حملة تحريض على المقاومة في غزة عبر “إكس”.. من أي الدول يغردون؟

تبين أن الحسابات الوهمية أنشئت وكانت تبث من مصر
بعد مرور عامين على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تكشَّفت ملامح شبكة واسعة من الحسابات الوهمية التي دأبت على مهاجمة المقاومة الفلسطينية، وذلك بعدما أظهرت منصة "إكس" الموقع الجغرافي الحقيقي لأصحاب تلك الحسابات.
فخلال فترة العدوان، عملت هذه الحسابات على ترويج روايات تستهدف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مدّعيةً أن الحركة تسببت في معاناة سكان القطاع وفقدان منازلهم وتجويعهم. لكن تبيّن لاحقًا أن هذه المزاعم صادرة من أشخاص لا علاقة لهم بغزة ولا يعيشون فيها أصلًا.
الميزة الجديدة التي أطلقتها منصة "إكس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، والتي تكشف الموقع الجغرافي للمستخدمين، أثارت موجة واسعة من الجدل، بعدما أظهرت عدم تطابق أماكن وجود عدد كبير من الحسابات مع الهويات التي يعلنونها في ملفاتهم الشخصية.
وبذلك، تحوّلت هذه الميزة سريعًا إلى أداة فعّالة لكشف الجيوش الإلكترونية، أو ما يُعرف بـ"الذباب الإلكتروني"، بين الأطراف المتخاصمة في مختلف الدول.

انكشاف المحتالين
وقد أثار قرار منصة "إكس" إظهار مزيد من التفاصيل حول المستخدمين — مثل تاريخ الانضمام والموقع الجغرافي وعدد مرات تغيير اسم الحساب — نقاشًا واسعًا بشأن حدود الشفافية وأثرها على الخطاب الرقمي.
ولم تكن الساحة الفلسطينية بعيدة عن تداعيات هذه الخطوة التي قالت المنصة إنها تهدف إلى تعزيز الوضوح والمصداقية في الفضاء الرقمي. فمع بدء تنفيذ التحديث الجديد، بدأت تظهر فجوات كبيرة بين الهويات المعلَنة لبعض الحسابات والمواقع الحقيقية لأصحابها.
وخلال عامي الحرب على غزة، اشتهرت حسابات تحمل أسماء مثل رنيم العلي، لما العمور، ميس الكرد، رزان الطويل، ديما الحاج وغيرها، حيث لعبت جميعها دورًا بارزًا في قيادة حملة رقمية تستهدف حركة حماس عبر روايات متشابهة ونبرة واحدة.
وقد تشابهت هذه الحسابات في ادعائها أنها تنتمي إلى غزة، كما لوحظ أنّها جميعًا أُنشئت في فبراير/شباط 2024، ما عزّز مبكرًا الشبهات حول كونها جزءًا من شبكة إلكترونية منسَّقة تعمل من خارج القطاع.
وبمتابعة خاصة لـ"صحيفة الاستقلال"، تبيّن أن هذه الحسابات صُنعت وتدار من مصر، بينما دأبت على الترويج للجهود "الإنسانية" لدولة الإمارات بشكل متكرر، في سياق بدا منسجمًا مع حملات دعائية أوسع.
وعلق حساب يحمل اسم “شبكة أفيخاي” على إكس بالقول: “صدعوا راسنا من أول الحرب أنهم بغزة وأكاذيب لا تتوقف من أجل تمرير رسائل سياسية معادية لمقاومة شعبنا، وبالآخر طلعت الحسابات في مصر”.
وركّزت هذه الحسابات على شيطنة المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، مع تجاهل كامل لدور الاحتلال وعدم التطرّق إليه بوصفه الطرف المتسبب بالمأساة الإنسانية في غزة.
واستخدم القائمون على هذه الشبكة صورًا مسروقة لفتيات أنيقات من مواقع الإنترنت، بهدف جذب الانتباه ورفع معدلات التفاعل، بينما اعتمدت الحسابات على خطاب مضلل يتبنّى رواية الاحتلال بشأن المقاومة والمساعدات، مقابل تضخيم دور مصر والإمارات في جهود وقف الحرب وتقديم الدعم، بل واتهام حماس بتشويه صورة البلدين.
وذهب حساب “رنيم العلي”، الذي يعرّف نفسه بأنه “صحفية فلسطينية”، إلى أبعد من ذلك، إذ ربط بين ما يجري في غزة وما يحدث في السودان من مواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، محمّلًا حماس مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، ومكررًا الأسلوب نفسه عبر اتهام الجيش السوداني بقتل المدنيين وإلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين.
وتجاهلت منشوراته الدور الموثّق لقوات الدعم السريع المدعومة إماراتيًا في ارتكاب جرائم قتل وتعذيب واغتصاب بحسب تقارير دولية، وهو ما يعزز ارتباط الحساب بشبكة إعلامية تعمل وفق أجندة إماراتية.
يُذكر أن الإمارات أدانت عملية طوفان الأقصى منذ يومها الأول في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وظلت طوال عامي الحرب تؤكد – وفق تقارير غربية عديدة – ضرورة استبعاد حركة حماس من مستقبل غزة.

إستراتيجية منسقة
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، نشرت منصة "إيكاد" للتحقيقات المعتمدة على “استخبارات المصادر المفتوحة” تحقيقًا موسعًا حول آلية النشر والتفاعل الخاصة بالحسابات الخمسة الرئيسة، كاشفةً عن خصائص تشغيلية مثيرة للشك.
وأظهر التحقيق أن الحسابات جميعها تنشط بكثافة في الفترة الصباحية بين الرابعة والعاشرة، مع بلوغ ذروة النشر عند الخامسة فجرًا، قبل أن ينخفض النشاط بشكل منظم بعد العاشرة. هذا التطابق الدقيق في السلوك دفع المنصة إلى ترجيح أن الحسابات جزء من شبكة تديرها جهة واحدة، وأن النشاط المكثف في الساعات الأولى من النهار يأتي ضمن إستراتيجية لإغراق الجداول الزمنية بالمحتوى مع بداية يوم المستخدمين.
ولفتت المنصة إلى أن تلك الحسابات اعتمدت – منذ ظهورها – أسلوب “الإغراء الأولي” عبر تبنّي خطاب داعم للمقاومة، قبل أن تنقلب جميعها دفعة واحدة إلى مهاجمة حماس وترديد روايات متطابقة مع سرديات الاحتلال. فعلى سبيل المثال، استنكر حسابا "رنيم العلي" و*"رزان الطويل"* في البداية تحميل حماس مسؤولية جرائم الاحتلال في غزة، قبل أن يصفاها لاحقًا بـ”العدو” ويضعاها في خانة واحدة مع إسرائيل في ما عدته المنصة مرحلة اصطياد الجمهور.
وركزت الحسابات الخمسة على نشر سرديات إسرائيلية ثابتة، من بينها أن حماس تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، وأنها تسببت في دمار القطاع وأن قياداتها “تهرب بعيدًا عن معاناة السكان”، إلى جانب تصوير الحركة كـ”سلطة ديكتاتورية”، وهي جميعها خطابات دعاية إسرائيلية تقليدية.
كما حللت "إيكاد" شبكة المتفاعلين مع هذه الحسابات، فوجدت مجموعة فرعية عالية النشاط ترتبط بها بشكل شبه دائم، إضافة إلى مئات الحسابات التي تعمل كمضخمات. وتبيّن أن عددًا كبيرًا من تلك الحسابات أُنشئ في عام 2024، وأن نحو 859 حسابًا تم إنشاؤها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، في مؤشر يعزز وجود جهود منظمة من جهة ما لتضخيم محتوى الحسابات المركزية ودعم انتشارها.
ولطالما حذّرت منصة "الحارس" الأمنية التابعة لحركة حماس من تصاعد نشاط الحسابات الوهمية المعادية التي تستهدف التحريض على المقاومة في قطاع غزة.
وفي بيان مقتضب صدر في مارس/آذار 2025، أكدت المنصة أن وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200 تشرف على إدارة حسابات مزيفة تحمل أسماء عربية وفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي.
وقالت "الحارس": إن الهدف من تلك الحسابات هو التحريض على المقاومة ومحاولة ضرب الجبهة الداخلية عبر بث روايات مضللة تهدف إلى زعزعة الصمود الشعبي وخلق حالة من الإحباط.
ودعت المنصة الجمهور إلى عدم التفاعل مع هذه الحسابات الوهمية أو إعادة نشر محتواها، مؤكدة أنها جزء من حرب نفسية منظمة يسعى الاحتلال من خلالها إلى إرغام الغزيين على الاستسلام.

تفاعلات محلية
أثار بروز اسمي مصر والإمارات ضمن الشبكات المنسَّقة موجة واسعة من التفاعلات على منصات التواصل، حيث طالب ناشطون الدولتين بتقديم توضيحات حول ما يجرى.
وقال الصحفي الفلسطيني ياسر محمد: إن “موقف مصر والإمارات ومعهما السعودية كان واضحا منذ الأيام الأولى للعدوان، عبر إدانة عملية طوفان الأقصى بشكل مباشر أو غير مباشر”
ولفت محمد في حديثه لـ"الاستقلال" إلى أنه "لم يكن مستغربًا أن تقف تلك الدول خلف حملاتٍ تستهدف شيطنة المقاومة، أو على الأقل التزام الصمت تجاه المحرِّضين عليها، رغم أنها فئة مقاتلة تسعى للخلاص من الاحتلال".
وأضاف: "كان يمكن لهذه الدول أن تضغط لوقف الحرب مبكرًا، لكنها تعاونت — بدرجات مختلفة — مع الاحتلال في تنفيذ إبادة جماعية ضد المدنيين تحت ذريعة التخلص من حماس، وهي اليوم تصر على فرض تسليم الحركة لسلاحها".
وأشار إلى أن "الإمارات والسعودية تشترطان نزع سلاح المقاومة وإقصاء حماس من أي دور في مستقبل غزة مقابل تقديم الدعم المالي لإعادة الإعمار".
وتابع: "كان واضحًا منذ البداية أن الحسابات المحرّضة على المقاومة تُدار من خارج غزة، في محاولة لصناعة رأي عام يدفع الناس للخروج ضد المقاومة، لكن ذلك لم يتحقق".
وختم محمد بالإشارة إلى تصريحات سابقة للقيادي في حماس موسى أبو مرزوق خلال الحرب، ذكر فيها أن دولًا عربية طالبت الغرب سرًا بالقضاء على الحركة.
وختم محمد بالقول إن "تركيز الحسابات الوهمية على شيطنة الإخوان المسلمين وربط حماس بهم في كل منشور، يمنحنا مؤشرًا أوضح على الجهات التي تقف خلفها، وهي معروفة بأنظمة الثورات المضادة".
وفي السياق ذاته، تساءل الناشط عز الدين دويدار: "ما مصلحة النظام المصري في تشغيل لجان إلكترونية تبث الإحباط والأخبار الزائفة، وتشكك في المقاومة، وتدّعي زورًا أنها حسابات غزّاوية تعيش داخل القطاع؟" مضيفًا: "لا توجد مصلحة… سوى خدمة مدفوعة للعدو، ضمن سلسلة طويلة من الخدمات".
من جهته، أكد الناشط الفلسطيني محمد عرافات أن "معطيات رصدت أن أغلب الحسابات التي تهاجم المقاومة والمتمركزة في مصر لا تتبع لجانًا إلكترونية مصرية كما يُروَّج".
وأضاف عبر تغريدة على منصة "إكس": "بعد التدقيق، يبدو أنها لجان تعمل لصالح أبوظبي، ويقال إن من يقودها هديل عويس من منصة جسور نيوز، بإشراف مباشر من محمد دحلان، القيادي الفلسطيني ومستشار رئيس الإمارات محمد بن زايد. الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن ميادين القتال".
وبدوره، وصف الصحفي محمد الشريف الحسابات الوهمية التي هاجمت المقاومة خلال الحرب وما تزال، والتي كانت تدّعي أنها من غزة وتعيش معاناة الحرب، بقوله: "تبين أنها لا تعرف عنوان القطاع إلا على الخارطة! سفلة منحطون".















