جمود الملف.. ماذا وراء احتضان الأردن لمباحثات أميركية بين "قسد" ودمشق؟

"أحداث السويداء انعكست بشكل مباشر على مناطق شمال شرق سوريا"
يكثف الأردن تحركاته الدبلوماسية لمساندة سوريا الجديدة على تجاوز المرحلة الانتقالية وإعادة بناء هذا البلد المجاور الذي أنهكته سنون الحرب.
وفي الفترة الأخيرة شعر الأردن بحدوث انتكاسة في المحاولات لدفع استقرار سوريا نحو الأمام، وجاء ذلك، بعد بروز نزعات انفصالية من السويداء ذات الغالبية الدرزية والتي قادها رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، حكمت الهجري، الذي طلب بشكل علني مساعدة إسرائيل في هذا المشروع.
وبما أن السويداء محاذية لحدود الأردن؛ فإن الأخير رفض أي محاولات انفصال أو تقسيم في سوريا.
كما رفضت عمّان مطالبة الهجري في 17 يوليو/ تموز 2025 بفتح ممرات من محافظة السويداء إلى أراضيها، أو باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي البلاد.
ومنذ اندلاع الأحداث في السويداء، كان الأردن حاضرا وداعما لأي جهد لإنهاء التصعيد، ثم كان بالتنسيق مع الإدارة الأميركية وتركيا صانعا للاتفاق بوقف إطلاق النار (ما يزال هشّا) الذي تمّ بين القوى الاجتماعية في السويداء والدولة السورية الجديدة.

قسد تفاوض
لكن ما كان لافتا هو احتضان الأردن مباحثات أميركية مع “قسد” على أعلى المستويات من قادة الأخيرة.
وأفادت وسائل إعلام مقربة من "قسد" في 26 أغسطس 2025 بعقد اجتماع بين مسؤولين أميركيين والقائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي في العاصمة عمّان، لبحث آليات تعزيز تنفيذ اتفاق 10 مارس/ آذار 2025 بين قسد ودمشق.
ووفقا لما ذكرته وسائل الإعلام، فقد شاركت في اللقاء السيناتور الأميركية جين شاهين وعضو الكونغرس جو ويلسون، إلى جانب المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك، وكذلك إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لهيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا.
وناقش المجتمعون الخطوات العملية للمضي قدما في تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس، حيث أكدت السيناتور شاهين دعم واشنطن المتواصل لـ"قسد"، مشددة على التزام الولايات المتحدة بالشراكة معها في محاربة الإرهاب، وفقا لوسائل الإعلام.
وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقع مع مظلوم عبدي بالعاصمة دمشق، اتفاقا يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
والاتفاق المذكور مؤلَّف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.
وعقب ذلك، عقدت جولات من التفاوض بين دمشق وقسد في مناطق الطرفين لإتمام الاتفاق المذكور.
إلا أن مسؤولين بارزين في قسد كثفوا التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا.
وذكرت وسائل إعلام مقربة من "قسد" منها وكالة "ANHA" في 28 أغسطس 2025 أن الاجتماع الذي ضم وفدا أميركيا يضم السيناتور شاهين وعضو الكونغرس جو ويلسون مع كل من مظلوم عبدي وإلهام أحمد، تناول مسألة الاندماج مع حكومة دمشق ضمن إطار نظام “لامركزي”.
وكان الأردن من أول الدول التي رحبت بـ"اتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية".
وقالت وزارة الخارجية في 11 مارس 2025: إن الاتفاق خطوة مهمة نحو إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن وحدتها وسيادتها واستقرارها، وتحافظ على أمنها، وتخلصها من الإرهاب، وتحفظ حقوق كل أبناء الشعب السوري.
وأكَّد الناطق باسم الوزارة، سفيان القضاة، دعم الأردن لسوريا، واستعداده تقديم كل ما يستطيع من أجل دعم وإسناد شعبه؛ لتجاوز المرحلة الانتقالية التي يريد لها أن تكون منطلقا تاريخيا؛ لإعادة بناء سوريا الوطن الحر المستقر ذي السيادة.
وأوضح أن ذلك يأتي “من خلال عملية سورية–سورية يشارك فيها مختلف أطياف الشعب السوري، وتحفظ حقوقه كافة، وتحميهم من الفوضى والفتنة والصراع”.
"وكيل إقليمي"
ويؤكد مراقبون سوريون أن دمشق ترفض اللامركزية السياسية أو الفيدرالية، بينما المقبول هو اللامركزية الإدارية التي تحفظ لأبناء المناطق حقّ إدارة شؤونهم وتحقيق التنمية المستدامة.
لم يخف الأردن دعواته وترحيبه في آن معا لتسريع اندماج قوات قسد مع الدولة السورية الجديدة.
وضمن هذا السياق، قال الباحث السوري عمار جلو: إن "الأردن أصبح فاعلا دبلوماسيا في ترشيد مرحلة الانتقال السياسي في سوريا، بعد انحسار الموقف التركي ورعايتها للمرحلة الانتقالية من قبل الولايات المتحدة ودول إقليمية وتحديدا الخليجية".
وأضاف جلو لـ"الاستقلال" أن "دخول إسرائيل على الخط بسوريا عقب سقوط الأسد أدى لانحسار النفوذ التركي مما دفع واشنطن إلى التأرجح بين حليفين تركيا من طرف وإسرائيل من طرف آخر، خاصة في ظل تناقض موقفي أنقرة وتل أبيب من سوريا".
وأردف "تركيا تسعى إلى سوريا واحدة موحدة مركزية، بينما إسرائيل غير معنية بذلك بل تسعى لسوريا ضعيفة ومجزأة، لكن الضغوط الأميركية تدفع إسرائيل إلى القبول بسوريا دولة واحدة ضمن نطاق لا مركزي".
ورأى جلو أن "أحداث السويداء انعكست بشكل مباشر على مناطق شمال شرق سوريا؛ حيث نفوذ قسد وعززت موقف الإدارة الذاتية في المطالبة بالإدارة اللامركزية".
وأشار إلى أن "تلك المؤشرات تفيد بأن الأردن أصبح وكيلا إقليميا وشريكا فاعلا في التأثير على المسار الانتقالي في سوريا، سواء لما يعنيه استقرار سوريا للأردن والتداعيات الأخرى".
وذكر جلو أن "الأردن أمام التطورات الجديدة بسوريا بات ينظر له كطرف أكثر قبولا من الإسرائيلي، وربما عمّان قد تكون بديلا عن اجتماع باريس الذي كان سيحتضن اجتماعا بين قسد والحكومة السورية في أغسطس 2025 إلا أنه تم تأجيله".
وأعلن مسؤول الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية قتيبة إدلبي، في 18 أغسطس 2025 إلغاء اجتماعات باريس التي كان من المقرر أن تجمع وفدي الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية".
لكن إدلبي، أكّد أن المفاوضات بين الطرفين ما تزال قائمة، مبينا في مقابلة مع قناة "رووداو" أن دمشق ترفض تكرار نموذج "الدولة داخل الدولة" الذي شهدته دول أخرى مثل لبنان.
ولفت إلى أن الاستقرار في سوريا “لن يتحقق إلا بوجود حكومة موحدة وجيش وطني واحد يشارك فيه الجميع ضمن إطار الدولة”.
وعن سبب رفض الحكومة المشاركة في اجتماعات باريس بعد مؤتمر الحسكة، قال إدلبي: إن “المؤتمر عُقد بصيغة خاطئة منحت منصة لشخصيات مرتبطة بنظام الأسد، وقدّمته في إطار طائفي أو ديني أو عرقي، وهو ما عدته دمشق خطأ في التدبير”.
"بحث الامتيازات"
ويرى جلو أن "تأجيل لقاء باريس بين قسد ودمشق هو نتيجة الضغوط التركية على الحكومة السورية؛ حيث تخشى أنقرة من موقف فرنسي داعم لقسد، وهذا له علاقة بالتنافس الفرنسي التركي في سوريا".
وتضغط تركيا على قسد للاندماج مع الدولة السورية، وإنهاء ملف مخازن السلاح في المناطق المدنية وشبكة الأنفاق الممتدة على الحدود التركية السورية.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني بأنقرة، في 13 أغسطس 2025: إن على مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية التوقف عن المماطلة وأن يلتزموا باتفاق الاندماج مع الحكومة السورية.
وبحسب المراقبين، فإن السويداء تنظر إلى قسد كأحد الفواعل الداعمة لمشروعها في جنوب سوريا.
وضمن هذا الإطار، قال الصحفي التركي المقرب من الحكومة، عبد القادر سلفي، إن السفير الأميركي في أنقرة والممثل الخاص للولايات المتحدة بشأن سوريا، توماس باراك، غيّر لهجته تجاه السياسة الأميركية في سوريا.
وأشار سيلفي إلى أن ذلك حدث عقب لقاء باراك مع مظلوم عبدي. مضيفا في مقاله الذي نشره على موقع "حرييت" التركي في 28 أغسطس 2025 "موقف السفير الأميركي هذا أثار انزعاجا في أنقرة".
وأوضح سلفي أن "إسرائيل تطالب بمنح امتيازات للدروز الذين تسيطر عليهم في سوريا، وتضغط من أجل ذلك عبر الإدارة الأميركية".
وأضاف أن "لإسرائيل يدا داخل صفوف قسد، فيما تضغط قسد بالقول: ما تطلبه إسرائيل من أجل الدروز نريده نحن أيضا".
وتابع قائلا: "هذا هو الوضع الراهن المتعلق بالدروز وقسد في سوريا".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال خلال لقاء جمعه مع زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف وعدد من قيادات الطائفة وفق فيديو بثه مكتبه في 28 أغسطس 2025: إن "مناقشات تجرى الآن" لإقامة منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا وإنشاء ممر إنساني لإيصال المساعدات إلى السويداء.
وقال نتنياهو: "نركز حاليا على ثلاثة أمور: حماية الطائفة الدرزية في السويداء (جنوب سوريا) بل وفي مناطق أخرى أيضا، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد من الجولان (السوري المحتل الذي ضمته إسرائيل) إلى جنوب دمشق وتشمل السويداء، وفتح ممر إنساني لتوصيل المساعدات -من غذاء ومواد بناء وكل ما يلزم- إلى جانب تقديم مساعدات طبية".
اللافت أن الولايات المتحدة ما تزال تدعو “قسد” للاندماج مع سوريا الجديدة، ففي مقابلة مع قناة "كردستان 24" قال السفير باراك في يوليو 2025: إنه في حين يعترف بدور قوات سوريا الديموقراطية في القتال ضد تنظيم الدولة، يتعين عليها قبول "الواقع" المتمثل في أن "الطريق المستقبلي الوحيد لها هو دمشق".
وتتركز 90 بالمئة من ثروات النفط والغاز في مناطق قسد وتحديدا في محافظتي الحسكة ودير الزور والتي يمكن أن تسهم في عودة اللاجئين والنازحين البالغ عددهم نحو مليون شخص.