مباشر.
وذكر أن استمرار التنافس بين اليابان والصين والهند على حشد النفوذ الاقتصادي - وإلى حد ما، الإستراتيجي - في جميع أنحاء آسيا وخارجها عبر روابط البنية التحتية يُهدد بتداخل الجهود وهدر الموارد.
و"هذا ناهيك عن مشاكل عدم توافق المعايير الفنية ومعايير الجودة في كل شيء، من مقاييس السكك الحديدية إلى سياسات المشتريات العامة".
وشدد رولي على أن مبادرات البنية التحتية المتنافسة تُلقي ضغوطا على المالية العامة والخاصة، وتُفاقم عجز الموازنة الحكومية التي يتعين تمويلها بزيادة الضرائب أو الاقتراض من أسواق السندات.
وهو ما يُصعّب على المستثمرين تقييم مصداقية أو جدارة مختلف الخطط الائتمانية. كما تُصعّب هذه المبادرات مهمة البنوك متعددة الأطراف في تأييد ودعم هذه الخطط، وفق الكاتب.
وذكر أن المطلوب هو مزيد من التعاون والتنسيق "التنازلي" في مبادرات البنية التحتية. وبين أن سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الانسحاب من الجهود متعددة الأطراف والمشاركة المباشرة في المؤسسات تقدم فرصة لقادة الدول الآسيوية للتقرب من بعضهم البعض.
وأردف: "إذا أمكن ترجمة هذا إلى مزيد من التعاون، بدلا من المنافسة عندما يتعلق الأمر بتوفير البنية الأساسية المتصلة، فسيكون ذلك أفضل للجميع".

أفق مستقبلي
وبالنظر إلى المستقبل، ثمة مجال رحب لتعزيز الحضور الإستراتيجي لليابان في إفريقيا، بحسب ما ترى "مؤسسة البحوث الإستراتيجية" الفرنسية.
وقالت المؤسسة خلال تقرير لها في 19 أغسطس 2025: إن خفض المساعدات الأميركية وانسحاب أوروبا النسبي من مناطق مثل الساحل، ورغبة العديد من الدول الإفريقية الحالية في تنويع شراكاتها، قد تُتيح فرصًا لليابان للاستفادة من أدوات نفوذها.
ولذلك يجب على الدبلوماسية اليابانية أن تتكيف من خلال التركيز على دول وقطاعات مختارة تتوافق فيها مزاياها النسبية بشكل وثيق مع احتياجات شركائها.
ورأى التقرير أن اتباع نهج إستراتيجي مُركّز، يبني على شراكات مع جهات فاعلة ذات توجهات متشابهة، من شأنه أن يُعزز نفوذ اليابان، مُوفرا للدول الإفريقية بديلا متوازنا ومتعدد الأطراف لنماذج النفوذ الإستراتيجي الصينية والروسية.
وتابع أنه "من المهم بنفس القدر تعميق الروابط الثقافية والإنسانية لتحسين فهم اليابان للسياقات الإفريقية المحلية وقدرتها على التكيف معها، عبر تقديم منح دراسية وتبادلات تدريبية وسياسات هجرة أقل تقييدا".
وذكر أن النسخة التاسعة من مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية، توفر لليابان فرصة حاسمة لتأكيد وتعزيز رؤيتها الإستراتيجية في إفريقيا.
وذلك بتحويل حسن النية الدبلوماسية والخبرة المتخصصة إلى شراكات أكثر واقعية وراسخة محليا، تعمل على تعزيز التنمية المستدامة، وتقوية النظام الدولي المتوازن ومتعدد الأقطاب.
بدورها، دعت رئيسة قسم تمويل الشركات وعلاقات المستثمرين في مؤسسة التمويل الإفريقية (AFC)، مودوبي فاماكينوا، إلى معالجة ضعف انخراط البنوك اليابانية الاستثماري في إفريقيا.
وشددت فاماكينوا في تقرير استشرافي نشره موقع "african.business" في 11 أغسطس 2025، أن إحدى الخطوات المقبلة والضرورية تتمثل في إقناع مجموعة أوسع من المؤسسات المالية والشركات اليابانية، بدراسة الفرص المتاحة في إفريقيا.
ورأت أن "مفتاح التقدم في العلاقات اليابانية الإفريقية يكمن في الحوار والتفاعل الميداني".
وأكدت أن هذا ضروري لمساعدة المستثمرين اليابانيين على فهم فرص الاستثمار الإفريقية بشكل أفضل، مقارنة بما يمكنهم الحصول عليه من خلال البحث المكتبي.
وأشارت المسؤولة الاقتصادية إلى أن مؤتمر تيكاد في حد ذاته سيوفر فرصة لفتح المزيد من الأبواب أمام الاستثمار الياباني.
وأعربت فاماكينوا عن "ثقتها الكبيرة" في أن العلاقات بين اليابان وإفريقيا ستستمر في النمو على المدى الأبعد، خاصة إن جرى تجاوز الإشكالات القائمة أمام الاستثمار وحركة رؤوس الأموال.
المصادر
- JICA announces commitment to an Aavishkaar Fund to boost impact investment in Africa and Asia
- Risk reduction key to boosting Japanese investment in Africa
- Japan in Africa: A discreet yet influential partner amid growing international competition
- TICAD 9: Japan’s Renewed Vision for Africa’s Future
- Africa looks to Japan as a source of capital
- Japan should not label China as its ‘imaginary rival’ in Africa
- Macroscope | Why Japan should cooperate with China on infrastructure, not compete