86 بالمئة من أراضيها "مناطق قتال".. صحيفة إسبانية: أين يذهب فلسطينيو غزة؟

"مطلوب من أكثر من مليوني نسمة من سكان القطاع المحاصر التمركز في أقل من 11 بالمئة من مساحة غزة"
تحولت 86 بالمئة من غزة إلى منطقة عسكرية، وهي نسبة مرشحة للارتفاع مع الهجوم الكبير المُعلن على عاصمة هذا القطاع الفلسطيني، ما سيؤدي إلى تفاقم حالة الإبادة الجماعية المستمرة. بحسب صحيفة "إلباييس" الإسبانية.
وقالت الصحيفة: إن التنقل في غزة أصبح مسألة حياة أو موت؛ حيث يعدّ معرفة الطرقات التي يجب السير فيها عاملا حاسما للبقاء على قيد الحياة.
وفي الوقت الراهن، يسيطر الجنود الإسرائيليون الذين يطلقون النار عند استشعارهم وجودا مجهولا، سيطرة مباشرة على أكثر من 75 بالمئة من الأراضي الفلسطينية.
بالإضافة إلى هذه السيطرة، تصنف القوات الإسرائيلية مناطق أخرى من القطاع "مناطق قتال"، مما يعني منع فلسطينيي غزة من الوصول إلى 86 بالمئة من أراضي القطاع.

كارثة وشيكة
ووفقا لحسابات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تعني هذه الأرقام أن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في هذا القطاع المحاصر، يتمركزون بشكل غير طبيعي وغير صحي في أقل من 14 بالمئة من مساحة القطاع.
وتشمل هذه النسبة بعض المناطق في جنوب ووسط القطاع، بالإضافة إلى مدينة غزة وبعض المراكز الحضرية المحيطة بها.
والآن، إذا طردت إسرائيل مليون نسمة يعيشون هناك، مثلما أعلن جيش الاحتلال، بعد إعلان عاصمة القطاع "منطقة قتال"، فسيتوجب على أكثر من مليوني نسمة من سكان القطاع المحاصر التمركز في أقل من 11 بالمئة من مساحة غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى قبل الحملة العسكرية الإسرائيلية، كان قطاع غزة، الذي يغطي 365 كيلومترا مربعا، من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وقد فاقم حصار جيش الاحتلال الوضع بشكل كبير.
وإلى جانب الأرقام الرسمية، تحذر عدة مصادر إسرائيلية وفلسطينية من أن الحسابات التي يصدرها الجيش الإسرائيلي لا تطابق دائما الواقع في القطاع الفلسطيني.
وبحسب خبيري الخرائط؛ عدي بن نون من الجامعة العبرية في القدس ويعقوب غارب من جامعة بن غوريون، فإن العديد من المناطق التي يطلب من سكان غزة الانتقال إليها هي مناطق تصنفها إسرائيل أيضا كمناطق قتال خطرة.
وهو التصنيف ذاته الذي يطلقه جيش الاحتلال الآن على مدينة غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أن مناطق أخرى يصنفها الاحتلال الصهيوني "آمنة" تفتقر في الحقيقة إلى المساحة المناسبة والكافية من أجل إقامة خيام النازحين.
وفي بعض الحالات الأخرى، تكون هذه الأراضي مكتظة بالفعل؛ مما يجعل من المستحيل تركيز الخدمات الأساسية اللازمة التي يحتاجها مليون شخص إضافي.
وفي هذا السياق، قال نزار عياش، رئيس بلدية دير البلح، في تصريح صحفي: "لا توجد أي مساحة في دير البلح تستوعب مزيدا من النازحين". وأضاف: "الوضع ذاته يتكرر في مناطق أخرى بوسط القطاع، وقد يؤدي هذا الواقع إلى كارثة إنسانية وشيكة".

عواقب وخيمة
وأوردت الصحيفة أن رامز الأكبروف، نائب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، يشارك عياش وجهة نظره.
وقال لمجلس الأمن قبل أيام: "بالنسبة لسكان يكافحون الآن من أجل البقاء، تتجسد أسوأ مخاوفهم أمام أعينهم". وتوقع أن "يسفر توسع العمليات العسكرية في مدينة غزة عن عواقب وخيمة".
وفي سنة 2012، أي قبل 11 عاما من بدء الحرب الحالية على القطاع، حذّر تقرير للأمم المتحدة لأول مرة من أن القطاع سيصبح غير صالح للسكن بحلول سنة 2020 إذا لم تعالج المشاكل التي يواجهها المجتمع الفلسطيني بغزة.
وقد حدد هذا التقرير، كغيره من التقارير التي تلته، البطالة والصعوبات الاقتصادية والتلوث كعوامل رئيسة، تفاقمت بسبب الحصار الذي دافع عنه الاحتلال بصفته ضروريا لمنع حماس من إعادة التسلح. في المقابل، يندد القطاع الإنساني بهذه الخطط بصفتها عقابا جماعيا.
أشارت التقارير أيضا إلى عجز البنية التحتية القائمة، من شبكات المياه والصرف الصحي، والمدارس، والمستشفيات.
وأكدت أنها غير قادرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدين في منطقة محاطة بالجدران.
في ذلك الوقت، كان عدد سكان القطاع أقل بحوالي 800 ألف نسمة من عدد سكان القطاع عند اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2023.
وبحلول عامين تقريبا على بدء الصراع في القطاع، ترأس الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا في واشنطن لمناقشة "اليوم التالي" للقطاع، والبحث عن سبل إبرام اتفاق وقف إطلاق نار دائم بين إسرائيل وحماس.
وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماع لم يضمّ فلسطينيين. مع ذلك، حضر ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، وجاريد كوشنر، صهر ترامب، الذي لا يشغل أي منصب رسمي في واشنطن. وقد جمع الثلاثة، بمن فيهم الرئيس، ثرواتهم من مجال التطوير العقاري.
وفي فبراير/ شباط، أعرب ترامب عن إعجابه بإمكانية بناء مدينة سياحية في القطاع إذا ما تم ترحيل السكان الفلسطينيين إلى دول ثالثة، وهو ما عدّه “السبيل الوحيد” لفلسطينيي غزة للعيش بسلام.
ومنذ ذلك الحين، أيد العديد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية المؤيدين لإبادة غزة هذه الفكرة، مشيرين إلى حق الفلسطينيين في "الهجرة".

جريمة ضد الإنسانية
ونقلت إلباييس أن مايكل سفارد، محامي حقوق إنسان إسرائيلي يدافع عن قضايا تتعلق بالتجمعات الفلسطينية في إسرائيل والأراضي المحتلة، يُحذّر من أن "خطط إسرائيل تفتقر إلى أي أساس قانوني".
ويؤكد أنه "إذا أقدمت إسرائيل على تهجير المدنيين قسرا دون الالتزام بإعادتهم إلى المدينة عند انتهاء الحملة العسكرية، فإنها بذلك ترتكب جريمة حرب تتمثل في التهجير القسري".
وأضاف سفارد في اتصال هاتفي: "علاوة على ذلك، بما أننا نتحدث عن مئات الآلاف من الأشخاص الذين سيخضعون لهذا الإجلاء، فقد يُشكل ذلك جريمة ضد الإنسانية".
كما يرى المحامي أن مطالبة إسرائيل الأخيرة لمديري المستشفيات والمنظمات الإنسانية العاملة في مدينة غزة بتفكيك مرافقهم ونقلها إلى جنوب القطاع "أمر فظيع".
ويشير سفارد إلى أن هذه المرافق "تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، تُلزم أطراف النزاع بالسماح لها بمواصلة عملها الطبي، وتسهيله وحمايته".
في المقابل، غالبا ما فعلت السلطات الإسرائيلية عكس ذلك. فقد دمرت عملياتها العسكرية بالفعل، كليا أو جزئيا، 94 بالمئة من المستشفيات، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
كما أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1581 عاملا صحيا، واعتقال أو اختفاء 360 آخرين، وفقا لبيانات وزارة الصحة في القطاع.